مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    أفضل أصدقائي هم من العرب" :عالم الزلازل الهولندي يفاجئ متابعيه بتغريدة    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    تكريم مدير الجمارك السابق بالقضارف – صورة    أليس غريباً أن تجتمع كل هذه الكيانات في عاصمة أجنبية بعيداً عن مركز الوجع؟!    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    الطالباب.. رباك سلام...القرية دفعت ثمن حادثة لم تكن طرفاً فيها..!    بأشد عبارات الإدانة !    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    ضمن معسكره الاعدادي بالاسماعيلية..المريخ يكسب البلدية وفايد ودياً    السودان.. مجلسا السيادة والوزراء يجيزان قانون جهاز المخابرات العامة المعدل    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    ريال مدريد يعبر لنهائي الابطال على حساب بايرن بثنائية رهيبة    ضياء الدين بلال يكتب: نصيحة.. لحميدتي (التاجر)00!    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    شاهد بالصورة.. شاعر سوداني شاب يضع نفسه في "سيلفي" مع المذيعة الحسناء ريان الظاهر باستخدام "الفوتشوب" ويعرض نفسه لسخرية الجمهور    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    الخليفي يهاجم صحفيا بسبب إنريكي    أمير الكويت يعزى رئيس مجلس السياده فى وفاة نجله    كرتنا السودانية بين الأمس واليوم)    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من كتاب من الإنقلابى البشير أم الترابى -9- .. بقلم: عثمان الطاهر المجمر طه / باريس
نشر في سودانيل يوم 19 - 12 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
{ الإسلام السياسى فى السودان }
بقلم الكاتب الصحفى والباحث الأكاديمى
عثمان الطاهر المجمر طه / باريس
[ربى زدنى علما ]
{ ربى أشرح لى صدرى ويسر لى أمرى وأحلل عقدة من لسانى يفقه قولى } .
إنتشر الإسلام فى بلاد كثيرة ، ومجتمعات مختلفة وكان إنتشاره عبر مراحل تأريخية عدة ، وكانت تلك البلاد ، والمجتمعات تمر بدرجات متفاوتة من التطور التأريخى ، والإجتماعى عندما بدأت ملامسة الإسلام لها ، وإحتكاكه بها فإختلفت درجات إستقبالها للإسلام وإستعايبه لها ، وتفاعلها معه ، وتاثرها به فنشأ فى كل واحد من تلك المجتمعات إسلام له خصوصيته التى تحمل بصمات كل واحد منها ، وهى بصمات شكلتها ظروف كل مجتمع ، والأسلوب الذى جاءهم الإسلام به .
ولكن تلك المجتمعات عرفت منهجا واحدا للعقيدة الدينية المرتكزة على الإيمان بوحدانية الله فى وجوده المطلق ، وعرفت إسلوبا مشتركا لممارسة شعائرها الدينية ، وأصبح الإسلام بالخصوصية التى إكتسبها فى كل مجتمع جزءا من تراث تلك المجتمعات ، ونسيجها النفسى ، وتركيبها الإجتماعى وتحددت الخريطة الدينية لكل مجتمع من ذلك التراث ، وتضفى على تلك الخريطة معالم أكثر وضوحا ، وجلاءا دون الخروج
على حدود دائرتها الجغرافية ، وكانت تلك الأجيال تسعى لتوائم بين موروثها ، ونسيجها النفسى ، وتركيبها الإجتماعى ، وكانت بلاد السودان إحدى المجتمعات التى دخلها الإسلام ، وتطور فيها بإسلوب وممارسات جعلت له صفاته ، وخصائصه المميزة ، والمتميزة بين سائر الدول الإسلامية .
لم يدخل الإسلام بلاد السودان بحد السيف ، وحق الفتح ، ولا التبشير المنظم ، ولم يعتنقه أهل البلاد فى فترة جيل أو أجيال وإنما تسرب الإسلام تسربا بطيئا عبر ثمانية قرون كان خلالها يتكيف مع واقع تلك المجتمعات , وتتكيف معه تلك المجتمعات فى هدوء ،ويسر ، وعبر التجربة الطويلة المدى ، ومن خلال تلك الظروف برزت السمة الأساسية للإسلام فى السودان القائمة على التسامح الدينى فالتسرب البطئ دون عنف أو قهر جعل التسامح الدينى هو الذى يحكم العلاقات الدينية ، وهو الذى يصوغ منهجها ، وأصبح ذلك التسامح الدينى ركنا أساسيافى إسلام أهل السودان .
