محمد وداعة يكتب: عدوان الامارات .. وحدة الجبهة الداخلية    الدعامة: يدنا ستطال أي مكان يوجد فيه قائد الجيش ونائبه ومساعدوه    الاتحاد يفوز على الأهلي في دوري الابيض    المدير التنفيذى لمحلية حلفا الجديدة يؤمن على أهمية تأهيل الأستاد    رئيس اتحاد المصارعة وعضو الاولمبية السودانية يضع النقاط علي الحروف..الله جابو سليمان: انعقاد الجمعية حق كفله القانون وتأجيل انتخابات الاولمبية يظل نقطة سوداء لايمكن تجاوزها    كيكل    شاهد بالفيديو.. قائد قوات درع الشمال "كيكل" يدخل في وصلة رقص "عفوية" مع (البنيات التلاتة)    بالفيديو.. وسط فرحة واعتراف منسوبيها.. شاهد لحظة أطلاق مليشيا الدعم السريع لسراح "السجناء" من سجن النهود    شاهد بالصورة والفيديو.. خجل وحياء عروس سودانية من عريسها في ليلة زفافهما يثير اهتمام جمهور مواقع التواصل    شاهد بالفيديو.. قائد قوات درع الشمال "كيكل" يدخل في وصلة رقص "عفوية" مع (البنيات التلاتة)    شاهد بالصور.. المذيعة نسرين النمر توثق للحظات العصيبة التي عاشتها داخل فندق "مارينا" ببورتسودان بعد استهدافه بمسيرات المليشيا ونجاتها هي وزميلتها نجمة النيل الأزرق    شاهد بالفيديو.. القيادي بالدعم السريع إبراهيم بقال يظهر بأحد الملاعب العالمية ويتابع مباراة كرة قدم.. تعرف على الحقيقة!!    بهدفين مقابل هدف.. باريس يقهر آرسنال ويتأهل لمواجهة إنتر في نهائي دوري الأبطال    بيان توضيحي من مجلس إدارة بنك الخرطوم    عندما كان المصلون في مساجد بورتسودان يؤدون صلاة الصبح.. كانت المضادات الأرضية تتعامل مع المسيّرات    سقوط مقاتلة أمريكية من طراز F-18 في البحر الأحمر    ريال مدريد وأنشيلوتي يحددان موعد الانفصال    ما حقيقة وجود خلية الميليشيا في مستشفى الأمير عثمان دقنة؟    أمريكا: الهجمات بالمسيرات على البنية التحتية الحيوية تصعيد خطير في الصراع بالسودان    "آمل أن يتوقف القتال سريعا جدا" أول تعليق من ترامب على ضربات الهند على باكستان    في مباراة جنونية.. إنتر ميلان يطيح ببرشلونة ويصل نهائي دوري أبطال أوروبا    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    والي الخرطوم يقف على على أعمال تأهيل محطتي مياه بحري و المقرن    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السُّودَانَان: مَرْحَبَاً بِاتِّفَاقِ النَّفْطِ .. وَلَكِنْ! .. بقلم: كمال الجزولي
نشر في سودانيل يوم 14 - 08 - 2012

لم تكْفِ "السُّودانَين" الأشهر الثلاثة التي أمهلهما لها مجلس الأمن، ما بين الثاني من مايو والثاني من أغسطس 2012م، كي يسوِّيا نزاعاتهما كافة، فإذا بمفاوضاتهما في العاصمة الإثيوبيَّة لا تبلغ، حتى بعد تجاوزهما القيد الزمني، وممارسة الضغط الدَّولي عليهما في اللحظات الأخيرة (السُّوداني؛ 1 أغسطس 2012م)، أبعد من محض اتفاق مبدئي ملتبس، بالأحرف الأولى، حول تصدير نفط الجَّنوب عبر أنابيب الشَّمال وموانئه، بينما أرجئ التَّوقيع النِّهائي عليه لحين استئناف المفاوضات في السَّادس والعشرين من أغسطس الجَّاري. مع ذلك انتعشت الآمال في اتِّفاقات أكثر سلاسة حول الملفَّات العالقة الأخرى (قناة الجَّزيرة؛ 9 أغسطس 2012م)، بينما تزحزح الجِّنيه نحو وضعيَّة أفضل في سوق الخرطوم الموازي (السُّوداني؛ 7 أغسطس 2012م). غير أن السَّذاجة وحدها هي التي يمكن أن تجعلنا نشتري فكرة أنَّ هذا الانتعاش في الآمال وفي وضعيَّة العملة الوطنيَّة هو شئ أكثر من محض الاستبشار بنبأ سعيد! أما صدقيَّة النبأ نفسه، في معنى أن هذا الاتِّفاق سيصمد في وجه الرِّيح، أو أن "السُّودانَين"، بموجبه، قد فرغا، حقاً وفعلاً، من وضع أقدامهما على الطريق الصَّحيح لتسوية نزاعاتهما، فتلك مسألة مشكوك فيها!
