مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل هو "الربيع العربي" بالمعني الغربي حقا؟ .. بقلم: د. محمد عبد الشفيع عيسى
نشر في سودانيل يوم 29 - 08 - 2012

هل هو "الربيع العربي" بالمعني الغربي حقا؟ وما هي مشاهد المستقبل القريب في مصر؟
الآن عرفنا لماذا قامت وسائل الإعلام، وأجهزة السياسة الخارجية الغربية بتعريف التغيرات العربية الأخيرة ذات الطابع الجذري، باسم (الربيع العربي) Arab Spring مع العلم بأن هذه التسمية تمت قياساً لما حدث في أوروبا الشرقية منذ عقدين ، بعد سقوط الاتحاد السوفيتى ، تحت عنوان (التحول الديموقراطى) من خلال العودة إلى الرأسمالية والاندماج فى المنظومة الغربية .
فقد اتضح الآن، أن وكالات المعونة الأجنبية والمنظمات غير الحكومية فى دول الإسكندنافيا والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة كانت تقوم خلال العقدين الماضيين بالإسهام في تربية جيل جديد من (النشطاء)، وخاصة الشباب منهم، في مصر والبلدان العربية الأخرى وسائر (العالم الثالث السابق)، بروح الليبرالية الغربية من خلال التثقيف والتدريب العملى على التعامل مع تحديات السلطة والشرطة وأجهزة العنف من جهة أولى ، ومع مسائل الانتخابات والمشاركة السياسية من جهة ثانية ، ومع وسائل "التغيير السلمى" للأنظمة الحاكمة بالأساليب غير المسلحّة ، من خلال المظاهرات والمسيرات والاعتصامات والاضرابات .. الخ .
وقد أصبح جيل الشباب (الليبرالى) الجديد ، يمتلك قدرا من الثقافة القانونية والسياسية الرفيعة ، والقدرة الكفاحية على التعامل الجسدى مع أجهزة الدولة ، وقدرة رسم الاستراتيجية والتكتيك.
فجمع هذا الجيل بكل ذلك بين أمرين : الثقافة النظرية، والخبرة والدربة، وباختصار ، أصبح جيلاً مناضلاً ، أي راغبا وقادراً على التضحية من أجل ما يؤمن به .
إن هذا الجيل هو الذى قاد وفكر ونظّم لثورة 25 يناير ، من خلال مواقع التواصل الاجتماعى؛ وليس صدفة أن أهم (مجموعات) هذا الجيل ، مجموعة قادها الشاب (وائل غنيم) مؤسس صفحة (كلنا خالد سعيد) ، ومجموعة "حركة 6 أبريل" .
وقد أعقب تفجير الثورة بواسطة هذه الشريحة الشبابية ، التحاق شباب التيارات الإسلامية، ثم شيوخها ، فأصبحت الثورة "برأسين" – إذا صح هذا التعبير .
ثورة لها قيادة وفكر وتنظيم
الحقيقة إذن أن ثورة يناير كان لها قيادة ولها فكر وتنظيم، ولكن برأسين: قيادة "ليبرالوية" وفكر "ليبرالوي" وتنظيم "إنترنتّي" مرن، من جهة أولى، وقيادة إسلامية وفكر اسلاموى وتنظيم "مجسد" محكم، من جهة ثانية. و كما أشرنا، فإن الرأس الأول تم بناؤه على مهل خلال سنوات بدفع من هيئات المعونة التابعة للاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وبعض دول شمال أوروبا – بالتركيز على الجانب القانونى لتعامل المواطن مع السلطة فى جميع الحالات: حالات المشاركة السياسية والانتخابات ، وحالات التظاهر والعنف ، وخاصة حالة التصادم بين المواطنين (أو "المدنيين") وممثلى جهاز السلطة : من الشرطة ومن يقوم مقامها ، بالإضافة إلى التعامل مع القضاء بكافة درجاته .
أما التيار "الإسلاموى" فقد تكونت قياداته وفكره (السياسى)، وتصلبت تنظيماته المتشعبة، خلال سنوات ، عبر العمل الأهلى فى مجالات الخدمة الاجتماعية وغيرها ، وعبر العمل السياسى من خلال ( الإخوان المسلمين) ك "معارضة رسمية وغير رسمية" للنظام السابق ، والعمل الدعوى من خلال الجماعات المسماة بالسلفية.