ثم جاءت الصوفية بمنهجها الذى لا يقوم على جهاد ، وسيف وإنما على إسلوب سلمى متميز فأضفت على التسامح الدينى رواءا جديدا ، وعمقت أبعاده ، ولم يعتمد الصوفى فى مجاله على قهر أو سلطة ، وإنما على القبول الطوعى ، وإكتسب مكانته بإنجازه فى مجال تعليم الناس ، وعلاجهم ، وحل مشاكلهم ، وإيوائهم إذا عز عليهم المأوى فكان غوثهم ، وسندهم ، ووسيلتهم إلى الله ، وغدا الصوفى يشكل تمازجا فريدا بين المعتقد الدينى ، وتراث أهل السودان ، وهو تمازج تحددت أبعاده فى إطار التسامح الدينى حتى نشأ فى بعض الأحيان من جراء ذلك التسامح { خليط } بين تعاليم الإسلام وبعض العادات الوثنية مما إستوجب تصحيحها عبر الزمن وبإسلوب التسامح الدينى حتى إستقام أمر تلك التعاليم , وقد أدرك حكام بلاد السودان فى مملكتى الفونج ، والفور ذلك المنهج الذى صاغ رؤى أهل البلاد الدينية فكان التسامح الدينى هو الذى يكيّف العلاقات بينهم , وبين من يحكمون .
وجاء الحكم التركى المصرى ليقحم الإسلام فى معترك السياسة رافعا دعوة الخضوع للسلطان العثمانى خليفة المسلمين ، وما كانت تلك الدعوة إلا إحدى الأسلحة التى إستلها ليحكم بها أهل السودان ، وتدخل فى شؤونهم الدينية بمنهجه التركى الفوقى المتسلط دون أن يحفل بمنهج التسامح الدينى ، ودون أن يفهم طبيعة المكانة المتميزة لرجال الصوفية فإستغل أهل السودان دعوة المهدى المنتظر من باطن التراث ، وقادهم رجال الصوفية رافعين رايتها ، وقضوا على ذلك الحكم الأجنبى فالحكم التركى المصرى الذى أقحم الإسلام فى الساسة سقط صريعا بدعوة دينية سياسية .
وكانت دعوة المهدى المنتظر دعوة دينية متشددة خرجت عن مألوف التسامح الدينى الذى ساد منهج الإسلام فى السودان وكان العنف الشديد ، وأساليب القهر التى مارسها الحكم التركى المصرى هى التى دفعت الناس لإعتناق دعوة متشددة لعل فيها خلاصهم منه , وعندما تضيق الحال بالناس يلجأون لا إلى دعوة متشددة فحسب بل إلى ماهو أكثر شططا فكانت دعوة المهدى المنتظر إحدى الأسلحة التى إمتشقوها لمصادمة ذلك الحكم ، ولكن ما كان ممكنا إرجاع السيف إلى قرابه فتحولت الدعوة المهدية إلى أداة قهر فى ظل الدولة التى قامت على إنتصاراتها ، وإنهارت الدولة المهدية تحت ضربات الغزو الإمبريالى , ووقف جمع من الناس يدافع عنها حتى الموت لأن الثورة المهدية حققت إنتصارات وإنجازات شقت مجرا عميقا فى حياتهم ، وتمنى نفر آخر زوالها لما لاقوه من ضيم ، وعسف فى ظلها ، وبعد مجئ الحكم البريطانى عاد الناس إلى سابق تسامحهم الدينى ماعدا بعض الحركات التى ظلت تستلهم معنى الجهاد إستلهاما ينطلق من مواقع خارج التاريخ وكان الحكم البريطانى صارما فى ضرب تلك الحركات لادراكه لخطورتها إدراكا يصل حد المبالغة .
