شاهد بالفيديو.. الفنانة مروة الدولية تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع وهي تتفاعل مع زوجها الذي ظهر وهو يرقص ويستعرض خلفها    ضياء الدين بلال يكتب: نصيحة.. لحميدتي (التاجر)00!    ناس جدة هوي…نحنا كلنا اخوان !!!    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    شاهد بالصورة.. شاعر سوداني شاب يضع نفسه في "سيلفي" مع المذيعة الحسناء ريان الظاهر باستخدام "الفوتشوب" ويعرض نفسه لسخرية الجمهور    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    مصر والأزمات الإقليمية    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية: دمج جميع القوات الأخرى لبناء جيش وطني قومي مهني واحد اساسه القوات المسلحة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    الخليفي يهاجم صحفيا بسبب إنريكي    أسطورة فرنسا: مبابي سينتقل للدوري السعودي!    عقار يلتقي مدير عام وحدة مكافحة العنف ضد المرأة    الداخلية السعودية تبدأ تطبيق عقوبة "الحج دون تصريح" اعتبارًا من 2 يونيو 2024    دورتموند يصعق باريس ويتأهل لنهائي دوري أبطال أوروبا    كرتنا السودانية بين الأمس واليوم)    شاهد بالفيديو.. البرهان يصل من تركيا ويتلقى التعازي في وفاة ابنه    ديمبلي ومبابي على رأس تشكيل باريس أمام دورتموند    محمد الطيب كبور يكتب: لا للحرب كيف يعني ؟!    ترامب يواجه عقوبة السجن المحتملة بسبب ارتكابه انتهاكات.. والقاضي يحذره    مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان (فلّة) جيوب المرابين .. بقلم: أمين محمد ابراهيم.
نشر في سودانيل يوم 20 - 06 - 2009


"باقون هنا، نحن باقون هنا
هذه الأرض من الماء إلى الماء لنا
ومن القلب إلى القلب لنا ومن الآه إلى الآه لنا
كل دبوس إذا أدمى بلادي فهو فى قلبي أنا
هذه الأرض هى الأم التى ترضعنا
وهى السقف الذى نأوي إليه وهى الصدر الذى يدفئنا
وهى الحرف الذى نكتبه وهى الشعر الذى يكتبنا
كلما هم أطلقوا سهما عليها غاص فى قلبي أنا"
سعاد الصبّاح
يسخر أشقاؤنا المصريون من (غشامتنا)، فى التعامل مع المال، أو بالأحرى تصرفنا فيه، ومن ذلك، قولهم أن السودانيين، يشرعون فى تبديد أموالهم، حتى قبل قبضها، فى إشارة إلى قولنا المفتقر إلى الدقة، والمتداول بين العاملين فى القطاعين العام والخاص، على السواء، والمراد به التعبير عن استلام الأجرة المستحقة عن العمل، عند حلول أجلها، فبدلاً من قولنا استلام المرتب، نقول صرف المرتب أو الراتب، مما يعنى وفق دلالات اللغة، أننا بالفعل نخلط بين الاستلام والصرف، وهما نقيضان فى المعنى، لذا فعندما نريد يوم استلام الراتب، فنقول يوم (صرف المرتبات)، أو (فلان صرف المرتب)، بينما يسميه المصريون هذا اليوم، (يوم القبض) ويقولون (فلان قبض المرتب) فالأمر عندهم على خلاف ما عندنا ليس أمر صرف بل أمر قبض. والقبض كما هو معلوم، فى دلالاته الشرعية، يفيد الاستلام والحوز، (بفتح الواو وتسكين الزال). ومن ذلك اشتراط الفقه، لصحة نفاذ عقد الهبة، وترتب آثاره الشرعية عليه، ألا تكون يد الموهوب له، على المال محل الهبة، يد عارضة بل (يد قبض وحوز).
