قبل يومين بينما كنت أشاهد قناة الشروق استرعى انتباهي خبر مفاده أن مجلس ولاية الخرطوم سوف يجيز قانونا جديدا لتنظيم حركة المرور هذا الخبر استحضر لدى ذكريات مؤلمة حينما كنت في زيارة إلى السودان قبل عام ونيف تقريبا واعتقد جازما أن لدى كل سوداني سائق عربة صغيرة أو كبيرة لدي ه كم هائل من جنس الذكريات التي ترسم صورة سالبة تتعدى لدى الكثير - وأنا منهم - على المنفلتين من أفراد الحركة إلى النظام الحاكم إلى الوطن بعمومه هذه الفئة من رجال المرور يسيئون بالغ الإساءة إلى الوطن قبل اسائتهم إلى الجهة التي ينتمون إليها , رويت قصتي وقتئذ إلى بعض الأصدقاء والأقارب فكانت ردود فعلهم دون توقعاتي فسألتهم لماذا وهل كان ذاك الشرطي على حق ؟ فقالوا ببساطة لا بل أنت معك كل الحق لكن هذا هو الحال فى السودان منذ مجئ الإنقاذ الناس يتقاسمون أرزاقهم مع هذ ه الفئة التي استمرأت أكل أموال الناس بالباطل لا يردعهم قانون أو أخلاق او دين فماذا نحن فاعلون لرجال يفترض مهمتهم تطبيق القانون غير الشكوى الى الله والانتظار ليوم الحساب فعلمت أن الناس مشحونون جدا ومستاءون من أمور كثيرة تحصل في البلد أقلها الذي نحن بصدده الآن وهو تكالب رجال المرور على العباد من أصحاب المركبات بحق وبغير حق مرورا بالضرائب الباهظة التي أفقرت المواطنين وصولا إلى المحليات التي لا ترحم حتى ستات الشاي الى الطامة الكبرى وهى مصاريف المدارس والعلاج والغلاء الفاحش الذي ينهش فى عظم الشعب السوداني وبمقارنة سريعة وجدت أن الأسعار في السودان أغلى من العاصمة البريطانية وهى ثلاث إلى أربعة أضعاف المملكة السعودية وجمهورية مصر فقلت لهم نعم ارفعوا أيديكم إلى السماء فان أبوابها مفتوحة لكل مظلوم . كان الوقت حوالي الساعة الثانية عشر منتصف اليوم حين قصدت أنا وأخي عمارة الضرائب المشهورة وبم ا أننا لم نتمكن من إيجاد موقف من الأمام عرجنا إلى الجزء الخلفي من العمارة الذي يقع على شارع ا لحرية ووجدنا موقفا مناسبا فى هذا الشارع الواسع أمام محلات بيع أدوات الكهرباء الذي يعج بها الشارع وبينما نحن نغادر السيارة كان هناك رجل مرور واقفا مباشرة على الرصيف في نفس الجهة وقلت في نفسي الحمد لله هناك من يحرس لنا السيارة أيضا في الشارع خاصة إنها كانت مستأجرة وواصلت أنا وأخي طريقنا إلى عمارة الضرائب وبعد خمسة دقائق بالضبط كنا خارجين منها بسبب عدم وجود الشخص الذي قصدنا مقابلته وعند وصولنا الى العربة لاحظنا أن اللوحة الخلفية للسيارة مفقودة مقلوعة مسروقة بالنتيجة اختفت بفعل فاعل هذا كان تقيمنا للموقف وبينما كنا حيارى اذ تطوع أحد من أصحاب المحلات الذى يبدو أن هذا المشهد ليس بغريب عليه وهو يشاهد مآسي العشرات من أصحاب العربات الذين يقعون يوميا فى هذة المصيدة وقال لنا هل شاهدتم ذلك العسكري الذى كان واقفا هنا فقلتا له نعم فقال هو بالتأكيد من قام بهذا الفعل !!!! وقلنا له هل وقوفنا خطأ أو ارتكبنا نحن خطأ ما ؟ نعم الوقوف على هذا الشارع ممنوع وحينئذ لاحظنا أن أصحاب المحلات موقفين عرباتهم فوق الرصيف وليس بجانب الرصيف مخالفين بذلك القانون وهناك ثلاث عربات أخرى مثلنا لوحاتهم مقلوعة فقلت لأخي أصبر ربما هناك علامة ممنوع الوقوف فى أحد مداخل الشارع لم ننتبه لها وعمدت البحث جيئة وذهابا فلم تكن هناك أى علامة أرضية أو رأسية تدل لعلامة ممنوع الوقوف فعندئذ جن جنوني فقال لي صاحب المحل لست الوحيد الذى يفعل به ذلك فهناك أكثر من ثلاثين عربة منذ الصباح قد وقعت فى هذا الفخ !!! أخي لا تضيع وقتك أذهب وأسأل عن لوحتك في قسم الحركة الذي يقع خلف هذا الشارع وسوف تدفع ثلاثين ألف جنيها حتى تسترد لوحتك !! ولما راني أخي منفعلا قال لي أمكث هنا قرب العربة ربما يعود شرطي الحركة ومعه اللوحة وأنا سوف أبحث عنها فى قسم الحركة . بينما كنت قابعا قرب السيارة اذ لاح من بعيد وفى الطرف الآخر من الشارع رجل مرور حتى اقتربت منه تبينت أنه هو ذلك الشرطي الذي كان واقفا بجانب الرصيف حين وقوفنا واسمه ح ي ودار هذا الحوار بيننا : السلام عليكم .... وعليكم السلام لقد فقدت لوحة سيارتي ....... وأين سيارتك ؟ هناك على الطرف الثاني من الشارع وأشرت بيدي نحوها هل أنت الذي أخذت اللوحة ؟ نعم أنا الذي نزعت اللوحة... لماذا ؟ هل نحن أخطأنا ؟ ممنوع الوقوف هناك.... لا يوجد ما يدل على ممنوع الوقوف .... الوقوف فى هذا الشارع ممنوع ومنذ سنتين ... أنظر والى امتداد نظرك هناك عشرات العربات واقفة بنفس طريقتنا ..... أنا أقصد الوقوف فى هذا الجزء من الشارع أمام المحلات ... وكيف نعرف ولا يوجد لكم أي يافطة... الناس تعرف بدون يافطات!!! طيب أنا لست مقيما فى السودان وهناك ناس الأقاليم وناس أمدرمان وناس بحري وناس ....وناس.... هذا ليس ذنبي .... طيب أنت كنت واقف أثناء وقوفنا لماذا لم تقول لنا ممنوع الوقوف ...فارتبك قليلا وقلت له... طيب بالله عليك مين المخالف أنا ولا تلك العربات التي تقف فوق الرصيف (عربات أصحاب المحلات ) يا زول أنت داير تورينى القانون ( سخن ) القانون يقول لازم يكون فى يافطة ممنوع الوقوف وبعد داك أنت محق فيما تتخذه من إجراء وفقا للقانون ... (سخن تانى ) يا زول ما كتر الكلام لو عندك أي مانع أمشى قابل العقيد .... أنا هنا مأمور !!!!! لماذا لا تثبتون يافطة وتريح نفسك والمواطنين ...ربما استطيع أنا أساعدكم باليافطات !!!! يا زول أنت بتمشى ولا أوديك للعقيد ... ودينى للعقيد وأنا أأكد لك ما تقومون به ليس له صلة بالقانون .... يا زول أنت مالك شابكنا قانون ....ما قانون أنا ما بعرف قانون .. معناه ده عمل خارج القانون ... همبته.... تقول لى همبته أنا رجل قانون وأخذ يصيح تقول لى همبتة أنا رجل قانون !!!!!!!! هنا تدخل أصحاب المحلات المجاورة وفكوا هذا الاشتباك .... وبعد حين عاد أخي ومعه اللوحة بعد أن دفع ثلاثون ألف جنيها غرامة فدية للخروج من هذا الوضع الغريب الذى يحصل فى قلب العاصمة السودانية فى وضح النهار وبحسابات بسيطة هناك أكثر من مليون جنيه يذهب بشكل غير قانونى وغير أخلاقى يوميا الى هذة الجهات المشبوهة (عصابة ) خلال سنة واحدة 365 مليون وخلال سنتين 730 مليون جنيه !!! وأتمنى أن يكون الحال قد تبدل بعد استلام وزير الداخلية الجديد لمنصبه أو قد تبدل هذا العقيد أو صحا ضميره أو قد أردع بالقانون !!! وقد راجعت نفسي حول الكلمة الصحيحة لوصف هذة الحالة ولم أجد كلمة مناسبة أكثر من كلمة همبتة ....إنها الهمبتة بعينها ... هنا استدركت لماذا هو الحال هكذا فى السودان وعرفت لماذا أخذ المحكمة الجنائية الدولية بتلابيب رئيس الجمهورية ولماذا كل هذا التمرد فى السودان دون الدول المجاورة وهل يحق لكائن من كان أن يلوم أى متمرد على الوضع ؟ ولماذا وصل الايدز فى السودان ثلاثمائة ألف حالة متجاوزة مجموع عدد الحالات الموجودة فى جنوب شرق الصحراء ولماذا كل هذا الغلاء الفاحش ولماذا ...ولماذا .... ولماذا ولماذا يكون رئيس الجمهورية لجان بمتابعة تنفيذ قراراته وحتى بعد ذلك لا ينفذ قراراته !!!!! هل هناك تمرد حكومي على الحكومة ...قاتل الله الفساد فهو أس البلاء ...الفساد يعنى عدم الالتزام بالقانون وبالتالي عدم العدالة وبالتالي التمرد !!!!! هل أدركتم يا قوم أن الفساد هو من يقود إلى التمرد 15/8/2009 salah mokhtar [[email protected]]