حضر (غاضبون) وغاب (درع السودان) وآخرين    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    شاهد بالصورة والفيديو.. تيكتوكر سودانية تثير ضجة غير مسبوقة: (بحب الأولاد الطاعمين "الحلوات" وخوتهم أفضل من خوة النسوان)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تظهر بدون "مكياج" وتغمز بعينها في مقطع طريف مع عازفها "كريستوفر" داخل أستوديو بالقاهرة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    "الجيش السوداني يصد هجومًا لمتمردي الحركة الشعبية في الدشول ويستولي على أسلحة ودبابات"    يبدو كالوحش.. أرنولد يبهر الجميع في ريال مدريد    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    غوغل تطلب من ملياري مستخدم تغيير كلمة مرور جيميل الآن    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    وجوه جديدة..تسريبات عن التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة السودانية    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    (برقو ومن غيرك يابرقو)    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجتمع المدني السوداني : حوار في لاهاي، هولندا ... تقرير أنس النور
نشر في سودانيل يوم 24 - 08 - 2009

انعقدت يوم أمس السبت الموافق 22 اغسطس 2009 بمدينة لاهاي الهولندية ندوة {المجتمع المدني السوداني بين النظرية والواقع} في جلستين، خصصت الجلسة الأولى لمحاولة الإجابة على سؤال : المجمتع المدني السوداني؟. وتركزت الجلسة الثانية حول قضايا عملية من قبيل علاقة المجتمع المدني بالتغيير الإجتماعي وعلاقة سوداني المنفى بمنظمات المجتمع المدني في الداخل ودورهم في ذلك التغيير الإجتماعي المنشود. ثم دار نقاش وافي حول مبادرة (محور المجتمع المدني) وهي فكرة في طورها الإبتدائي من شبكة السودان للسلام والتنمية "نصون" هادفة إلى تأسيس جهاز تنسيقي يشمل جميع بنيات المجتمع المدني السودانية الفاعلة داخل وخارج البلاد.
حيث إبتدر الحوار كما هو معلن الأستاذ محمد جمال الدين متحدثآ عن تاريخ مصطلح المجتمع المدني على وجه العموم والغموض الذي يحفه والتضارب {الفعلي والمفتعل} القائم حول تعريف المجتمع المدني محليآ وعالميآ ... ثم طرح فكرته الجديدة وتعريفه النظري والعملي للمجتمع المدني السوداني ومستقصيآ العلاقات التفاعلية بين بنيات المجتمع المدني (الأصيلة والفوقية) في مستوى تعريفه الجديد للمجتمع المدني وعلاقة تلك البنيات بالدولة وبالعمليات الحيوية المرتبطة بحياة الناس وأمنهم وعيشهم المشترك. {خلاصات محمد جمال الدين مثبتة نهاية هذا التقرير المقتضب}.
فالمجمتع المدني عنده بكل بساطة هو المحصلة الكلية لحراك الناس المنظم وغير المنظم، خارج منظومة الدولة وبغض النظر عن طبيعة ذاك الحراك ومكانه وزمانه. وذاك الحراك قد يجئ متهيكلآ أي منظمآ وفق أعراف ولوائح تنظيمية ووفق قيم إجتماعية محددة بغرض تحقيق هدف/أهداف محددة عندها علاقة مباشرة بالقضايا الحيوية لحياة الناس من قبيل النقابة والإتحاد والنادي والعشيرة والطائفة الدينية. كما أنه بنفس القدر قد يحئ ذاك الحراك المجتمعي بطريقة غير هيكلية أي دون إطار تنظيمي دائم {في صيغة أحداث} من قبيل شعائر الجنازة والفزعة والنفير و"الظار" . ذاك الحراك غير المهيكل يقوم بدوره وبنفس القدر على قيم إجتماعية و لوائح وأعراف وسوابق محددة راسخة في العقل الجمعي ويكون هدفه في نهاية المطاف هو ذات هدف الحراك الهيكلي وهو في مجمله {البقاء والعيش والأمن والرفاهية للجماعة المحددة). وقال أنه لا يرجو ولا يعمل فقط على أيجاد تعريف نظري للمجتمع المدني في السودان وإنما يسعى إلى التعرف عليه عمليآ وماديآ. كما يطمح إلى إمتلاك أدوات للقياس نستطيع من خلالها أن نشخص الظواهر الإجتماعية ونتعرف على مكامن الصحة والعافية والقوة كما الوهن والمرض من جسد المجتمع كما يفعل الطبيب في جسد الأنسان، وتبدأ هذه العملية بإيجاد تعريف دقيق للمجتمع المدني السوداني والتعرف على أعضاءه ومفاصله وعقله وروحه، فكثيرآ ما نسمع أن السودان بلاد متعددة الثقافات والعرقيات والمناخات، وتلك قد تكون حقيقة واقعية لكننا لا نعرف بعد على وجه الدقة كيف يفعل هذا التنوع فعله على حياتنا الواقعية واليومية. إن محاولة التعرف على المجتمع المدني السوداني وجب أن تمثل للمهتمين واجب أخلاقي ووطني لا مجرد عملية بحث أكاديمية باردة، لما لها من علاقة مباشرة بالتغيير الإجتماعي والتنمية البشرية والمادية والعيش المشترك والديمقراطية والحكم الرشيد وصناعة وبناء السلام .