ويفيد القبض لغةً (الموت) أيضا، كقولك (فلان قبض)، (بضم القاف وكسر الباء وفتح الضاد)، أى قبضت روحه، بواسطة عزرائيل ملك الموت. ومن هنا يتضح أن تعبير القبض الذى يستخدمه المصريون، أبلغ و أكثر دقة، بدلالة أن الروح ما بعدها روح، وكذلك المال فلا مال بعده، أى بقرينة عظم وغلاء القيمة فى كل، وهل تداني قيمة الروح (عامة)، والمال عند من يحبه، أى قيمة أخري. مما يستوجب عند محبي المال على أية حال ضرورة قوةً وإحكاماً فى قبض المال، تماثل ولا تقل أبداً عن قوة قبض الروح العزيزة، أولم يصف شاعرنا حبه لمحبوبته فى "أنة المجروح"ً، (بحب الشحيح للمال حب الجبان للروح).
و لا يظنن القارئ الكريم، أن هذه المقدمة تزييد لا علاقة له بالموضوع، بل هي وثيقة الصلة به، لأنه فيما يبدو أن سخرية أشقائنا بشمال الوادي، ووصفهم لنا (بالغشامة)، لم تقع (واطه)، وأن (تريقتهم) علينا، لم تأت من فراغ، ببينة تصديقنا الساذج، لمعسول حديث خبراء الاقتصاد، الذين نعتوا بلادنا يوماً، بسلة غذاء العالم، وتعويلنا علي حكمهم هذا المفرط فى التفاؤل، و (النوم فى عسل) آماله العراض، وأحلامه (الحدادى مدادي)، التى ما انفكت تراود شعبنا المغلوب على أمره، دون انقطاع فى يقظته ومنامه.
و لكي نثبت لكم كيف استحال شعار (السودان سلّة غذاء العالم)، إلى (فلّة جيوب المرابين)، نعود إلى (فلّتنا)، فال (الفلّة) فى لغة بعض أهل السودان، هى النقود (القروش)، وتقابل (الفلوس) لدى المصريين وغيرهم من العرب، والأخيرة لفظة فصيحة مفردها (فلس)، كما تقابل (الفلّة) لدى السودانيين، (المصارى) عند الشوّام، والظاهر أن مصدرها المصاريف. وإلى جانب الفلّة، يتفنن السودانيون فى إطلاق تسميات أخرى على النقود، منها مثلاً (القرطة) وخلافها، ولا علم لى بمصدرها أو مصدر سابقتها (الفلّة)، بيد أنني على يقين تام، بأن ما يعوز السودانيين، أكثر من الإفراط فى إطلاق التسميات على النقود،هو إبداء الحرص المطلوب فى عدم التفريط فيها، والعمل على حمايتها وصونها من التبذير والإهدار، وإحكام الرقابة على مصادرها ومصارفها، لضمان ذهاب المال العام بالذات، إلى ما يحقق المنفعة العامة، وإلا فلا مكان للمال العام، سوى الجيوب الخاصة، للمرابين الماسكين بذمام الأمور فى البلاد، وعندئذ يتصرف فيه سفهاء اللصوص بكافة ضروب تصرفات السفه والعربدة كما سيوضح هذا المقال.
برز شعار السودان سلّة غذاء العالم منذ ان أصابه (نقص فى الثمرات والأنفس)، وتفشت الأوبئة، جراء نقص الطعام، وانتشار أمراض سوء التغذية، وخيم على الأرض شبح المجاعة، وازدادت جيوش المتضورين فيما يعرف بالعالمي الثالث، ويشمل السودان بالطبع. والشعار المذكور لم يكن على سبيل التنجيم أو الرجم بالغيب، بل نتج عن دراسة وافية أجراها اقتصاديو العالم لمعطيات عيانية يتمتع بها السودان، تؤهله لأن يكون كما وصف. وتتمثل هذه المعطيات، فى موارده البشرية المؤهلة والطبيعية الغنية، الصالحة لإنتاج كل أنواع الغذاء الزراعي والحيواني، وقوام هذه الموارد هى المراعى الواسعة لاستيعاب ومضاعفة الثروة الحيوانية الضخمة، وملايين الأفدنة من الأرض البكر بالغة الخصوبة، ومصادر المياه الغنية لكل أنواع الري المعروفة ابتداءً من الدائم من مياه النيل وفروعه المتعددة، ومرورا بالري المطري الذي يعم معظم بقاع السودان، وانتهاء باحتياطيه من المياه الجوفية المخزونة. ويضاف إلى هذه الموارد مناخات السودان المتنوعة، ابتداء من الصحراوي وشبه الصحراوي، ومروراً بالسافنا فقيرها وغنييها وانتهاء بالإستوائى الممطر على مدار العام إلا قليلاً.
