الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    المريخ فِي نَواكْشوط (يَبْقَى لحِينَ السَّدَاد)    اردول: افتتاح مكتب ولاية الخرطوم بضاحية شرق النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    المريخ يكرم القائم بالأعمال و شخصيات ومؤسسات موريتانية تقديرًا لحسن الضيافة    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    برمجة دوري ربك بعد الفصل في الشكاوي    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    مجلس إدارة جديد لنادي الرابطة كوستي    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    وصول 335 من المبعدين لدنقلا جراء أحداث منطقة المثلث الحدودية    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمحة امدرمانية 6
نشر في سودانيل يوم 10 - 08 - 2009

في بعض الاحيان تأتيني لمحات امدرمانية, اكاد ان احس بحلاوتها في فمي . قديما كان البوليس يرتدي زيا ابيضا وطرطورابيضا وشبط اسودا . وكان هنالك طابع بريد (ابو قرشين ) وهو اكثر طابع بريد مستعمل في السودان. وكان عليه رسم عسكري بوليس بطرطوره. وكان الكبار يقولون العسكري ابو طرطور يوصل ليك جوابك لآخر حته في الدنيا. وكان عسكري البوليس بالرغم من الزي الابيض والقشلين. وهو الرباط الذي يلف حول الرجلين يبدو نظيفا متناسقا, بدون اى لطع او بقع . ويختار الشباب قويي البنية ومن حسن مظهرهم ومخبرهم.
رجعت مرة من المدرسة . وقالت لي والدتي صاحبك البوليس جا هني وخلا ليك جوافة . وبالغت والدتي في وصف الجوافة ولونها ورائحتها وكبر حجمهما . وكان رجل البوليس قد احضرها من جنينة السيد الهادي التي كانت على النيل امام ميدان البحيرة. وهنالك بواقي سور المهدية القديم ولهذا عرفت المنطقة بحي السور او الملازمين .وامام الجنينه كانت ترسو باخره السيد عبد الرحمن الطاهره معها رفاسين صغيرين هما الصفا والمروا ..
رجل البوليس الذي لم يخبرني ابدا بإسمه كان يقف في الركن الشمالي الغربي من منزل الدكتور محمود حمد نصر, المواجه لمنزلنا. وكان زيه الابيض يعتبر كونتراست مع الطرطشة السوداء اللتي تغطي الحائط. وكان كثيرا ما يناديني, وانا وقتها انا في السادسة او السابعة من عمري لكي احضر له الماء المثلج. عندما يكون واقفا في النقطة. ومن العادة ان يمر الشاويش بالكومر ويدقق في تواجد البوليس ويسأل عن ما يجري وكان رجل البوليس يقف في اماكن استراتيجية في كل امدرمان . وهذا ما عرف بالنقطة. وكنت اقضي معه ساعات طويلة وكان يعلمني طريقة الدفاع عن النفس وطريقة لي ساعد المجرمين وكيف يستعمل العصا في الدفاع عن نفسه وكيف يستعمل السير الجلدي لكي يقوم بتقييد يدي المجرم خلف ظهره واخذه الى الحراسة . او يستعمل السير الجلدي لان يضع يده داخل تلك الحلقة حتى لا تفلت العصا من يده في حالة استعمالها.
تلك الجوافة لم اذقها . لان امي قد اعطتها لاخوتي الصغار الا انني كنت سعيدا وفخورا لصداقتي بالبوليس.
وعندما غير برجل بوليس آخر , تألمت كانني فقدت قريبا. الا ان رجل البوليس الذي اتى بعده كان حسن ابوسن دهب . وحسن احد ظرفاء امدرمان كتبت عنه في حكاوي امدرمان وحسن كان لطيفا عذبا. امتدت صداقتنا الى الستينات وكنت اجالسه في المقاقهي فيما بعد. وكان يفتخر بانه لم يحدث بان بلغ عن انسان.
عندما رجعت للسودان في السبعينات كان حسن قد ترك البوليس وصار عسكري بلدية . وعندما احتضنني مسلما قال لي (كنت وين يا شقي الحال) حتى رجال البوليس كانوا من احلى البشر .
