أول ما ظهر مصطلح "فقه السترة" إلى العلن كان على لسان السيد حاج ماجد سوار، الوزير السابق والسفير الحالي، حينما قال أن عددا من أعضاء حزبه قد أحيلوا للمحاسبة عقب ثبوت تجاوزهم في المال العام(أي سرقتهم المال العام)، وقال إن الحزب عمل بمبدأ السترة ولم يتم كشف المتجاوزين (أو السارقين) لوسائل الإعلام. وسبق الحاج ماجد سوار إلى نفس المقصد وال أسبق من ولاة القضارف الذي خاطب أعضاء حزبه طالبا إليهم عدم انتقاد الفاسدين من أعضاء الحزب في العلن حتى لو كانت تهم الفساد ثابتة عليهم، ولم يشر الوالي من قريب أو بعيد لإمكانية محاسبة هؤلاء الفاسدين من أعضاء حزبه سواء كانت المحاسبة وراء الأبواب المغلقة أم عبر الأجهزة العدلية التي يحتكم إليها كل الناس. لكن يبدو أن "فقه السترة" ثقافة قديمة متأصلة جاءت إلينا عبر الحدود، فقد ذكر الأستاذ ثروت الخرباوي، المحامي الشهير والقيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، في كتابه "قلب الإخوان .. محاكم تفتش الجماعة" الصادر من دار الهلال المصرية عام 2010م ، ذكر واقعة أخين من الإخوان في منطقة شرق القاهرة، ظلا شريكين لسنوات في شركة تجارية(وحدث أن قام أحدهما بسرقة نصيب الآخر في الشركة، فاشتكاه المسروق للإخوة، فقام الإخوة عقب الشكوى بإحالة الأمر لمحكمة إخوانية رأسها الدكتور عبدالمنعم البربري ،أمين صندوق نقابة الأطباء، وكان معه في هيئة المحكمة المرحوم مأمون ميسر المحامي الإخواني المعروف ، ومعهما أحد المحلمين من أعضاء مجلس النقابة، وأصدرت اللجنة قرارها بإدانة السارق إدانة صريحة قاطعة..إلا أن الأمر لم يرق لصهر السارق الذي يشغل موقعا قياديا كبيرا في منطقة شرق القاهرة، وهو رفيق عمر الحاج جودة وتابعه في المنطقة، فقام الإخوة بإلغاء هذا الحكم إرضاء للرجل وتشكيل محكمة أخرى برئاسة الحاج جودة، وانتهت المحاكمة في حكمها الجديد إلى تعديل الحكم إلى أن الحسابات فقط غير منضبطة، وأن السارق، لعدم ضبط الحسابات،أخذ ما ليس له من حق دون أن يعلم أن أخذه ليس من حقه،وأنه يجب على الأخ المسروق أن "يستعوض الله" فيما أخذه السارق.. وأن نتيجة الحكم ستظل سرية لن يتم نشرها على الإخوة لعدم المساس بسمعة السارق. وعندما اعترض المسروق المجني عليه على هذا وقال" سأستعوض الله بلا شك، ولكن إذا صح أن تكون جلسات المحاكمة سرية إلا أن الحكم يجب أن يكون علنيا، وهذا من قواعد العدالة في الإسلام"، فلم يقبل الإخوة بذلك.. فما كان من الأخ المسروق المجني عليه إلا أن هجر الإخوان إلى غير رجعة). يرفض الأستاذ ثروت الخرباوي مبدأ تبرير الواقعة ومثيلاتها بأنها حالات فردية، والقول بأنه "طالما أن النجاسة لم تغير طعم أو لون الماء الطهور فهو ،أي الماء، طاهر،وأن ما حدث، من مثل هذه الوقائع، لا يمكن أن ينجس هذه الجماعة أو يمس خيريتها، رغم الاعتراض عليه"، ويؤكد "أن الجماعة تفسد من رأسها كالسمكة، فإذا فسد الرأس فسد الكل". ويتساءل في خاتمة كتابه الذي أثار ضجة لم تنته بعد، ونتساءل معه أيضا: "من يصلح الملح إذا الملح فسد؟" . (عبدالله علقم) [email protected]