الهلال يرفض السقوط.. والنصر يخدش كبرياء البطل    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الجيش ينفذ عمليات إنزال جوي للإمدادات العسكرية بالفاشر    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالفيديو.. تاجر خشب سوداني يرمي أموال "طائلة" من النقطة على الفنانة مرورة الدولية وهو "متربع" على "كرسي" جوار المسرح وساخرون: (دا الكلام الجاب لينا الحرب والضرب وبيوت تنخرب)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    عصار تكرم عصام الدحيش بمهرجان كبير عصر الغد    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رد اً على د. ربيع عبد العاطي.. ومحاولته تجاهل الحقائق .. بقلم: حليمة عبد الرحمن
نشر في سودانيل يوم 29 - 01 - 2013


" “الإنقاذ"" وحطام الشباب ... "حساب الحقل والبيدر"
أسألوا إحصاءات الهجرة عن المنهجية الحكومية لتفريغ البلاد من قواها المنتجة!
من المسؤول عن حمل الشباب للهروب من الواقع بالانغماس في المخدرات؟
بعد 24 عاماً من تطبيقات " مشروعهم الحضاري المزعوم " يفاجئوننا بسؤال : ما دهى الشباب؟
" كلي خبزك ياالَرفلة " ... المثل السوداني الذي يفسر حصاد " “الإنقاذ" " من الشباب!
1.
ما دعاني للكتابة مرة أخرى عن تداعياتفشل المشروع الحضاري، الذي تطرقت إليه في مقالتي السابقة بعنوان "رحيل الحوت يفضح المشروع الحضاري " (الراكوبة 19 يناير 2013)، هو تدافع بعض منسوبي المؤتمر الوطني ، كالدكتور ربيع عبد العاطي القيادي بالمؤتمر الوطني ، لتناول ظاهرة المد "الحوتي" الشبابي الجديد، ومحاولاتهم المستميتة لحصرها في نطاق ضيق من الشباب" الضائعين" ، وفي ذات الوقت عدم إخفاء خوفهم من تداعياتها المستقبلية.
الدكتور عبد العاطي، في مقاله المنشور بصحيفة النيلين الالكترونية بتاريخ (20 يناير 2013)، نقلا عن "الانتباهة"، عزا الظاهرة إلى غياب المنهج، الذي لم يحدد ماهيته، و الفراغ الروحي الذي بعد عن الجهاد وساحاته، كما نوه إلىأنه ربما تكون تلك المجموعات مهيأة لإحراق المجتمع وتدمير الأسس التي ورثوها عن السلف الصالح حسب تعبيره، بتصرف مني.
لا يختلف اثنان في أن الشباب يعاني مشاكل كثيرة ، تصل في بعض الأحيان حد الأزمة. لكن قبل أن أتطرقإلىتلك المشاكلأتساءل: متى فوجئ المؤتمر الوطني بمعاناة الشباب؟ هل كان ذلك بعد خروج "الحواتة" (انصار الفنان الراحل محمود عبد العزيز) المؤثر لوداع فنانهم ، ام عقب الإعلان عن حزبهم؟ وما هي خططه المستقبلية التي يعدها للشباب، خاصة وأنه قد برع لأكثر من ربع قرن من الزمان، في استعمال كل ما اتيح له من معاول الهدم على هذه الشريحة المجتمعية الهامة؟
2.
ليست لدي اجابة قاطعة على الاسئلة المطروحة عاليه، لكن لي ملاحظاتي وقراءتي للواقع التي أنوي بسطها على القراء الكرام. قبل ان اسرد بعضا من ممارسات “الإنقاذ" تجاه هذه الفئة بصورة خاصة والمجتمع السوداني بصورة عامة، لابد من ازجاء الشكر للدكتور ربيع عبد العاطي لاعترافه، على علاته، بوجود مشكلة شبابية، رغم أنه لم يقدم حلولا فعالة تخاطب جذور المشكلة.