(1)
وكان مجلس الأمن الدَّولي قد أصدر، بالإجماع، القرار رقم/ 2046، متبنِّياً، بشأن هذه النِّزاعات، خارطة طريق كان أحالها إليه مجلس السِّلم والأمن الأفريقي، بقراره الصَّادر في الرَّابع والعشرين من أبريل 2012م. ورغم تشابُه القرارين فإن القرار الدَّولي تميَّز بصرامة قيوده الزَّمنيَّة المضروبة لوقف العدائيَّات، وتفعيل آليَّات أمن الحدود، والدُّخول، بلا قيد أو شرط، في مفاوضات على كلِّ المحاور، شاملة النَّفط، وترسيم الحدود، والوضع النِّهائي لمنطقة "أبيي"، وحقوق رعايا كلِّ دولة لدى الأخرى، بالإضافة لوجوب تعاون حكومة السُّودان وقطاع الشَّمال مع الإيقاد حول التَّرتيبات الأمنيَّة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وحول تيسير وصول العون الإنساني لهما. فإنْ لم تبلغ هذه المفاوضات اتفاقيَّات نهائيَّة حول كلِّ هذه القضايا خلال المهلة المحدَّدة، فإنَّ المجلس سيطلب من الأمين العام تقريراً حول الوضع؛ وليأذن، حينها، الطرف الذي يعيق هذه الخارطة بعقوبات تحت المادة/41، ضمن الفصل السَّابع من ميثاق الأمم المتَّحدة!
لقد خسر السودان، ضمن الكثير الذي خسر بانفصال جنوبه، 75% من الثَّروة النَّفطيَّة التي كان يملكها موحَّداً، وهي النسبة الموجودة، أصلاً، ضمن حدود الجَّنوب الإداريَّة سابقاً، والدَّوليَّة حاليَّاً، بحيث لم يعُد استحقاق السُّودان فيها يتجاوز، بعد الانفصال، ما يقابل كلفة عبورها في أنابيبه، وتصديرها من موانئه. لكن تقدير هذه الكلفة ما لبث أن فجَّر، فور الانفصال، خلافاً بين الدَّولتين، حدَّ عودة شبح الحرب بإغلاق جوبا آبارها في يناير الماضي!
في نفس السياق، للمفارقة، ومع أن هذا الاتفاق غير المكتمل قد اعتبر، على علاته، خطوة باتِّجاه التَّهدئة، إلا أنه وُلد مزنَّراً، للأسف، بأكثر من حزام ناسف يكفي لتفجيره، وبالتَّبعيَّة تفجير الأمل بالتوقيع، رسميَّاً، أواخر أغسطس، بهدف استئناف الإنتاج في سبتمبر، حسب تفاؤل المصادر!