وإستطاع السيد عبد الرحمن المهدى أن ينتزع من دعوة والده الإمام المهدى جوهرها المجاهد، ويحيل الأنصار إلى مجموعة تدين له بالولاء الطائفى مثله مثل زعماء الطرق الصوفية فى البلاد ، ولم يشهد السودان طوال فترة الحكم البريطانى أى حركة دينية مناهضة له بل كان الزعماء الصوفيون والعلماء ضالعين مع ذلك الحكم وسندا له .
ومع بروز بشائر الإستقلال برز الإسلام فى المعترك السياسى ولكن كان بروزه محفوفا بكثير من الضوابط حتى لا ينفلت الزمام من الزعماء الطائفين الذين يريدون الدين أن يبقى أدأة لإحكام قبضتهم على مريديهم ، وليس وسيلة لتغير واقع المجتمع ، ودفعه إلى مراقى التطور فتم تكوين حزب الشعب الديمقراطى كتنظيم سياسى لطائفة الختمية ليصبح صنوا لحزب الأمة ثم إلتقى السيدان عبد الرحمن المهدى , وعلى الميرغنى بعد طول خصام ، وأصبحا هما أصحاب الشأن فى أمور السياسة ، ومعركتها ، وبرزت دعوة الدستور الإسلامى ولكنها لم تلق فى ذلك الوقت حظا من القبول إلا بين حفنة من دعاتها .
وبعد ثورة إكتوبر 1964م أٌقحم الإسلام فى السياسة السودانية إقحاما عنيفا ، وبرزت دعوة دينية سلفية إستغلها السياسيون ضد خصومهم من الشيوعيين الذين برزوا بعد ثورة إكتوبر أكثر ضراوة فى معارضتهم ، وأكثر جرأة فى طرح قضايا التغيير الإجتماعى ، وكانوا أكثر بيانا ، وإفصاحا فى مخاطبتهم لجماهير القوة الحديثة فى المدن ، وتم حل الحزب الشيوعى السودانى ، وطرد نوابه من البرلمان بتهمة الإلحاد ، وكانت تلك أول تجربة لإستخدام سلاح الدين بشكل فعال فى الصراع السياسى ، وشقت إخدودا مظلما فى الحياة السياسية السودانية ثم برزت الدعوة للدستور الإسلامى ، والجمهورية الرئاسية وهما وجهان لعماة واحدة هى التسلط السياسى ،وكانا هما السبب الرئيسى الذى أدى إلى إنقلاب 25 مايو 1969م الذى جاء بواجهة يسارية , ومنطلقات قومية ، وتوجهات علمانية .
وأدى تصاعد المعارضة ضد النظام المايوى برئاسة نميرى إلى دفعه دفعا للجوء لسلاح الدين فى وجه خصومه ، ومعارضيه ، وأتخذ نميرى من الدين سياجا يحتمى به من عنف تلك المعارضة فخف الركب إلى زعماء الطرق الصوفية وتصالح مع القوى المعارضة ذات المنطلقات الدينية أساسا حزب الأمة والأخوان المسلمين ، وتمكنت علاقاته مع زعماء الختمية ، وعندما لم يعطه كل ذلك الأمان الذى يرجوه أعلن الدولة الدينية فى السودان و وأحاطها بقوانين قمعية سماها الشريعة الإسلامية ،والتى أنكرها حتى أكثر دعاة الدولة الدينية حماسة ,وتاجر نميرى بالإسلام ضد من سماهم ملحدين ،وعلمانيين ،وحتى ضد أنصاره من دعاة الدولة الدينية لقد كان نميرى حاكما مصابا بجنون السلطة ،وهو جنون لوتعلمون عظيم فأخذ يضرب بسلاح الدين ذات اليمين ، واليسار فكان من أكبر تجار الدين الذين عرفتهم السياسة السودانية ثم إندك نظامه تحت ضربات الحركة الجماهيرية ،وإنحياز القوات المسلحة لها فى أبريل 1985م وخلّف ورائه مآسى وخلّف درسا هاما ،وهو أن أآ خروج على منهج أهل السودان فى التسامح الدينى مقضى عليه بالفشل مهما صاح حامله بنبرات دينية عالية .
إن الدعوة الدينية المتشددة تصطدم بالنسيج النفسى المتسامح الذى يشكل منهج الإسلام فى السودان .
مد حركة الإسلام السياسى فى السودان !