ماذا قدمت “الإنقاذ""للمراهقين"، بنوعيهما"الخمسينيين" (هذه من عندي)، و المراهقين ، خاصة وان كلتاالشريحتين شكلتا هدفا مباشرا لمشروعها الحضاري المزعوم، فالاول كان ضحية التمكين أو فائض العمالة، وبالتالي التشريد من الخدمة العامة ، بينما الآخر، عاش منذ أن اطلق صرخته الاولى في ظل اجواء المشروع الحضاري المتعسفة.
بكل أسف لم تقدم “الإنقاذ" شيئا يذكر وانما كان برنامجها خصما على حاضر الشريحيتين ومستقبلهما واحلامهما. فبدل السلام قدمت الحرب، وبدل الاستقرار برعت في افتعال المشاكل. قدمت للشباب التعليم الشائه ، والمحسوبية، والعطالة، والاحباط،، والنزوح، والهجرة والحرب. أليس حرام أن يمضي الشباب ست وعشرين عاما من أعمارهم في حروب إنقاذية، تخمد هنا لتشتعل هناك؟ (10) في دارفور و (16) في احراش الجنوب ،كانت هي حصيلة غرسها في الشباب، حيث زينتها له بأنها جهاد، وساقتهم اليها سوقاً، ثم تصالحت فيما بعد مع أعدائها، فوقعت على اتفاقية السلام الشامل في عام 2005، التي مهدت لفصل الجنوب عام 2011. وبين هذا وذاك لقي البعض حتفه، ومن نجا منهم بحياته من الموت بالسلاح اكتهل وهو غارق في ازمات نفسية او تشوهات جسدية، جراء الحروب والدمار الذي لحق بالبلاد والعباد.
3.
ضيم مكرس، وفقر متوارث، وأجيال شهود عيان على آليات الحكومة العسكرية الضخمة، وهي تسوقهم سوقاً إلى جبهات القتال الجديدة في جنوب كردفان، والنيل الازرق. فكان في كل شارع سرادق عزاء، وفي كل بيت مفقود، أوأيتام أوأراملأوثكلى. والقى الوضع الجديد بعبئه النفسي، والاجتماعي، والاقتصادي،والبيئي على الاسرة، واستقرارها. كما كان للشابة السودانية نصيبا وافرا من عنف الدولة، فمن "الكشات"، إلى الاقتياد قسرا إلى ساحات المعارك، وإلى الاغتصاب الممنهج، والضرب المبرح على رؤوس الاشهاد، والهجرة، والنزوح، اوضاع لم تحدث من قبل حتى في احلامهن.
4.
اوضاع تمس الشباب بصورة مباشرة وتضرب في عصبه الحي. أصبح الإخوة الذين يجمعهم الوطن الوأحد، والدين، واللغة، والمصالح المشتركة، اعداء، او فُعلت الآلة الإعلامية الضخمة لإستعدائهم. حكومة ورثت اكبر دولة في افريقيا حيث كانت تشكل لوحدها 8% من مساحة القارة، كانت غنية بخيراتها وبتفاعل شيبها وشبابها ولكن مزقتها شر تمزيق، وجعلتها تنحدر إلى المرتبة الثالثة في القارة من حيث المساحة.
حكومة تنفق على أمنها ودفاعها أكثر من 77% من موازنتها العامة، بل ربما تكون اول حكومة تعلن –بلا خجل- اكتفاءها الذاتي من الاسلحة، التي لم تطلق منها رصاصة وأحدة ضد أجنبي، رغم تحرشاته المتكررة سواء في شمال السودان ، او شرقه، ورغم تقزم اطراف الخارطة السودانية. بل كان العدو هو الشعب، وكان مطلوبا من الشباب إبادة أهلهم، واقاربهم ، وحرق حرثهم، وضرعهم، ومراتع صباهم ، وذكرياتهم. والحال كذلك كيف لا يضيع الشباب؟
5.
