[email protected] لقد لاحظنا في الأونة الأخيرة أن العديد من السياسيين في السلطة وفي المعارضة أيضاً بات شغلهم الشاغل هو مواصلة مسلسل الهجوم علي بعضهم البعض وبطريقة بائنة لا تخطئها العين مطلقاً . غير أن ما يثير العجب ، أن البلاد تواجهها عدة ملفات ساحنة وقضايا تتفجر في كل صباح ، ولكن يتم التعامل معها بكل برود وبلامبالاة ، بل والهروب من التفكير في إيجاد الحلول الناجعة لها بإعمال الفكر وبفتح قنوات التحاور الوطني الخلاق ، لا الكرتوني الذي يحمل في طياته التباهي والطبطبة علي الظهر فقط بتكوين اللجان للتنسيق بين الأحزاب والسلطة كل علي حداه... وعلي سبيل المثال لا الحصر ، نجد أن ملف دارفور يزداد كل يوم تعقيداً ، ويبدو أن الدول العربية التي أوكل لها إدارة هذا الملف أو تحملته هي كمبادرة خيرة منها ، ربما تعجز عن ملاحقة ما يحيط بالملف من تعقيدات دولية من دول كبري تعمل في ظاهرها لحلحة الأمر ، غير أن رسوماتها الأخري في الباطن تعمل وفق خارطة يتم رسمها بكل هدوء وبلا إستعجال لتنفيذ هذا المخطط ، والذي تعتبره تلك الدول بأن نجاح تنفيذه وفرضه علي الدولة السودانية سيعمل علي إزاحة العديد من المهددات لمصالح تلك الدول بالمنطقة ، خاصة وأن الدول الكبري تظل تضع لإسرائيل عجلة قيادة المنطقة بأكملها ، سواءً في الجبهة الإقتصادية طويلة المدي بإعتبار أن إسرائيل هي رائدة الديمقراطية في العالم الثالث إن لم يكن في العالم بمجمله ، بغض النظر عن صراعها الإستراتيجي مع شعب فلسطين ، وهو الصراع الآخر الذي نجحت المخططات الدولية في قسمته علي نصفين ( فتح وحماس ) بل وفي قسمة العرب تجاه الطرفين ، دعما لأحدهما أو معاكسة للآخر مثلما نري الآن من تحول في المسألة الفلسطينية التي تحولت من قضية عربية متفق عليها منذ العام 1948م ، إلي صراع أخذ زمنا طويلا بين فتح وحماس مثلما نشاهده الآن بكل بلاهة ، اي أن الجهد العربي يظل مشغولا بخلق خطوط تواصل بين طرفي الصراع الفسطيني الداخلي . وفي نهاية الأمر لابد من أن يجلسا سويا وفي طاولة واحدة مع السلطة الإسرائيلية . ومن جانب آخر في المسألة السودانية ، نري أن جل إهتمام قادة المؤتمر الوطني قد إنحصر أيضا في إتهامات يتم إطلاقها بكل بساطة تجاه مجمل الحركة السياسية السودانية ، وبلا مبالاة ، وكأنها هي السبب في كل مشاكل الحروب الأهلية الطرفية التي يجابهها الوطن الآن ، أو في إنهيارات العديد من المشاريع الكبري التي يتم تحويلها إلي المستثمرين الأجانب برغم قدرة الدولة السودانية علي تدويرها مثلما كان يحدث منذ بداية القرن الماضي ، كمشروع الجزيرة والسكة الحديد والنقل النهري ، وربما قطاع البترول والمصارف التي بيعت لأجانب يواجهون السجون الآن في بلادهم . لكن الناظر بعين ثاقبة ومتجردة وبعيدة عن الغوغائية وأحاديث الديماجوجية الفارغة حتي من أهل النظام الذي يحكم الآن ، لابد من أن يعترف بأن المفاصلة التي حدثت داخل الحركة الإسلامية قبل عشر سنوات ( رمضان / ديسمبر 1999م ) هي الأساس في هذا التوتر الذي دفع بقضية دارفور إلي أعالي البحار وأطراف المحيط الأطلسي . وبرغم ذلك يركب طرفا ما يسمي بالحركة الإسلامية السودانية المنقسمة علي نفسها مركبا صعبا يبحر في بحار متلاطمة الأمواج ، ويرصد كل طرف للآخر أنفاسه فتنعدم الرؤية بسبب الغل الذي يغطي الصدور ، حيث لم يكن لحركة الأحزاب السودانية الأخري يدا في هذه التعقيدات سالفة الذكر، خاصة وهي أحزاب لم يتشكل الهيكل الإداري القوي والمؤسسي بها بعد ، برغم مرور ستين عاما علي إنطلاقها في العمل السياسي . لذلك تواجه هي الأخري مسلسل القيل والقال بكل قبحه الغريب ، وقد أضعف كل ذلك دايناميكية الأحزاب الكبيرة مثلما نري حالياً ، وقد إنتقلت عدواها إلي داخل أوساط المؤتمر الوطني الآن بسبب إتساعه غير المنضبط ، وإختلاف الرؤي بين قياداته في العديد من الملفات ، والصراع الإجتماعي داخل مؤتمراته القاعدية في عدة مناطق بالسودان ، ويكفي مايعانيه المؤتمر الوطني في قلب الجزيرة وإمتداد المناقل مؤخراً ، وما يؤدي إلي حدوث تكتلات ومراكز قوي بداخله ، كالأحزاب الأخري تماماً . فهو إذن مرض مثل أنفلونزا الطيور أو الخنازير ( لا فرق ) يصيب أحزابنا علي إطلاقها في مقتل . وفي ذات الوقت ، تسعي حركة الأحزاب السياسية السودانية بممارسة نشر خلافاتها الداخلية الممتدة ، بما في ذلك الإنقسامات التي طغت حتي علي الحركة الشعبية لتحرير السودان مؤخراً ، ما يقود إلي طريق مسدود تواجهه العملية السياسية بالسودان بأكمله . فضلا علي الإتهامات المتبادلة بين شريكي إتفاقية نايفاشا لبعضهما البعض من عدم الإلتزام من جانب المؤتمر الوطني بتنفيذ بعض بنود الإتفاقية وفي ديكتاتورية الحركة في العمل السياسي بالجنوب . وما يؤسف له الآن ، وقد إقترب ميقات إجراءات التسجيل للإنتخابات ، أن إتجاهات الأحزاب السودانية تنحو لمقاطعة تلك الإجراءات الإنتخابية ، كل علي شاكلته ومبرراته ، بسبب عدة مصاعب تحيط بها ، ما يقود إلي ما ذكرناه في مقال سابق ، وهو أن يضطر طرفا نايفاشا مجبرين علي الجلوس لإستخدام حق التعديل الذي أعطته لهما تلك الإتفاقية كخط رجعة ينقذهما عند الضرورة ، مثلما يجري الآن ، وليتمدد الحكم الثنائي بكل تناقضاته البائنة بينهما. أما القوي السياسية الأخري ، فإما أن تراقب الأمر بحذر وإشفاق ، أو تدخل في وفاقيات جديدة مع السلطة تعمل علي عدم حدوث فوضي يتنتج عنها إنهيار دستوري أو تفلتات أمنية إرهابية حيث بات السلاح في يد العديد من الحركات ، حتي داخل الخرطوم ، دعك عن أطراف السودان التي تختزن السلاح لأمر ما ، ربما في علم الغيب .... نواصل ،،،،،