ولا شك أن رأى هؤلاء الخبراء من اقتصاديي العالم، له أصل ثابت فى الوقائع والمعطيات المار ذكرها من قبل، وأنها أى الوقائع والمعطيات، قد أخضت لنظر متمكث، وتقص و فحص شامل وتمحيص دقيق، فى ضوء النظريات الاقتصادية، ليقرر الخبراء أن السودان بإمكانياته وموارده البشرية والطبيعية، إذا أحسن استغلالها وإدارتها وتوظيفها يمكن أن يكون سلّة غذاء العالم فعلاً لا قولاً، وحقيقةً لا مجازاً.
ما لم يفطن إليه أحد، ولم يدر بخلد شعبنا (الفضل)، أن هناك دائما، ثمة من يتربص تربص اللصوص والقراصنة لأى مال عام (هامل)، وتتحلب أشداقه لكل مصدر من مصادره، يرى أن يحقق له ثراءً حراما بالباطل، أو بالذي هو أكثر بطلاناً، فيضع مثل هذا الشعار نصب أعينه دائما، ويظل رابطا ومرابطا فى انتظار الفرصة الملائمة، وعندما تواتيه هذه السانحة المرجوة، يهجم هجمة الأسد (المربعن)، لينقض على مصدر الثراء أيا كان، للاستئثار به والانفراد بريعه وحده، فيراكم الثروات ويكتنز الذهب والفضة، على حساب الفقراء والمطحونين فى الفاقة. وأي فرصة مواتية أكثر من انتزاع الحكم غلاباً واغتصاباً، و القبض على مقاليد الأمور ، وإعمال آليات التمكين فى السلطة والوظائف العامة والمال العام، ومقدرات الشعب وأصوله وموجوداته طراً بغير استثناء.
ويدمى القلب بالطبع أن تكون بلادنا الموصوفة، بهكذا صفة ، علقت بها باستحقاق وعن جدارة منذ سبعينات القرن الماضي، بينما شعبنا لا ينفك سواده الأعظم، يرسف فى قيد المسغبة والعوز والفاقة، يتهدده خطر الموت جوعا فى دارفور، وغيرها من حاضر البلاد وبادها. علماً بأن ما لحق بالبلاد والعباد من إملاق ومحاق لا يعزى إلى عوامل الطبيعة، وإن شحّت، بقدر ما يعزى إلى الجشع وفساد ذمم المسئولين، والنهب للمال العام وموارده، والمحسوبية الحزبية، وسوء الإدارة وتعمد عدم العدل فى التوزيع موارد البلاد.
وكأنما لم يكتف من بيدهم الأمر، بما أصابوا من اغتصاب الحكم، والانفراد به لعقدين من الزمان، والاستئثار بمكاسبه لتحقيق مآربهم ومصالحهم الخاصة، على حساب الشعب، بل وكأنما هذا كله لا يكفى لتحويل واقع السودان وشعبه، إلى جحيم لا يطاق تكتوي بشواظ نيرانه الغالبية العظمى من جماهير شعبنا المغلوب على أمره، فإذا بوسائط الإعلام المختلفة، تطالعنا بأنباء بيع ممتلكات وأصول وموارد البلاد من أراضى ومياه، لدول وشركات أجنبية، من وراء ظهر الشعب، (بفلّة) بلغت فى جملتها مليارات الدولارات، ما من شك فى أنها دخلت، جيوب المرابين هؤلاء، الذين استقام لهم أكل السحت وأموال الفقراء واليتامى والمساكين، فأنظر أدناه كيف فعل الذين قايضوا آخرتهم بدنياهم، بممتلكات ومقدرات شعب السودان.
فى يوم السبت، الموافق 31/5/2009م، وفى نشرة إخبار الرابعة صباحاً بتوقيت قرينيتش "السادسة بتوقيت السودان"، أذاع راديو البى بى سى القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية من لندن، تقريراً أعده عدد من العلماء الإقتصاد المختصين، يكشف عن بيع الحكومات الإفريقية لأراضى شعوبها، لدول وشركات أجنبية وأفراد، بينما شعوبها يقعدها الفقر وتحصدها المجاعات، وتتنازع وتقتتل على الموارد إما لشحها أو لعدم التوزيع العادل لها.