كانت النتيجة الهجرة الجماعية للشباب المأزوم، هربا من الحروب، و الأوضاع المعيشية الصعبة، والعطالة التي فاقت نسبتها ال(48%) ، وبحثا عن الحماية والأمان في الجواز الأجنبي ، فنجحت قلة وفشلت أكثرية. إلا إن ذلك لم يستثن كثيرين من ركوب المركب الصعب، فدق جهاز شئون العاملين بالخارج ناقوس الخطر وأعلن بأنه يستخرج يوميا ثلاثة الاف(3000)تأشيرة خروج (الراكوبة 31 اغسطس 2012). بعملية حسابية بسيطة نجد ان السودان يفقد تقريبااثنين وسبعين الفاًمن قوته العاملة شهرياً، و (سبتعمائة وعشرين سنويا). فإذا أصبح تعداد سكان السودان بعد انفصال جنوبه (32 ) مليون، وإذا قدرنا أن أعداد الشباب المنتج يساوي نصف السكان، أي 50 في المائة، وإذا لم تزد اعداد المغادرين عن الرقم المذكور ، فإن السودان بحلول عام 2034 سيكون خاليا من الفئات المنتجة. علما بأن جهاز المغتربين لم يذكر في خبره عدد التأشيرات التي كان يستخرجها سابقا؟ أو متى قفزت إلى الرقم المذكور؟ كما لم يقدم قراءة لمؤشرات المستقبل ومآلاته؟ والعجيب أكثر أنني لم ارصد حتى الأن أي رد فعل رسمي تجاه هذه الظاهرة!الامر الذي يشي بأن هذه الهجرة "مخطط لها" من خلف كواليس الحكومة، و هي ما دعت نافع للتبجح بثقة واطلاق احاديثه "المستفزة" للشعب بأن لحس كوعه أسهل عليه من الاطاحة ب"الإنقاذ".
ومما يؤسف له أن سبعين في المائة من المسئولين النافذين في الحكم هم رعايا دول أجنبية. آن الأوان (للوزراء الاجانب) ان يمدوا هم أيضاًالسنتهم ساخرين من دعاوى المحاسبة الآجلة. فمن يحاسب اجنبيا ؟ مما لا شك فيه أن أول ما سيفعله (هؤلاء) هو الاحتماء بسفارات (أهل الكفر والشياطين ).
6.
دعاوى تحرير الاقتصاد ببيع المؤسسات وخصخصة ما تبقى منها ل(أهل الحظوة)، كان لها تأثيرا مباشرا على الشباب واستقراره الاقتصادي والاجتماعي والأسري والنفسي. إكتنزت الثلة المتنفذة الذهب والفضة، فلا مصنعا أقامت، ولا دمارا اوقفت، ولا شبابا وظفت. بل كان الاستثمار "الجبان" سيد الموقف: امتلكوا المَزَارع و الشقق، المفروشة، والشاحنات، والمشافي ذات العناية الملكية "لمن ثقف جيبه"، والصيدليات، والرساميل المتجولة ما بين اقتصاديات آسيوية ناهضة، وبنوك أوروبية تليدة. وتنازل دولار جورج واشنطن (بصلعته) الشهيرة إلى دولار العكد "“الإنقاذي" الذي، قفزفي رحلته الصاروخية في الفترة من 1989 إلى 2013 ، من أقل من عشرين جنيها إلى تسعة آلاف جنيه. (الطاهر ساتي، صحيفة الراكوبة 01-12-2013). إفتقرت المشافي إلى الادوية المنقذة للحياة، فقضى المواطنون نحبهم نتيجة ذلك. حتى الأطباء أنفسهم لم يسلموا من هذا الضيم، وذلك العوز، إذ لقى أحد الأطباء الشباب حتفه لعجزه عن سداد ثمن الدواء المقرر لعلاجه. ووضعت النساء الشابات أحمالهن في الشارع على مرمى حجر من المستشفى . علما بان نسبة وفيات الحوامل، والمرضعات في السودان، أعلى نسبة في العالم. وصار البندول من هدايا المغتربين المقدرة إلىأهلهم،أسوة بالثوب والجلابية والعمامة.
