إعادة تقييم أمريكا لعلاقاتها بالسودان لم يبدأ مع الإدارة الجديدة، ولا يعتبر اتجاهاً حزبياً، بل هو اتجاه أمريكي تحكمه مصالح استراتيجية لا يختلف حولها الديموقراطيون والجمهوريون. ولقد بدأت الإرهاصات في فترة حكم الرئيس بوش الإبن، ليس فقط بسبب المصالح الاقتصادية والبترول والشركات المرتبطة بالحزب الجمهوري، ولكنها مصالح استراتيجية، حيث ترى أمريكا بأن النظام في السودان أقدر على التعاون وتحقيق مصالح مشتركة في المنطقة. وبعد أن بدأ الخطر الصومالي يتعدى كونها ملاذاً آمناً لبعض المطلوبين، والذين تضمهم القوائم الأمريكية لعلاقاتهم بالتفجيرات التي طالت سفارات أمريكا في نيروبي وتنزانيا وعناصر القاعدة بصفة عامة، ومنهم الزعيم الصومالي الإسلامي حسن ضاهر عويس، وامتد الخطر لتهديد الملاحة في المنطقة الاستراتيجية على السواحل الصومالية. وهنا يأتي دور النظام الحاكم في السودان، الأقوى نفوذاً وسط الإسلاميين الصوماليين منذ حزب الاتحاد الإسلامي، ثم المحاكم الإسلامية، وأخيراً عودة الشيخ شريف للحكم، وحتى التأثير على الزعيم الإسلامي المتطرف، والذي ورد اسمه في قائمة الإرهابيين المطلوبين بواسطة أمريكا الشيخ عويس، والذي عاد أيضاً من منفاه في أريتريا للصومال عن طريق الخرطوم. ومن مؤشرات التأثير السوداني أن الشيخ عويس، والذي كان يرفض التعامل مع حكومة الشيخ شريف ويطالب بخروج قوات الأممالمتحدة والاتحاد الافريقي من الصومال قبل الدخول في أي تعامل أو تفاوض مع حكومة حليفه السابق في مقديشو أن ورد أخيراً موافقته على الاشتراك في العملية السلمية. وتزداد أهمية الحكومة السودانية لأمريكا بعد أن اقتنعت أخيراً بفشل سياستها بدعم الجيش الإثيوبي للقضاء على سلطة الإسلاميين بالصومال، واعترف مسؤول الشؤون الافريقية الجديد في أمريكا ((كارسون)) بأنه سيطلب من إثيوبيا عدم التدخل بالصومال. فالنفوذ الإثيوبي مرفوض من معظم القبائل الصومالية، وهنالك شعور قومي موحد ضد إثيوبيا، إلى جانب أن تجربتها السابقة بدفع ذلك الحجم الكبير من قواتها إلى داخل الأراضي الصومالية لإنقاذ حكومة حليفها السابق عبد الله يوسف أضرت بها داخلياً في مواجها المعارضة المتنامية، والتي استفادت كثيراً من تلك الظروف، واستغلالها ضد الحكومة الإثيوبية، وهي تتجه نحو الانتخابات في العام القادم بعد أن حققت المعارضة الإثيوبية مكاسب غير متوقعة في انتخابات 2005. لذلك فإن الدور التي تلعبه الإنقاذ في هذه المنطقة يعتبر أحد أهم أسباب بداية الاتجاه للتعامل الأمريكي معها في عهد الرئيس بوش. ولعل ذلك أيضاً أحد أهم الأسباب التي أدت لأن يكون لجهاز الأمن دور هام في ملف العلاقات السودانية الأمريكية، ليس فقط بتمثيله في مجموعة العمل التي يقودها الدكتور غازي صلاح الدين للتعامل مع الملف الأمريكي، بل وجوده على أعلى المستويات في وفده إلى واشنطن، وفي أي محادثات أمريكية سودانية في الخرطوم أو واشنطن أو أي مكان آخر. فأمريكا تعول أيضاً على الدور الذي تلعبه قيادة جهاز الأمن السوداني في تجمع أجهزة المخابرات الافريقية، والذي عقد دورته الأخيرة بالخرطوم بحضور مراقبين من أجهزة الغرب الأمنية وعلى رأسها أمريكا. نواصل الحديث عن إرهاصات تحسين العلاقات والتي أزعجت المعارضين، ولكنها كانت أكثر أثراً على شريك الإنقاذ في حكومة الوحدة الوطنية، مع أن التوتر بين طرفي اتفاقية نيفاشا، والذي وصل إلى حد الاستعدادات العسكرية المكشوفة، ربما كان أحد أسباب سعي أمريكا للعمل بصورة مباشرة من أجل الوصول لحلول لمشاكل البلاد والتعامل معها بالصورة التي تبعد عنها شبح صومال أخرى تكون أكثر ضرراً على مصالح أمريكا بالمنطقة.