بعد إنجاز المصالحة السودانية فى السودان وبالتحديد فى عام 1977م قرر الدكتور حسن الترابى الذى يقود الأخوان المسلمين الإلتحاق بالنظام بحجة توجهه الإسلامى الأمر الذى أدى لشق الصف فى الحركة الإسلامية ،وإنشقاق الأستاذ صادق عبدالله عبد الماجد ،ومعه الشيخ الحبر يوسف نور الدائم ،والشيخ محمود براد نوالشيخ جاويش ،وآخرين خرجوا على الترابى نو إحتفظوا بإسم الأخوان المسلمين بينما إحتفظ الترابى بقيادة الإتجاه الإسلامى ،وأستفاد من هامش الحرية الذى سمح له به النميرى فإستخدم أغلى ما يملك من سلاح بذكاء ،ودهاء حاد ،وهو سلاح البيان ،وسحر فصاحة اللسان حيث أثر فى جماهير الطلاب فى الجامعات ،والمعاهد ،والثانويات وفى القوات المسلحة ،والنقابات حيث إهتمت حركته بالكم الجماهيرى بغض النظر عن الكيف الروحى ،والخلقى بينما إهتمت حركة الأخوان المسلمين بالتربية ،وبالجانب الروحى الصفوى على حساب الجانب الجماهيرى , ولهذا صار المد الجماهيرى ، والشعبى عند الترابى كثيف ، ومخيف ،وفى ذات الوقت إرتفعت شعارات الحل الإسلامى فى مصر معلنة إنطلاق مد الإسلام السياسى حيث سمح الرئيس السادات للأخوان المسلمينفى مصر فى السبعينات بمزاولة نشاطهم السياسى علنا فإندمج الأخوان مع الوفد ، وصارت صحيفة الوفد لسان حال الأخوان المسلمين ، ومارسوا نشاطهم الإعلامى بكثافة حيث أسس حسن عاشور مجلة إسلامية بجانب مجلة الدعوة ، وظهرت قيادات إسلامية فى إتحادات الطلاب فى الجامعات الإسلامية ترفع شعار الإسلام هو الحل وإكتسحت الجماعات لإسلامية النقابات , وعلى رأسها نقابة المحامين كل ذلك كان له إنعكاساته فى السودان ، وكلها كانت تصب فى مصلحة الترابى , وتزيد من رصيده ،وهكذا تم تعيين الترابى عضوا فى المكتب السياسى فى الإتحاد الإشتراكى فى فبراير 1978م ثم مشرفا سياسيا على دارفور فى آواخر العام ثم نائبا عاما ، ووزيرا للعدل ،وفى الثمانيات إستغل الترابى موقعه كوزير للعدل فى النظام ، وأقام مؤتمرات ، ودعوات حيث توافدت على السودان وفود شتى من ششتى بلدان العالم الإسلامى ، وعلى رأسها مصر فزار السودان فى الثمانيات الشيخ الدكتور محمد الغزالى الداعية الإسلامى ،والداعية الإسلامى يوسف القرضاوى ، وأمير جماعة الأخوان المسلمين عمر التلمسانى ، والحاجة زينب الغزالى ،والداعية الإسلامى الشيخ صلاح أبو إسماعيل ن والمفكر الإسلامى جمال البنا والكاتب الإسلامى أنور الجندى ، والداعية الإسلامى الشيخ المحلاوى ، ومن تركيا جاء الداعية الإسلامى البروفيسيور
نجم الدين أربكان زعيم حزب النهضة الإسلامى يومها ومن أمريكا جاء أسطورة الملاكمة البطل العالمى محمد على كلاى وغيرهم كثير كل ذلك خدم الحركة الجماهيرية الترابية خدمة شعبية هائلة الأمر الذى مكن الترابى من إنشاء إقتصاد إسلامى قوى حيث قامت عدة مصارف إسلامية ، وشركات إسلامية فى السودان ، وكذلك تمكن الترابى من إنشاء لوبى إعلامى قوى للغاية فإكتملت له عناصر السلطة ،و السطوة ،والقوة والنفوذ لوبى إقتصادى متين ، ولوبى إعلامى راسخ ولوبى سياسى كبير، وخطير, ولم يجد نميرى مناص من الإستجابة للتعاون مع مد الإسلام السياسى فأعلن نميرى توجهه نحو الشريعة الإسلامية بعد أن أعلن قيام لجنة لإعادة النظر فى القوانين لتتماشى مع الشريعة الإسلامية فعيّن فيها الشيخ على عبد الرحمن ، ود. حسن الترابى ,ود. جعفر شيخ إدريس وخاطب النميرى جلسة تلك اللجنة قائلا :
{ اللهم أحفظنى بالإسلام قائما , وأحفظنى بالإسلام قاعدا وأحفظنى بالإسلام راقدا } .