وتوصل في خلاصاته إلى أن المجتمع المدني السوداني يتمظهر على وجه العموم عمليآ ويبدو للعيان بشكل "هيكلي" في أربع أنماط رئيسية:
1- تمظهرات عقلانية موضوعية "الشكل الحديث" ورمزها النقابة 2- تمظهرات جسدانية إثنية "القبيلة والعشيرة" 3- تمظهرات روحانية غيبية (الطرق الصوفية والمسيد والمسجد والكجور والكنائس) وأخيرآ 4- تمظهرات القطاع الخاص (بدورها عقلانية).
كما تتمظهر الدولة على وجه العموم في ستة أشكال رئيسية هي: 1-الجهاز التنفيذي (الحكومة) 2-الجهاز التشريعي "البرلمان" 3-الجهاز القضائي 4-المؤسسة العسكرية (الجيش والبوليس والامن) 5-الخدمية المدنية و6- القطاع العام.
ثم أوضح بالرسم البياني علائق البنيات المدنية التحتية والفوقية ببعضها البعض وبالدولة بحسب نظريته الجديدة كما أوضح كيف تنسأ وتشب هياكل وأحداث المجتمع المدني وكيف تعيش ولماذا يموت بعضها. وحدد منظومات القيم الواقفة خلف تمظهرات المجتمع المدني في السودان في ثلاث أنماط رئيسية {أنظر الخلاصات أدناه}. وقال أنه لا يوجد مجتمع مدني واحد يحمل نفس الصفات والمواصفات ويتجلى بنفس النسق والمنوال في كل الأمكنة والازمنة. كل تمظهر مدني عنده خصائصه المتفردة وفقآ للقيم والأعراف والأهداف الواقفة خلف كل تجلي من تجليات المجتمع المدني.
وقال بالأسباب التي دعته إلى هذه المحاولة الصعبة وهي التعرف على المجتمع المدني السوداني وتعريفه في مقابل الدولة وكانت المنطلقات الأولية لديه شخصية جدآ كونه ناشط في مجال المجتمع المدني ويريد أن يعرف لنفسه وبنفسه مجال الفعل الذي يقوم به ومع من ولماذا وأين ومتى ويتأكد من نتائج عمله في أرض الواقع. وذكر أن له حوار حي يدور حول إطروحة المجتمع المدني بنمبر سودان فور ؤول يتمنى من المهتمين قراء تلك الكتابات والحوارات في مكانها على أمل تداولها ونقدها والنظر عما إذا كان فيها ما يفيد أم لا. وفي الختام شكر الجميع على الحضور والمشاركة والإدلاء بآراءهم ونصحهم وإرشادهم ونقدهم البناء مع كثير الإمتنان لإدارة وأعضاء موقع سودان فور ؤول.
ثم فتحت الفرصة للنقاش الذي شارك فيه بصفة رئيسية كل من الأساتذة عثمان حامد، مايكل أمول دي مبيور، سانتو لويس دينق وعبد الرحيم حلاج. وقد دار نقاشآ حيويآ وساخنآ حول تعريف المجتمع المدني على وجه العموم والتعريف الجديد الذي جاء به محمد جمال على وجه الخصوص كما خصص معظم وقت الجلسة الثانية من الندوة للقراءة العملية في فكرة محور المجتمع المدني السوداني.
