بسم الله الرحمن الرحيم التاريخ : 09/08/2009م [email protected] هو رجل جسور وصبور من مغتربي السعودية المناضلين، كانت حساباته هذه السنة بالذات غاية في التعقيد ولم يكن لديه ما يكفي من المال لهذه الإجازة الميمونة والتي كان لزاما عليه ( نزولها ) هذا العام لحسم الكثير من القضايا المعلقة هناك، وكان التفكير المستمر فيها مصدر قلقه وسهره وتعاسته منذ عدة شهور سابقة ، تارة يقرر السفر وتارة يلغي الفكرة إلى أن منّ الله عليه ببعض المال، ولملم أطرافه وحزم أغراضه وانطلق إلى جدة مرورا بمكة لعمل عمرة و( يا الباخرة جاك زول ) كان لديه بعض الوزن الزائد ولا حل أمامه سوى الباخرة ، كان يحمل مشاعر متباينة ومتناقضة بين الشوق واللهفة والخوف والإحباط ، لم يشتر هدايا للجماعة كالعادة لوجود اهتمامات والتزامات أخرى هذه السنة ،واكتفى ببعض الملابس المحدودة لبناته وزوجته فقط ،كما أنه اشترى ( خلاطات ) لحمامات منزله وبعض الحنفيات و( دُش ) وحوض مطبخ استانلس استيل وبعض مفاتيح الكهرباء الأصلية وبعض النجفات ، وثلاث مراوح سقف ماركة CMC،أشترى هذه المواد بعد أن (كسّرت) المرأة المستأجرة لمنزله جميع معدات السباكة والكهرباء و( هرستها ) و( كومتها في نص البيت ) وهربت بعد أن تركت مفتاح البيت لدى صاحب الدكان المجاور للمنزل ولم تترك أي بيانات للاستدلال عليها وسؤالها لماذا فعلت هذا التصرف الجنوني قبل إخلائها للمنزل مباشرة على الرغم من أنها خرجت طوعا وليس عن طريق البوليس، أيضا أخذ معه (ريسفر) صيني كان موجود لديه سلفا كان قد كسبه كجائزة من أحد ( المولات ) ، كما أنه أشترى كيس حليب ( آنكور) زنة 25 كيلو ، ومكيف صحراوي ( مفرتك ) قام بتستيفه بعناية في كرتونة بنصف حجم كرتونته الأصلية ،واشترى أيضا مطبخ ألمونيوم ( مفرتك برضه) ومستعمل قام بشرائه من الحراج ، واشترى ( ثيرمس ) شاي كبير (بتاع) مناسبات ماركة ( تايقر ) كما أخذ معه ثلاث سراير ماليزية وثلاث مخدات مضغوطة وطقمين ملايات وعلبة حلاوة ( جواهر)وعلبة عصير بودرة ماركة( ترايسي ) وكرتون ( آندومي) .كما استبدل جواله ( الدمعة ) بآخر ماركة N95 مستعمل استعمال خفيف ، كما اشترى شاشة LCD مستعملة لكمبيوتر الأولاد الذي أفادوه بأن شاشته احترقت وتكلفة صيانتها أغلى من شراء أخرى جديدة ، أيضا حمل مع أشواقه ولهفته لبناته( لاب توبه ) ال Acer القديم وهو نفس( اللابتوب ) الذي سافر به في إجازته السابقة حيث لم تسمح الميزانية باستبداله بآخر جديد ماركة (توشيبا) كما كان يتمنى، لكنه قام بعمل بعض التحسينات عليه وحمّل عدد كبير من البرامج والصور والأفلام الكرتونية والعاب ال games لبناته . وبينما حافلة النقل الجماعي تنهب الإسفلت ناحية مكة ،كان صاحبنا مستغرقا في أفكاره ومشاكله وضغوطه فيغشاه