وأما اليسار بكافة فصائله، بما فيه اليسار العروبي، فلم تكن له "بيئة حاضنة" محليا أو عربيا أو دوليا ، والتي كانت من المفترض أن تقدم التمويل والمساندة والدعم التقنى والتدريبي والتثقيفى – وكانت النتيجة أن الحزبين الممثلين لليسار وهما " حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي" و " الحزب العربي الاشتراكي الناصري" ، قد انهارا من الداخل ، ولم يكن لهما تأثير يذكر فى توجيه الأحداث الخاصة بثورة يناير وما بعدها.
وللمقارنة ، فقد كان اليسار الاشتراكى يجد مساندة، في مراحل سابقة، من بعض دول المجموعة الاشتراكية؛ وكان اليسار العروبى -فى فترة الستينيات خاصة- يجد الدعم من الدولة المصرية الناصرية .
هذا، و نود الإشارة، بصفة خاصة، إلى البعد الثالث للعمل الثورى وهو "التنظيم"؛ فقد كان متوافرا بقوة لدى الجانبين الرئيسيين فى "فعل ثورة يناير" : فقد كان وراء "الليبرالويين" تنظيم محكم فى العالم الافتراضى للفضاء السيبرانى ، على صفحات الشبكة العنكبوتية، من خلال (مجموعات) موقع (فيس بوك) و (تويتر). وكانت صفحات (المجموعات الشبابية) معقلاً للحشد والتعبئة ، والتوجيه والتنسيق ، والتخطيط والإدارة والتنظيم ، حتى تم الإعداد للثورة ، وتنفيذها بنجاح .
أما الجناح الآخر ، وهو التيار الإسلاموى والذى لحق بمبادرة "الليبرالويين" بعد فترة تأخر زمنى قصيرة نسبياً، فقد كانت له تنظيماته المحكمة ، كما أسلفنا، ممثلة فى جماعة "الإخوان المسلمين" وفى جمعيات المجتمع الأهلى والدعوىّ للسلفيين .
ونقدم فى هذا السياق ملاحظتين :
1- إن شباب الليبراليين (الليبرالويين بتعبير أصح، فيما نرى) والإسلاميين (الإسلامويين بتعبير أصح، فيما نرى)- فجروا الثورة ولكنهم لم يشكلوا قوتها وزخمها، وإنما جاءت القوة والزخم من الجمهور (الشبابى) ثم (الشعبى) الذى التف حول النواة القيادية المزدوجة (ذات الرأسين) وشارك بفاعلية فى أعمال التظاهر حتى تحقق هدف إسقاط النظام.
2- إن شباب الإسلاميين استندوا إلى ظهير بالغ القوة ، ماليا وسياسيا وتنظيميا، هو تنظيم الإخوان المسلمين والمنظمات الدعوية للسلفيين؛ وفى المقابل فإن الشباب الليبرالى لم يكن له ظهير، أو لم يكن ظهيره بنفس المستوى من القوة. ولذلك نجح التيار السياسى الاسلامى فى العمل السياسى الحزبي والممارسة الانتخابية بعد الثورة ، بينما فشل الشباب الليبرالى فى تأسيس حزب أو الدفع بممثليهم إلى البرلمان.
القوة الثالثة
بين الليبراليين والإسلاميين وقفت قوة ثالثة التحقت بتيار أحداث "الثورة"، وهى القيادة العليا للقوات المسلحة ، وكان نزولها إلى الميدان لتنفيذ ما يمكن اعتباره (انقلاب دولة) فى مواجهة رأس الدولة السابق، حيث طلبت من الرئيس المخلوع التخلى عن السلطة، وحصلت على موافقته بعد تردد، وتولت السلطة و (إدارة الدولة) من بعده على غير ما يرسمه الدستور النافذ حينئذ لانتقال السلطة فى حال شغور منصب الرئيس بصفة دائمة أو بصفة مؤقتة.
