عودة 710 أسرة من ربك إلى ولاية الخرطوم    تايسون يصنف أعظم 5 ملاكمين في التاريخ    دورات تعريفية بالمنصات الرقمية في مجال الصحة بكسلا    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: الدور العربي في وقف حرب السودان    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    نقل طلاب الشهادة السودانية إلى ولاية الجزيرة يثير استنكار الأهالي    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    دبابيس ودالشريف    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع الاعتذار للدواب .. بقلم: الهادي هباني
نشر في سودانيل يوم 11 - 07 - 2012

ضحكت حتي بانت النواجذ و لا زِلت أضحك كلما تذكرت حديث أحد الأصدقاء القادمين من السودان و هو يحكي لي نقلاً عن أحد ظرفاء السودان قصص بعض أجمل الكاركاتيرات التي أفرزتها سرعة بديهة المبدعين في الصحف السودانية علي ضوء إعفاء البشير لعدد من الدستوريين قبل جمعة الكَتَّاحة حيث يصوَّر الكاركاتير الأول أحد الدستوريين الذين شملهم القرار مُطلِقاً لحيته الكثيفة و مرتديا جلابيته و عمامته و ملفحته و مركوبه من جلد النمر الطبيعي بعد أن تم إعفائه و تجريده من مخصصاته و سيارته الفارهة و هو متخفيا يحاول ركوب إحدي حافلات المواصلات العامة دون أن يراه أحد من الناس فَيَشمت فيه و يُفضَح أمرِهِ و يُصبح مَسخرة أمام الملأ فصادف أحد الغلابة الكادحين مُصَوَّر في هيئة رجل نحيل كادح (حالته شلش) رُمِز له في الكاركاتير ب "محمد أحمد الغلبان") و أَسرَّ له بمحنته فأجابه محمد أحمد الغلبان بكل عفوية و براءة و سرعة بديهة و خفَّة دم (مافي مشكلة يا زول أركب بس الحافلة و قول للكمساري "أنا دستوري نازل في الخرطوم 3) ،،،
بينما صوَّر الكاركاتير الآخر الدستوري بنفس الهيئة السابقة و هو يتحدث إلي محمد أحمد الغلبان و هو مُصَوَّر هذه المرة علي خلاف الهيئة السابقة بمظهر هيكل عظمي و هو يوجه سؤاله البرئ بأسلوب يحاول فيه (مجاراةً لهيبة الدستوري الماثل أمامه) التحدث بلغة الدستوريين و رجالات الدولة (ماذا فعلتم في هيكلة المواطن السوداني؟) ،،،
و لكنني ضحكت أكثر عندما تناولت الأسافير السودانية خبر إستقالة أحمد إبراهيم الطاهر رئيس برلمان المؤتمر الوطني (غير الشرعي) من منصبه و الذي أصبح خلال فترة رئاسته للبرلمان من أصحاب الأملاك و المخصصات الشهرية التي تتجاوز مخصصات رئيس البرلمان الأوروبي بجلالة قدره و التي تناقلتها الصحف و الأسافير و مجالس السودانيين التي لا تعرف الأسرار (بعد أن كان حتي قبل بضع سنوات مجرد محامي مغمور في الأبيض ضل طريقه للنجاح المهني) و هو يحاول تصوير أمر إستقالته كمكرمة و تضحية من أجل الغلابة ضمن مسرحية الإفك و الفشل التام (التي أسدل ستارها طريد العدالة الدولية "المشير" و طغمته) و هي في حقيقة أمرها خطوة مكشوفة لا تخفي علي أحد لترتيب هروبه و نفاده بجلده من غضب الشعب السوداني و إنتفاضته الشعبية الشاملة التي تتسع يوما بعد يوم مدفوعة بالواقع الإقتصادي المذري و ضنك العيش و الفشل التام للحكومة في السيطرة علي الأوضاع و المسك بذمام الأمور و هي تنتشر بوتيرة منتظمة و مسرعة في العاصمة و الأقاليم إنتشار النار في الهشيم و لسان حالها يقول (لا نستثني أحداً) ،،،
فقيادات الدولة و منسوبي المؤتمر الوطني بما فيهم الدستوريين يعيشون هذه الأيام، في ظل إتساع حركة الجماهير التي تُبشِّر بصيف ساخن و (مطره حدّها النخرة كما يقولون و كتاحة ملؤها مَلحٌ و تُرابٌ مُحمرٌ بأسه و رياحٌ خُمَاسِينيةٌ لا تُبقِي و لا تَذر)، حالة من الذعر و الهلع و التململ هي أشبه بحالة الدواب التي عُرِفت بأنها تحس بتحركات باطن الأرض و تستشعر قرب إنفجار الزلازل و البراكين قبل البشر و تبادر بالرحيل بحثا عن ملاذ آمن قبل وقت كافيٍ و هذا ما حدث في كل الإنفجارات الأرضية الشهيرة و آخرها تسونامي التي كانت فيها الدواب من أوائل الناجين.