سنأتى على مضابط الحوار في المرة القادمة بما يتضمن إلقاء مزيدآ من الضوء على مجمل اللقاء.
وقد توصل الحضور إلى توصيات محددة من أهمها مواصلة النقاش حول إطروحة المجتمع المدني للأهمية وتحديد يوم 10 اكتوبر 2009 للقاء ثاني بأمستردام سوف يحضر له عثمان حامد تواصلآ مع هذا اللقاء. إضافة إلى التحضير لمؤتمر خبراء ستقيمه منظمة "نصون" بلاهاي في نهاية هذا العام حيث يعمل عبد الرحيم حلاج في التحضير له.
كما أمن الحضور بالإجماع على أهمية فكرة محور المجتمع المدني السوداني مع الدعوة إلى توسيع قاعدة المشاركة في العملية التحضيرية لها بما يتيح الفرصة لمشاركة جميع الممكن من السودانيين بخلفياتهم الثقافية والأقليمية والدينية والعرقية بما قد يؤدي إلى تشكل كتلة مدنية تاريخية تساهم من منطلق قاعدي بعيدآ عن الصراعات الآيدولوجية المباشرة في أرساء قواعد راسخة للسلام والتنمية والإعمار والوحدة الوطنية والديمقراطية والحكم الرشيد.
الإنسان والمجتمع والدولة في السودان - نحو أفق جديد
خلاصة
تعريف المجتمع المدني في السودان (مفهوميآ وعمليآ) وفي مقابل الدولة
محمد جمال الدين حامد...
1- "مدني" في عبارة "المجتمع المدني" تعني لا "رسمي"، لا غير.
كلمة "مدني" في عبارة: المجتمع المدني تقوم ضد الرسمي "الدولة" على وجه الإطلاق.
المدني هو المجتمع اللا رسمي والدولة هي المجتمع اللا مدني.
مدني في مقابل رسمي.
وبهذا النحو فإن "مدني" في عبارة "المجتمع المدني" لا تحيل إلى أي معنى آخر من معاني التميز والإمتياز من قبيل مدنية بمعنى حضر أو حضارة أو حداثة أو علمانية. كما ان الكلمة "مدني" لا تحيل الى أي معنى من معاني الإلتزام الأخلاقي أو الأدبي أو الآيدولوجي. وإنما تعني فقط لا غير: غير رسمي (كل شيء أو شخص خارج إطار منظومة الدولة). فالمجتمع المدني بهذا المعنى يكون هو محصلة حراك الناس "الهيكلي واللا هيكلي" خارج منظومة الرسمي "الدولة". وبغض النظر عن مغزى وشكل ذاك الحراك. ولا يهم ان وصف بأنه حديث أو تقليدي، تقدمي أو رجعي. كما لا يهم مكان حدوثه في الريف أو المدينة. وبغض النظر عن زمان حدوثه. فهو في كل الأحوال والأماكن والأزمان فعل "مدني": مجتمع مدني.
2- جوهر "المجتمع المدني" في مظهره، إذ لا ذات قائمة بذاتها للمجتمع المدني .. كما ان المجتمع المدني يتمظهر هيكليآ في ذات الوقت الذي يتمظهر فيه لا هيكليآ ودائمآ بطرق منوعة ومتمايزة.
فإن جاز تشبيه المجتمع المدني بالبحر فان موج البحر هو تمظهره. وإذا تحقق أن نرى البحر في سكونه بأعيننا ونسبح فيه بأجسادنا، فالمجتمع المدني عكس ذلك تماما فهو لا يرى ولا يحس الا حينما يتمظهر. لأن لا ذات للمجتمع المدني قائمة بذاتها. لا يوجد جوهر للمجتمع المدني. فجوهر "المجتمع المدني" هو مظهره هو "تمظهراته" ليس إلا. المجتمع المدني مجرد خط بياني متصور الغرض منه قياس الحالة، ليس إلا. ولهذا لا تتحدث الناس عن المجتمع المدني والا تطابق حديثهم مع تمظهراته أي هياكله وأحداثه. كما لا يوجد مجتمع مدني واحد يحمل نفس الصفات والمواصفات ويتمظهر بنفس النسق والمنوال. كل تمظهر مدني عنده خصائصه المتفردة وفقآ للأسباب الواقفة خلف كل تمظهر من التمظهرات.
