أقام معهد البروفسير عبد الله الطيب محاضرة بعنوان (خليل فرح رؤية جديدة) وذلك بقاعة الشارقة بجامعة الخرطوم قدمها الاستاذ ميرغني ديشاب تخللتها نماذج غنائية من أشعار خليل فرح قام بادائها الفنان غاندي السيد ، ومع ألحاح الحاضرين للاستاذ ديشاب وافق على تقديم محاضرة أخرى ضمن المحاضرات الاسبوعية تكملة واثراء للنقاش حول شعر خليل فرح ومشوار حياته ومناهضته للاستعمار . الاستاذ ميرغني ديشاب شاعر وباحث مثابر يعيش في مدينة وادى حلفا ، التي عاد اليها من هجرته الطوعية بعد أن هجرها قسراً الى حلفاالجديدة عندما غمرت مياه السد العالي مدينته الأثيرة وإبتلعتها وأستعصت عليها مئذنة مسجد الحسين ووقفت منتصبة وسط مياه البحيرة كالنسر الاشم . عندما أقامت وزارة الشباب عام 1973م مسابقة للشعراء تحت سن 20 سنة فاز ثلاثة شعراء منهم ميرغني ديشاب بالاضافة لعالم عباس وفضيلي جماع . ومع أنه يعيش بعيداً عن الاضواء الا أن له اسهامات مقدرة في مجال اللغة والادب والشعر ويكتب في الملف الثقافي بجريدة السوداني ، وقد أبدع في رده على الاستاذ عبد المنعم عجب الفيا والدكتور خالد فرح في سلسلة من المقالات بعنوان (النوبية بين خالد فرح وعجب الفيا) والتي دارت حول المفردات النوبية في عامية أهل السودان. تحدث الاستاذ ديشاب عن خليل فرح ونشأته والتي أوضح فيها مولده بجزيرة ساي وهو الاسم الصحيح وليس صاي كما هو متداول ، وبعدها حمل الى وادى حلفا وهو طفل وعاش في حي دبروسة وكانت وادي حلفا وقتها ادارية منفصلة لا تتبع للسودان وخارج الدولة المهدية ، وقد هاجرت معظم القبائل من المحس والسكوت وبطن الحجر الى وادي حلفا واحتمت بالحامية البريطانية عندما هاجمهم عبد الرحمن النجومي . بعدها عاد خليل فرح الى جزيرة ساي والتحق بخلوة الشيخ أحمد هاشم الذي نال العالمية من الأزهر وتفرغ للتعليم في جزيرة ساي وعرف في تلك المنطقة باسم بابا شيخ أحمد مما يعني أنه كان أباً للجميع ، وبعد أن حفظ القرآن الكريم التحق بالمدرسة الأولية بدنقلا ومنها الى كلية غردون التذكارية . وقد قام بتدريسه اللغة العربية بكلية غردون اساتذة مجيدون من الشوام و السودانيين على رأسهم الشيخ المجذوب والد الشاعر محمد المهدي المجذوب . وقام الاستاذ ميرغني ديشاب بشرح بعض الكلمات التي وردت في أشعار خليل فرح وأوضح أنها موغلة في البدوية وهي تمت الى منطقة البطانة الشرقية وهي في الأساس ليست مفردات حضرية تنتمي للغة المدينة . وتناول الاستاذ ديشاب حياة خليل فرح عندما التحق بكلية غردون وأوضح أنه عاش في مدينة الخرطوم ولم ينتقل الى ام درمان الا في مرحلة متأخرة من حياته عندما قام عمه كاشف بدري بشراء (حوش) بمدينة أم درمان وهو جد حاجة كاشف رائدة العمل النسوي في السودان . وتحدث عن نضال خليل فرح ضد المستعمر مستخدماً الشعر الرمزي ومنها (عزة في هواك) القصيدة المشهورة والتي رمز بها السودان وعزة هي زوجة المناضل على عبد