كلما اسمع الناس يضحكون, كنت اذكر يوم جمعة قضيناه مرحا وضحكا ونحن نتسلق الاشجار ونصطاد الاسماك ونلهو في الفراغ الذي صار الاذاعة والتلفزيون والمسرح . وكان معي اخي شنقيطي رحمة الله عليه بابكر جادالله وعمر القاضي وعبدرالكريم (ود كورتي ) وكنت في التاسعة من عمري. وكان ود كورتي يتسلق الاشجار ويلتقط القرض ويكومه ثم يعود للتسلق مرة اخرى ولكن الكوم يرفض ان يزيد ونحن نقف ببراءة بعيدا . والحيرة تبدو على عينيه. الا ان اكتشف ود كورتي بان جيوبنا منتفخة واذكر اننا ضحكنا حتى سقطنا ارضا ولا اذكر ابدا اننا قد ضحكنا مثل ذلك اليوم . لقد قضينا كل الصباح ونحن ندبر المقالب لبعضنا البعض. ود كورتي انتقل لفريق السوق من حي الملازمين. وكان له قريب يكبرنا قليلا اسمه ابوشلة وكان يزوره في حي الملازمين .
وبعد ثلاثة او اربع سنوات من تلك الفترة شاهدت ابوشلة وهو يحمل خرتاية كبيرة مليئة بالليمون وهو يترجل من مركب توتي بالموردة. وكان هذا في شهر رمضان الذي كان يأتي في الصيف فسلم علي بحرارة واعطاني ست ليمونات ضخمة صفراء اللون وهذا بدون ان اساله. وودعني بإبتسامة جميلة وذهب . وبدأت احسب واضرب لمشروع الذهاب الى سينما العرضة والسينمات وقتها كانت دور واحد في رمضان. فاعطيت الليمونات لصديقي مختار الطاهر الذي باعها لمحمد ادريس صاحب بازار الاحفاد بقرشين. وكان عندي قرشا. فذهبت لارى فلم اسكراموش في سينما العرضه . واسكراموش من الادب الفرنسي. وما عرف وقتها بافلام السيف . وهي فترة الثورة الفرنسية. والسينما كانت ساوي قرشين ونص . آخر مرة اشاهد ابوشلة كان يركب حمار ا بدون سرج (عري) ويقود خمسة او ستة حمير مربوطه مع بعضها وكان قد اتى بها الى البحر للشرب والحمام. وكان واضحا انها حمير صغيرة السن لم تطيع بعد وكانت مربوطة من اعناقها كحزمة واحدة. وابو شلة كان يقود تلك المجموعة من الحمير. لم اقابله بعدها. الا انني اذكر ه كثيرا كولد امدرماني نجيض . وانا متأكد من انه قد نجح في حياته ولم انسى ابدا ليموناته السته.
اول مرة احس بأنني بطل وشخص مهم , وصفق لي الناس , كنت وقتها في الثامنة من عمري . وكان وقتها بتاع النور يحضر عند المغيب وهو يحمل قناية طويلة ويقوم بإشعال الانوار الكهربائية في الاحياء هذا قبل ادخال ماعرف فيما بعد بالإضاءة الحديثة في امدرمان اللتي ارتبطت بظابط مجلس امدرمان مامون الامين . بعض هؤلاء الرجال يحضر ماشيا وهو يحمل القناية او على عجلة . وفي احد الايام لم يحضر (بتاع النور) وحضر سيد اللبن. واللمبة كانت في تقاطع منزل الداية , و الخالة الارمنية اوجين . والدكتور محمود حمد نصر ومنزلنا الذي كنا نسأجره من الياس دفع الله الياس . وكان نساء يقفن وهن يحملن البسلات والكور ويتسالن عن سيد النور . فقمت بتسلق العمود الخرساني واشعلت النور فهلل النساء وصفق الرجال . فخرجت امي مستطلعة, وشاهدتني وانا انزل من العمود . فنظرت الي نظرة حنان وفخر . وتلك المرة الوحيدة اللتي لم يحضر فيها بتاع النور.