3- تمظهرات المجتمع المدني الأفقية والرأسية:
يتمظهر المجتمع المدني أفقيآ كما رأسيا. أفقيآ في صورة أحداث وهياكل (هيكليآ ولا هيكليآ). كما يتمظهر رأسيآ (في نسخته الهيكلية) في صورتين 1- "أصيلة" = "تحتية" و2- فوقية (مولدة عن الأصيلة). النسخة المدنية الأصلية تستند على منظومة قيم إجتماعية تنقسم الى ثلاثة أنماط: 1- جسدانية "فروسية" 2- روحانية "غيبية" و 3- عقلانية "موضوعية". بينما يستند التمظهر الفوقي "المولد" إلى منظومة آيدولوجية "رؤيوية".
أ- أحداث "لا هياكل" المجتمع المدني:
يتمظهر المجتمع المدني لا هيكليآ في شكل أحداث متكررة وراتبة من خلفها قيم وعندها أهداف وأعراف وسوابق راسخة في العقل الجمعي. مثال ذلك الألعاب الشعبية ومراسم الزواج وشعائر الجنازة والفزعة والنفير و"الظار" والمبارزة و "البطان" والحكاوي الشعبية و"القعدات" بأشكالها المختلفة كجلسات القهوة "الجبنة" و الشاي والخمر ولعب الورق "الكتشينة".
ب- منظمات "هياكل" المجتمع المدني:
يتمظهر المجتمع المدني هيكليآ في شكل تجمعات مجتمعية طويلة الأمد، وتسمى بأسماء مختلفة غير أن أكثر إسم شائع في الوقت الراهن هو: منظمة، وتجمع منظمات. والمنظمة هنا تشمل في الأساس القبيلة والعشيرة والطائفة وتمظهرات القطاع الخاص كما أشكال النقابة المختلفة (النقابة = المدني المديني).
فالمجتمع المدني بمثل ما يتمظهر "لا هيكليآ" في شكل أحداث فإنه أيضآ يتمظهر "هيكليآ" في شكل منظمات عندها أعضاء مسجلون أو غير مسجلين على الورق بغرض انجاز أهداف محدده وفق نظم وقيم ولوائح محددة مكتوبة أو غير مكتوبة على الورق. وقد تختلف المنظمات في أهدافها وسبب طبيعة تمظهرها أي نشأتها من منظمة الى أخرى. مثل منظمات حقوق الانسان، الاتحادات، الاندية الرياضية والثقافية و النقابات و المنظمات الإثنية "القبائل والعشائر" و منظمات الروحانية "الطرق الصوفية والطوائف والمسيد والمسجد والكجور والكنائس" كما مصانع القطاع الخاص...إلخ.
ج- شروط تمظهرات المجتمع المدني:
لا يستطيع المجتمع المدني أن يتمظهر هيكليآ أو لا هيكليآ "على مستوى بنياته الأصيلة" إلا في حالة تحقق ثلاثة شروط في نفس الآن ودون نقصان: 1- هدف 2- منظومة قيم و 3- لائحة .. وقد تكون تلك الشروط اللازمة موضوعة على الورق "مكتوبة" في حالة النقابة مثلآ أو مرسومة في العقل الجمعي للجماعة المحددة "غير مكتوبة" في حالة "العشيرة" أو "شعائر الجنازة" مثلآ.
د- كل حراك جمعي هيكلي أو لا هيكلي هو مجتمع مدني وعلى وجه الإطلاق:
كل حراك مدني هيكلي هو منظمة مجتمع مدني بغض النظر عن أهدافه وشكل عضويته ومكان وزمان وقوعه وبغض النظر عن إعتراف الرسمي به أو لا، يكون منظمة مجتمع مدني حتى لو كانت عصابة إجرامية (بل هذا صحيح جدآ ومنطقي عند وجهة النظر هذه). كما أنه بنفس القدر كل حدث جمعي غير هيكلي يقوم على أساس هدف محدد وقيم محددة وأعراف وسوابق متعارف عليها هو حدث مدني أي مجتمع مدني، مثال ذلك الألعاب الشعبية ومراسم الزواج وشعائر الجنازة والفزعة والنفير و"الظار" والمبارزة و "البطان" والحكاوي الشعبية و"القعدات" بأشكالها المختلفة كجلسات القهوة "الجبنة" و الشاي والخمر ولعب الورق "الكتشينة".