و لعل الدواب قد إمتلكت تلك الخاصية حيث أنها، دائما، و بحكم طبيعتها، تستغل فرصة إنشغال البشر بالبحث و الإبتكار من أجل تعمير الأرض، و تظل رؤوسها في أغلب الأحيان مدنسة صوب الأرض بحثا عن خيراتها و كنوزها مستغلة في ذلك كل ما وهبها الرحمن من حواس الشم و السمع و البصر ،،، فالهم الأول للدواب هو البحث عمَّا تَسِدُ به حاجتها غير المتناهية من الرزق و تأمين قوتها و قوت عشيرتها و لذلك فإن الله عز وجل لم يعرض عليها الأمانة و إنما عرضها علي السماوات و الأرض و الجبال و الإنسان كما جاء في قوله تعالي ،،، (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) ،،، صدق الله العظيم
و لذلك فإن الدواب لا تؤتمن و لا يؤمن جانبها ،،، و أن خاصية الوفاء لدي بعض الحيوانات الأليفة هي من صنع الإنسان و إبتكاره و قدرته علي تطويع موارد الأرض من أجل تعميرها و لكنها ليست خاصية موجودة في طبيعتها ،،، فهي تكون وفية لصاحبها و سيدها بقدر ما يكون هو قادرا علي تأمين قوتها و إشباع رغباتها و لكن عندما يقطع سيدها عنها هذا الرزق أو يكون الخطر الماثل أمامها يهدد
وجودها فهي ترحل عن سيدها و هي تلهث و تتركه أيضاً لوحده و هو يهذي و يلهث مَثَلَهم (كما صوَّر لنا المولي عزَّ و جلَّ في قوله تعالي في سورة الأعراف الآية 176) كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ،،، (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ،،، صدق الله العظيم
لن تقف محاولات هروب سدنة النظام الفاسد عند مسرحية إعفاء الدستوريين و المستشارين أو إستقالة أحمد إبراهيم الطاهر أو تقليص الحقائب الدستورية و إعفاء بعض الوزراء و غيرهم من الطفيليين الذين ظلوا خلال ال 23 عاما الماضية يمتصون دماء شعبنا و يعيشون علي قوته دون أن يقدمون له نفعا فهم في حقيقة أمرهم لا يجيدون في حياتهم غير التطبيل لقيادات الطغمة الفاسدة و التَمَسُح بعروشها و قصورها كأنها بيوتا لله يجترّونُ أسمائها حمداً و تلبيةً آناء الليل و أطراف النهار يكبِّرون بتكبيرها و يهللون بتهليلها دون وعي في حالة أشبه بحالات الزار في غيبوبة كاملة معزولين تماما عن الواقع الذي يعرفه شعبنا و يكتوي بنيرانه و جحيمه و مصيره المؤلم و كأنهم في جزيرة معزولة عن العالم تماما مثل قصة "الشيخ و التبروكة (المُصلايَة)" التي كانت تُحكَي لنا في الصِغَر من قبل (الحَبُوبَات) و هي تروي قصة الشيخ الذي إفترش تبروكته في البحر و هو ممسكا بسبحته اللالوبة هائما في ملكوت الله ،،، و أخذت التبروكة تمهر به عُباب البحر تُصارع الأمواج حتي إنتهي به المطاف إلي جزيرة خضراء معزولة يسكنها أناس معزولين عن العالم لا يعرفون لا دين و لا بشر فقرر الشيخ أن يجود عليهم بدينه و عِلمِهِ فيُعلِّمَهم الصلاة (بعد أن إعتقدوا فيه و سُحِرُوا بوقاره و سيماء و جهه و حديثه المعسول) فإقترح عليهم صُنع تبروكة كبيرة من جذوع و أفرع الأشجار لتسع الجميع و عندما إنتهوا من صُنعها قال لهم