وانا في الثامنة عشر من عمري قررنا ان نلعب دافوري امام منزل اختي فاطمة ابراهيم بدري ومعي ابنها المعز ابراهيم مالك الذي يكبرني بسنة, ومجموعة من ابناء حي العرضه احدهم (النرب) الشقيق الاكبر للرجل الجنتلمان والدبلوماسي كابتن قاقرين. وكان قاقرين يكتفي بالفرجة والدافوري امام منزلهم مباشرة. وبعد نهاية الدافوري كنت اريد ان اذهب الى منزل اختي الذى على بعد خطوات من منزل قاقرين او ارجع الى منزلنا في العباسية . الا ان كابتن قاقرين الذي كان اصغر مني اصر ان لا اذهب بعجاجي وعرقي وكان قد احضر لي بشكيرا نظيفا وكباية شربات لا ازال احس بطعمها الجميل في فمي ولم تكن علاقتي وطيدة به الا انني كنت قريبا من شقيقه النرب الذي كان معي في مدرسة بيت الامانة وفي فصل شقيقي الشنقيطي.
كان ذلك الكرم الامدرماني الذي وجدته من كابتن قاقرين شيئا غير مصدق كنت احس بانه اكثر من ما استحق لم يكن له اي سبب سوى كرم واريحية وعظمة كابتن قاقرين. ولازال هذا الحادث يؤثر في طريقة تفكيري. فامثال كابتن قاقرين كانوا يقدمون ويتلطفون بالآخرين بدون اي سبب . فقط . لانهم عظماء ..
كابتن قاقرين منذ صغره كان في الدافوري يقوم بغربلة الميدان ولا يستطيع اي انسان ان ينتزع الكرة منه حتى يقوم شقيقه الاكبر النرب بركله واسقاطه وانتزاع الكره منه وطرده من الميدان. وسط ضحك الجميع ..
النرب كان فى فصل الشنقيطى وكانوا فى اولى ابتدائى وكنت فى رابعه كتاب . وفى احد العصارى كان النرب يروى فلم اغلبه من خياله . وحكى عن البطل الذى اجبره الخائنين ان يلقى بمسدسه . وشاغل الخائنين والتقط المسدس باصابع قدمه وطوح به فى الهواء وتوف توف وبحركه مسرحيه كان يصوب حجرا التقطه النرب من الارض بامشاطه ويطلق النار على عبد الرحيم على حمد وتوفيق وجعفر حسين القطب المريخابى الكبير الذى كان حارس مرمى بيت الامانه . والجميع مندمجون فقلت له والبطل ده كان حفيان ليه شغال طيانى . فطاردنى حول الميدان وكان يقول لشنقيطى الشافع ده بتاع مشاكل .
شخص آخر ذكرته في حكاوي امدرمان هو مصطفى الذي كنا نلعب معه الدافوري في ما عرف بالفسحة وهي الساحة اللتي امام قلعة صالح جبريل وهذا المنزل عرف بالقلعة والحي عرف بالقلعة. مصطفى كان اسمه سلطة لانه كان يعمل سلطة من اللعيبة كان مثل قاقرين موهوبا في التحكم على كرة الشراب .
شخص آخر استمعت بصداقته بعد عدواة قاسية ..هو الخير العجلاتي . وانا في الحادي عشر كنا نسكن في زريبة الكاشف ونستأجر منزل العم احمد زين العابدين والد الفريق محمد احمد زين العابدين . وكنت اتحرش بخالد عبدالكريم وشقيقه . الذان كانوا يحضرون في العصر من فريق الدومة مارين بحينا في طريقهم الى محل والدهم في شارع كرري. وكنت امنعهم من المرور واطالبهم بالذهاب عن طريق الشارع العام .
العم عبدالكريم كان عجلاتي في السوق ,بداية شارع كرري ..وهو خال اولاد الجزولي مجدي وكمال وعبدالممنعم ومحمد وآخرين . وعندما تعب خالد من مضايقاتي اتى متسلحا في احد الايام وقام بطعني . فأخذني جارنا ميرغني الحاج بدراجته الى المستشفى فطالبونا باورنيك 8 . وطبعا هنالك اورنيك 9 وهذا للمجانين وناس امدرمان قديما كانوا يقولون لمن يسيء التصرف , انت عاوز اورنيك 9 . الا ان المركز ارسلنا الى القسم الشمالي. وبعد خياط الجرح والضمادات رجعت للمنزل ولم تزد والدتي ان قالت لي ود الناس الطعنك ده بتكون انت غلطان عليه. ولم تسأل عن ود الناس او اهله او ماذا حدث . وهكذا كان الناس قديما في كل السودان يعتبرون الجميع ابنائهم.