باختصار شديد، مأساة العلاج يلخصها الاستاذ الكبير في كلية الطب بجامعة الخرطوم، الذي دأب على الشكوى إليَّ كلما حملت أبنائي اليه للعلاج، وكيف أنه حاول أن يلفت انظار زملائه من المسئولين إلى تدهور المستشفيات، بسبب هجرة الاطباء العموميين الشباب، الذين صاروا يقبلون الخروج من السودان بفيزا تربية مواشي، حينما لا يجدون البديل الافضل، فيقعونفريسة لأرباب أعمالهم الجدد.
7.
لم ولن ينسَ الشباب ان "هي لله لا لسلطة ولا لجاه"، و"لا لدنيا قد عملنا" إنما هي مجرد شعارات أُريد بها شيئا آخر. أرسلتهم “الإنقاذ"إلى ساحات الحرب ، بينما دخلت عناصرهاإلى الاسواق، فجففتها. أعدمت الحكومة من اتهمتهم بالإتجار بالعملة، ثم برهنت الأيام فيما بعد بأن كبار مسئوليها هم تماسيح الأسواق، بما فيها أسواق العملة. قدمت “الإنقاذ" فسادا غير مسبوق، لا يفرق بين اموال النفايات "الكُوَشْ-42 مليار جنيه" ، او المساجد، او اليتامى، او الأوقاف، او الزكاة. نافس السودان الصومال على المرتبة الاولى في الفساد واوشك ان يفوز بها (منظمة الشفافية الدولية 2012). هذا حصاد ما قدمته اياديكم "الطاهرة" للشباب : دروس مجانية عن الفساد وثورة التعليم، وتحرير الاقتصاد، الخ.
8.
وأقبل بعضهم على بعض يلومون الشباب ، وعن سوءاتهم يتغافلون!
ماذا قدمت الحكومة للشباب الرافض للاعراس "الاخروية"، ووعود "حورها العين"، مقابل ما قدمته موسيقى وغناء الراحل المقيم محمود عبد العزيز، أيقونة الحب، والحياة، والتسامح، والجمال؟ لم اجد اجمل من الوصف الذي قدمه الكاتب وليد عثمان في مقالته " الجن يحارب الهوس"، في اشارة إلى الفنان الراحل محمود عبد العزيز، و المنشورة في صحيفة الراكوبة الالكترونية بتاريخ 24 يناير 2013، في وصفه لتأثير الموسيقى و البومات محمود الغنائية عليهم والتي اخرجها في منتصف تسعينات القرن الماضي: " وقتها لا تكاد تجد كافتيريا او حافلة مواصلات عامة لا تبث فيها هذه الالبومات وماحوته من اغانى ، لدرجة ان البعض يحكى ان مجندى الخدمة الالزامية كانوا يتسللون من المعسكرات للذهاب لأقرب مكان يستطيعون فيه سماع هذه الالبومات متمسكين بحبهم للحياة كان الشباب يستمع لمحمود وهو يغنى (رغم بعدى ) و( لهيب الشوق ) يعبر عن حنينهم وشوقهم لأهاليهم وأحبائهم ولمناطقهم ، (ظالمنى شوف)وهى تعبر عن ظلم وطنهم لهم ، ووجدوا فى ( عينى ماتبكى ) ملاذا يساعدهم على التماسك فى محنتهم ، ولقوا ( الودعوه ارتحلوا ) تعبر عن شوقهم للرفاق والحبيبات ولومهم لوطن لم يسال عنهم وعما يحدث لهم، فقد تعرضوا لمعاملات دعتهم للتمرد مرارا الأمر الذي أدى لقمع تلك التمردات بفظاظة ووحشية مثلما حدث في معسكرات ود الحداد والمرخيات والجزيرة أبا وجبل أولياء والقطينة والسليت والعيلفون ، وعما حدث لرفاقهم(169 طالبا) الذين قتلوا بالرصاص بسبب تمردهم بمعسكر العيلفون في أبريل 1998، وهربوا عابرين النهر - ولعهم كانوا فى أحدى عملياتهم المسماة ب(قد السلك ) ذاهبين لسماع اغانى محمود - فواجه أهل العصبة عملية التمرد هذه بالرصاص الحى ، فتوفى في الحال 169 طالبا إما متأثرا بطلقات الرصاص أو غرقا في النهر ولم يجر النظام تحقيقا في الأمر ،فكانى بنا وقتها كنا نرسل رسالتنا عبر وسيطنا محمودلأهلنا ووطننا (ليه يعنى خلونا مارسلو وسالو).
