قدم خليل إلى أم درمان بعد أن مكث في الخرطوم المدة التي درس فيها في كلية غردون 1912-1916م، و اختبرت شاعريته وهو دارس بها بحيث أثبت من جاءه من الشعراء شاعريته ويتقن منها، يقول أحدهم في ذلك: وقد دخل مدرسة البوستة والتلغراف بكلية غردون التذكارية في الخرطوم وسكن فيها مدة دراسته" فهو عندما ذهب إلى أم درمان، كان ناضجاً تماماً من حيث اللغة والشاعرية، لكن تجلي الباحث هنا، يكمن في قوله ان لغته العامية العربية "كانت بدوية وليست حضرية" لكن، من أين تأتي اللغة البدوية لهذا الشاعر؟ يجيب هذا الباحث في سياق طويل:"من المؤكد ان الخليل لم يشرع في تعلم العربية العامية بعد وصوله، والا لما تمكن من اثبات تفوقه فيها خلال مدة لا تتجاوز السبعة اعوام. والتي هي كافية لتعلم أية لغة، ولكن ليس لمستوي اجادتها كما لو كانت لغته الام، فاللغة العربية العامية التي اشعر بها الخليل مما لا يمكن أن تتأتي إلا لمن نشأ عليها، اذ من المرجح ان الخليل كان قد تعلم تلك اللغة في صغره فكمنت في ذاته كمون النار في الحجر حتي اذا ما امتدت به السنون في العاصمة حيث الحديث كله بالعربية، انبثقت تلك اللغة من مكانها جزلة فخمة فجرت على لسان شاعر فحل. والباحث ينوع هنا على كمون اللغة عند صبيان النوبيين وغيرهم من أفارقة السودان وبروزها في زمن ما من عمرهم، والحديث الذي بالعربية حول الشاعر مما يعول عليه الباحث، كان في اللغة المدنية، وهي مما يخالف بدوية اللغة عند الشاعر التي اشار إليها هذا الباحث في قراءة جيدة وذكاء، والوسط الذي يعيش فيه الطفل يعلمه لغة ذلك الوسط، وبين الاطفال والصبيان. فروق فردية في درجة تلقى اللغة وفهمها، وتعليم الوسط تعليم منقوص خاصة في مستوى الفصيح من اللغة، ووسط الخرطوموأم درمان، في التاريخ الذي صار فيه الخليل فيما علمه ما اصطلح عليه بلغة أم درمان، وهي ليست لغة بدوية صار عليها الشاعر كما سنناقش في الفصل الثالث من هذا الكتاب، والذي يكمن ليبرز في مسار عمر الطفل الشاعرية وليست اللغة، والشاعرية لاحقة للغة، فالخليل، عندما صارت عنده الذخيرة اللغوية المناسبة برزت فيه الشاعرية من كمونها، وما يعلم اللغة ليس حديث الناس بل الانتظام في تعلمها على نمط منضبط، وهذا لا تنتحه غير المدرسة النظامية، ونحن نظلم البحث العلمي إذا قدرنا ان العامية العربية في السودان- وهي لغة البيت والشارع- هي لغة الكتاب المدرسي، فذلك مستوي وهذا مستوي آخر، ومقدار اختلافهما واضح، ولذلك، فان اكتساب لغة الكتاب المدرسي ليس وقفاً على الناطقين بالعربية وحدهم، بل وقف على قدرة التلميذ الدارس على الفهم والاسترجاع. ويستطرد هذا الباحث ليصل إلى الاجابة عن سؤال البدوية في شعر الخليل فيقول: إذن السؤال الذي نحتاج لاجابته هو: أين تعلم الخليل اللغة العربية؟ للاجابة على هذا السؤال علينا أن نرجع إلى طفولة خليل فرح بعد أن ولد في حلفا، عاش الخليل طفولته وصباه في صاي حتي تخرج في خلوة بابا شيخ أحمد حيث كانت النوبية لغة المحك في المنزل والقرية، بعد ذلك درس الخليل في دنقلا متنقلاً باستمرار مع والده وأعمامه في رحلاتهم التجارية ما بين اسوان عبر حلفا وصاي إلى إلي دنقلا فام درمان وبالعكس، هنا بدأ الخليل في تعلم العربية الفصحي وذلك عبر المناهج المدرسية كما هو العهد بكل أفارقة السودان، ولكن في تلك الاسفار بدأ الخليل في تعلم لغة أخرى سيكون لها أعظم الأثر في تاريخه الشخصي، وفي تاريخ أمته ألا وهي العامية العربية السودانية في مستوياتها الحضرية والبدوية معاً، فمن المعروف أن تنقله مع والده وأعمامه كان يتم حينها بقوافل الجمال بكل ما تشمل من فريق من العرب البدو، منهم من يعمل كدليل، ومنهم من يعمل كمشرف علي الجمال، اكلها وشرابها، كانت هذه القوافل تستريح نهاراً في القيلولة. وتسافر فجراً وعصراً ثم آناء الليل، وكان الأعراب المرافقون لها يجدون ابلهم حثاً لها لتقذ السير، أما عندما يستريحون ليلاً، فقد كان أشبه ما يكون بمنتدي أدبي، إذ كان اولئك البدو يتحلقون حول النار يشربون الشاي وهم يتطارحون شعراً وانشاءاً بلغتهم لما يعرف بغناء الكلكية، وهو فن اثر عن جلسات الخمر ثم أصبحت له استقلاليته، وقد أثر عن الخليل اتقانه لهذا الجنس من الغناء بالنوبية، وفي ظننا ان الخليل تعلم العربية العامية التي انشد بها شعراً وبز بها أقرانه هناك في طفولته وصباه الباكر وهو يتنقل مع والده وأعمامه في رحلاتهم التجارية. وقول الباحث هنا "في رحلاتهم التجارية ما بين أسوان.. الخ" قول فيه خيال بعيد يبعد به عن الحقيقة والواقع، ذلك أنه لم يكن متاحاً لاي من السودانيين عبر التاريخ التجارة بين اسوان "بوابة مصر الحضرية الجنوبية" ووادي حلفا أو غيرها، إذ هذه التجارة تقع في اطار التهريب الممنوع، ولم يكن ذلك متاحاً الا لكبار التجار المستوردين عبر تصاريح من مالكي البواخر لا من يركبون ابلاً يخبون بها، وقوله "أنه كان متنقلاً باستمرار مع والده وأعمامه في رحلاتهم التجارية ما بين اسوان عبر وادي حلفا وصاي إلى دنقلافأم درمان وبالعكس، هنا بدأ الخليل في تعلم اللغة العربية الفصحي وذلك عبر المناهج المدرسية" قول ينفي بنفسه، فالمناهج المدرسية يتلقاها الماكث في مدرسة لها شروطها، وتعليم الرحل بدأ في السودان ما بعد انشاء معهد بخت الرضا بعد وفاة الخليل عام 1032م بعامين والتعليم عن طريق المنهج المدرسي كان متاحاً- في ذلك التاريخ- عبر الالتحاق بمدرسة نظامية فقط، ولم تكن الخلاوي- في تاريخها في بلاد السودان- ضمن منظومة المدارس النظامية التي لها منهج مدرسي إلا في 1989/7/1م عندما صودق بقيام المدارس القرآنية في اقليم الجزيرة في أواسط السودان لتنتشر في بلادنا بعد ذلك، ولم يتح للخليل الانتظام في مؤسسة تعليمية لها منهجها المدرسي إلا في دنقلا"إذا صح أنه درس في مدرسة نظامية" وكلية غردون التذكارية من عام 1912م، حتي عام 1916م، عام تخرجه فيها، وهي الفترة التي تعرف فيها على العربية الفصحي، ونرجع انه لم يكن كغيره من الدارسين انما استزاد منها، كما بعد تخرجه