لفترة كان الخير الذي يعمل صبي عجلاتي عند العم عبدالكريم يصحب خالد في مشاويره. ولانه كان اكبر مني بعدة سنوات فكان يمنعني من الاقتراب من خالد . وفي احدى الامسيات شاهدت الخير وهو يجلس على دراجته امام دكان اليمني ناصر الصياد من جانب الطاحونه المواجه لدكان مكي ود عروسه الذي سمي عليه الحي . وكنت مصحوبا بشقيقي الشنقيطي وصديقي قريب الله كاورو. وهو صبي قوي كان يعمل ود مرزبه عند احد الحدادين . وسقط الخير ارضا ولم يبد اي مقاومة الي ان انتهرني شقيقي شنقيطي وقال الخير انا ما عاوز مشاكل وانا قلت لصاحبك مصطفى انا ما عاوز مشاكل مع شوقي .وبالسؤال مصطفى منو. كان الجواب مصطفى سلطة ده اخوي الصغير . فأعتذرت له ووعدته بأن لا اتعرض لخالد . فصداقة مصطفي كانت بالنسبة لي مهمه . واعتبرها شيئا قيما. وصرت احي الخير وابادله الود. وعندما كنت ازور اخي الطيب سعد في زقاق الصابرين صرت اعرج على الخير وعندما اتصل تلفونيا بالطيب او يتصل ابلغه التحية للخير. والخير صار عجلاتيا معروفا فى السوق ..
الصداقة كانت انفس شيء في امدرمان ..
. وانا في الثالثة عشر من عمري, حضر بعض الشباب الى حي السردارية وسالوني عن منزل عبدالحميد عبدالقادر عمر الصادق. فأخذتهم الى المنزل .وعندما فتح عبدالحميد الباب رحب بهم فاردت الإنصراف الا انه اصر على دخولي . وكنت حافيا مغبرا كعادتي. الا انه مسك يدي وادخلني الى المنزل . شقيقه على رحمة الله عليه كان معي في مدرسة بيت الامانة. واجلسني مع ضيوفه في البرنده وتبسط معي وكانني من اصدقائه الاقربين واتتني قزازة الليموناده كذلك . وانا احاول ان اخفي قدمي الحافيتين تحت المنضده. وعندما انصرفت تبعني عبدالحميد الى الباب ..
عندما ذكر لي توأم الروح بله في التلفون قبل عقد من الزمان ان عبدالحميد انتقل الى جوار ربه كان متألما فعبدالحميد كان سهلا لطيفا ينقلب الى اسد لاقل استفزاز. بالرغم من انه لم يكن ضخم الجسم. ونحن صغار اشتبك مع حسن دينق الذي كان فتوة الحي وكان رحمة الله علية قويا كما كان ملاكما جيدا فقام البعض بالفصل بينهما. واخذ اهل عبد الحميد ابنهم لداخل الدار واغلقوا الباب. الا انه تسلق الحائط وفاجأ حسن دينق بهجوم شرس تبادلا فيه الضرب والنطح وكانت معركة متكافئة عوض عبدالحميد الفرق الجثماني بالشجاعة والصمود.
بعد تلك الفترة تحصل حسن دينق بعد ان اكمل الثامنة عشر على رخصة قيادة واول وظيفة له كسائق كانت على سيارة والد عبدالحميد بتزكية من عبدالحميد ..عبدالحميد كان حلوا مثل اغلب ناس امدرمان يتحدث بأدب ومعقولية مع الجميع ..اذكر واننا جلوس في النجيلة امام الدايات ان لمح شخص سخيف الا ان سيارتهم الامريكية قد ابتاعوها من فلوس التعويض الذي استلموه في سنة 57 اثر موت شقيقه الطيار في توريت في الحادث المشؤوم. واذكر ان عبدالحميد يقول للشخص بمنتهى البساطة والمعقولية اول حاجة العربية انحنا اشتريناها قبل وفاة المرحوم . والخمسة الف تعويض كنا عاوزين نعمل بيها جامع لكن خمسة الف ما بتعمل جامع الجامع عاوز ليه عشرين الف وانحنا ما ممكن نجبر الناس التانيين يدخلو معانا في مشروع جامع انحنا ما بنعرف ظروفهم. وانا ما عاوز اقول انحننا تصدقنا بي كم وعملنا شنو ؟... لكم كنت اتمنى ان يكون لي معقولي وعذوبة عبدالحميد..