ثم أكد أن طموحنا اليوم التمسك بأهداب الإسلام ، والإحتكام إلى شريعته ، والعودة إلى حظيرته } .
كما أعلن فى ندوة الدراسات الإسلامية من قبل أنه تم وضع خطة متكاملة على طريق تطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان وأنهم قطعوا خطوات واسعة فى هذا السبيل ,وأنه أصدر العديد من القرارات ، والأوامر ، والتوجيهات التى يتم بها العمل من أجل قيام المجتمع المسلم المعافى عقيدة وفكرا وسلوكا .
كما صرح النميرى لصحيفة المدينةالسعودية ، وهو يحاول إرضاء المملكة العربية السعودية قائلا: إنه راض غاية الرضا بما أنجز من التشريعات الإسلامية فقد تم التوصل إلى نقاط فيها تعارض بين ما نتعامل به من قوانين وما ينبغى أن نتعامل به من تشريعات إسلامية ، ولكن نقاط التعارض قليلة جدا فقد وجدت اللجنة أن 95% من القوانين التى نتعامل بها الآن متمشية مع التشريع الإسلامى ،وإختتم حديثه قائلا :
بأن الرأسمالية العالمية ، والشيوعية تعتبران الإسلام هو عدوهم الأول ، وإستمر النميرى فى المضى قدما نحو تطبيق الشريعة الإسلامية كما إستمر فى هذا النهج الدينى المعتدل الذى يميز أحاديثه فى هذه الفترة حيث نجده يقول : ندرك قبل غيرنا أن القوانين وحدها بمعزل عن ظروفنا الإجتماعية لا تحقق الغاية المطلوبة ، والإسلام بالذات دين إيمان ن وخلق قبل أن يكون دين قانون ، وردع ، والناس يخشون ربهم قبل خشيتهم من القانون ، ونحن نقتدى بنهج الرسول صلعم الذى علم ,ودرب وربى ثم راقب ، وحاسب , وعاقب الإسلام ليس أمر سياسة عابرة بل هو أمر وجود , ومصير لانزايد عليه ، ونتاجر بشعاراته ، و لا نتخذه مطية لأغراض الدنيا الفانية .
ثم يؤكد هذا المعنى مرة أخرى عندما يقول : إن النهج الإسلامى كمنهج للحكم ينبغى أن يكون قناعة إلتزام ،وليس خضوع إلزام فلا يكون الإسلام مجرد نواة تدعمها سطوة القانون ، وإنما قناعة المؤمن . ثم مشى نميرى بعيدا فى تطبيق القوانين الإسلامية فأعلن فى سبتمبر 1983م الإلتزام بالشريعة الإسلامية التى سماها خصومه ، ومعارضوه { قوانين سبتمبر}
وقال عنها زعيم المعارضة السيد الصادق المهدى :
" إنها لا تساوى الحبر الذى كتبت به " .