سوف أبدأ الصلاة و عليكم، لتتعلموها جيدا و تحذقونها عن ظهر قلب، أي كلمة أقولها لكم ترددونها من خلفي بأدب جم و خشوع دون أن تنظروا حولكم ،،، و أي حركة أقوم بها عليكم بتكرارها خلفي دون أن ترفعوا رؤوسكم ،،، فأجابوه سمعا و طاعة ،،، ثم بدأ الصلاة (الله أكبر و الجماعة من خلفه ،،، الله أكبر ،،، سمع الله لمن حمده ،،، و الجماعة من خلفه سمع الله لمن حمده ،،، و عندما سجد السجدة الأولي قُبِضَت نخرته المميزة (أي أنفه) بين نسيج أفرع الأشجار الشائكة الذي صُنِعَت منها التبروكة و بعد محاولات عدة (و السجدة طالت) لم يستطيع فك (نخرته) من المحنة التي وقع فيها و أنسته مناسك صلاته و أدعيتها فلم يجد بُداً من الإستنجاد بالجماعة فبدأ يصرخ بأعلي صوته "نخرتي إتقبضضضضت" ،،، و الجماعة من خلفه "نخرتي إتقبضضضضت" ،،، يا جماعة الخير "نخرتي إتقبضضضضضت" و الجماعة من خلفه ،،، يا جماعة الخير "نخرتي إتقبضضضضضت" و هكذا حتي يومنا هذا الشيخ يصرخ بأعلي صوته و نخرته مدنسة للأرض كالدَّابة مقبوضة في شركٍ لا سبيل للفكاك منه و الجماعة (شغَّالين) من خلفه يرددون بأدب و خشوع صياحه و صرخاته بنفس الوتيرة و النغمة و هم يظنون أنهم يحسنون صنعا دون علمٍ لهم بحقيقة أمر إمامهم الورع التقي و ما أصابه و ألمَّ به من محنةٍ هي في حقيقة الأمر قد أصابتهم و شَرَكٍ لا فكاك منه هم بالفعل قد وقعوا فيه و منقلب سحيق هم حتماً فيه منقلبون ،،،
فلا عاصم اليوم للسيد أحمد إبراهيم الطاهر و غيره من طغمة الإنقاذ من تسونامي الشعب السوداني سواءً بالإستقالة أو الإعفاء كما يحدث مع الدستوريين و الوزراء و المستشارين حاليا ،،، أو محاولات التبرؤ من الإنقاذ التي بدأت قبل سنوات من بعض كوادر الحركة الإسلامية الذين يعرفهم شعبنا عن ظهر قلب و ينطبق عليهم قول الشاعر (يموت الهوي مني إذا لاقيتها و يحي إذا فارقتها فيعود) أو التي تجري حاليا من بعض قيادات المؤتمر الوطني و يُمَهِّدُون لها بما يسمي بالمناصحة و المشاورة و إعادة تصحيح المسار ،،، أو محاولات الهروب خارج البلاد خاصة من الذين كان لهم القدح المعلي في تهريب أموال شعبنا خارج البلاد (الصين، ماليزيا، تركيا، موريتانيا، مصر، لندن، باريس، بعض دول الخليج، و غيرها من البلدان) في شكل عمولات عن عقود مع شركات أجنبية أو عن عمليات غسيل أموال و تجارة غير مشروعة و أيضا في شكل عقارات في الخارج (فلل، أبراج، شقق، مجمعات، مزارع، أراضي، فنادق، متاجر إلخ) و إستثمارات سائلة في شكل ودائع و أسهم و صكوك في صناديق و محافظ إسلامية) و لكن شعبنا في نهاية الأمر قادرٌ علي ملاحقتهم و إسترداد خيراته المنهوبة و المهربة علي دائر المليم بكافة الوسائل الدولية المشروعة. و مهما تَجَّلت مقدراتهم في الهرب فإنهم لن يخترقوا الأرض و لن يستطيعوا أن ينفذوا من أقطارها و من أقطار السماوات و ستظل جرائمهم و خطاياهم في حق شعبنا تلاحقهم في حِلِّهم و ترحالهم و في صحوهم و منامهم إلي يوم يبعثون.
