الدفاع المدني هو كيان حكومي يتبع في السودان لوزارة الداخلية ، ويقع علي عاتقه هم كبيروأساسي وهو الحماية المدنية. أو توفير كل المطلوبات اللازمة لتسهيل عملية انسياب الحياة اليومية بشكل طبيعي بعيداً عما يمكن ان تثيره المخاطر المحدقة أو المحتملة علي المجتمع، وهو بهذه الصفة يمكن تشبيهه بجهاز المناعة داخل الجسم ، فبإعتبار ان الإجتماع البشري يماثل جسم الانسان بكل ما فيه من اعضاء وكل ما تقوم به الاعضاء من وظائف ، فإنه بالمقابل يمكن تشبيه الدفاع المدني بانه القدرة الحمائية لهذا الجسم من اي مهدد يعترض سير الحياة العادية من مهددات واخطار.لذلك فإن الدفاع المدني يمثل كياناً حيويا لا يمكن لأي مجتمع أن يقود حياته بدونه... غير أن هنالك صورة نمطية مشوشة نوعاً ما عن هذا الكيان لدي مخيلة الكثير من المواطنين فهم يعتقدون ان هذا الكيان خاص بالحرائق فقط ، وقد لايدركون اهميته الاستراتيجية الا عند نزول الكوارث. فهو الذراع الحكومي الاول المعني بالتصدي والتخفيف من الكوارث علي مختلف اشكالها وتمظهراتها. وهو في نهاية التحليل وإن بدت عليه النظامية العسكرية، الإ أنه كيان مدني بالدرجة الأولي، بل ويمكن القول بأنه صديق للمواطن ... وهنا يجدر الوقوف بعض الشيئ لإبراز الصبغة المدنية لهذا الكيان. يدرك علماء السياسة أكثر من غيرهم مدي التداخل اللغوي بين كلمة أو مصطلح سياسة القائمة علي تدبير الشؤون العامة، وبين كلمة "بوليس" التي يستخدمها اهل السودان للإشارة لرجل الشرطة . فكلمة بوليس كلمة يونانية تتطابق في معناها مع الكلمة الاتينية "سيتفاس"Citivas والتي تعني " الشخصية المعنوية والقانونية التي قوامها مجموعة المواطنين الذين يشكلون ما يعرف بالانجليزية بالستي City وهي المدينة.... لذلك فالتداخل واضح بين كلمة سياسة Polity والتي أتت منها كلمة Politics التي تفيد معني التدبيروالبوليس Police والذي يفيد أيضاً معني التنظيم والمدنية التي تتسم بأنها إجتماع بشري منظم . لذلك فإن هنالك علاقة إرتباط وثيق ليس من ناحية اللغة فحسب في كلمة بوليس ومدينة ومواطن مدني ، وإنما في الإرتباط الوظيفي بين الحياة في المدينة ومن يقوم بترتيب وتنظيم الحياة فيها.. لذا يمكن الوصول الي خلاصة مفادها أن رجل البوليس هو المفروض أنه إنسان مدني بإمتياز لأنه الشخص المعني بالحماية والعناية بحياة المدينة . وذلك لأن وظيفته تقوم وجوباً علي وجود المدينة، كما أن في المقابل وجود المدينة يشكل شرطاً لوجوده الوظيفي. لذلك فإن من يقوم بمهمة الدفاع عن المدينة بكل ما تحوي من انسان ونبات وحيوان أو منشآت أو مظاهر عمرانية ينبغي أن ينظر اليه كشخص مدني يهمه وفوق كل شيئ أمن وسلامة أهل المدينة . لذا والحالة هكذا يجب أن يكون هنالك نوع من الشراكة بين المواطنين ومنظماتهم المدنية و الجهة الحكومية المنوط بها الدفاع عن المدينة (الدفاع المدني) وذلك أولاً لضمان فعالية عملية الحماية المدنية، وثانياً لتذويب الفارق المفترض بين الجهة الحكومية والقطاع المدني الأهلي. فالشراكة في معناها العام هي ضرب من التآلف والتحالف بين طرفين أو أكثر لتحقيق اهداف محددة حيث يسهم كل طرف بما لديه من إمكانات يستطيع أن يجندها في سبيل تحقيق تلك الاهداف، فالقطاع الاهلي هنا يمكن أن يكون شريكاً عبر منظماته القاعدية أو الوسيطة بإعتبارهم أصاحب مصلحة Stakeholders لضمان فعالية الإستجابة أو التدخل في الحالات الإنسانية الطارئة أو المحتملة، وهذه أهم نقطة التقاء بين الطرفين . كما وضح مما تقدم أن رجل الدفاع المدني وبرغم بذته العسكرية فإنه رجل مدني بإمتياز وإن قطاع المجتمع المدني بإعتباره مناط فعل رجل الدفاع المدني معني بأن يقود حياته بعيداً عن المخاطر لذلك فإن كل المؤسسات المدنية معنية وبشكل أخلاقي وقانوني أن تيسر لرجل الدفاع المدني مهمته وأول ما يجب أن تبدأ به هو التفهم الحقيقي والتام لطبيعة دور الدفاع المدني. ثانياً فإن خلق الشراكة لا يكون معلقاً في الهواء أو محفوف بحسن النوايا فقط، وإنما بالإنخراط الحقيقي في أنشطة الحماية المدنية بمعرفة ودراية ، وهنا تظهر اهمية دور التدريب العملي التي يقوم بها الدفاع المدني من إنقاذ بكل أشكاله بري ، بحري، نهري أو حتي جوي ، إسعافات اولية ، إخلاء، ايواء وإطفاء.... الخ.وذلك حتي تصبح هذه الانشطة مهارات يمتلكها كل أفراد المجتمع وتكون بالتالي جزءاً من ثقافته العامة ، شريطة أن تدعم بمعرفة نظرية بالإلمام بطرف من علم إدارة مخاطر الكوارث والذي أصبح صرخة اليوم Out Cry of the Day في كثير من المجتمعات المتحضرة حيث أخذت تضمنه في مناهج التربية الأولية للناشئة، فقد يقود ذلك لخلق نمط سلوك إجتماعي مدرك لمواطن الهشاشة فيتجنبها، وعالم ببواطن الخطر فيتحسب له، ومدرك لخطورة الكوارث فيتصدي لها دون أن ينتظر العون الذي ربما يأتي وربما لا يأتي وبذلك تتحدد حيوية المجتمعات. د.محمد عبد الحميد mohamed hamed [[email protected]]