نحن الآن في زمان غريب زمان إضمحلت فيه الضمائر وأصبح الناس يأكل بعضهم بعضاً ، وأصبح كل يتفنن في طريقة يكسب بها المال الكثير ، ولايهم هنا الطريقة ، نعم بأي طريقة وأي وسيلة فالغاية هنا تبرر الوسيلة ، وهنا تظهر البرجماتية في أبشع صورها ، البرجماتية الفردية والجماعية ، والكسب المشروع الذي نحن بصدد الحديث عن جزء ضئيل جداً من جوانبه ، هو الكسب بالطرق القانونية دون مخالفة قوانين ولوائح الدولة التي انت عنصر من عناصرها ، فلك ماعلى الناس ، وللناس ماعليك ، ولك حقوق وواجبات كما للناس حقوق وواجبات ، الكسب المشروع هو الكسب الحلال الذي لا يخالف التعاليم الدينية والشرائع السماوية ، فكل الأديان تتحدث عن ضرورة الكسب الحلال حتى تتحقق العدالة الإجتماعية .. وقد يسأل سائل سؤال شائع هذه الأيام ، فيقول ، هل قامت الدولة بإعطائنا حقوقنا المشروعة كاملة حتي نقوم نحن بواجباتنا كاملة ، هنا نقول للسائل ، نعم عليك القيام بواجباتك على أكمل وجه ، فالدولة تتكون من مجموعة أفراد ينفذون القوانين ويضبطون حركة الدولة حتى لا تنفلت ، ولكن دعونا نرى اليوم مايحدث ، فإذا كان رب البيت بالدف ضارب فما شيمة أهل البيت إلا الرقص والطرب ، نعم دواوين الدولة اليوم متسيبة ومعظم منتسيبيها متسيبون عن العمل ، فلاتجد الوزير في مكتبه أثناء ساعات العمل الرسمية وهذا خطأ ، فهو يأخذ الأجر على عدد ساعات معينة عليه القيام بواجباته الوظيفية ، وذلك الموظف الذي يخرج من عمله قبل إنتهاء الدوام ، يقع تحت الخطأ أيضاً ، وذلك السائق الذي يتجاوز الإشارة الحمراء ، يقع تحت الخطأ ، وذلك الموظف الذي يتقاضى رشوة مهما كانت مسمياتها ، هدية ، إكرامية ، حق الشاي ، مساعدة ، الخ كلها تقع تحت الخطأ ، وجميع هؤلاء مايجنونه يقع تحت بند الكسب غير المشروع .. ويقال أن رجلاً كان لجاره نخلة تتدلى فروعها داخل منزله ، وكان تمرها يتساقط ليلاً في منزله ، فكان صاحب المنزل يستيقظ باكراً ليعيد التمر المتساقط لمنزل جاره حتى لا يستيقظ صغاره ويأكلون هذه الثمار ، فيقع تحت طائلة الكسب الغير مشروع ، اين نحن اليوم من هذه المحاسبة ، نعم فالوازع الأخلاقي أصبح منعدم تماماً ، في مجتمعنا والسبب هي ثقافة الدولة اليوم ، الوازع الديني أصبح ليس بذات فعالية ، فرجال الدين والشيوخ نسمع عنهم ليل نهار ، فذلك الشيخ قبض عليه في وضع فاضح مع فتاة داخل منزله الذي يمارس فيه العلاج بالقرآن ، وهناك شيخ آخر يغتصب طفلة ، وجميعهم شيوخ دين وإن إختلفت المسميات ( فكي ، إمام جامع ، فقيه ..الخ ) ، فكيف بعدها سيكون هناك وازع ديني ، وايضاً إنعدم الوازع القانوني والردع ، فالذين مناط بهم تنفيذ القوانين ، أصبحوا هم من يتجاوزونه ، لا بل يتم تبرئة الجناة ، بأسهل الطرق ، وأصبحت الدولة مسيرة بالولاء والمحسوبية والواسطة والمعرفة ، فمن يعرف قاضياً كبيراً ماعليه إلا بتجاوز القانون ، ومن يعرف شرطي مرور عليه بتجاوز الإشارة الحمراء ليل نهار ، ومن يمتلك بطاقة عسكرية ، عليه بإستغلالها كيفما يشاء ومتى يشاء ، والموظف المسؤول عن تصريف شئون الناس لا يقوم بعمله وواجبه إلا بعد أن يضمن رشوته ، نعم أصبح القانون يباع ويشترى ، وأصبحت الذمم تباع وتشترى ، وأصبح التجارة الرائجة هي تجارة النفوس ، فالبشر يبيعون ضمائرهم بأبخس الأثمان ، والفئة الأكثر خطورة ألئك الذين يتدثرون تحت عباءة الدين ، فتجدهم ملتحون ولسانهم لا يذكر غير الله ولكن أفعالهم كلها غير مشروعة وغير قانونية فتجدهم هم من يقودون أفخم السيارات ويسكنون أجمل البنايات ، ويمتلكون أكبر الشركات ، ولكنهم يبيعون ويشترون بإسم الدين ، وما أسهل أن تتجاوز القوانين الأرضية والسماوية ، وما أسهل أن تكسب الأموال بالطرق الغير قانونية ولكن أيضاً ما أصعب أن تلتزم وتصبح عنصر صالح وفعال في مجتمعك ، نعم ما أصعب هذا الأمر في ظل تدني المرتبات التي لا تقي شر الجوع فيجبر الموظف على الإختلاس ، وذلك المواطن الذي لن تسير أموره إلى برشوة الموظف المسؤول عن أوراقه ، وذلك السياسي لن يترقى إلى أعظم المناصب إلا بطاعة كباره بتجاوز القوانين ، وذلك الوزير لن يبقى في وزارته إلا بالمحافظة على مصالح حزبه على حساب مصالح الشعب ، وكل هذا بسبب إنعدام الدستور الرادع ، وإنعدام منفذو القانون ، نعم إنعدام العناصر البشرية الصالحة لإدارة شئون الناس ، فالردع القانوني مطلوب كما الردع الذاتي أيضاً مطلوب وبين المطلوبين تضيع الحقوق وتندثر الأخلاق وتباع الضمائر وينتهي الصدق .. ولكم ودي .. الجريدة [[email protected]] ////////////