وجاء التقرير بعنوان الخرطوم تبيع وبكين تشترى، فى إشارة إلى بيع الحكومة أراضى السودان إلى حكومات ومستثمرين أجانب تحت مسمى الاستثمار، بمليارات الدولارات. (ومن حق الشعب السوداني فى تقديرى، أن ينكر ويجحد ويبطل، عطية من لا يملك لمن لا يستحق هذه، بحسبانها تمت لغير مصلحته ودود علمه ومن وراء ظهره، ومن ثم تقع باطلة لا يترتب عليها أى أثر شرعى أو قانوني، كما من حقه أن يعرف صفة وأهلية من تصرف فى ممتلكاته بغير حق أو سند، وأن يتساءل بالطبع، أين ذهبت هذا المليارات؟؟)، وتساءل معدوا التقرير عن حقيقة هذه الظاهرة الملفتة وهل هى استثمار لصالح الشعوب فعلاً؟؟، أم هى فى الواقع إعادة للاستعمار بشكل جديد؟؟. مع ملاحظة أن الشعوب التى تبيع حكوماتها أصولها من الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة وغيرها من ضروب الاستثمار هى الشعوب التى تعيش على الإعانات والهبات. وذكروا فى مقدمة الحكومات التى باعت وتبيع أصول شعوبها من الأراضي السودان وإثيوبيا.
وفى الموقع الاسفيرى لسودانايل بتاريخ 7/6/2009 كتب أمجد إبراهيم سلمان، تحت عنوان هل يمهد التعديل الوزاري الأخير لبيع خمس أراضى السودان الزراعية ، عن تعرض وزير الزراعة الهولندي السابق السيد/كييس فيرمان للانتقاد لأنه وأثناء وجوده بفرنسا فى أغسطس 2006م، استخدم سيارته الوزارية كي يتفقد مزارعه فى فرنسا، فى طريق عودته إلى هولندا، وذلك لأن استخدام المخصصات الحكومية، فى الأمور الخاصة منهي عنه قانونا. وذكر فى هذا السياق أن القانون الذى يمنع الجمع بين الوظيفة العامة والعمل الخاص، كان ساري النفاذ فى السودان، إلى أن تم التنازل عن حظر الارتباط بين المسئولية السياسية، والمصالح الاقتصادية المباشرة تدريجياً، إلى أن وصل الحال فى الزمن الحالي أن كل وزير أو مسئول له شركات تنشأ خصيصاً لتقديم خدمات للوزارة التى هو على رأسها، فمثلا هناك مسئولون فى الداخلية لهم شركات للأمن يمنحوا بوفقها تصاديق خارج إطار العطاءات والمنافسات، كم يخلق المسئولون شركات كي يقدموا لهم تسهيلات تساهم فى ثرائهم المباشر، حيث أن شركات نظافة بعض المؤسسات لها علاقة مباشرة بمسئولين فى بنك السودان. كما أن الولاة فى المدن المختلفة لهم شركات تقدم خدمات كالنظافة وغيرها وتتبع لهم مباشرة، وبالطبع تتم عطاءات هذه الشركات، بصورة ممعنة فى السرية ومفرطة فى الغموض حتى لا يستبين الرأي العام ما هى المبالغ التى سددت لهذه الشركات؟؟. وما هو هامش الربح فى هذه الصفقات المشبوهة؟؟
وعلاوة على ذلك جاء فى المقال ما يلى:" أوردت قناة الجزيرة القطرية أن السودان بصدد طرح مشروعات زراعية للاستثمار، بقيمة 45 مليار دولار، ولم يعان عن المستثمرين ولا عن هوياتهم، ولا عن تفاصيل التى تم عقدها، ولا عن مواعيد تسليم العطاءات.. إلى غيرها من التفاصيل المهمة فى صفقات تعادل اقتصاد السودان لسنوات".