(2)
نماذج هذه الأحزمة النَّاسفة كثيرة في الاتِّفاق، وأولها عدم نشره، لعدم اكتمال صياغته القانونيَّة النِّهائيَّة، الأمر الكفيل، وحده، بأنْ يفتح، في وجهه، أبواب الجحيم على مصاريعها!
خذ عندك، مثلاً، عدم وضوح الأرقام فيه على نحو قطعي، حتى الآن، اللهم إلا أن تسدد دولة جنوب السُّودان لدولة السُّودان مبلغ 3,2 مليار دولار، خلال ثلاث سنوات ونصف هي عمر الاتفاق، وذلك كتعويض له عن جزء من خسارته بخروج الَّنفط من موازنته العامَّة، فضلاً عن مبلغ مماثل كمنحة له يتعهَّد بها المجتمع الدَّولي. لكن، حتى مع هذا الوضوح، هل ثمَّة ما يضمن، في شأن الالتزام بسداد هذه المنحة، حظاً أوفر من حظوظ التَّعهُّدات الماليَّة لنفس هذا المجتمع الدَّولي، طوال الفترة الانتقاليَّة بموجب اتفاقيَّة السَّلام الشَّامل (2005 2011م)؟! ربَّما يكفي، في معرض الإجابة على هذا السُّؤال، ما أوردت بعض الصُّحف، مؤخَّراً، نقلاً عن دوائر دبلوماسيَّة، من أن الولايات المتَّحدة ستعمل على حثِّ مانحين سواها، كالصِّين وبعض الدُّول العربيَّة، لتحمُّل هذه المنحة، أمَّا هي فلن تساهم معهم، لكونها ملتزمة بالعقوبات ضدَّ السُّودان (فاينانشيال تايمز؛ 9 أغسطس 2012م) .. فتأمل!
وخذ عندك، من جهة أخرى، غياب الفهم المشترك بين الطرفين بشأن استحقاق الخرطوم في الصَّادر من نفط الجَّنوب حسب هذا الاتَّفاق، بدليل أنه، وعلى حين قال العبيد احمد مروح، الناطق باسم الخارجيَّة السُّودانيَّة، إن هذا الاستحقاق هو 10,2 دولاراً للبرميل (الصَّحافة، 7 أغسطس 2012م)، أفاد باقان اموم، كبير مفاوضي دولة الجنوب، من جانبه، بأنَّ الاستحقاق هو 9,10 دولاراً للبرميل المنتج من حقول "أعالي النِّيل"، و11 دولاراً للمنتج من حقول "الوحدة"، شاملاً رسوم العبور والمعالجة والنَّقل، بحيث يكون للعبور دولار، ولتكلفة النَّقل دولار، أما المعالجة فتضاف رسومها إلى سعر البرميل (قناة الجَّزيرة؛ 9 أغسطس 2012م).
وخذ عندك، مع ذلك، إعلان دولة الجَّنوب مواصلتها بناء خطوط بديلة للنَّفط عبر دول أخرى مجاورة "تجنُّباً للاعتماد على منفذ واحد للتَّصدير!" (المصدر نفسه).
وخذ عندك، أيضاً، نبرة الغبن التي ساق بها اموم اتهامه للمجتمع الدَّولي، خصوصاً الولايات المتَّحدة وبريطانيا، "بالانحياز للسُّودان، والسُّكوت على استيلائه على بترول الجَّنوب"، لأنهم إنما كانوا يسعون، على حدِّ تعبيره، إلى "نتائج سريعة" في ملف النَّفط "لتأثيره على السُّوق العالميَّة"، دون اعتبار للملفَّات الخلافيَّة الأخرى، كترسيم الحدود ومستقبل "أبيي" وغيرها (الصَّحافة؛ 7 أغسطس 2012م).
