بسم الله الرحمن الرحيم إلحاقا لما تم نشره بخصوص النقل الجوي في السودان ومواصلتا لطرح الآراء و الحلول لمشاكل النقل الجوي في السودان ، أود أن آخذك عزيزي القارئ ، الى جولة داخل حظيرة مطار الخرطوم الدولي . فاذا نظرت الى الجهة الجنوبية الغربية من المطار تجد سبعة عشرة "هنقرا " ورشة لصيانة الطائرات مملوكة لشركات القطاع الخاص والتي تفوق هذا العدد بكثير . فالمحظوظ منهم من ظفر بقطعة ارض داخل المطار لإنشاء ورشة صيانة خاصة به ؛ وهي من متطلبات الحصول علي ترخيص تشغيل شركة طيران للنقل العام (Air Operator Certificate) ؛ وهي في حد ذاتها جزءا من الإستثمار في قطاع الطيران. فاذا دلفنا داخل تلك الورش نجد إن معظمها لا يرتقي الى مستوى ورشة صيانة عربات. ذلك لأن صناعة الطيران وبالمواصفات القانونية المحلية والدولية هي صناعة مكلًفة للغاية و بعيدة المردود (long term investment). فبعض تلك الورش قد تم إنشائها في آواخر الستينات من القرن الماضي وهي مملوكة لبعض الشركات التي إنحسر نشاطتها في هذا المجال الى أن أصبحت تقوم بتأجير تلك الورش لشركات أخرى لصيانة طائراتها أو لتخزين قطع غيارها ؛ وتلك الممارسة لا تخلو من مخالفة للقانون ؛ لا أريد أن أسترسل في ذلك في هذه الفرصة الضيقة . في هذا الكم الهائل من ورش الصيانة بمطار الخرطوم ، تقوم تلك الشركات بعمل الصيانة الدورية الصغيرة (routine minor maintenance checks) والصيانة غير الدورية الطارئة (non-routine maintenance). فتلك النشاطات مرهونة بمواصفات فنية ومؤهلات علمية دقيقة تقوم إدارة الصلاحية الجوية بالهيئة العامة للطيران المدني بضبطها والتصديق عليها. إلا وانه وكما أسلفت فتكلفة تشغيل ورشة الصيانة يتطلب رأس مال ضخم يتمثل في أدوات الصيانة ومعداتها (maintenance tools and equipment) وقطع غيار الطائرات والكوادر المؤهلة من مهندسين وفنيين وضباط تخطيط وضباط للجودة ومكتبة مراجع منكاملة ...الخ . فلهذه الأسباب تجد أن هنالك تدنيا في مستوى الصيانة للطائرات مما يترتب عليه أعطال أثناء التشغيل وتأخير للسفريات وايضا تسببا في حوادث قد تصل الى مستوى الكوارث . عليه ، ولكي نرتقي بتلك الورش الى المستوى الفني المطلوب لتتمكن من القيام بدورها بالوجه الأكمل ، أقترح بأن تقوم الدولة بالتعاون مع أصحاب تلك الشركات بدمجها في شركة مساهمة واحدة حيث تجمع تلك الإمكانات الضعيفة والمشتتة في شكل شركة مساهمة واحدة قوية رأسماليا و فنيا تستطيع توفير كل المتطلبات اللازمة من قطع الغيار و الكوادر فنية للقيام بصيانة الطائرات العاملة في البلاد حسب المواصفات المحددة من سلطات الطيران المدني وتوسيع نشاطاتها لتشمل عمل الصيانة الدورية الكبرى (routine major maintenance checks) والعَمرة (overhaul) الكاملة للطائرات ؛ إذ أن تلك الصيانات تُعمل خارج البلاد حاليا مما يُكبد شركات الطيران السودانية تكاليف باهظة وبالعملات الصعبة يمكن الإستغناء عنها وتوفيرها ؛ فيصبح الإستثمار في هذا المجال ذا جدوى إقتصاديا و ذا عائد مجزي للمستثمر ؛ وفوق كل هذا وذاك ضمان عمل الصيانة حسب المعايير و المواصفات الفنية المطلوبة وضمان طائرات لنقل الركاب آمنة و قليلة الأعطال نستطيع بها منافسة الشركات الأخرى إقليميا على أقل تقدير . أما خارج تلك الورش فتقبع أصناف من الطائرات ما أنزل الله بها من سلطان ؛ شرقية وغربية وحبشية ( حبشة في اللغة تعني هجين cross-breed / half cast ) ؛ ولا غضاضة في ذلك؛ إلا أن معظمها قد قضت عمرها الإفتراضى أو تكاد فتصبح عالية التكلفة في التشغيل و الصيانة على حد سواء و كثيرة الأعطال وبالتالي غير ذات جدوى إقتصادية تشغيلية (economically infeasible operation) فلهذه الأسباب تجد أن معظم شركات الطيران المحلية متعثرة ماليا و مترنحة تشغيليا. فلكي نتبع سياسة "الجودة مقابل الكمية" (Quality versus Quantity) ، لا بد لنا من التخلص من هذا الكم الهائل من الطائرات المتهالكة والإسعاضة عنها بطائرات جديدة أو شبه ذلك، ذات جدوى تشغيلية إقتصادية و عائد مادي مجزي ، يُراعى في إختيارها متطلبات القطاعات التشغيلية المختلفة (Sectors' operational requirements) ومواصفات التشغيل الآمن (operational safety requirements) الذي يتناسب مع ظروفنا الداخلية. أرجو من الإخوة الزملاء في قطاعات صناعة الطيران المختلفة أن يتقدموا بآرائهم ومقترحاتهم للنهوض بقطاع النقل الجوي في البلاد. كما أتقدم بجزيل الشكر على كل من شارك برأي أو تعليق بناء من داخل البلاد أو خارجها . زهير احمد يونس مهندس طيران بالمعاش