وقد أدى نزول هذه القوة الثالثة إلى (حماية) الثورة ، مع حصرها ضمن حدودها القائمة لا تتعداها ، وأدى من ثم إلى الحيلولة دون تحقق احتمالين أو (سيناريوهين) مفترضين آخرين : السيناريو الأول هو الفوضى الشاملة فى أتون صراع ممتد بين (الثورة) و (النظام) ودخول القوات المسلحة طرفاً فى هذا الصراع إلى جانب النظام نفسه؛ والسيناريو الثانى انتصار أحد طرفىْ المعادلة انتصاراً كاملاً على الآخر: فإما أن تنتصر الثورة انتصاراً تاماً ، وتقضى على الوجود السياسى (وربما العضوى) لشخوص ورموز النظام ، كما تقذف بجميع مؤسساته دفعة واحدة فى (مزبلة التاريخ) مخلّفة فراغاً سياسياً هائلاً لا يعرف ما بعده ..وإما أن ينتصر النظام على الثورة، بمساعدة القوات المسلحة على الثورة ، مع دفع (ضريبة من الدم) لا يعلم أحد مداها.
ونظراً لأن نزول القوات المسلحة إلى (الميدان) قد حال دون هذين الاحتمالين، فإنه يمكن القول إن "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" – المجلس العسكرى – أصبح شريكا فى الحدث الذى أصبح اسمه (الثورة) وتشكيل ملامحه كما وقعت فعلاً، ومن ثم وقوع مسلسل الأحداث كما وقع .
وبهذا أصبح للثورة ثلاثة رؤوس وليس رأسان فقط ، وأخذ كل رأس يحاول توجيه الثورة فى الناحية التى يريدها، مع ميل أحد الرؤوس لمعانقة رأس أخرى فى لحظة معينة ، أو الابتعاد عنها بدرجة لافتة في لحظة أخرى .
فقد تعانق رأسا (المجلس العسكرى) و (التيار الاسلامى) قبيل وبعيْد (الاستفتاء الدستورى فى13 مارس 2011، وظلا بدون افتراق حتى ما بعد الانتخابات التشريعية. ووصل الفراق بين الرأسين الاسلامية والليبرالية لدرجة ما يشبه (الطلاق) أثناء ما سمى بأحداث (محمد محمود) و (أحداث مجلس الوزراء) حيث ذهب الاسلاميون إلى الانتخابات ، ووقف (الليبراليون) فى الميدان و (الشارع) ينادون : (يسقط .. يسقط حكم العسكر).
وبعد اكتمال تكوين البرلمان بمجلسيه ، وبدء ممارسة نشاطه ، وبدء عملية الانتخابات الرئاسية ، تباعد الرأسان الإسلامى والعسكرى ، وتقارب الرأسان الليبرالى والاسلامى فيما يشبه "التحالف" غير المعلن فى مواجهة (الرأس الثالث) أى (العسكرى) . و كان هذا هو الحال أوائل مايو 2012 في غمار الأزمة السياسية الطاحنة حول الانتخابات الرئاسية، وتشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، والاعتصام في محيط وزارة الدفاع .
.. بعيداً عن الرؤوس الثلاثة للثورة ، هناك قوتان أخريان أو ثلاثة أقوى : الأولى هى بقايا النظام السابق ، وخاصة من بعض رجال الأعمال وبعض أعضاء المؤسسات النافذة كالشرطة والمخابرات والحزب الحاكم والمجالس المحلية. وهؤلاء ليسوا طرفا مباشرا فى توجيه الأحداث ، وربما استدعاهم (المجلس العسكرى) بين الفينة والأخرى ، أو استحضرهم فى صورة مباشرة أو غير مباشرة لأداء دور ما هنا أو هناك ، ضمن استراتيجيته الخاصة لحصر (الثورة) فى حدودها المقررة : تقنين إسقاط الرؤوس العليا للنظام السابق ، والحيلولة دون سقوط كلية .
ولا يستبعد أن بقايا (النظام السابق) – ممن جرى تسميتهم إعلاميا بالفلول – كانت تعمل بشكل مستقل ، بعيدا عن الصلة المباشرة بالمجلس العسكرى – فى لحظة أو أخرى ، و ربما كانت تستخدم شريحة من شرائح النظام السابق، جرى تسميتها ب (البلطجية) بمن فيهم "أطفال الشوارع" ، للقيام ببعض "الأعمال القذرة" التى لا يستطيع أحد غيرهم تنفيذها ، بما تستلزمه من جرأة و "قدرة احترافية".. وظهر هؤلاء، كقوة أخرى، فى تيار الأحداث فى ميدان التحرير بعد انتصار الثورة مباشرة ، وفى (ماسبيرو) وفى أحداث (محمد محمود) و (مجلس الوزراء) ثم فى (مذبحة بورسعيد) المروّعة ضد شباب (ألتراس) النادى الأهلى .