ه- التمظهرات المدنية الهيكلية واللا هيكلية تمثل التمظهرات الأصيلة للمجتمع المدني والتي بدورها قد تتمظهر في أشكال أخرى "فوقية" بهدف الجدل مع الدولة = تمظهر مولد عن الأصيل ( جماعات وأحزاب سياسية "رؤيوية موضوعية" أي آيدولوجية).
و- الأحزاب السياسية لا تكون إلا كتمظهر فوقي لتمظهر مدني أصيل.
ز- البنية المدنية الفوقية هي مكان الرؤى الشتيتة = "آيدولوجيات متصارعة" في سبيل الفوز بأكبر قد من التاُثير في عملية بناء وسيرورة رؤية موحدة للعيش المشترك، بينما تكون الدولة هي مكان الرؤية الموحدة للعيش المشترك = "عقد إجتماعي".
4- المنظومات القيمية:
نستطيع أن نلاحظ أن هناك ثلاث منظومات قيمية رئيسية تقف خلف مجمل تمظهرات المجتمع المدني في السودان. وتمثل سببآ جوهريآ في تنوع تمظهرات المجتمع المدني وتمايزها عن بعضها البعض، وهي:
1- منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" 2- منظومة قيم الروحانية "الغيب" و 3- منظومة قيم العقلانية "الموضوعية".
أ- تقف منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" خلف جل التمظهرات المدنية الإثنية "العرقية" وأهمها القبيلة والعشيرة. و"الجسدانية" تكون في إعمال طاقة الجسد في سبيل سيطرتها على العقل والروح في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف هو: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته. وأهم قيم "الجسدانية" هي: الرجولة والشجاعة والأمانة والكرامة والشرف والمروءة والشهامة والكرم. وهي قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الفرسان "أولى القربى = وشائج الدم".
ورمز مكانها المادي هو "السرج" ورمز فعلها هو "السيف". وأسمى معانيها "التضحية" وأسوأ مثالبها "الإنحيازية العمياء".
ب- تقف منظومة قيم الروحانية "الغيب" خلف جل التمظهرات المدنية الدينية "بالمعنى الواسع للكلمة" وأهمها الطريقة الصوفية والطائفة والمسيد والمسجد والكنيسة والكجورية. و"الروحانية" تكون في إعمال طاقة الروح في سبيل سيطرتها على الجسد والعقل في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف دائمآ واحد: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته. ومن أهم قيم الروحانية: الزهد والتواضع والإتكال والإيمان بالغيب. وهي بدورها قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من المؤمنين ب"الغيب" = "عالم ما فوق الطبيعة". ورمز مكانها المادي هو "السجادة" بمعناها الصوفي ورمز فعلها هو "الفزعة" بالمعنى الغيبي للكلمة. وأسمى معانيها "النزاهة" وأسوأ مثالبها "العبثية" كما "الإتكالية المفرطة".
ج- تقف منظومة قيم العقلانية "الموضوعية" خلف جل التمظهرات المدنية "المدينية" ومثالها النقابة والمصنع. و"العقلانية" تكون في إعمال طاقة العقل في سبيل سيطرتها على الروح والجسد في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف دائمآ واحد: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته . ومن ضمن قيم "العقلانية": الإستنارة والتجربة والإنسانية والنظافة والنظام والإدخار. وهي قيم "أنا". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الأفندية "الوطنيين" والمثقفين والمتعلمين بالمعنى الحديث للكلمة. ورمز مكانها المادي هو "المكتب" ورمز فعلها هو "القلم". وأسمى معانيها " الموضوعية" وأسوأ مثالبها "الإستغلالية" كما "الأنانية".