النعاس ولا شعوريا يأخذ ( دقسة ) حتى يميل رأسه فوق كتف جاره بالمقعد الهندي الجنسية المتجه للعمرة ، فيسنده الهندي ويعيده إلى مكانه فيصحو مفزوعا ويتحسس محفظته وجواله وجوازه، وبعد أن يطمئن على ثلاثتها يقول للهندي ( ما قربنا لي مكة يا صديق ) فيجيبه الهندي بسخرية( وين مكة صديق نحنا الحين لسه مافي حصل عفيف ) فيصاب بإحباط شديد من بطء البص ويعود مرة أخرى إلى استغراقه ونومه وأحلامه . فيعيد شريط الذكريات والالتزامات ويصاب بخيبة أمل عندما لا يصل لحل منطقي لكيفية تغطية ما في جيبه للمشاريع التي يود انجازها في إجازته ، فتجده يحدث نفسه ( حاجات السباكة والكهرباء معاي ) والمواد التموينية ( معاي ) والضريبة والزكاة سددتها بالسفارة والإيصال ( معاي ) فيطمئن وتهدأ نفسه نسبيا ، وما أن يتذكر الطوب والسيخ والاسمنت المطلوبة لعمل ( سايفون ) لمنزله حتى يعود إلى ضجره وقلقه واستغراقه العميق ، فيتحسس مرة أخرى محفظته وجوازه وجواله الفخم الذي يخطط لبيعه في آخر الإجازة إذا اضطرت الظروف، فيعود إلى رشده مؤقتا ويعادوه النوم مرة أخرى و( ويطيح ) بكامل ثقله هذه المرة على جسد العامل الهندي النحيل فيعيده الهندي إلى مكانه بصعوبة فينظر إليه خجلا ويرمقه بنظرة أسف واعتذار فيفهمها الهندي الفطن ويقول :( مافي مشكل صديق ).وبين صحو ونوم وكوابيس يسمع صوت سائق (البص ) يعلن وصولهم إلى منطقة ( السيل الكبير ) حيث الميقات ويطلب من الجميع التوجه بسرعة لمسجد (السيل) بغرض الاستعداد ولبس ( الإحرام ) وعمل كافة الطقوس والنية حتى يتمكنوا من لحاق صلاة الفجر بالحرم النبوي الشريف ، وما هي إلا ساعة بعد ذلك حتى وصل بص النقل الجماعي إلى مكةالمكرمة وبعد أن حفظ صاحبنا أغراضه بغرفة الفندق جيدا، توجه مبتهلا للحرم وأدى عمرته بنية خالصة وأكثر من الدعاء والابتهال لله سبحانه وتعالى كي يوفقه ويسهل أمره في هذه الرحلة المحفوفة بالمخاوف والمحاذير ، وخرج من الحرم مطمئنا ومشبعا بالأمل ، فارتاحت نفسه وهدأت سريرته وذهب للفندق واخذ أغراضه وطيران ( يا جدة جال زول ) وتوجه مباشرة لمنطقة الميناء مرورا بمكتب الشحن حيث أغراضه ( المشحونة) ومضت الإجراءات بصورة سلسلة وقام بتسليم ( عفشه) إلى حوش باخرة (باعبود) ولم يزعجه ويعكر صفوه سوى تعامل العمال الخشن مع أغراضه الحساسة، فكلما يمسكون بقطعة بغرض ( جدعها ) على سطح (التريلا) حتى ينقبض قلبه ويصيح فيهم ( يا أخي براحة دي فيها قزاز) ، ( ياخي حرام عليك دي فيها حاجات بتتكسر ) والعمال لا يعيرون صيحاته أي اهتمام ويواصلون في جدع العفش دون رحمة أو اهتمام أو خوف . لم تنطلق الباخرة من ميناء جدة في موعدها المعروف بسبب كثرة سيارات الإفراج المؤقت هذه السنة حيث ينتابك شعور بأن مع كل راكب سيارة إفراج