وقد يرى البعض شواهد على (غزل متبادل) وربما غير مرئى ، ربما يصل إلى حد إقامة نوع من "التنسيق غير المقصود" – التناسق بتعبير أصح – بين المجلس العسكرى والطرف المزدوج لبقايا النظام السابق وشريحة البلطجية وأطفال الشوارع ، ولو من خلال غض البصر من جانب المجلس العسكرى عن تحركات "الطرف المزدوج الخفى" -"الطرف الثالث" وفق التسمية الرائجة- مادام أن هذا الأخير ينفذ، بوعى أو بدون وعي_جزء من مهمة معينة لصالح استراتيجية (المجلس). وهذا ما قد يراه البعض حصل فى "أحداث ميدان العباسية" و "محيط وزارة الدفاع" منذ فجر السبت 28/4/2012 حتى صبيحة الأربعاء 2/5 /2012 حيث سقط نحو عشر وفيات ومئات المصابين .
وتبقى قوة أخيرة (خامسة أو سادسة) فى المشهد السياسى المصرى، حار النار فى تسميتها ، بين "الأغلبية الصامتة" و "حزب الكنبة" ...إ لخ ، ونسميها نحن تسمية مؤقتة : الجماهير . وهذه هى الكتلة التى ترجح كفة أطراف التوازن، بطريقة تبادلية وبشكل حاسم، عبر الزمن . فقد كان ميلها إلى جانب (الثورة) ذات الرأسين خلال الأسبوع السابق على انتصار الثورة يوم 11 فبراير 2011 ، هو العامل الحاسم فى ذلك الانتصار ، عبر خروجها إلى الشوارع وتقاطعات السكك الحديدية وأمام بعض أقسام الشرطة والمقار الأمنية، وشتى أشكال التحركات العارضة التى اختلط فى بعضها الحابل بالنابل (الثوار والبلطجية) وخاصة فى المواجهات مع جهاز الشرطة ، والمؤسسة الأمنية عموماً.
وبعد ذلك كان دور (كتلة الجماهير) حاسماً فى الميل لصالح الإسلاميين (من "إخوان" و "سلفيين") اثناء انتخابات مجلس الشعب ، التى أفرزت أغلبية إسلامية واضحة .
وعلى امتداد المسار اللولبى للأحداث ، وقفت (الجماهير) ، تتحدث بصمتها البليغ ، أو بصوتها المتقطع، فى (الشارع) ، طوال الوقت ، غير عابئة فى أحوال كثيرة بتحركات "الثوار" ، بدعوى "وقف الحال" , و حاولت جميع الأطراف أخذ هذه الكتلة الجماهيرية إلى جانبها ، لحسم الصراع لصالحها.
فإلى أين ..؟
تبدو لوحة الصراع السياسى فى مصر ناطقة بالاحتقان ، وربما بلون الدم فى بعض مقاطعها ، وغامضة فى جميع الأحوال ، كلوحة "سيريالية" من لوحات فنان عالمى محترف ، من وزن "بيكاسو" .
فالتياران الرئيسيان للثورة (مناضلان) بالفعل ، وكما أثبتت الأحداث ، من حيث الطابع "الكفاحى" فى الاستماتة من أجل الدفاع عن وجهة نظره الخاصة . والتيار الاسلامى بشقّيه (الإخوان والسلفى) ، معروف بصلابته العقائدية وقدراته التنظيمية والحركية العالية ، كما أن (التيار الليبرالى) كشف عن قدرات فكرية وثقافية وحركية وتنظيمية عالية ، حيث تربى فى مدرسة المنظمات غير الحكومية للاتحاد الأوروبى وبعض الدول الغربية الأخرى ، طوال عشرين سنة ، على مدى جيل سياسى أو جيلين ، وكان أحدثهما الجيل الذى فجر الثورة كفعل منظم صبيحة الخامس والعشرين من يناير 2011 ليفاجىء (الشرطة) فى يوم عيدها ، بما لم يتوقعه أحد .