9.
إلى يومنا هذا تكاد تكون المعلومات عن الذين قتلوا في الحروب ، من الشباب، أوغيرهم، مخفية فيأضابير “الإنقاذ"، التي أصبح التستر على كل مصائبها، كالفساد وغيره، هو ديدن الحكم. آلاف الطلاب لقوا حتفهم في المعارك وآلاف أخرى تسببت الحرب في الأذى الجسيم لأجسادهم وعقولهم. وماذا كان حصاد من نجا منهم من الحرب؟ كان حصادهم العطالة، وعدم توفر مورد الرزق الذي كان يُعَوّْل عليه الوالدان اللذان،ربما ظلا ينفقان عليه من تعبهما، وكدها آملين أن "يكبر الصغار ويزيلون غبار الفقر والمرض والشيخوخة"، لكن جاء حصادهما قبضا للريح . عدم أمان عند دخولهم الحرب، وعدم أمان بعدها، حتى وإن سلمت أرواحهم من الموت. أليست هذه دعوة صريحة للهروب من الواقع بإدمان المخدرات كما ورد في تصريح وزير الداخلية السيد ابراهيم محمود المنشور بصيحفة "الراكوبة الالكترونية بتاريخ 04-16-2011، نقلا عن صحيفة الرأي العام.
وإلا كيف نبرر انتشارها في المدارس والجامعات،والإجرام، والحقد على المجتمع؟ ما هو تبرير الدولة لظاهرة عصابات النقرز التي لم يعرفها المجتمع السوداني من قبل؟
10.
أورثت “الإنقاذ" بتشددها الإجتماعي والثقافي الشيب والشباب كل الأمراض الاجتماعية والنفسية التي نعاني منها الان. اذكر انها في بداية عهدها اتخذت سياسة ثقافية وفنية متشددة ، ولن تنسى ذاكرة الشعب أن قانون النظام العام الذي طال الاغنية السودانية بكرباج المشروع الحضاري في بداية عهد التمكين ، هو الذي أفرخ ما عرف ب "تطهير الاغنية" وهو ما اسميه "سَرْوَلة الاغنية " ( من سروال الصحفية لبنى احمد حسين والتي حكم عليها بالجلد عام 2009) . فبجرة قلم شطبت من لائحة البرامج الاذاعية والتلفزيونية تسعين اغنية، ليقابل المجتمع ذلك باغاني من شاكلة "آي ده الشغل" و"الساعة ستة مالو ما جا، شال ناس كوثر السكرجي ده" وراجل المرا" و"قلبك عشرة قيقا" و" طاعِنِّي دايماً بى ورا"، و" الباع هواك أرصدوبس بيعو كاش ما تقسطوا!!!" (معاوية يس، صحيفة الراكوبة، 01-19-2013 )، او و"..."، و"..."، وغيرها من الاغاني الأكثر سقوطا، و التي ليس بالامكان ذكرها هنا، تحشماً وتأدباً. لكن ذاكرة الشعب الفولاذية، كانت تقاوم التدجين ، وتعود دائماً إلى مخزونها القديم الثر، المعبأ بجمال موسيقى الايام الحوالي.