و بما أن الدواب بعد هدوء الإنفجارات الأرضية و إستقرار الأشكال الجديدة التي تخلِّفها تلك الإنفجارات يعاودها الحنين و تعود مرة أخري لتمارس بحثها البوهيمي علي أسياد جدد يُؤَمِّنون رزقها و رزق نطفتها و يُشبِعُون رغباتها أينما كان و كيفما كان، فعلي شبابنا الواعد و طلائع شعبنا المناضل أن تفطن لذلك و تحسب له ألف حساب و أن تتعلم كيف تحمي و تصون الأشكال الجديدة التي تولدها ثوراتهم و إنفجاراتهم ،،،
فبنفس مستوي النهوض الواسع في حركة الجماهير و التحولات الثورية النوعية التي تشهدها يوما بعد يوم و هي تتقدم بثبات نحو إقتلاع جذور نظام طغمة الإنقاذ الفاسدة تنشط حركة قوي الثورة المضادة و التآمر لإجهاض ثورة شعبنا الظافرة. فبجانب أسلوب العنف و القمع و الإعتقال فهي تعمل ليلا نهارا من خلف الكواليس مدعومة بقوي إقليمية و دولية لإستخدام وسائل و أشكال أخري أكثر خطورة علي مستقبل بلادنا نرصد أهمها فيما يلي:
أولا: حملة الترويج لتململ القوات المسلحة و إنقسامها التي بدأت مباشرة عقب جمعة الكتاحة تمهيدا لقيام إنقلاب عسكري يقطع الطريق أمام تطور الثورة الشعبية (كما حدث في إنتفاضة مارس/أبريل 1985م) من قبل قيادات و تيارات سياسية و عسكرية داخل المؤتمر الوطني و بعض الأحزاب الموالية للمؤتمر الوطني أو متحالفة معه و أخري معارضة للمؤتمر الوطني لا تستطيع التصالح أو التكيُّف مع التغيرات الإجتماعية و التحولات النوعية الطبيعية التي حدثت في مسيرة الثورة السودانية و أفرزت قوي إجتماعية و ثورية جديدة خارج الإطار التقليدي المعهود ممثلة في التكوينات الشبابية المختلفة و في جماهير المهمشين و التيارات المُعبِّرة عن تطلعاتها و آمالها و هي بذلك ترفض أي واقع أو شكل إجتماعي جديد. فالإنقلاب العسكري مرفوض و علي جماهير شعبنا ألا تُجَمِّد عقولها في تجارب و أشكال إجتماعية و سياسية قديمة أو قوالب جاهزة و هي تخوض غِمَار ثورة إجتماعية جديدة كلما إتسعت كلما خطي شعبنا خطوات سريعة و متقدمة نحو إقتلاع قوي الثورة المضادة و التخلف من جذورها إستكمالا لشعارات (التطهير واجب وطني، و كنس آثار مايو) التي رفعتها جماهير شعبنا في أكتوبر و مارس/أبريل علي التوالي) كشرط أساسي بدونه لا نستطيع بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تقوم علي أساس المواطنة و المساواة و إحترام التنوع العرقي و الثقافي و التنمية المتوازية و الحرية و العدل و سيادة حكم القانون.