د- "القيمة" تقوم من جسد الجماعة بمثابة الشفرة الجينية DNA من جسد الفرد. هي محور إالتقاء "تلاحم" الجماعة وإعادة إنتاجها "نسخها" كل مرة مع جعلها متمايزة عن الجماعات الأخرى ك"وحدة إجتماعية واحدة ذات خصائص متفردة". كما أن "القيم" هي القوة الخفية الدافعة الى الفعل الموجب في سبيل تحقيق الهدف الكلي والنهائي للجماعة وهو على الدوام (البقاء والمعاش والأمن والرفاهية) وبهذا المعني تمثل القيمة أيضآ معيار الجماعة للتفريق بين ما هو خير وما هو شر بالإحالة الى نجاعة الفعل من عدمه في نزوعه الى تحقيق "الهدف".
5- وظائف وأدوار البنيات المدنية الأصيلة و الفوقية:
وظيفة البنية المدنية الأصيلة في الأساس تنحصر حول إنجاز هدف الجماعة الكلى أو الجزئي من (البقاء أو/و المعاش أو/و الأمن أو/و الرفاهية) للجماعة المدنية المحددة في مواجهة الطبيعة والآخر على وجه الإطلاق. إذ ليس من أهداف البنيات المدنية الأصيلة الجدل المباشر مع الدولة إلا في الحالات غير الطبيعية. تلك مهمة البنيات الفوقية لا الأصيلة.
مرة ثانية ليس من وظائف أو أدوار البنيات المدنية "الأصيلة" الجدل المباشر مع الدولة. كما ليس من مصلحة الدولة في شيء الجدل المباشر مع تلك البنيات المدنية الأصيلة. بل ذاك إن حدث من البنيات المدنية الأصيلة أو من الدولة سيؤدي على المستوى البعيد إلى التأثير السالب من حيث المبدأ على وجودهما المادي على حد سواء، كون إذن منظومات القيم المثالية "المدني" ستصطدم بمبدأ المصلحة "المنفعة" المجردة = "الدولة". وهما حقلان وجبا أن يكونا متوازيان على الدوام لا يتقاطعان أبدآ وتقوم في الفضاء الفاصل بينهما البنيات الفوقية = الآيدولوجيات. وإلا هناك مشكلة دائمآ ما تتجسد في فساد الرؤية الموحدة للعيش المشترك.
6- المجتمع المدني كمصطلح تقني:
المجتمع المدني يجوز أن ننظر إليه كمصطلح تقني بحت (لا قيمي و لا أخلاقي) لا يتعرف بالخير ولا الشر ولا الحداثة أو التقليدية ولا التقدم أو التخلف ولا العلمانية أو الدينية. تلك الفاظ قيمة تتعرف وفق منظوماتها القيمية المحددة ولا يجب أن تحيل بحال من الأحوال الى "المدني". فالمجتمع المدني يكون بمثابة الميدان المادي للصراع القيمي والآيدولوجي لكنه هو ليس ذاته الصراع. إنه الفضاء فحسب. الفضاء الذي تحلق فيه العصافير الملونة "الجميلة" والبريئة والصقور الجارحة والبعوض والحشرات العديدة. هو الفضاء فحسب، هو ليس العصافير الجميلة البريئة ولا الصقور الجارحة. إنه الفضاء الشاسع القابع في سلبيته. فضاء للخير بقدر ما هو فضاء للشر، فضاء للباطل والحق وللقبح والجمال.
7- جدلية الخير والشر "أ":
يتعرف المجتمع المدني بخيره من شره القائم أو المحتمل لا ببنياته قديمة أو حديثة وإنما بحسب أفعاله الصالحة أو الطالحة من مجالات الفعل الموجب والتي يمكن رؤيتها في: 1- التنمية 2- السلام 3- الحكم الرشيد 4- الحقوق 5- الإبداع و6- المجال المفتوح(Socio-cultural ِArena). وذلك بقياس المسافة بين الصفة الخيرة ونقيضها، من مثل: التنمية مقابل الدمار والسلام مقابل الحرب والرشد مقابل الطغيان والحق مقابل الباطل والإبداع مقابل التحجر و المفتوح مقابل المغلق.