وأضاف الأستاذ أمجد قوله:" أفردت مجلة الايكونوميست فى عددها الصادر بتاريخ 23/5/2009م، موضوعين كاملين عن سياسات الاستعمار الزراعي الذى يتحرك بهدوء للسيطرة على الأراضي الزراعية فى العالم الثالث، وخاصة إفريقيا. وأبطال هذا الاستعمار الجديد هم دول مثل السعودية والكويت والصين وكوريا الجنوبية، فقد ذكر المقال أنه تم الاستيلاء على أراضى زراعية بقيمة 20 إلى 30 مليار دولار، الدول التى تنازلت عن هذه الأراضي كم ذكر التقرير، هم دول نمثل السودان وإثيوبيا والكنغو وباكستان. كم أورد التقرير أنه فى السودان فقط وقعت كوريا الجنوبية على صفقة لاستثمار 690.000 هكتار واستحوزت الإمارات العربية بموجب صفقة أخرى 400.000 هكتار، واقتطعت مصر لنفسها 400.000 هكتار لزراعة القمح. وصرح أحد المسئولين السودانيين للمجلة أن حكومته ستتيح 20% (خمس) أراضيها الزراعية للدول العربية للاستثمار.
الغموض الذى يكتنف تصرف فى ثروات السودان حاليا، وتردى الخدمات، وتدنى مستوى معيشة الفرد، مع أن دخل البلاد قد تضاعف أكثر من أربع مرات فى السنوات الماضية، يجعل من العسير التفاؤل بنتائج السياسات الحالية الخطورة الأكبر أن القائمين على أمر السودان اليوم، يبيعون أراضى لا يملكونها وسيؤدى ذلك عاجلاً أنم آجلاً سكانها أيضا حتى الفيافي الخالية من السكان...إلخ، إنه فعلاً عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، ويجب على سكان السودان أن يفيقوا من غيبوبتهم سريعا...إلخ".
وكتب فى ذات الموقع الاسفيرى، (لسودانايل 9/6/2009م)، ستيفن لييهى/انتر بريس سيرفيس، وانكوراج: الولايات المتحدة: آي بى إس، تحت عنوان: السودان يتصدر قائمة الدول التى باعت أو أجّرت أراضيها لجهات أجنبية، ما يلى:" اشترت حكومات دول غنية وشركات عالمية حتى الآن أكثر من 20 مليون هكتار من أراضى بلدان العالم الثالث، وهى المساحة التى تعادل ربع الأراضي الزراعية فى أوربا. ويتصدر السودان قائمة الدول التى باعت أو أجّرت أراضيها لجهات أجنبية. فقد صرّح جواكين فون براون، مدير المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، أن الدول الغنية تحتاج إلى أراضى ومياه، إنما تبحث عن أراضى زراعية تكفل لها ضمان أمنها الغذائي. ونبه إلى انعدام الشفافية فى مثل هذه الصفقات".
وفى ذات الموقع الاسفيرى، (لسودانايل 14/6/2009م)، كتب كمال الدين بلال من لاهاي، مقالا بعنوان خيرات الأراضي الزراعية السودانية للأجانب، أورد فيه ما يلى:" أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تقريراً حول ظاهرة استحواذ بعض الدول الغنية لأراضٍ في دول أفريقية فقيرة، وجاء التقرير بعنوان (اغتصاب أرض أو فرص تنمية؟)، حيث حذر من الآثار السلبية لظاهرة منح حكومات أفريقية (من ضمنها السودان) لمساحات كبيرة من أراضيها لحكومات دول غنية أو شركات مدعومة من تلك الحكومات بهدف استثمارها زراعياً وذلك مقابل وعود خميرة بتشييد بني تحتية وزيادة فرص العمل للمواطنين المحليين. وأشار التقرير إلى أن كلاً من الصين وكوريا الجنوبية ودولاً خليجية اشترت خلال الأعوام الخمسة الأخيرة ما يعادل (2,5) مليون هكتار (الهكتار يساوي 10 كيلومترات مربعة) من حكومات السودان وإثيوبيا وغانا ومالي ومدغشقر مما جعل البعض يتحدث عن نوع من الاستعمار الجديد، خاصة وأن بعض الدول المستثمرة تشترط قدوم عمالتها لفلاحة الأرض، هذا إضافة إلى أنه قد يأتي زمن ترسل فيه الدول المستثمرة قوات عسكرية لحماية مصالحها الاقتصادية.