اللطيف قائد حركة اللواء الابيض عام 1924م ورجح الاستاذ أن يكون الاسم عازة وليس عزة لأنه الاسم الذي كان متداولاً في ذلك الزمن . ويرى الاستاذ ديشاب أنها لحنت بإيقاع المردوم أحد ايقاعات غرب السودان الا أن الباحثين الموسيقيين يرون أنها إيقاع ود الشريفي وهو مارش عسكري . وقد قدمت خلال الندوة العديد من أغاني الشاعر خليل فرح منها (الشرف الباذخ) (في الضواحي) ، (ما هو عارف قدمه المفارق) و(فلق الصباح) . من كل ما سبق يتضح جلياً بأن الشاعر خليل فرح عندما هاجر الى الخرطوم كان قد حفظ القرآن الكريم ومن يحفظ القرآن الكريم يمتلك ناصية اللغة أما اشعاره التي قام بنظمها باللغة العامية يكون قد اكتسبها من خلال إقامته في الخرطوم ودراسته بكلية غردون لأنه لم ينتقل الى ام درمان الا في فترة متأخرة من حياته ، وكل ما اعطته له أم درمان هو لقب خليل أفندي فرح . وليس من المستغرب أن الشاعر خليل فرح قد بز أقرانه الشعراء والكتاب مع أن اللغة العربية ليست لغته الأم ، لأن معظم علماء اللغة العربية من العجم وعلى رأسهم سيبويه . قدمت قناة النيل الازرق قبل عام أو يزيد حلقة عن الشاعر خليل فرح تحدث فيهاعدد من الاساتذة منهم الاستاذ ميرغني ديشاب والاستاذ حسين خوجلي وكنت قد ناقشت الاستاذ ديشاب بأنه كان يجب أن يستضاف كمتحدث رئيسي في حلقة منفصلة عن تلك الحلقة لأن الاستاذ حسين خوجلي كان يقمع المتحدثين ويقاطعهم وهذا طبعاً ضعف من مقدم الحلقة وخاصة مذيعينا الذين يكونون مبهورين بالضيوف اذا كانوا من المثقفين او مدعي الثقافة ، وفي تلك الحلقة اتضح لي ان حسين خوجلي يعتقد أن الحقيقة كلها تحت عمامته ويحاول بكل الوسائل أن ينفي ويمحو الخلفية النوبية لخليل فرح وينسب كل انجازاته وأشعاره الى أم درمان وثقافة وسط السودان علماً بأن الحضارة النوبية تمتد لسبعة آلاف من السنين ولا يمكن مقارنتها بمدينة مصنوعة لم تكمل عامها المائة إلا قبل أعوام . وكتب الاستاذ حسين خوجلي أنه يريد سوداناً خالٍ من الرطانات مع الأخذ في الاعتبار أنه يعني بالرطانات اللغات غير العربية واستخدم كلمة رطانة عن قصد لأنها تعني الكلام غير المفهوم . عندما يصدر مثل هذا الحديث من شخص يرى الكثيرون أنه من كبار المثقفين ، يكون غير أميناً في طرحه ويحاول اقصاء الآخرين مع أن الدول المتقدمة قامت على احترام التنوع وقبول الآخر وعدم هيمنة ثقافة على أخرى ولا أود أن أخوض اكثر في حديث الاستاذ حسين خوجلي لأن كبيرهم سماها (دغمسة ). ولقد أجاد الاستاذ ديشاب في محاضرته الأولى والثانية ونال رضا واستحسان الحاضرين بمعلوماته الوفيرة ولغته الرصينة وحديثه المنهجي ، وفوق هذا وذاك هو متواضع أكثر مما ينبغي . وقد أختير الأستاذ ميرغني ديشاب رئيساً للمؤتمر العام السادس لاتحاد الكتاب السودانيين الذي سيعقد في فبراير 2013م ، بعد أن كان يعيش بعيداً عن الاضواء ظناً منه أنه كالفراشة اذا إقتربت من الاضواء تفنى .