بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية هذا بلاغ للناس بقلم: أبوبكر يوسف إبراهيم* التوطئة: في عالمنا العربي والأفريقي، الوالي أو أي مسئول أو حتى موظف عام أو مستخدم خدمة مدنية أو عسكرية مهما علا أو قلّ شأنه أو رتبته، فهو حاكمٌ بأمر الله، لا راد لكلمته كأحكام القضاء العسكري لا رجعة فيها، كما له فرقة منافقين من ماسحي الجوخ لاعقي الأحذية من يزين له أكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الدم في غيرما ضرورة، كما يجوز ويسوغ لنفسه هذا المنكر وتحليله بفقه الضرورة، فالضرورات عنده تبيح المحظورات حد حل البطش، كما لا يتورع من أن يدوس على القانون بنعليه فيحرم المستحق ويعطي من لا يستحق، وإن احتجّ زجر وإن تطاول في الحق يفقده أهله ولا يعرف له أثر فتثكل أمه، أما في العلن فيتشدقون بدولة العدل والقانون والمواطنة، إنه انفصام سلوكي وتسلط وتجبر وتعنت في استغلال السلطة التي خُوِّلت له، والسلطة أمانة، والامانة حمل وهم ثقيل رفضت الجبال أن يحملنها وحملها الانسان( ابو رجلين) فكان ظلوماً جهولا!!. المتن: أدهشني والي الخرطوم د. عبالرحمن الخضر حين ضرب لنا مثلاً ما تعودناه على الإطلاق، خاصة من أنظمة الحكم التي أعقبت خروج المستعمر وبعد أن رحل وأصبح زمامنا بأيدي أبنائنا‘ فظننا أنهم أرأف بنا من المستعمر فكانوا جلادين قساة القلوب على أهليهم، فما كنا نسمع عن زوار الليل ولا الاختفاء أو السحل. خرج هذا الوالي يكسر القاعدة فيعتذر على العلن وعبر فضائياتنا لمواطنه الذي أساء أحد أفراد الشرطة معاملته وحتى وإن كان هذا الحادث معزولاً – كما قيل- إلا أن الرجل استشعر مسئولياته كواليٍ وليّ أمر العباد وواجبه الأخلاقي ووازع ضميره يحتم عليه تحمل أخطاء من حوله من المعاونين له وذلك خوفاً من الله الذي أمره بأن يسوس من وليّ عليهم حتى الأرعن منهم بالحكمة والكلم الطيب، فاستشعر الرجل قدر الأمانة التي التي كُلف بها وألقيت على كاهله فشعر أنه إذا ما استقوى وتجبر على ضعيف فهناك القوي الذي عينه لا تغفل ولا تنام.!!. تصرف الوالي بما هو من خالص أخلاقيات الحكم في الاسلام، ولكن المتغربين منا ما انفكوا يرجعون هذه الابجدية لدول الغرب وكأننا همج رجرجة غوغاء لا حضارة لنا ترسم لنا فواصل الحق من الباطل، والانصاف من الظلم، فأرادوا أن يفرضوا علينا ثقافتهم والادعاء بأنهم من علمنا هذه الفواصل العدلية ، ودون أن يدركوا - سواء بقصد أو دون قصد أو عن جهل- إن الحضارة الإسلامية والدولة المدنية الأولي فيها من الأمثال ما قام نفسه باانقل عنها ليؤسس بها أنظمة الحكم والتقاضي عنده حين نقل علماء الاسلام هذه العلوم من الأندلس إليهم، أو أتي بعضهم يسعى إليها طلباً للعلم!! أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ضرب لنا مثلاَ حين قال كما جاء في قصص السلف الصالح:[ لئن عشت إن شاء الله تعالى لأسيرن في الرعية حَوْلاً, فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني,أسير إلى الشام فأقيم فيها شهرين, وبالجزيرة شهرين, وبمصر شهرين وبالبحرين شهرين, وبالكوفة شهرين, وبالبصرة شهرين, والله لنعمَ الحوْلُ هذا ]".إنتهى النص، وفي حالٍ أخر ذكر أنه سأل جلسائه من الصحابة رضوان الله عليهم فقال:[أرأيتم إن استعملّت عليكم خير من أعلم, ثم أمرته بالعدل أيبرئ ذلك ذمتي أمام الله؟]