وبرغم الانشقاقات ، حافظ ذلك التيار على وحدته العامة وعلى فاعليته، انطلاقا من صلابة نواته الداخلية المكونة من عدة أجزاء تلتقي دون رابط تنظيمى محكم ، مثلها فى ذلك مثل تنظيم "القاعدة" بعد ضربات 11 سبتمبر 2001- والتشبيه مع الفارق ، بطبيعة الحال .
ونشير هنا، بصفة خاصة، إلى الطابع (النضالى) للتيار الليبرالى ، وقوته الفكرية بل والعلمية ، فى حقول المعرفة الاجتماعية ، وخاصة الاقتصاد والسياسة والسوسيولوجيا والتاريخ ، برغم عموميتها ، واقتصارها حتى الآن على "الكليات" دون "الفروع" والتفاصيل ، وقلة رموزها الممثلة، وفقر إنتاجها الثقافى المنشور. ونتوقع ، من ثم ، أن هذا التيار الليبرالى سوف يتسع دوره أفقيا ، ويتعمق رأسيا ، خلال الفترة القادمة ، وسوف يحافظ على علاقاته الوثيقة مع منظمات المجتمع المدنى غير الحكومية فى أوروبا والولايات المتحدة ، لضمان مصدر للتمويل ، ولو جزئيا ، والمساعدة الحركية و "اللوجيستية" والإعلامية .
وباختصار ، سوف يكون التيار الليبرالى فاعلاً سياسياً قوياً ، وسوف يخلق منظماته الاجتماعية والسياسية الخاصة ، كما سوف يتغلغل فى منظمات وأحزاب أخرى قريبة منه، ويعمل تحت رايتها ( مثل "حزب الدستور" و "حزب الجهة الوطنية" و "الوفد" و "الغد" ) لتحقيق أكبر قدر من الفاعلية ، ولو على حساب استقلاليته أحياناً. أما التيار الثانى، أى التيار السياسى الاسلامى ، فسوف يظل لاعباً قوياً ، بل أقوى لاعب سياسى على مسرح الأحداث المصرية فى المدى القصير والمتوسط .
ومن المتوقع أن تلتقى التيارات الفرعية الممثلة حاليا لبقايا النظام السابق، و "الأغلبية الصامتة" ، ومؤيدى المجلس العسكرى الحالى، فإما أن تنصهر معاً ، أو تكتفى بالتنسيق العام ، ولكنها فى جميع الأحوال ستشكل كياناً سياسياً يصعب تجاهله كرقم أساسى فى المعادلة السياسية المستقبلية تحت راية "الوسطية السياسية والفكرية" .
ويبقى اليسار الاشتراكى والعروبى والناصرى هو الغائب الأكبر فى حسابات المعادلة السياسية المصرية، مما لا نستطيع التكهن بحدود دوره المستقبلى ، بقدر معقول من الدقة ، ولكنه على الأرجح سوف ينهض من كبوته ليعاود مسيرته السياسية النضالية فى ضوء الإخفاقات المتوقعة للتيارات الليبرالية والإسلامية والوسطية، مستفيدا من عدم تلوث يديه فى بعض مشاهد الانتقال المؤلم بعد الثورة، مما قد يسمح له بانتشال المجتمع المصرى من أزمته المستحكمة على كافة الصّعُد " الوطنية – القومية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والسياسية والثقافية.
القسم الثاني
ثورة 25 يناير ومسارها المتخيَل
(رؤية استرجاعية)
انطلاقا من الإطار الذي حاولنا رسمه لخريطة القوى السياسية المواكبة لثورة 25 يناير، يبدو لنا أنه قد يكون من المفيد القيام بنوع من "التمرين الذهني" الذي يستهدف تقديم رؤية متخيلة (بأثر رجعي) لما قد يكون حدث في تلك الأيام الخوالي المجيدة في أواخر يناير وأوائل فبراير من عام 2011.
لعله يمكن القول إنه بمجرد وقوع بدايات أحداث ثورة 25 يناير، بدأ مسلسل لم ينته يوم 11 فبراير 2011.. وبمجرد نجاح (بروفة) الانتفاضة يوم 25 يناير ، صعدت (قيادة تعددية) للانتفاضة ، تولت الحشد والتنظيم والتعبئة طوال الأسبوعين التاليين ، بدءً من جمع الأنصار ، مروراً بتأمين الميادين، واقتحام نقاط التركيز ، وانتهاءً بجمع القمامة من أماكن التظاهر الكبرى وخاصة ميدان التحرير .
