كلام الناس لم يتخلف المسرحيون في مختلف العهود عن اداء دورهم التنويري والترفيهي وهم يقدمون أعمالهم على الهواء مباشرة ، الأمر الذي يجعل العلاقة مباشرة بينهم وبين الجمهور الذي يتفاعل معهم حتى عندما يفلحون في جعله يضحك على بعض فِعالهم أنفسهم على أرض الواقع. حبي للأعمال المسرحية بدأ منذ أن كان الاعلان الأهم بالنسبة للجمهور : أنه توجد مواصلات بعد العرض، وقد شاهدت اعمالا لرواد المسرح السوداني اذكر منهم بلا ترتيب زمانى أو غيره خالد أبو الروس وابراهيم العبادي والفكي عبد الرحمن وأحمد عاطف وميسرة السراج وعثمان حميدة وعثمان أحمد حمد ومحمود سراج ونعمات حماد وفايزة عمسيب ومكي سنادة وعلي مهدي وبلقيس عوض وتحية زروق وابو العباس محمد طاهر وإسماعيل خورشيد وآسيا عبد الماجد والفاضل سعيد وحسن عبد المجيد والسر قدور وهاشم صديق وابراهيم حجازي والنعمان حسن وفتحية محمد أحمد ونفيسة محمد محمود و... غيرهم وغيرهن ممن لم تسعفنِ الذاكرة بأسمائهم. شهدت أيضا- بحمد الله- ميلاد محطة التلفزيون الاهلية ومن بعدها فرقة الأصدقاء، وظللت اتابع أعمال من بقي منهم من الذين مازالوا يقبضون على جمر المسرح رغم كل الظروف الطاردة ، لذلك حرصت على مشاهدة الكوميديا الاستعراضية التي تعرض هذه الأيام بقاعة الصداقة بالخرطوم وسط مشاهدة عالية من كل ألوان الطيف السوداني. مسرحية "النظام يريد" التي وُفق في بلورة فكرتها أشرف بشير ونجح في إخراجها ابوبكر الشيخ، تتناول بذكاء وحنكة ظاهرة استبداد الحكام في عالمنا وانفرادهم بالسلطان وعزلتهم عن نبض الجماهير ، وسط ركام من التقارير والاخبار المضللة التي سرعان ما يكتشفون زيفها ، وهشاشة البناء الذي يجلسون على قمته. المسرحية التي استمدت فكرتها من الواقع السياسى المحيط ، مستصحبة ما جرى في البلدان التي حدث فيها تغيير جذري مثل تونس ومصر وليبيا و تلك التي ما زالت الأحداث تتصاعد فيها مثل سوريا ، بصورة ناقدة لم تسلم الشعوب من سهامها. لذلك لم يكن من المستغرب أن تتناول المسرحية بعد المظاهر السلوكية السالبة في حياتنا العملية والاجتماعية مثل الكسل وعدم الاخلاص في العمل ومحاولات التجاوز التي لم تسلم منها الساحة السياسية التي عبر عنها صديقنا الكبير عبد الله علي ابراهيم عندما تحدث عن ظاهرة (التخريم) السياسي. ليس غريبا أن يتجلى جمال عبد الرحمن في دور الرئيس جلال ومحمد نعيم سعد في دور الرئيس المخلوع "الضيف" وفيصل أحمد سعد في دور العم فضل "زول النصيحة" ومحمد عبد الله وسامية عبد الله وعوض شكسبير واخلاص نور الدين والكرار الزين ومجدي عبد الله الذين تضافروا جميعا بأداء متميز وبأسلوب مختلف في توصيل الرسالة المسرحية وحسن التعبير عنها. الايقاع والموسيقى والأداء الاستعراضي الجماعي في مقدمة المسرحية وقبل إسدال الستار، إضافة لحسن استخدام التقنية أسهم في تجسيد فكرة المسرحية .. فقط هناك ضعف واضح في الصوت وهي معضلة قديمة لا أدري لماذا تظل عصية على القادرين على التمام. المسرحية نجحت في التعبير عن الحكمة المعروفة التي تقول : تعرف الاشياء بأضدادها.