وخذ عندك، كذلك، تصريح العبيد مروح بأن الاتفاق "لم يوقَّع لأنه جاء بعد انتهاء المهلة"، لافتاً إلى أن وفد السُّودان غادر أديس "دون معرفة موقف الجَّنوب النِّهائي"، وأن ذلك هو ما منع الوفد من الإدلاء بأيِّ تصريحات (المصدر نفسه).
وخذ عندك، إلى ذلك، تأكيد مروح، مهما يكن من أمر، بأن الاتِّفاق "لن ينفَّذ إلا بعد إحراز تقدُّم في الملفَّات الأمنيَّة!" (المصدر نفسه)؛ وكذلك موقف الكتلة البرلمانيَّة للحزب الحاكم التي رفضت الاتَّفاق، واصفة إياه ب "الطعنة في الظهر"، مشترطة، أيضاً، لقبوله، "حسم الملفِّ الأمني أولاً!"، مثلما رفضت، أصلاً، مبدأ التفاوض مع قطاع الشَّمال، بناءً، حسب زعمها، على قرار برلماني سابق (المجهر؛ 6 أغسطس 2012م).
وخذ عندك، بعد كل ذلك، ما لم يعد خافياً من جهة سلوك أهل المؤتمر الوطني الحاكم الذين يبدو أن تجربة "نيفاشا"، ثم "الانفصال"، قد حَفرت في نفوسهم حنقاً عظيماً، لا على الحركة الشَّعبية لتحرير السُّودان الأم، فحسب، بل، وربَّما أكثر من ذلك بما لا يقاس، على قطاع الشَّمال الذي لن ينسوا له أنه تجرَّأ عليهم، يوم قدَّم ياسر عرمان، في انتخابات الرِّئاسة لسنة 2010م، كمرشَّح لم تغب حظوظه الوفيرة، وقتها، عن فطنة الصَّحافة والمراقبين، في الدَّاخل والخارج، مما أورثهم، في ما يبدو، نوعاً من الاستنكافيَّة السِّياسيَّة إزاء القطاع، وإزاء عرمان نفسه، حتى أضحوا، جرَّاء شدَّة نقمتهم عليه، أسرى أريتيكيريا سايكولوجيَّة مِن مجرَّد التَّفكير في احتمال أن يلزمهم قرار دولي أو إقليمي بالتَّفاوض معه! وأضحى اسمه، إضافة إلى إسمي عقَّار والحلو، رمزاً للغلوِّ في العداوة لدى الحزب الحاكم الذي قد يتسامح مع الشَّيطان نفسه ولا يتسامح معهم! وما من دليل، هنا، أوضح من أن المؤتمر الوطني الذي اشترط الاتِّفاق، أوَّلاً، على التَّرتيبات الأمنيَّة قبل الموافقة على اتِّفاق النَّفط، سعى، بالمطلق، على صعيد التَّفاوض مع قطاع الشَّمال، للالتفاف على قرار مجلس الأمن الدَّولي، دون أن يترك باباً خلفيَّاً موارباً للتَّراجع، لدرجة أنه انطلق، من فوره، "يخترع" بديلاً عن قطاع الشَّمال يفاوضه في جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث وصف كمال عبيد، رئيس الوفد الحكومي للتفاوض في هذا الملف، قطاع الشَّمال بأنه "فاقد للشَّرعيَّة!" (الرائد؛ 8 أغسطس 2012م)، كما قال عن عرمان شخصيَّاً إن "السُّودانِيين لا يرحِّبون به!" (الرأي العام؛ 11 أغسطس 2012م).
ولا نخالنا نحتاج إلى "فانوس ديوجينس" لإضاءة القدر من البغضاء السِّياسيَّة، والشَّحناء الحربيَّة التي تحتشد بها مثل هذه اللغة، فضلاً عن التَّناقض البيِّن في الموقف، والمصادمة الواضحة لمنطوق قرار مجلس الأمن، دَعْ المصادرة على المطلوب، وإغلاق كل منافذ التَّعافي المراد بلوغه بالتَّفاوض السِّلمي، تحت إشراف أممي وأفريقي مشترك، في أديس أبابا أو في غيرها.