ثانيا: حملة الترويج لوجود تيارات إصلاحية داخل المؤتمر الوطني تعمل علي إقناع المشير و بعض نمور النظام للجلوس مع قوي المعارضة للتوافق و فتح حوار معها حول الأزمات التي تواجه البلاد و التي تتم من قبل المؤتمر الوطني نفسه و من قبل أجهزته الأمنية من أجل كسب الوقت و تهدئة الأوضاع و إخماد فتيلة الثورة و الوصول إلي تسوية سياسية تنقذ الإنقاذ من غضب شعبنا فلا حوار مع الطغمة الفاسدة بعد كل هذه السنوات من إستقصاء الشعب و مكوناته الإقليمية و الحزبية و الشبابية و المهنية و المدنية و من نكوص و إلتفاف مدروس و مقصود علي كل الإتفاقيات الثنائية التي قطعتها الإنقاذ مع غيرها من القوي السياسية و بعض الحركات المسلحة إبتداءا من نيفاشا 2005م نفسها مرورا بأتفاقية أبوجا و إتفاقية الدوحة الأولي و الثانية و قبلها وثيقة التراضي مع حزب الأمة.
القِصاص و المحاكم العادلة لكل الطغمة الفاسدة منذ إنقلابها علي الديمقراطية في يونيو 1989م دون إستثناء في كل الجرائم التي أُرتُكِبَت في حق شعبنا و في حق إقتصادنا الوطني و مواردنا الطبيعية و ثرواتنا و ترك أبواب القضاء مفتوحة أمام كافة المتظلمين من نظام حكومة الإنقاذ و من كافة الأنظمة العسكرية و المدنية التى حكمت السودان سابقا و النظر في تظلماتهم بحيادية و عدل تكريسا لمبدأ إستقلال القضاء و سيادة حكم القانون لينال كل ذى حق حقه هو أيضا أحد أهم الشروط الأساسية لبناء دولة المواطنة و الديمقراطية و التنمية و السِلم التي تنشدها جماهير الكادحين من شعبنا ،،، أما شعار (العفو عما سلف) فليس من العدل و الكرامة فرضه على الناس قسرا أو إتخاذه من خلف الكواليس شرطا من شروط التسويات السياسية. فمن الخزي و العار أن تطالب الناس بالعفو عما نالوه من قهر و ظلم و هم لا يزالون تحت نير هذا القهر و الظلم و لا تزال حقوقهم مسلوبة. و من أعظم شِيَم السودانيين و خصالهم الكريمة (العفو عند المقدرة) فهم يعفون فقط عندما يكونوا قادرون على ذلك أى عندما تصان و تحترم حقوقهم و تعاد لهم كرامتهم (إحقاق الحق أولا بتطبيق العدالة الإنتقالية لجبر الضرر للإنتهاء من الضغائن و الأحقاد ثم بعد ذلك نقعد في "الواطة و نشوف الأجاويد" كما يقولون و بالطريقة السودانية التي يعرفها شعبنا و التي تحتكم للمظلوم و ليس الظالم).
ثالثا: إستغلال الدين و رفع سقف الخطاب الديني و إتهام الجماهير الثائرة بشذَّاذ الآفاق و غيرها من الأوصاف التي لا تنطلي علي أحد و الضرب علي نظرية المؤآمرة و العمالة و القوي الأجنبية المعادية للسودان و تستهدف الإسلام و المشروع الحضاري و التي تحرِّض و تقود المظاهرات و نظام الإنقاذ في حقيقة الأمر هو العدو الحقيقي للشعب و الوطن و أن العدو الذي يتحدث عنه طريد العدالة الدولية المشير مجرد وهم لا وجود له في أرض الواقع يُعَشعِش فقط في ذهنه و أوهامه و خياله و الذي يذكِّر مشهده و هو يتحدث عن هذا العدو الوهمي الذي يستهدف الدين و الوطن بقصة ملك النكتة المصري الشهير حمادة سلطان و التي تحكي بأن هنالك عمارة من ثلاثة طوابق يسكن في طابقها الأول شخص يدعي (محدِّش) و في طابقها الثاني شخص يدعي (عبيط) و في طابقها الثالث يسكن شخص يدعي أيضا (محدِّش) و بينما كان "عبيط" واقفا علي بلكونة شقته (كشح) محدِّش في شقة الطابق الثالث ميَّة الغسيل عليه فإنفجر "محدِّش" في شقة الطابق الأول عليه بالضحك فذهب عبيط للقاضي ليشتكي الإثنين فقال للقاضي "يا حضرة القاضي محدِّش فوق كشح فيني الميَّة و محدِّش تحت ضحك عليَّ" فقال له القاضي "إنت عبيط؟" ،،، فرد علي القاضي "آه أنا عبيط" ،،،