11.
الدليل على ذلك ان اعلاناً صغيراً على صفحتي في الفيسبوك، عن سماء الأغاني الممنوعة في بداية "العهد التمكيني"، حتى تدافع الشيب والشباب في تزويد بها، فلهم الشكر. احتجبت عن خارطة البرامج الاذاعية والتلفزيونية اغنيات "القبلة السكري" ، و"لاوحبك"، و"لا تسلني"، و"الوكر المهجور" لعثمان حسين، و"القمربوبا"، و "يا ناسينا" لوردي، و "أجراس المعبد" ، و"هل انت معى" لعبد العزيز محمد داؤد ، و "يا سقاة الكأس من عهد الرشيد" للفنان سيد خليفة، كسلا، و "سلمى" و"إنى أعتذرّ للفنان عبد الكريم الكابلي، و "البعبدا" للفنان كمال ترباس ، و"الجمعة في شمبات" للكاشف، وغيرها، حتى بلغ الرقم تسعين أغنية بالتمام والكمال، فضلا عن الأنباء المتواترة عن اعدام أجزاء كبيرة من ارشيف الاذاعة. إن محاربة الغناء ، الذي تراجعت عنه “الإنقاذ" لاحقا كان محاربة للذوق السليم أو الحب الفطري الطبيعي العفوي للموسيقى والغناء.
12.
ماذا قدمت الحكومة للشباب في مجال التعليم الذي هو عصب التنمية والتطور؟ هل اقامت أركان التعليم الأربعة والتي حصرتها اليونسيف في التالي: التعلم للمعرفة، والتعلم للعمل، والتعلم للتعايش والتعلم لتكن ما تريد. (learning to know, learning to do, learning to live together learning to be). هل وفرت المنهج الدراسي العلمي، والمعلم والمدرسة ام ان الضرر مسها جميعا؟ للأسف فإن اولى مشاريع “الإنقاذ" كان عسكرة" التعليم"، خاصة مرحلتي الاساس والثانوي. ففرضت منهجا تدجينيا لا يغذي عقلا ولا ينتج غلة، ولا يرعى خلا. بل لم تسلم المدارس من غول الجشع، فكان ان صودرت ميادينها لحساب الرأسمالية الجدد، وأوشكت المدارس ذات المواقع الأستراتيجية أن تتحول إلى مراكز تجارية، كما حدث مع مدرسة جبل اولياء الابتدائية النموذجية للبنات لولا تدافع الاباء والامهات لإفشال المخطط. ثم اختفى الكتاب المدرسي وظهر ليباع في "أسواق الحَرْ ". بل ان وزارة التربية والتعليم بكل تاريخها التليد ، صارت مجرد "مناولاتي" للشهادة الثانوية إلى معكسرات التجنيد أو "الخدمة الوطنية" كما اطلق عليها. وكانت الطامة أن اصبح القبول للجامعة والوظيفة العامة مقرونا باثنين، إلى جانب التمكين، اما خريج مدارس التجنيد او اخا/اختا ل"شهيد".
13.
التعليم الجامعي الذي كان مثار إحترام دولي، صار الآن منبوذا من كل الدول ليس لشيئ إلا لضياع هيبة التعليم وعدم إحترام الجامعات التي اصبح التمكين، والتجنيد للحرب أحد اسباب النجاح الأكاديمي فيها. وتزوير الشهادات صار امرا شائعا مما حدا بسفارات بعض الدول العربية لعمل فحص موازي للتحقق من صدقية الشهادات السودانية. جامعة الخرطوم تراجعت عن المركز الرابع إلى المركز رقم (13) افريقياً، ثم إلى المركز رقم 1394 عالمياً، وذلك وفق مجموعة لابورتوريو دي انترنيت. باختصار اصبحت الجامعات السودانية أوكاراً للعنف، والارهاب، والزواج العرفي، والمخدرات.( قوقلة) سريعة تكفي.