وكان أول ضحية وكبش فداء للإسلام السياسى فى السودان هو الأستاذ / محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهورى والذى كان يقول : إن الصلاة صلاتان صلاة حركية وصلاة روحية فأنت حينما تتقن وتجيد الصلاة الحركية تسمو بك إلى مرحلة الصلاة الروحية فأنت تكون فى صلة دائمة مع ربك بحيث تسقط عنك كل التكاليف من صلاة حركية ، وصوم وقيام وغيره الأمر الذى أثار حفيظة العلماء فى السودان فأتهموه بالكفر ، والإلحاد ، ووجدها أنصار الترابى فرصة سانحة للتخلص من أخطر زعيم صوفى مستنير منافس لهم فى الساحة السياسية , والإسلامية , وفى الجامعات ، والمنابر الثقافية والنقابات فأستغلوا معارضته لقوانين سبتمبر 1983م وإتهموه بالزندقة ، وبالإلحاد ، وحرضوا النميرى عليه فألقى النميرى القبض على محمودمحمد طه ، وهوفى سن السادسة ،والسبعين وقدمه إلى محاكمة برئاسة القاضى المهلاوى ، وكان شابا حدثا فى سنه لكنه حافظ للقرآن الكريم فأعلن المهلاوى فى محكمته إعدام محمود محمد طه بتهمة الدعوة إلى الفرقة بين طوائف الشعب , والدعوة إلى إلغاء شرع الله ، ووجهت له تهم هو ، وأربعة من أفراد حزبه تحت المواد {127} {أ} الإخلال بالأمن العام {96} {ط} نشر ، وإذاعة بيانات كاذبة ، ومغرضة
تهدف إلى تضليل الرأى العام ، وإثارته ضد السلطة {105} إثارة المعارضة {20} {أ} من قانون أمن الدولة والمادة {31} من قانون أصول الأحكام القضائية .
وكان محمود أصدر بيانا بإسم حزبه حزب الأخوان الجمهوريين منشورا عاما وزعوه على الناس جاء فيه :
{ إن قوانين سبتمبر أذلت الشعب السودانى ، وإمتهنت كرامته وإنها لا تصلح للتطبيق ، ودعوا إلى إلغائها }
ثم قال محمود محمد طه فى محكمة المهلاوى التى أعلنت إعدامه { أعلنت رأيى مرارا فى قوانين سبتمبر 1983م من أنها مخالفة للشريعة ، والإسلام , وأكثر من ذلك فإنها شوهت الشريعة ، وشوهت الإسلام , ونفرت منه يضاف إلى ذلك إنها وضعت ، وإستغلت لإرهاب الشعب ، وسوقه إلى الإستكانة عن طريق إستغلاله ثم إنها هددت وحدة البلاد من ناحية التنظير وأما من حيث التطبيق فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيا ، وضعفوا أخلاقيا عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لإضاعة الحقوق , وإذلال الشعب ، وتشويه الإسلام , وإهانة الفكر والمفكرين , وإذلال المعارضين السياسيين ، ومن أجل ذلك فإنى غير مستعد للتعاون مع أى محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل , ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر , والتنكيل بالمعارضين السياسيين } .
ثم أصدر القاضى المهلاوى حكمه فى الثامن من يناير1985م بالإعدام شنقا على محمود ورفاقه الأربعة مالم يتوبوا ويرجعوا عن دعوتهم فرفضوا فرفع الحكم إلى محكمة الإستئناف برئاسة المكاشفى طه الكباشى , وعضوية حاج نور ، ومحمد سر الختم ماجد فأيدت حكم الإعدام ، ورفعت الحكم إلى نميرى فى 15يناير ، وأعلن نميرى تأييده للحكم فى خطاب مطول بثته أجهزة الإعلام إستهله قائلا : بأنه عكف 27 ساعة متصلة يدرس القضية فلم يجد لمحمود مخرجا ثم أعلن : [بإسم الله والشعب ، والثورة أيدنا العقوبة بالإعدام على أساس الشرع والقانون , وحماية للأمة من التطاول على الله , وأنبيائه وأن السلم الجهنمى الذى إنحدر به المتهم ذو درجات سبع تحتها سبع حتى قاع الشرك الكامل ] .
ثم قال : { إن إستمرار هذا الدعى فى دعواه سيعرض الأمة لعقاب الله إذا سكتت عن فجوره الفكرى ، والسياسى ،و هى تحتكم لشرع الله } .
وفى صباح اليوم التالى نفذ حكم الإعدام شنقا حتى الموت على محمود محمد طه فى ساحة السجن العمومى { كوبر} أمام حشد من الناس وحضره رئيس القضاء ، ود. الترابى ،وبعض القيادات السياسية وسط إجراءات أمن مشددة ثم حمل الجثمان بطائرة حربية ' وألقى به فى قلب الصحراء حتى لا يدفن فى مقابر المسلمين .
osman osman [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.