**** طالعتنا صحف الأربعاء الماضية بحديث السيد رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني الجديد سعادة الفريق محمد العطا ، وهو يخاطب في ورشة الإنتخابات التي عقدت مؤخرا ، حيث كانت أول فعالية ساخنة يقابلها سيادته وقد إستلم رئاسة هذا الجهاز الحساس والمفصلي في الحياة السياسية السودانية ، ليس في عهد الإنقاذ فحسب ، بل مفصلي في كافة الحقب السياسية التي مرت علي البلاد ، حتي في الحقب الديمقراطية قليلة الحيلة والمدة معاً . أعانه الله سيادته علي المهمة عالية التكاليف . فالخطر الحقيقي علي أمن بلاادنا وإستقرار مستقبلها يجب أن يكون من الذين يحملون السلاح المتدفق كل يوم بالأطراف ، وليس من الأحزاب العريقة لا تنحو هذا المنحي مطلقاً . ومصدر قلق الفريق العطا قد إستشفيناه من مقاطع حديثه الذي إبتدره بنقد عالي الوتيرة ضد الأحزاب السياسية التي لم يسمها بالإسم وإن كانت هي تعرف نفسها جيدا عملاً بالمثل العربي : إياك أعني فاسمعي ياجارة . فقد ذكر بأنها سوف تضع الوطن في حالة فوضي ربما تؤدي إلي عنف يفسد عملية التحول الديمقراطي كلها . برغم أن الخوف يأتي من الذين يحملون السلاح بإزدياد كل يوم في الأطراف .وسعادته ، ومن واقع حسه الأمني الذي يتمتع به ، لابد من أن يكون قلقا وهو يواجه عمليات ولادة عديدة قادمة يكون جهازه جزءاً لا يتجزأ من عملية إخراجها بالصورة المثلي حتي تخرج الأجنة سليمة ومعافاة ، دون الحاجة لإجراء عمليات قيصرية مرهقة لكن ... من جانب آخر ، كنا نأمل أن يوازن سيادته بين حالة كافة الأحزاب المادية من حيث الإستعداد للأنتخابات ، خاصة العريقة منها ، وبين حالة شريكي الحكم وفق نايفاشا التي قاسمت الثروة ومعظم السلطة بين المؤتمر والحركة لسنوات عديدة خلت ، وفي ذات الوقت تطلب السلطة من الأحزاب التي لا تشملها تلك القسمة النايفاشية ( ثروة وسلطة ) أن تخوض إنتخابات مرهقة مادية ولوجستيا تشمل السودان العريض جداً ، في مقابل هؤلاء العمالقة ( الشريكين ) من حيث الإستعداد المادي والسلطوي والإعلامي بكل وسائطه الضخمة التي يديرها علي مدار الساعة آلاف من البشر لصالح السلطة كما نشاهد حالياً ، حيث لايشترك جمهور الأحزاب الأخري نعيم تلك الوسائط إلا في برامج المنوعات والغناء ودنيا الرياضة . فنحن الآن نعيش تجربة التحول الساداتية التي حدثت في مصر بالمسطرة تماماً ، حيث الحريات للأحزاب ، لكن الفوز لمن لديهم القدرات والإعلام والسلطة . لكل تلك الأسباب ، ربما لا تتمكن الأحزاب من خوض الإنتخابات حتي لا تهدر نفسها وربما مالها في عملية ليست ذات مردود إيجابي لها ينتج من عدم القدرات المالية والحركية ، وذلك من أجل أن يقال فقط أن بالسودان ديمقراطية كاملة الدسم . ومن نواحي اخري فإن جماهير الأحزاب نفسها لن تتمكن من تأجير حتي كراسي ومايكرفون ( ساوند سيستم ) لتدير به ندوة في أصغر حي في الدروشاب أو في أم مبدة ، دعك عن السفر إلي الأقاليم لإجراء التعبئة لشهور طويلة . ولن تقوي الأحزاب علي تأسيس صحافة حزب تطرح من خلالها رؤاها في برامج نهضة الدولة وإعادة التوازن للحياة الإقتصادية . إذن ... من حق سعادة رئيس الجهاز أن يقلق علي مسيرة التحول ، ونحن قلقون معه بالطبع ، قلقون علي حال الوطن كله ، لأنه ملك للجميع ، فالحكومات مهما طال أمدها فإن لها دورات محددة وليست مائة عام مثلما يصرح البعض ، هكذا يقول التاريخ الإنساني ، لكن في ذات الوقت لابد من إجراء جردة حيادية لحال الأحزاب وحال جماهيرها العاطلة في كل الوطن. الأمر يا سادتي يحتاج إلي إعادة نظر في كل العملية ، فالجماهير قد أرهقتها الحياة وتعقيداتها ولم تعد هي ذات الجماهير الحيوية ( بتاعة زمان ) التي تشرأب بأعناقها لخوض الإنتخابات . كما أن معظم التكنوقراط الذين كانوا يحركون الدنيا كلها بالسودان قد هاجروا بعيدا إلي غير رجعة ( 8 مليون نسمة بالخارج ) ، يمدون لسانهم لحال البلد ويكتبون عنه بإسترخاء وخدر لذيييييذ . أخيراً ... لا حل ولا فكاك .. إلا أن يقوم الشريكان بتعديل الإتفاقية لتطويل أمد الحكم الثنائي . [email protected]