ركز التقرير على خطورة هذه الظاهرة على حقوق السكان المحليين في تلك المناطق في ظل تغييبهم عن آليات صنع القرار حول مستقبل مناطقهم وعدم الحصول على موافقتهم المسبقة على تلك المشاريع وتسوية أوضاع المتضررين منهم وعدم تخصيص جزء من الفوائد المرجوة من تلك المشاريع لصالح إعمار المنطقة. وخلص التقرير إلى أن معظم الدول الأفريقية التي دخلت بجموح في اتفاقات من هذا النوع ليس لديها آليات كافية لحماية حقوق المواطنين الأصليين لتلك المناطق، حيث إن قوانينها ليست متطورة بما فيه الكفاية للتعامل مع هذه الظاهرة الجديدة، كما يضعف فيها مستوى الشفافية بشأن توافر المعلومات للرأي العام، وتضعف فيها الرقابة المؤسسية على عقود البيع وحيازة المنفعة للأراضي. وأشار التقرير إلى أن دوافع الدول الغنية من عمليات الاستحواذ هذه تتمثل في ضمان أمنها الغذائي في ظل الفجوة الغذائية العالمية وارتفاع أسعار الحبوب وحاجتها للوقود العضوي كبديل للنفط إضافة لاقتناص فرص الربح السهل. والمفارقة في مقابل ذلك أن كل الدول الفقيرة التي تفرط في أراضيها ما زالت تتلقى الدعم المالي من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.
هنالك تقارير غربية غير مؤكدة تشير إلى أن السودان أبرم اتفاقات منح بموجبها الصين وكوريا الجنوبية والسعودية والإمارات ومصر آلاف الهكتارات لفترات قد تصل إلى (99) عاماً، وفي مقابل ذلك نجد أن تراجع أسعار النفط واستحقاقات السلام زادت ضغوط الميزانية العامة للسودان. وكل الذي نخشاه أن يكون إسناد وزارة الزراعة والغابات للدكتور عبد الحليم المتعافي الذي أشتهر إبان توليه منصب والي الخرطوم بعقليته الاستثمارية خطوة نحو مزيد من بيع الدولة للأراضي الزراعية للشركات والحكومات الأجنبية وذلك دون مراعاة لحقوق الموطنين الأصليين....إلخ. وهذا التخوف على مستقبل الأراضي الزراعية في السودان مبرر إذا وضعنا في الاعتبار أن جودة عثمان سليمان وزير الزراعة والثروة الحيوانية بولاية الخرطوم صرح لصحيفة (الوطن) السعودية بتاريخ 24/5/2009 (بأنَّ خطة وزارته للمشروعات الزراعية المطروحة للاستثمار في ولاية الخرطوم وحدها تبلغ «45» مليار دولار). وعلى المستوى القومي صرح دكتور عمر عبد الوهاب أمين دائرة التشريع والإصلاح المؤسسي بالنهضة الزراعية لصحيفة (الرأي العام) بتاريخ 21/5/2009 (بأن التشاور جارٍ للوصول لاتفاق حول خصخصة المشروعات الزراعية القومية المتمثلة في مشاريع الرهد وحلفا والسوكي). وفي نفس السياق وبالرغم من نفي المتعافي لنيته بيع مشروع الجزيرة إلا أنه قال في تصريحاته الصحفية تلك بتاريخ 31/5/2009 (إن المشروع به «110» آلاف مزارع و«110» آلاف مشكلة)، وزاد قائلاً: (لو لقيتوا مشتري جيبو لينا).
فهل عرف السودانيون (عامة)، ما يحاك لهم ولمواردهم فى ظلام ليل المشروع الحضاري البهيم، وهل أدرك المتضررون (خاصة)، من مشاريع بناء السدود، فى ولايتي الشمالية والنيل، لماذا كل هذا السعي المحموم لإقامة هذه السدود، وإغراق أراضيهم بما عليها، من دال شمالا وحتى الباوقة جنوباً، دون الالتفات حتى إلى مبررات رفضهم، أو دون إعارة رفضهم و واحتجاجهم أى قدر من الاعتبار ؟ وهل خبرتم سادتي لماذا التكتم على الأسباب الحقيقية الداعية لإقامة هذه السدود؟ و صمت أولى الأمر عن ضرورتها الاقتصادية؟ وتعتيمهم (المشبوه) على نواياهم الفعلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.