هذه القيادة ، أدركت منذ اللحظة الأولى لنجاح (يوم القيامة الأول) أنه بالإمكان تحقيق النجاح النهائى ، وخاصة بعد بدايات التفاف الجماهير الأسطورى وسقوط المؤسسة الأمنية فى يوم واحد هو يوم الجمعة 28 يناير .
وبعد خطاب حسنى مبارك الأول يوم 3/2 ، ثم موقعة الجمل يوم 4/2 ، كانت (القيادة) تزداد يقيناً بإمكانية النجاح وخاصة بعد الانهيار الرسمى لجهاز الشرطة وصعود المجلس الأعلى للقوات المسلحة كقوة كبرى (غير معترضة على الثورة) . ثم كانت (القيادة)– قيادة الانتفاضة - تزداد إصراراً كل يوم على ضرورة تحقيق هدفها دون نقصان : هدف إسقاط النظام ، بدءً من هدف مباشر وممكن جدّاّ ، يتضمنه الشعار : (الشعب يريد إسقاط الرئيس). ويبدو أن "قيادة الانتفاضة" قد جمعت شخصيات شابة متعددة المشارب، وأنها كانت تعقد اجتماعاتها بصفة مستمرة ، عدة مرات كل يوم ، لتدارس الموقف ، وتبادل الرأى والفكر ، وإعداد تكتيك اللحظة القادمة .
ولابد أن (قيادة الانتفاضة) قد كانت أمامها ملفات فكرية وسياسية ، أعدت بسرعة من واقع خبرة سنوات مضت فى إطار حركة المجتمع المدنى ، إيجابية كانت أو سلبية : خبرة "حركة كفاية" ، خبرة "حركة 6 أبريل" منذ إضراب عمال غزل المحلة عام 2009 / خبرة بعض المنظمات الحزبية الناشئة وخاصة "حزب الجبهة الديموقراطية" ، و"الجمعية الوطنية للتغيير" مع د. محمد البرادعى .. وخبرة مواقع التواصل الاجتماعى فى الحشد، مثل صفحة ( كلنا خالد سعيد) لوائل غنيم ..إلخ .. إلخ .
ولابد أنه كانت هناك ملفات أعدها شباب مثقف من هيئات التدريس فى بعض الجامعات المصرية ، بما فيها الجامعة الأمريكية ، والشباب من قادة بعض جمعيات المجتمع المدنى التى عملت فى مجال الدعم القانونى والمساندة القضائية للحركات الاحتجاجية خلال السنوات الخمسة الأخيرة السابقة على يناير 2011 . ولابد أن الملفات المعروضة على عجل فوق مائدة النقاش المحموم ، أيام الانتفاضة الدموية ، كانت تتضمن خبرات وتجارب سياسية أجنبية ، تضمنت دروساً ثمينة فى مجال (التحول أو الانتقال الديمقراطى) فى غمار العنف المفاجىء الممتد لأيام وأسابيع وشهور، على غرار تجارب دول أوروبا الشرقية التى حققت تغيير النظم بوسائل متنوعة منها العمل السياسى السلمى، كما حدث فى المجر ( بقيادة حركة المنتدى المدنى الديمقراطى) ، والعمل السلمى المدعوم أجنبيا وغربيا على مدى سنوات- كما حدث في بولندا بقيادة حركة التضامن العمالية وزعيمها ليش فاليسا ، والعمل العنيف دمويا مثل حالة رومانيا ضد شاوشيسكو.. بالإضافة إلى تجارب أخرى مثل إندونيسيا عقب وفاة سوكارنو ، وما خلفه سقوط سوهارتو من حطام حتى استقرت أحوالها على المسار (الديمقراطى) ، و تجارب بعض دول أمريكا اللاتينية التى تحولت – بالعنف "الثورى" أو "الانتفاضى" – نحو مسار (ديمقراطي معين) كما حدث فى شيلى بعد بينوشيه .
ولابد أن استحضار الخبرات والتجارب ، المصرية والأجنبية، قد تم بكل قوة وعنفوان على مائدة قادة الانتفاضة الثورية المصرية ، فى جو محموم حافل برائحة البارود والدم ، على هدير الجماهير التى تتزايد عدداً، وتتكثّف تحركاتها نوعيا كل يوم ، وكل لحظة ، بدون انقطاع على الإطلاق .