لا بُدَّ للحزب الحاكم، إن أراد خيراً من الدُّخول في مفاوضات جادَّة، أن يدع هذه اللغة، فإنها .. منتنة!
(4)
لكن، مع كلِّ ما تقدَّم، ليس ثمَّة وطني مخلص لا يشرح صدراً، ولو مبدئيَّاً، بهذا الاتِّفاق المبدئي؛ فلأزمة النَّفط مكانة مفتاحيَّة وسط أزمات "السُّودانَين"، ومن هذه الزَّاوية فإنَّ كلَّ مقاربة علاجيَّة لها خير من عدمها. بيد أن ثمَّة ثلاث ملاحظات مهمَّة في هذا الشَّأن: أولاها أنَّ أيَّة مقاربة علاجيَّة حقيقيَّة ينبغي أن تنبع من إرادة سياسيَّة صميمة لدى جميع الأطراف، وعلى رأسهم السُّلطة في الخرطوم. وثانيتها أن مثل هذه المقاربة العلاجيَّة الحقيقية ينبغي أن تتمَّ بأيدٍ وطنيَّة، فحتَّى إن ورد فيها عنصر دولي أو إقليمي، فينبغي أن يرد على سبيل دعم الجَّهد الوطني، لا إملاء الضغوط الأجنبيَّة. أما ثالثتها فهي أن أزمة النَّفط ليست الوحيدة التي يمكن أن نركن لاعتقاد تبسيطي بأن من شأن أي اتِّفاق جزئي حولها، حتَّى لو اتَّسم بالقوَّة والتَّماسك، أن يعالج كلَّ الأزمات الأخرى بضربة واحدة، دَعْ أن يكون اتَّفاقاً بمثل هذه الهشاشة! صحيح أنَّ من شأنه أنْ ينعش الأمل شيئاً، وأنْ يحسِّن، كما قد رأينا، من وضعَّية العملة الوطنيَّة؛ ولكن .. هيهات! إن أيَّاً من الألغام التي استعرضنا بعضها بعاليه لكفيلة بتدمير هذه الصُّورة الزَّاهية، في أيَّة لحظة، وإعادة الحال إلى ما كان عليه .. الجِّنيه إلى ضعفه، والأمل إلى إحباطه!
لقد رأينا، دائماً، أن مشاكل السُّودان الموحَّد، مهما تنوَّعت وتعدَّدت، فإن حلها بأيدي أبنائه، مهما تنوَّعوا وتعدَّدوا، أيسر وأفضل بما لا يُقاس من حلها وهي مقسَّمة على أكثر من سودان، أو على وسطاء دوليين أو إقليميين لا يملك أحد أن يلومهم إن خدموا أجندات بلدانهم على حساب أجنداتنا الوطنيَّة؛ بل ورأينا، دائماً، أنَّ التَّقسيم، في حدِّ ذاته، إضافة كيفيَّة إلى أزمة "السُّودانَين"، لا إلى حلها. وقد شكَّلت تلك الرؤية أحد ِّ دوافعنا، قبل الانفصال، للمنافحة عن الوحدة، وحضِّ الوحدويين، الوطنيين الدِّيموقراطيين تحديداً، على تكوين جبهة واحدة صلبة لمنازلة الانفصاليين، في الجَّنوب كما في الشَّمال، مثلما شكَّلت أحد أهمِّ دوافعنا، بعد الانفصال، لدعوة الوحدويين، الشَّماليين والجَّنوبيين، على حدٍّ سواء، للنِّضال الذي لا يفتر في سبيل استعادة هذه الوحدة الضَّائعة. ومن نافلة القول أنَّ منهج هذا النِّضال هو منهج جذري لا يصلح فيه تبعيض القضايا لترميمها بالمفرق!
