نعيد إلى الأذهان واقعة الشاب الصيني الذي باع كليته مقابل 22 ألف ين (3,900 دولار)، وذلك حتى يتمكن من شراء جهاز آيباد 2 و جهاز آيفون 4. ولعلي وقتها قلت لنفسي أن ذلك المراهق الصيني قد عزّ عليه أن يقتني رفقاؤه تلك الأجهزة العصرية، فلم ير بأساً من أن يجاريهم ف "يقتطع قطعة من لحمه" لإرضاء تطلعاته الصبيانية. ولعله يبيع كليته الأخرى ويختار الغسيل الكلوي ليواكب أحدث ما تطرحه الأسواق من أجهزة إلكترونية متطورة ! وفي نفس تلك الفترة، كان هنالك لغط يدور بشأن ذلك الشاب السوداني الذي باع كليته "أو تبرع بها" - حسب إفادته – لفتاة سعودية يعمل أخوه لدى والدها كعرفان بالجميل وذلك لما يتلقاه اخوه من معاملة طيبة لدى كفيله السعودى – على حد قوله – مما ينفي ما تناولته المقابلات والتحقيقات الصحفية التي أجرتها معه صحيفة "الوطن"، والتي تشير إلى أن الأمر لا يعدو كونه عملية بيع وشراء ... شاب باع كليته لفتاة سعودية لقاء مبلغ معين من المال. على أن الشاب بدوره قد نفى ما أوردته صحيفة "الوطن"، بل ذهب إلى حد التهديد برفع الأمر للقضاء على ما اعتبره قذفاً في حقه و حق أسرته. وفي ذات السياق، أعلنت "سوزان مأمون حميدة" مديرة مستشفى "الزيتونة" الاستثماري الذي تتبع ملكيته لوالدها الدكتور "مأمون حميدة" وزير الصحة بولاية الخرطوم، أعلنت قانونية الإجراءات التي اتُبِعَت مع الشاب المتبرع بما في ذلك التحقق من الأوراق الثبوتية مع إفادة من المحكمة الشرعية تفيد بعدم وجود بيع وشراء وأن الشاب قد تبرع بالكلية كهبة و لم يستلم أي مقابل، ما يعني عدم وجود إكراه أو ضغط عليه من أي جهة. والآن طفت القضية على السطح من جديد بعد أن نشرت الصحف أنباء تفيد بأن المباحث المركزية قد شرعت في التحقيق مع مديرة مستشفى "الزيتونة" وكافة الأطراف المعنية. وقد يطرح هذا سؤالاً عما إذا كان هنالك قانون يحكم مسألة البيع أو التبرع بالأعضاء البشرية، وما إذا كان تنفيذه يتم تحت إشراف المجلس الطبي؟..و..إلى جملة من التساؤلات المتعلقة بحقوق المتبرعين والمستفيدين. إن الضجة المصاحبة لهذه القضية تدفع إلى التفكير في أمر تلك الشريحة البائسة من الذين قذف بهم العوز والحاجة .. والجوع.. إلى "القاهرة" حيث المركز الرئيسي لتجارة بيع الأعضاء البشرية في المنطقة، لتتلقفهم هناك مافيا تجارة الأعضاء البشرية. ويدير تلك المافيا في الخفاء من يُطلَق عليهم مجازاً سماسرة الأعضاء، وهم في حقيقتهم وحوش آدمية معدومة الضمير والإنسانية تتخذ من المقاهي مراكز لعقد الصفقات المجحفة بمنأىً عن القانون، فيستغلون سذاجة وقلة خبرة القادمين من السودان وتلهفهم على جنيهات تدفع عن أسرهم غائلة الجوع ولو مؤقتاً، فيشترون الكلى بأسعار بخسة تقل كثيراً عن الأسعار الفعلية. ومن المفارقات العجيبة، أن "العنصرية" قد وجدت طريقها أيضاً إلى هذه السوق حيث يرتفع سعر الكلية الاردنية عن نظيرتها السودانية. يعود "البائع" الى بلده وقد طوى بين أصابعه جنيهات معجونة بمرارة الفقد...الفقد لجزءٍ عزيزٍ من جسده اضطرته الظروف للتخلي عنه قسراً .. أقول قسراً، لأن الإنسان عندما يهب كليته بكامل إرادته الحرة لأحد أفراد أسرته، أو يتبرع بها بدافعٍ إنساني لمحتاج فإنه يشعر بالسعادة والرضا عن نفسه، وهو يهب الآخرين ما يكفيهم مؤونة ومشقة التردد على المستشفيات لغسيل الكلى، خاصة في ظل هذه الظروف التي أصبحت فيها عملية غسيل الكلى محفوفة بمفاجآت غير سارة. وما مظاهرات مرضى الكلى أمام المستشفى الجنوبي بالخرطوم (عقب رفض التقنيين القيام بغسيل الكلى بسبب عدم استلامهم لرواتبهم وتعطل غالب اجهزة الغسيل)، أو المظاهرات التى اعقبتها بمستشفى مدني أياً كانت دواعيها وأسبابها، إلا مؤشر خطير يسلب مرضى الكلى الشعور بالأمان ويزرع في نفوسهم القلق مما قد تأتي به الأيام المقبلة في ظل تدهور الخدمات الصحية واللامبالاة من قبل المسؤولين.