تقارير امريكية عن السودان (33): تقرير وتعليق: التقرير: اسلحة قبائل الجنوب التعليق: يجب العطف على الجنوبيين واشنطن: محمد علي صالح يوم الثلاثاء، اصدر معهد "انديبندانس" (الاستقلال)، وهو معهد جمهوري محافظ، في قولدن (ولاية كولورادو)، تقريرا عنوانه: "قنز اوف سودان" (بنادق السودان). لكن، كان يجب ان يكون العنوان: "قنز اوف ساثيرن سودان" (بنادق جنوب السودان)، وذلك لان التقرير كله عن جنوب السودان. قال التقرير انه، بعد اتفاقية السلام سنة 2005، زادت الاشتباكات القبلية المسلحة في جنوب السودان. وبعد سنة من الاتفاقية، قتل الف وستمائة شخص خلال حملة قامت بها حكومة الجنوب لنزع اسلحة القبائل. وجمعت الحملة ثلاثة آلاف مسدس وبندقية عادية وبندقية كلاشنكوف. وقال التقرير: كان ذلك "بنسبة قتل شخص مقابل جمع بندقيتين." وقال التقرير انه يحق لحكومة جنوب السودان، ويحلق لحكومات اخرى (في شرق افريقيا وفي بقية العالم الثالت) ان تنزع اسلحة المدنيين الذين لا يحق لهم ان يحملونها. لكن، "لا تملك حكومات كثيرة امكانيات بشرية ومالية كافية لنزع سلاح كل من لا يجب ان يحمله. لهذا، يصير كل من يسلم سلاحه هدفا للذي لم يسلم سلاحه." وقال التقرير انه، في سنة 2006، امرت حكومة الجنوب بنزع سلاح قبيلة النوير (لو) في ولاية جونقلي. لكن، قال قادة القبيلة انهم يحتاجون للسلاح للدفاع عن انفسهم امام تهديدات قبيلة المورلي. خاصة ون حكومة الجنوب لم تقدم ضمانات كافية لحمايتهم من قبيلة المورلي. ثم قال قادة قبيلة النوير انهم يتوقعون ان تدفع لهم الحكومة تعويضات عندما تنزع اسلحتهم. وتعهدت الحكومة بتفيذ ذلك. لكن، لم تعتمد الحكومة في ميزانيتها هذه التعويضات. وايضا، لم تعتمد الحكومة في ميزانيتها نفقات جنودها الذين سيصادرون الاسلحة. والذي حدث هو ان هؤلاء الجنود وجدوا انفسهم بدون اعتمادات للصرف على الاكل والشرب. فاضطروا لشن غارات على قبيلة النوير، وصادروا ابقارهم، وذبحوها، واكلوها. ثم دخل طرف ثالث، وهم الوسطاء بين الحكومة والنوير. لكن، ايضا لم ترصد الحكومة اعتمادات مالية لهؤلاء. وايضا، اضطر هؤلاء لشن غارات على ابقار النوير، وذبحوها، واكلوها. وقال التقرير ان قوات الحكومة والوسطاء اكلوا الف وثلاثمائة بقرة تقريبا من ابقار النوير. وسبب ذلك "كارثة اقتصادية محلية" لان الاقتصاد هناك يعتمد على الابقار. وقال التقرير ان غضب قبيلة النوير كان سبب تاسيس "الجيش الابيض" من شباب القبيلة، للدفاع عن ابقارها. ومرات كثيرة، اشتبك هذا الجيش مع قوات حكومة الجنوب (قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان). وخلال اربعة شهور، قتل خمسمائة جندي تقريبا من قوات الحركة، واكثر من الف من شباب "الجيش الابيض"، وعدد لم يحصى من المدنيين. واعلنت الحكومة انها جمعت ثلاثة الاف سلاح تقريبا (قتل شخص واحد مقابل مصادرة بندقية واحدة). وانتقد التقرير حكومة الجنوب، وحملها المسئولية. واشار الى تقرير آخر كان اصدره مركز "سمول آرمز سيرفي" (احصاء الاسلحة الصغيرة، في دول العالم الثالث)، ومقره في جنيف، في سويسرا. عنوان التقرير السويسري: "لن يقدر النزع الاجباري للاسلحة في جنوب السودان على زيادة الامن." وجاء في التقرير ان محاولات حكومة الجنوب لنزع سلاح المواطنين بالقوة سببت "خروقات كثيرة لحقوق الانسان، وتشريد كثير من السكان المحليين، وعمليات نهب واسعة النطاق، وعدم توفر طعام كاف للمواطنين." واضاف التقرير السويسري: "فشلت كل الخطة. واعادت القبائل تسليح نفسها، وذلك لتقدر على الدفاع عن نفسها." في وقت لاحق، حسب تقرير "انديبندانس"، اتفق قادة قبيلتي النوير والمورلي على نزع اسلحتهم في اكوبو. لكن، تسلمت الحكومة اقل من نسبة 25 في المائة من الاسلحة. ومرة اخرى، اعلنت حكومة الجنوب والامم المتحدة "النجاح." لكن، بعد ذلك بقليل، هجم رجال من قبيلة المورلي على مناطق قبيلة النوير التي نزع سلاحها. وسارع النوير، وسلحوا من استطاعوا. لكن، لم تقدر كثير من النساء على حماية انفسهن. وذهب بعضهن الى بور، عاصمة ولاية جونقلي، واستنجدن بالحكومة، وناشدنها حمايتهن. لكن، قال التقرير: "لم تفعل الحكومة اي شئ." واضاف التقرير: "لن يكن هناك نزع سلاح فعال في الجنوب في المستقبل القريب لان الناس لن يتنازلوا عن اسلحتهم حتى يقتنعوا اقتناعا كاملا ان الحكومة ستحميهم." وانتقد التقرير الامر الذي اصدره، في السنة الماضية، سلفاكير مايارديت، رئيس حكومة الجنوب، باستعمال "قوة مناسبة" لنزع سلاح المدنيين. وقال: "يشبه امر نزع سلاح مدنيين رفضوا نزع سلاحهم امر قتلهم." وقدم التقرير امثلة لذلك منها ما حدث في رمبيك، قبل اقل من سنة، عندما قتل سبعة اشخاص وجرح عشرة، مع حوادث اغتصاب ونهب. وجمعت 333 بندقية، لكن "كانت اغلبية البنادق تابعة لجنود وشرطة حكومة الجنوب، وفي وقت لاحق، اعيدت لهم." وقال التقرير: "ساوى جمع مائة بندقية قتل وجرح واحد وعشرين شخصا." واشار التقرير الى مشكلة اخرى، وهي انتشار مرض العقم في قبيلة المورلي. وصار هذا من اسباب غاراتهم على قبائل مجاورة لخطف الاولاد (بالاضافة الى الابقار)، واحيانا يشترون اولادا. وسبب هذا غضب القبائل المجاورة. لهذا، قال التقرير: "اذا نزعت الحكومة سلاح المورلي، ستهجم عليهم القبائل الغاضبة، وتذبحهم." واختتم التقرير بالقول: تعرف قبيلة المورلي جيدا ان الذبح والعقم سيقودان الى انقراضها. "لهذا، تملك كل الاسباب لترفض نزع سلاحها. واذا اصرت حكومة الجنوب، ستحدث، ليس فقط مذابح، ولكن، ايضا، ابادة." ---------------------------------------------------- تعليق (1): قبل ثلاثة شهور، نشرت جريدة "واشنطن بوست" الامريكية تقريرا وصفت فيه الجنوب بأنه "بريكورياس" (ضعيف، مهلهل). وقبل شهرين، نشرت مجلة "ايكونوميست" البريطانية تقريرا وصفت فيه الجنوب بأنه "بري فيلد ستيت" (دولة فاشلة قبل ولادتها). وقبل اسبوعين، نشرت جريدة "قارديان" البريطانية تقريرا قالت فيه ان العملة المستعملة في الجنوب هي "جلدرين اند كاتيل" (اطفال وابقار). وقبل اسبوع، نشرت منظمة "هيومان رايتز ووتش" في نيويورك تقريرا اتهمت فيه حكومة الجنوب بعدم القدرة على حماية مواطنيها. وهاهو معهد "انديبندانس" الامريكي يصدر تقريرا اكثر تشاوما يعلن فيه، ليس فقط ان خطة مصادرة اسلحة القبائل ستفشل، ولكن، ايضا، يجب عدم مصادرة هذه الاسلحة لان حكومة الجنوب لا تقدر على حماية مواطنيها. تعليق (2): بعد كل هذه السنوات، صار واضحا ان الغربيين (المسيحيين) الذين ساعدوا السياسيين الجنوبيين (المسيحيين)، واوصلوهم الى ما اوصلوهم، بداوا يقتنعون، في عقلانية غربية اصيلة، ان الجنوبيين لن يقدروا على حكم انفسهم. تعليق (3): يقدر الشماليون في السودان، ايضا في عقلانية، على الوصول الى نفس النتيجة. لكن، لان الشماليين يتفوقون على الغربيين في العاطفة، يجب عليهم النظر الى الموضوع نظرة عاطفية، واخوية، وانسانية. لهذا، يجب الا يكون النقاش عن ماذا يريد الجنوبيون: الانفصال او الوحدة؟ ولكن عن هل يقدر الجنوبيون على حكم انفسهم؟ ولأن الاجابة صارت واضحة، وهي انهم لن يقدروا، يجب على الشماليين ان يحتضنوا "الاخوان الجنوبيين"، ويساعدوهم. عطفا عليهم، ان لم يكن حبا فيهم.