مؤقت ، إضافة لبعض السخف والروتين الذي يحدث في مثل هذه الظروف، حيث ينتابك إحساس منذ دخول هذه المنطقة بأنك في السودان وتبدأ معك علاماته المميزة وهي ( العطلة) و( المدافرة ) و( الأنانية ) فما أن فُتح باب الدخول للباخرة حتى هجم الناس بطريقة همجية بغرض حجز الأماكن الإستراتيجية والكنب للنوم بدلا عن الجلوس ، كل شاب نشيط وسريع حظي بكنبة كاملة وضع عليها ( شنطته ) المقدسة وتمدد عليها كملك حر له ، وكلما تقترب من أحدهم عله يقول لك تفضّل يبادرك بأنه معه جماعة وهذا المكان محجوز لهم ، لم يكن صديقنا من الذين تروق لهم مسالة ( المدافرة ) فلم يجد بطبيعة الحال كنبة خالية كي يجلس عليها فذهب إلى سطح الباخرة ووقف على الحافة يتأمل البحر ويشكو إليه همومه ويبث أشجانه وأحزانه فيستلهم من سكوته الكثير من العبر والدروس ويجد فيها خير مبرر للسكوت على أوجاعه وآلامه الخاصة. وبعد مد وجزر وسخف تهادت الباخرة من مرفأها بجدة صوب سواكن بسلحفائية مميتة وكان الليل قد أسدل ستره ولم يعد صاحبنا يرى سوى الظلمة الكالحة والمدى الغير محدود فهرب من هذا المنظر المحبط إلى قلب الباخرة حيث( الكافتيريا) وطلب كوب ( نسكافيه بالحليب) وجلس مع الجالسين لمتابعة فيلم ( اللمبي ) لمحمد سعد ، فوجد فيه بعض السلوى والضحك مما أخرجه من حالة الإحباط والتعاسة بسبب بطء الباخرة ، ولكن ما شلّ تركيزه عن متابعة الفيلم تلك الضحكات والاجتماعات الجانبية على هامش الفيلم لأناس غير متابعين للفيلم ولا يهمهم أمره وإنما هم مشغولين بشدة بسيارتهم المشحونة (بقعر) الباخرة فذاك يؤكد أن ( الاكسنت ) سوقها ( حار ) وجماركها معقولة وآخر يمدح ( البكاسي ) موديل 78 ويؤكد أنها هي التجارة الرابحة وثالث يحلف بالطلاق أنه ليس هناك أجدى واربح من ( الكورلا ) وأنه في سفريته الماضية شحن ليه ( كوريلا 2006) وقضى بها إجازته كلها وسافر بها الى البلد و( تزوج ) وحام السودان كله وفي النهاية باعها بمكسب خمسة مليون ، وهناك ( شلة ) أخرى تتناقش حول سعر الريال والازدياد المضطرد فيه ويتغالطون حول جدوى أخذ فلوسهم ( كاش ) أم بضاعة ، ومجموعة ثالثة راقية نسبيا تتحدث عن جدوى شراء الأجهزة المنزلية من السعودية وخاصة التلفزيونات ال LCD ولكنهم يعيبون شحنها في الباخرة لكونها ربما تتكسر بسبب تعامل عمال الشحن الغير مسئول ، فلم يفهم صاحبنا شيء من الفيلم سوى رقصة محمد سعد العجيبة وصوته المجلجل وهو يغني: حب إيه ده اللجاي تقول عليه انت ما بينك وبين الحب دنيا اما نفس الحب عندي حاجه تانيه انت فين والحب فين ده أنت لو حبيت يومين أنت فين والحب فين ليه بتتجنى كده عالحب ليه.. كما استمتع لدرجة الإشباع برقة وجمال ولطافة بطلة الفيلم حلا شيحة . ونواصل الرحلة الميمونة بإذن الله تعالى ......