رابعا: تسليط الضوء علي مفاوضات أديس أبابا مع حكومة الجنوب و التنازلات و ما قد يبدو مرونة بدأ النظام يظهرها في المفاوضات بضغط من جهات دولية مؤثرة هو في الأساس محاولة لإجهاض جذوة الثورة بالضغط لأطراف التفاوض للخروج بتسوية تساعد نظام الطغمة الحاكمة للخروج من أزمتها الإقتصادية و السياسية الطاحنة و البقاء علي قيد الحياة للحفاظ عليه كأحد أهم الأنظمة العميلة التي ظلت طوال السنوات الماضية تخدم إستراتيجية ترتيب المنطقة التي تسعي لها قوي خارجية من أهمها بنودها فصل الجنوب. و الضمان الوحيد لمواجهة هذا الخطر هو مواصلة الثورة الشعبية و رفع سقف شعاراتها خاصة و أنها بجانب الإتساع الواضح للمظاهرات تشهد تحولات نوعية هامة من شأنها أن تستقطب قوي إجتماعية جديدة إلي حلبة الصراع من أبرزها تكوين النقابة الشرعية للأطباء و وقفات المحامين الأسبوع قبل الماضي و إضراب عمال مصنع أسمنت عطبرة و بيان النقابة الفرعية لسائقي الحافلات و غيرها من التحولات النوعية علي مستوي التكوينات الإقليمية في الشمال و الشرق و في دارفور و جنوبي كردفان و النيل الأزرق و علي المستوي السياسي الذي يقترب من توحيد كافة قوي المعارضة التي بدأت بتوقيع قوي الإجماع الوطني لوثيقة البديل الديمقراطي و ترحيب الجبهة الثورية لها في عمومياتها و التي من المفترض أن تتسع لتستوعب كل فصائل الجبهة الثورية و تطلعاتها و تطلعات التكوينات الشبابية و النسوية التي أفرزتها اليوم مسيرة الثورة السودانية و هي تلعب دور طليعي في قيادة العمل الجماهيري اليوم ،،،
خامسا: أما محاولات المشير للتبرؤ من مسئوليته عن الأزمة الإقتصادية الطاحنة و ربطها أيضا بنظرية المؤآمرة و مطالبة الناس بقبول ما يصطلح عليه هو و طغمته الفاسدة بسياسة التقشف و مطالبة الشعب بالصبر علي الفقر ليبقي هو و حمائمه في قصورهم و أبراجهم العاجية نرد عليه بقصة الربّاطي الذي قام بالتعدي علي أحد ضحاياه من عامة الناس و سطي علي ما يملك من مال و أشبعه ضربا و قطع له كل أصابع يديه فيما عدا اصبع واحد ،،، و بعد مرور عدة سنوات قابله في السوق و حالته حالة بأصبعه الوحيد و سرواله و عراقيه لا يوجد في جيبه غير حُقَة التُمبَاك فسلم عليهو و قال ليهو "أحمد الله ال أداك حُقَة تُمباك تَتَقَّل بيها جيبك و أصبع تنخس بيهو أضانك" ،،،
إنها نفس حالة الإنقاذ بعد مرور 23 من الإنقلاب الغاشم الذي قوَّض الديمقراطية و سطي علي السلطة و مارس الإعدامات و الإعتقالات و التعذيب في بيوت الأشباح و التشريد للعاملين و الإبادة و التهجير للمواطنين الآمنين يأتي المشير (طريد العدالة الدولية) ليطلب من الشعب أن يحمدوا الله علي فقرهم و بؤسهم و واقعهم المذري ،،،
Alhadi Habbani [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.