8- جدلية الخير والشر "ب":
في جميع الاحوال وفي كل الأوقات فإن الفعل في سياق المجتمع المدني هيكليآ أو لا هيكليآ يقود الى منفعة محددة تجد تعبيرها في مساهمة مادية نقدية أو عينية كما بذل الجهد المجاني أو مدفوع الأجر بهدف جلب الخير او درء الاذى، في فضاء خارج الرسمي "الدولة" وفق منظومة قيمية أو رؤيوية محددة ربما يكون نتاجها شرآ في نظر الآخر.
9- جدلية المدني و الرسمي:
لا يكون "المدني" الا في مقابل "الرسمي" والعكس صحيح، وبإنتفاء أيآ منهما ينتفي الآخر بالضرورة، فلا مجتمع مدني بلا دولة ولا دولة بلا مجتمع مدني. فعلى سبيل المثال فإن أي منظمة تقوم خارج السودان "بحدوده كدولة" لا تمثل "مجتمع مدني" لأنها ببساطة لا تقوم في مقابل الدولة. والأصح (أي ربما يجوز) أنها تمثل مجتمع مدني فقط بالنسبة للدولة التي نشأت بها. وبالتالي فإن تسمية "منظمات مجتمع مدني" بالنسبة للمنظمات "الموصوفة بالمدنية" التي ينشأها السودانيون بالخارج لا تصح إلا كمجاز. إلا إذا حتم واقعها الموضوعي أن تكون فروعآ مرحلية لكيانات مدنية أصيلة أو فوقية تقوم بداخل البلاد وإستنادآ عليه تكون أهدافها ورؤيتها ورسالتها، وهو ما نلمسه في الواقع المعاش في حالة كثير من الأحزاب السياسية السودانية.
10- التمظهرات الهيكلية للمجتمع المدني:
يتمظهر "المجتمع المدني" في السودان عمليآ ويبدو للعيان بشكل "هيكلي" في أربع أنماط رئيسية:
1- تمظهرات عقلانية موضوعية "الشكل الحديث" ورمزها النقابة 2- تمظهرات جسدانية إثنية "القبيلة والعشيرة" 3- تمظهرات روحانية غيبية (الطرق الصوفية والمسيد والمسجد والكجور والكنائس) وأخيرآ 4- تمظهرات القطاع الخاص (بدورها عقلانية).
11- التمظهرات الهيكلية للدولة:
تتمظهر الدولة على وجه العموم في ستة أشكال رئيسية هي: 1-الجهاز التنفيذي (الحكومة) 2-الجهاز التشريعي "البرلمان" 3-الجهاز القضائي 4-المؤسسة العسكرية (الجيش والبوليس والامن) 5-الخدمية المدنية و6- القطاع العام.
12- فرضية أخيرة: المجتمع المدني هو الاصل كما هو سديم الدولة:
الأصل في الإجتماع البشري هو "المجتمع المدني" ببنياته الأصيلة ثم تأتي البنى الفوقية ومن ثمة تتشكل الدولة. فالمجتمع المدني هو بذرة الدولة. الدولة بكل بساطة هي: نقطة تلاقي المصالح/تعارضها. أي نقطة تلاقي/تعارض مصالح البنيات المدنية الأصيلة في حيز زماني وجغرافي محدد وما يقتضي ذلك بالضرورة من نظام لا مفر منه يسمى في شموله: الدولة. وإذ يقوم المجتمع المدني على "القيمي" في تمظهره الأصيل وعلى "الآيدولوجي" في تمظهره الفوقي تقوم الدولة على نظام "المنفعة = المصلحة" مجردة بلا قيم ولا آيدولوجيا في نسختها المثالية. وإلا ستتعارض الدولة وتتصادم بإستمرار مع كثير من البنيات الإجتماعية الأصيلة مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إحتمالين لا ثالث لهما: موت "فناء" الدولة بشكل نهائي وبالتالي موت المجتمع المدني "موت القيم السائدة" أو إعادة تشكل الدولة في صيغة جديدة وبالتالي تمظهر المجتمع المدني في لباس جديد "قيم جديدة".
(تلك الخلاصات جاءت كنتيجة للبحث والتأمل التالي "رابطه على النت":
http://www.sudan-forall.org/forum/viewtopic.php?t=3169&sid=111db618f859cf92f12e38a0b9696766
)
محمد جمال الدين [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.