ولابد أن الحوار على مائدة الثوار قد شمل طرح البدائل ، والاختيار من بينها ، وخاصة بديل التنازل الجزئى أمام طرح السلطة ممثلة فى اللواء (عمر سليمان) فى حواره مع الأحزاب الرسمية – ولابد أنه قد تم رفض نهج (خُذْ وطالب) عبر التنازلات الجزئية – وأنه قد تم التصميم العنيد على الاستمرار فى تحقيق الانتفاضة حتى نهايتها الوحيدة المقبولة : إسقاط الرئيس شخصياً. وهذا ما كان .
وصحيح أن عقد القيادة الانتفاضية قد انفرط تدريجيا وسريعا، فى آن معاً، عقب نجاح الهدف المباشر الكبير، ولكن هذا لا ينفى احتمال وجود مثل تلك القيادة التى تحدثنا عنها ، ووجود الحوار على موائدها المضمّخة برائحة الدم والبارود ، فى بعض الشقق السكنية والمكتبية الملاصقة لميدان التحرير ، أو بعض مقاهى الانترنت .. وكان وجود مثل هذه القيادة الواعية يعنى تبلور (برنامج للعمل) طوال الانتفاضة ، وأن عملية التبلور شاركت فيها قيادات شابة محنكة من خبرة النضال السياسى والقانونى للمجتمع المدنى ، وخبرة الحشد والتعبئة "الإنترنتّية" لقادة بعض مواقع التواصل الاجتماعى ، وخبرة البحث العلمى والتدريس الجامعى فى أقسام التاريخ وعلم الاجتماع والاقتصاد والعلوم السياسية .. وقد انصهرت كل هذه الخبرات على موائد الحوار ، ومن خلفها ، ومن أمامها ، لتصنع من خيوطها نسيجاً برنامجيا متماسكا ، وإن لم يكن مفصّلا بالقدر الكافى ، فقد كان يكفى وضع (خطة عمل) لكل يوم من أيام الانتفاضة ، سعياً إلى هدف (إسقاط الرئيس) .
وكان يكفى أن يتم الحوار المعمق – المحموم مع ذلك – وأن توضع الخبرات التاريخية المحلية والأجنبية من الباحثين والأساتذة الشباب على المائدة ، لتساعد الممارسين فى اتخاذ القرارات السريعة الصائبة فى الوقت المناسب بالضبط .
وإذن فقد كانت هناك قيادة ، وكان لديها " إرشاد فكرى " وكان لديها " تنظيم " مناسب للمهام الحركية المفترضة. وهذا أمر منطقي تماماً ، إذ يستحيل أن يتحقق الإنجاز التاريخي لثورة يناير ، دون أن توجهه قيادة ، ويرشده فكر ما، ويسانده جهد تنظيمي متين .. وغن كان يتعين التسليم بان ثورة أو "انتفاضة" 25 يناير لم يكن وراءها قائد "كارزماتي" معين، مثل جمال عبد الناصر في حالة ثورة 23 يوليو 1952، قائد يوجه دفة الثورة، ويلهم ويلهب الجماهير، ويحث الخطى في اتجاه الأهداف المحددة، برغم الأخطاء والثغرات.
ولعل الأحداث التي شهدتها مصر في مايو 2012 مثلا – في ميدان العباسية ومحيط وزارة الدفاع-تثبت أن قيادة الانتفاضة-بالمعني الذي ذكرنا، ما تزال قائمة ، برغم تفككها ، وما تزال تحمل بصمات القدرة والإصرار التي أثبتت نجاحها ساحق في وقت سابق .
وهذا ما نراه الآن وما رويناه بطريقة "استرجاعية" لأيام تاريخية مضت .
..
إنها رؤية لا ندعي أنها تستند إلى معلومات موثقة .. ونحن ندعو قادة الانتفاضة الثورية المصرية لتسجيل يومياتهم كما وقعت ، للتاريخ .. ! ولكنا نزعم أن رؤيتنا هذه ليست نتاج لعملية ( استبطان ذاتي ) بعيد عن الواقع ، بل هي محصلة تأمل لما يجرى من حولنا ، ولما نتصور -في ضوء ذلك – أنه لا بد قد وقع .