في عام 1960 وفي شهر يونيو مع اول مطره , كانت هنالك ثلاثة برك مليئة بالماء . في الميدان الذي يفصل سجن امدرمان عن قبة المهدي,والذي كان فراغا فأخذني عبدالحميد وصديقه الاقرب فاروق حاج الامين شقيق الشاعر عبدالمجيد حاج الامين وآخرين . ونحن نحمل الجرادل والبسلات لتصريف الماء لان عبدالحميد كان قد عزم بعض زملائه من الخطوط الجوية السودانية لتمرين كره في ذالك الفراغ. وبعد نصف ساعة من العمل المتواصل نظر عبدالحميد للماء الذي افرغناه من اصغر البرك .ولم يكن هنالك اثر على البركه . وقهقهة ضاحكا وقال ...نحنا يا مجانين يا اغبياء...واستلقى على الارض واشعل سيجارة وبدأنا في الضحك على انفسنا وصرنا نقترح عربية البلدية اللتي تشفط الماء او نحول الماء الى مريسة وستختفي الكمية في ساعات لان كل امدرمان ستحضر لكى تغرف . او ان نحفر جدول الى خور الاشلاق .
اي انسان كان يمر بنا ونحن مستلقين على الارض ونحن في حالة ضحك كان من المؤكد سيقتنع باننا نعاني من اختلال في عقلنا. ولما لا يقل عن ساعتين كنا نستمتع بنكات (فاروق الحلبي) رحمة الله عليه الذي كان من ظرفاء امدرمان. وكان يمثل دور غردون في مسرحية حصار الخرطوم التي الفها الاستاذ الطيب ميرغني شكاك رحمة الله عليه , والتي مثلتها مدارس الاحفاد في عدة مدن . وكان فاروق رحمة الله عليه يجيد دور غردون لدرجة ان الانسان يكرهه. وفي احدى الامسيات حرن فاروق ورفض ان يمثل بدون ان يعطيه صديقه واستاذه الطيب ميرغني جنيها كاملا لانو مع التمثيل الفي راسو حا تطير .. لان المسرحية كانت في قبة المهدي والانصار يطالعونه وينظرون اليه شذرا ...
في الستينات كان عبدالحميد رحمة الله عليه يعاني من اصابة بليغة في يده اليمنى وكان لا يستطيع ان يحرك اصابع يده وكانت يده ملفوفة كل الوقت والابتسامة على شفتيه. وبالسؤال كان عادة يقول انه حاول ان يفتح زجاجة بطريقة وضع المخدة على الحائط والضرب بمؤخرة الزجاجة لاخراج الفلة الا ان الزجاجة انكسرت وقطعت يده. ولم يكن يغير هذه الرواية. ولكننا عرفنا انه دفاعا عن صديق تعرض لطعنة بسكين بواسطه صديق آخر وكعادة الناس قديما كانوا لا يبلغون الشرطة خاصة عندما يكون الجاني صديقا او من المعارف
(الضابط ظعوط) الذي كان من الضباط المميزين وكما ذكرت في كتاب حكاوي امدرمان وجد مطعونا وبالرغم من محاولة الاهل والبوليس كان يقول ( انا ما ممكن اتكلم ولمن اقوم حقي حا آخدو) الا انه مات في ريعان شبابه..
الاخ مأمون دفع الله الفيل الذى هو مثال للمعقوليه والادب مثل آل الفيل كان يعاملنى بود ويختارنى كزميل فى لعبه الوست ولا يحتد معى حتى عندما كنت فى فتره التعلم . كنت اعجب بطول باله واريحيته , له جزيل الشكر . عبد العظيم ابو سنينه ( ابو يمن ) كان يكبرنى قليلاً وكان جارنا وكان يعاملنى بنديه واحترام ويدافع عنى . واذكر انه كان يراسلنى وانا فى مدرسه ملكال الاميريه . كان احد الكوكبه اللذين تركوا هذه الدنيا قبلى عقد من الزمان . الا انهم تركوا لنا احلى الذكريات والسيره العطره .
يا لحلاوة تلك الايام وعظمة الرجال والنساء الذين عرفناهم...
التحية
شوقي
Shawgi Badri [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.