في بلد يرزح اكثر من (90%) من سكانه تحت مستوى خط الفقر، دخل التعليم السوق الاسود، ففتحت (ملجته) للرأسماليين الجدد،فانتشرت ظاهرة المدارس الخاصة العشوائية (الرأي العام 2 /5/2006) وما تبع ذلك. مما أدى إلى التمييز في التعليم بين ابناء الوطن الواحد . فصارت المدارس الجيدة التي يضمن الطلاب الدخول منها للجامعات هي المدارس الخاصة الموجودة في العاصمة، أما طلاب الأقاليم فصار حظهم ضعيفا في القبول للجامعات ناهيك عن المعاناة المعيشية الرهيبة التي تنتظرهم إذا ما أبتسم الحظ لأحدهم للدخول لأحدى الجامعات، وما أحداث جامعة الجزيرة المؤلمة التي راح ضحيتها خيرة الشباب من دارفور إلا عنواناً لهذه المآسي.
أما اوضاع المعلمين فحدث ولا حرج. فالمعلم الذي كان ملبسه من ارقى بيوتات الازياء العالمية ، وتغنت له الحسان في الايام الخوالي، ان "يا ماشي لباريس جيب لي معاك عريس، شرطا يكون لبيس ومن هيئة التدريس" صار "معلم الله"، "يهاجر من الخرطوم إلى وادي سيدنا"إلى صحن الفول، كما علق أحد ظرفاء المعلمين.
المؤسف والمخزي أنه للمرة الاولى في هذا العهد الكالح ، صارت مرتبات المعلمين تأتي بالعون الذاتي، كما ضجت المنتديات الالكترونية بالنداء ل"كفالة وجبة الفطور" للمدارس الابتدائية، ربما من "كرتة" المطاعم وعلى احسن الفروض "فضلات الصواني" المنزلية. معظم هذه المدارس تقع في ولاية الخرطوم حيث الرئيس "ينوم" والطائرة "تقوم" ولا عزاء لمن لم يسمع او يرَ. آخر المستجدات أن بعض المدارس في ولاية الجزيرة، و بايعاز من بعض المحليات، احتجزت حقائب الاطفال المدرسية ورفضت اعادتها لهم، ما لم يساهموا في زاد المجاهد. علما بان من يجاهد فيهم قد ذهب إلى غير رجعة.
14.
حدثتني أحدى قريباتي تعمل معلمة في إحدى المدارس الابتدائية، انه حين حضور أحد المشرفين التربويين أحدى الحصص معهن، يكون همهن منصبا في تكون ارجل الطفلات اللائي اتخذن من افخاذهن "تختة" مضمومة، حتى لا تنكشف عورتهن لعدم ارتداء معظمهن ملابس داخلية. حملت مقالة تتحدث عن الفقر وضمنتها هذا المشهد إلىأحد الصحفيين “الإنقاذ"يين الشباب، فلم ينشرها بحجة انها –اي مقالتي- تحتاج إلى ان تُسَرْوَل قبل نشرها. ولم ينشرها إلى يومنا هذا.
15.
واخطر ما في موضوع التعليم، اسناد مهمته إلى طلاب الخدمة الالزامية الذين كانوا يأتون إلى المدارس مكرهين ويغادرونها فرحين ، ثم كانت الضربة القاضية للتعليم باختفاء مراكز التدريب العريقة. فاختفى مركز بخت الرضا وانتهى دوره الفاعل في مجال المناهج، والتدريب، والذي أنشئ خصيصالهذا الغرض عام 1944. تجدرالإشارة إلى أن المركز أخرج مجلة الاطفال بعد عامين من انشائه ، كاول إصدارة للاطفال في العالم العربي،وشرع في محو امية الكبار عام 1946 بقرية ام جر، إلى جانب العديد من الانشطة التربوية والتأهيلية.