والآن، ودون أن تكون لدينا أدنى رغبة في أن ننعب على خراب عشِّ الوطن، ومع تسليمنا التام بسلامة وموضوعيَّة نهج التَّعاضد في العلاقات الدَّوليَّة المعاصرة، فإننا، من ناحية، نشدِّد على خطل انفراد السُّلطة، في الخرطوم خصوصاً، بترتيب قضايا ما بعد الانفصال، وإقصاء أيَّة قوَّة وطنيَّة أخرى، سياسيَّة أو مدنيَّة أو حتى مسلحة، عن هذه الملفَّات الشَّائكة، بينما هي لا تملك سوى تسليم ذقوننا، المرَّة تلو المرَّة، للوسطاء الأغيار كي يعالجوا لنا أزمات الوطن! كما ونعلي، من ناحية أخرى، وللمرِّة الألف، من شأن المطلب الوطني الدِّيموقراطي القديم، المتجدِّد، المتمثِّل في عقد "مؤتمر قومي دستوري"، أو "مؤتمر للسَّلام"، أو "ملتقى للتَّحوُّل الدِّيموقراطي"، سمِّه ما شئت، يشارك، من خلاله، الجَّميع، بلا استثناء، في تفعيل عصف ذهني سياسي وفكري وطني يرتِّب لحلول تكون محلَّ اتَّفاق وتراضٍ بالحدِّ الأقصى؛ وتشمل أجندته إشكاليَّة العلاقات الشَّماليَّة الجَّنوبيَّة هذه، إلى جانب القضايا الأخرى الملحَّة، كالاقتصاد، والدستور، ودارفور، والشرق، وحلايب، والفشقة، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، وسدود الشَّمال، وما إلى ذلك من قضايا تؤخذ كحزمة واحدة.
وحبذا لو تمكن الوطنيُّون الدِّيموقراطيُّون، الوحدويُّون بالضَّرورة، من الدفع باتِّجاه إشراك ممثلين سياسيين ومدنيين "جنوبيين" في هذه الفعاليَّة الماجدة، ولو على سبيل المراقبة، ولو لمجرَّد الإيعاز برفض الاستسلام لذهنيَّة الانفصال حتى وهي أمر واقع يجوس، كما الحنش الفاتك، عبر مسالك حياتنا اليوميَّة، الاقتصاديَّة السِّياسيَّة، والاجتماعيَّة الثقاقيَّة.
(5)
هكذا، عندما تصرِّح سوزان رايس، المندوبة الأمريكيَّة لدى الأمم المتَّحدة، وهي تتحدَّث عن استئناف المفاوضات في خواتيم أغسطس الجَّاري، قائلة: "يتعيَّن على الطرفين العمل سريعاً .. لن نترك لهما متنفَّساً!" (الصَّحافة؛ 11 أغسطس 2012م)، فهي إنما تفضح بعض وجوه عجزنا المخزي، حتى الآن، عن الإمساك بزمام المبادرة في شأن قضايانا الوطنيَّة، وتركها، بالكليَّة، للوسيط الأجنبي؛ فمن باب السَّذاجة، إذن، أن نتوهَّم في مثل هذا القول حرصاً على "أجنداتنا الوطنيَّة"، لا "أجندات الأغيار" التي تخدمها رايس دون أن يستطيع أحد أن يقول لها كم ثلث الثلاثة!
أما عندما يجأر ممثلو أيٍّ من الحزبين الحاكمين في "السُّودانَين" بالشَّكوى من ملاحظتهم، أحياناً، عدم حياد أمريكا أو بريطانيا، أو انحيازهما لطرف دون الآخر، فإنهم لا يكشفون، في هذه الحالة، عن جديد، بقدر ما يُعرُّون العاري، ويُضيئون المُضاء، ويُعيدون اختراع العجلة!
***
Kamal Elgizouli [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.