وقد يتساءل سائل ، علي سبيل الاستقصاء المقارن: هل وقع مثل ذلك فى الانتفاضات العربية الأخرى ؟
ونحاول الإجابة على ذلك بالقول إن الرحيل السريع والمفاجىء ل (زين العابدين بن على) قد أعفى الثوار التونسيين من مشقة الجهد لوضع برنامج عملى محدد للانتفاضة .
ولكن المحقق أن الثوار الشباب فى اليمن ، كانت لهم – وما تزال – قيادة وبرنامج . وربما كذلك فى البحرين، أما الحالتان الليبية والسورية فأمرهما واضح، وإن كان مختلفا جدا عن المسار المصري-التونسي –اليمني، و قد رأيناه رأى العين على شاشات بعض القنوات الفضائية..!
القسم الثالث
رؤية لمشاهد المستقبل القريب
فى ضوء تحليلاتنا السابقة لأوضاع ثورة 25 يناير في مصر، يمكن أن نتصور المشاهد أو (السيناريوهات) المتوقعة التالية فى المدى القريب والمتوسط، أى خلال 3-4 سنوات .
أولا السيناريو "اللبنانى" ، إذا صح هذا التعبير. ففى ضوء العجز عن تشكيل " توافق مجتمعي " حقيقي وقابل للصمود نسبياً ، فإن من المتوقع حدوث حالة من السيولة السياسية ذات الطابع التنافسي علي غرار ما يسمي في أدبيات علم الاقتصاد ، علي المستوى النظرى البحت ، بالمنافسة الصافية والكاملة Competition Pure & Complete حيث لا يمكن التنبؤ بسلوك الأطراف ، ويدخل الجميع في حرب تنافسية شرسة ضد الجميع .
إنها حالة من " عدم الاستقرار المزمن " تحت راية الديمقراطية التمثيلية القائمة علي الانتخابات النيابية ، وتشكيل حكومات من ائتلافات الأغلبية ، متغيرة عبر الزمن ، دون قدرة على حل المعضلات الأساسية للمجتمع ، داخلياً وخارجياً . وهذه هى حالة لبنان منذ استقلاله عن فرنسا عام 1943، قبل وبعد "الحرب الأهلية"، أي قبل 1973 وبعد 1989-حتى الآن .
ثانيا : سيناريو "المعجزة أو (السيناريو التركى) ، ويشير ذلك إلى احتمال تحقق معجزة تكوين "تيار رئيسى" main-Stream يتوافق من خلاله الجميع ، ولو من خلال التراضى على حكم فريق سياسى معين يتمتع بتأييد شعبى واسع ، على غرار الحالة التركية فى ظل حزب العدالة والتنمية خلال السنوات العشرة الأخيرة. ولذا يمكن تسميته بالسيناريو (التركى) ولو على سبيل التجاوز فى الدقة .
ثالثا : سيناريو "المشهد الإقصائى" ، من خلال نجاح التيار الاسلامى فى توحيد نفسه ، والصعود إلى صدارة المسرح ، تشريعيا وتنفيذيا ، وتولى مهمة (إدارة البلاد) . وسوف يكون هذا النجاح رهنا بإقصاء القوى الأخرى وإعادة صياغة أو (هندسة) المجتمع وفق رؤية إيديولوجية محددة . وهذا هو ما يمكن تسميته بالسيناريو (الإيرانى)، على سبيل التجاوز أيضا .
فإلى أين المسير ..؟ على طريقة لبنان العربي ، أم تركيا أم إيران ؟ أم سيكون لنا طريق خاص في الفترة القادمة .؟ لسنا ندرى ..!
ولنلاحظ هنا أننا استبعدنا (سيناريوهات الشرّ أو الكارثة) ، لتأكدنا من عدم واقعيتها فى الحالة المصرية الراهنة ، وتتلخص فى مشهدين بديلين :
* مشهد "الاقتتال الأهلى" - أو "الوقوف على شفير "الحرب الأهلية" .
* مشهد الفوضى المؤدية إلى استدعاء وقوع "انقلاب عسكرى" .
ولا نرى حظا لأى من هذين المشهدين الكارثيّين ، فلا يبقى إلا أن نتوقع حدوث أىّ من المشاهد الثلاثة أو الأربعة الأخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.