وعن التعليم الجامعي حدث ولا حرج، فيكفي ان جامعة الخرطوم، درة الجامعات السودانية، قد تأثرت بسبب هجرة الشباب، فاضطرتإلى تعديل شروط تعيين الاساتذة للعمل بها، فقبلت بخريجي المعاهد، وهي المشهور عنها أنها رفضت عالما كبير للعمل بأحدى كلياتها العملية، بحجة ان شهادة (بكالوريوسه) غير مطابقة لمواصفاتها.
16.
في بداياتها الأولى، شجعت الإنقاذ هجرة الريف إلى الحضر، طامعة بذلك إلى كسب سياسي ذو مردود جماهيري سريع ، كانت في امس الحاجة اليه . فلما دق الريف أبواب المدينة بعنف ، وبعد أن أستقر الحال السياسي والمادي لأرستقراطيتها من الأغنياء الجدد ، بدأ التذمر والتعفف من غزو الريف للمدينة فهدمت المنازل، ودُفع بسكانهاإلى أطراف المدن، حيث تنعدم الخدمات الاساسية. كل هذا والشباب يرى ويسمع ويؤثر ويتأثر ويعاني في صمت، ولكنإلى حين.
قد لا يدهشك وانت في طريقك إلى "سوق الناقة" غرب امدرمان ان تسمع وترى أن الحي الفلاني لا توجد به "اضان حمراء او زرقاء"، وغيرها من الملاحظات العنصرية. ف"غبش" الامس صاروا راسمالية اليوم، ولعلهم لا يريدون ان تتأذى عيونهم برؤية مدن الصفيح.
إن كانت عين “الإنقاذ" نائمة، فأعين الشباب الواعية كانت ترصد وتختزن في ذاكرتها المفارقات المجتمعية والصلف والعنجهية والتهميش. وكانت الحكومة لهم بالمرصاد، فإن دافعوا عن حقهم المكفول في البقاء الكريم، فإن نصيبهم المجازر او بيوت الاشباح او التهجير المخطط.
17.
حدثني أحد الشباب أن كرهه للانقاذ لم ينقطع يوما، بل يزداد ويشتعل أواره كلما رأى ابن الجيران "طيش" الفصل، يسكن أرقى البنايات ويركب أحدث موديلات العربات، ويتزوج مثني وثلاث (يتني ويتلت ونحن واحدة ما لامين فيها). قدمت الثلة الحاكمة عينات من المحسوبية والفساد غير مسبوقين. فسدرت في غيها وداست على كرامة الانسان، و عقت عرابها الذي علمها السحر، فصار الابن يعق أبيه والاخ اخيه. قدمت عينات من الفساد غير المسبوق والذي لا يفرق بين اموال المسجد او اليتامى او الغارمين او ابناء السبيل فكان ان صرفت الاموال في غير اوجهها، حتى الزكاة ركبت سرج الموجة وصارت لها مصارف أخرى.
باختصار قدمت للشباب درسا مجانيا على طبق من ذهب عن الفهلوة “الإنقاذ"ية، واكاذيب ثورة التعليم، وتحرير الاقتصاد ، ضاعف ذلك، الاستهانة بموروثه الثقافي والقبلي والعقدي الذي اختفى عن الخارطة الاعلامية.
18.
ما سردته اعلاه نقطة في محيط العهد “الإنقاذي". تعاملت “الإنقاذ" مع السودان تعاملها بعقليات اتحادات الجامعات من حيث "الحر المباشر" و الانفراد بالدورة الانتخابية للسيطرة على بقية المرافق، فكان أن عمدت جاهدة إلى محاولة"فرمطة" السودان، والغاء تنوعه، وتعبئة "هاديسكه" ببرامج "صياغة انقاذية قاصرة" ولكن دون جدوى. ارادت سلب الشباب طاقاته الخلاقة، بجعلهم فئران معامل لمشروعها، فكان ان ارتدت اليها بضاعتها البائرة من حيث لا تحتسب.
Halima Abdel Rahman [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.