. كما أحيل القراء الأعزاء إلى قول سيد المرسلين عليه صلوات الله :[إنا والله لا نولي هذا الأمر أحداً يسأله أو يحرص عليه ]. اليوم نشهد من يهرول في طلب السلطان والجاه والولاية، وأحسب انهم قد لا يكونوا مدركين لخطورة ما يتلهفون ويسعون إليه وما هم مقبلون عليه!! ومما يذكر عن أمير المؤمنين عمر الفاروق الذي فرّق بين الحق والباطل قوله: لأحد الولاة:[لم أستعملك على دماء المسلمين، ولا على أعراضهم، ولكني استعملتك لتقيم فيهم الصلاة، وتقسم بينهم، وتحكم فيهم بالعدل، ثم يعدُّ له عداً النواهي التي عليه أن يتجنبها، لا تركب دابةً مطهمةً، ولا تلبس ثوباً رقيقاً، ولا تأكل طعاماً رافهاً، ولا تغلق بابك دون حوائج الناس]، فمن يعمل اليوم بقول عمروتوجيهاته؟!. هل نرى اليوم من اقتدى أو عمل بما أرسى عمر بن الخطاب وهو امير المؤمنين وثاني حاكم للدولة المدنية الاسلامية؟!، قولو قولة صدق هل هناك؟! كما ورد في الأثر أن سول الله صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه في سفر, وأرادوا أن يعالجوا شاةً لمأكلة, قال بعضهم: علي ذبحها، وقال آخر: علي سلخها، وقال الثالث: علي طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام:[ وعلي جمع الحطب، فلما قيل له: يا نبي الله نكفيك ذلك, قال: أعرف ذلك، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه]. قولوا بربكم هل نرى اليوم من يطبق هذا القول. د. عبدالرحمن الخضر جلس على البرش الإفطار مع الصحفيين حين دعوه ليشكوا له حال حيهم وانعدام الخدمات فيه، فوجّه بتوفير الخدمات الضرورية وأقسم أنه إن لم يزود حيهم بهذه الخدمات التي قطع لها اجلاً فإنه سيأتي ويجلس في ذات (البرش) ولن يغادر حتى تنفذ إن حان ما قطع لتنفيذها من أجل!!.. هذه قصة رواها لي أخ صديق أثق في قوله!! الهامش: أنا لا أزكي على الله د. عبدالرحمن الخضر أو غيره ولكن الرجال سِيَر، ولا أعرفه شخصياً، ولم أقابله وجه لوجه في حياتي،ولا ارتجي منه عطايا ولا هدايا ولا مغنم، فالله كافٍ عبده ومتكفل برزقه من الميلاد حتى الممات، ولكن الحق يجب لا يغمط، وأن الميزان يجب أن ينصب للحكم بالعدل هو مقياسيقاس به الحق بإعمال العدالة وقد توعد الله المطففين، فعلينا حينما ننتقد أن نتحلى بالموضوعية والحيادية فنذكر المحاسن مثلما نذكر السلبيات حتى تستقيم كفتا الميزان وترجح من ترجح لنقيم الوزن بالقسط والميزان والقسطاس، وكلٌ وعطائه.!! مر على العاصمة القومية عدد من الولاة والحق أقول أن وجه العاصمة القومية لم يتغير ويصبح واجهة حضارية تشرفنا إلا في عهده، ومع أنه قد قيل أن في طبع الرجل حدة، إلا أننا لا نتعامل إلا مع رجلٍ من بني البشر، فلا هو ملاك يصيب ولا يخطيء، ولا هو شيطان آثم، ولكنه بشر يمشي في الأسواق ويأكل ويشرب مثلنا وعلينا أن نكون منصفين ونفي الرجل حقه، رغم أنه تحمل من الانتقادات ما تنوء بحمله الجبال ولكن هذا قدر من يتولى المنصب العام وعلى صدره أن يتسع وأن يكون صبوراً على النوازل كما النعماء، فالأمانة إبتلاء يمحص الله بها عباده. دعونا نستصحب قصة يرويها أنس بن مالك عن عدل عمر بين الرعية فقال:[ أن محمد بن سلمة دخل على سيدنا عمر, ورفع له أمرًا أنّ ابن سيدنا عمرو بن العاص ضرب رجلاً في مصر لأنه سبقه، قال: أرسل أمير المؤمنين يدعو عمرو بن العاص وابنه محمداً، ويقول أنس: " فو الله إنا لجلوس عند عمر وإذا عمرو بن العاص يقبل في إزار ورداء، فجعل عمر يتلفت باحثاً عن ابنه محمد، فإذا هو خلف أبيه ، فقال سيدنا عمر: أين المصري؟ فقال المصري: ها أنا ذا يا أمير المؤمنين، قال عمر: خذ الدُرة واضرب بها ابن الأكرمين، فضربه حتى أثخنه, قال: ونحن نشتهي أن نضربه(الصحابة)، فلم ينزع حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه، وعمر يقول : اضرب اضرب ابن الأكرمين، ثم أشار عمر إلى العصا, وقال: أجلها على صلعة عمرو، فوالله ما ضربك إلا بفضل سلطانه، لو لم يكن ابنه لما ضربك، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين قد استوفيت واشتفيت وضربت من ضربني، قال عمر: أما والله لو ضربته ما حُلنا بينك وبينه حتى تكون أنت الذي تدعه، ثم التفت إلى عمرو، وقال: يا عمرو متى استعبَدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً "]... ذاك هو العادل أمير المؤمنين عمر الفاروق!! الحاشية: اقتطف من العقد الفريد وقسم كتاب لؤلؤة السلطان :[ السلطان زمام الأمور، ونظام الحقوق، وقوام الحدود، والقطب الذي عليه مدار الدنيا؛ وهو حمى الله في بلاده، وظله الممدود على عباده؛ به يمتنع حريمهم، وينتصر مظلومهم، وينقمع ظالمهم، ويأمن خائفهم. قالت الحكماء: إمام عادل، خير من مطر وابل؛ وإمام غشوم، خير من فتنة تدوم؛ ولما يزع الله بالسلطان أكثر ما يزع بالقرآن. وقال وهب بن منبه: فيما أنزل الله على نبيه داود عليه السلام: إني أنا الله مالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن كان لي على طاعة جعلت الملوك عليهم نعمة، ومن كان لي على معصية جعلت الملوك عليهم نقمة. فحق على من قلده الله أزمة حكمه، وملكه أمور خلقه؛ واختصه بإحسانه، ومكن له في سلطانه، أن يكون من الاهتمام بمصالح رعيته، والاعتناء بمرافق أهل طاعته؛ بحيث وضعه الله عز وجل من الكرامة، وأجرى له من أسباب السعادة. قال الله عز وجل: " الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر والله عاقبة الأمور ". قصاصة: د. عبدالرحمن الخضر ضرب لنا مثلاً بما ينبغي أن يكون عليه الولاة الذين يأتمنهم ولي الأمر على شئون ومصالح الرعية، وأنقل إليه مقتطف من العقد الفريد وما جاء عن ذكر ما يجب أن يكون عليه الملك وجلسائه ووزرائه:[ قالت الحكماء لا ينفع الملك إلا بوزرائه وأعوانه، ولا ينفع الوزراء والأعوان إلا بالمودة والنصيحة، ولا تنفع المودة والنصيحة إلا مع الرأي والعفاف. ثم على الملوك بعد ذلك ألا يتركوا محسناً ولا مسيئاً ما دون جزاء؛ فإنهم إذا تركوا ذلك تهاون المحسن، واجترأ المسيء، وفسد الأمر، وبطل العمل. وقال الأحنف بن قيس. من فسدت بطانته كان كمن غص بالماء، ومن غص بالماء فلا مساغ له، ومن خانه ثقاته فقد أتي من مأمنه.] إنتهى في زمان الطواغيت المتجبرين لا نجد إلا قليلاً من يراعوا الأمانة حقها، فسررت سرور الدهشة وأنا اسمع د. عبدالرحمن الخضر يعتذر لمواطنه علناً وعلى الهواء مباشرةً دون أن تأخذه العظة بالاثم .. حُييت أيها الوالي الذي يدرك ما معنى الأمانة وقول الحق في قوة!!