مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوجود الإسرائيلى فى أفريقيا وأثره على الأمن الوطنى للسودان ... بقلم: عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
نشر في سودانيل يوم 31 - 08 - 2009

الوجود الإسرائيلى فى أفريقيا وتمركزه فى دول المحيط الإقليمى للسودان وأثره على الأمن الوطنى للسودان والأمن القومى العربى
مقدمة:
تتناول هذه الورقة موضوع من أحد المواضيع الهامة التى تؤثر بقوة على الأمن الوطنى السودانى وبالتالى الأمن القومى العربى, ألا هو موضوع التغلغل الإسرائيلى فى إفريقيا, وتمركزه فى دول المحيط الإقليمى للسودان وإقامته لشبكة من العلاقات العامة المتميزة مع العديد من هذه الدول الإفريقية, فى كافة النواحى السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية والأمنية, بحيث تتمكن إسرائيل فى المستقبل من التأثير على مواقف هذه الدول خاصة فيما يتعلق بالصراع العربى الإسرائيلى , ولكى تتمكن أيضا من محاصرة السودان وتفتيته بإعتباره العمق الإستراتيجى لمصر والدول العربية والمعبر الذى يربط الأمة العربية والإسلامية بدول الجنوب الإفريقى,هذا بالإضافة لتمكين إسرائيل من فرض سيطرتها على منابع النيل الذى يمثل الشريان الرئيسى الذى يمد مصر والسودان بالمياه الشىء الذى يمثل تهديداً مباشراً لأمن كل من مصر والسودان وبالتالى الأمن القومى العربى.
خلفية تاريخية عن علاقة إسرائيل بأفريقيا:
أستهدفت القارة الأفريقية من قبل المخطط الصهيونى وكانت جزء من مشروعه حيث أختيرت بعض مناطقها كمواقع بديلة لتوطين اليهود فى حالة تهديد المركز الأصلى الذى تم إختياره فى فلسطين,ومن تلك المناطق المستهدفة فى أفريقيا منطقة شرق أفريقيا, حيث أنصب إهتمام ثيودر هيرتزل وحاييم وايزمان على يوغندا وكينيا كوطن لليهود(1), كما تمت مخاطبة اللورد كرومر من قبل هذين القياديين لإقامة وطن قومى لليهود فى السودان فى عامى 1903 و1907, حيث كان السودان مستعمرة بريطانية, وذلك تنفيذا لرغبة الكثير من اليهود الذين يريدون مناطق يستطيعون فلاحتها ويجعلونها وطنا مشتركاً لهم عندما ساءت أحوالهم فى روسيا, ويرى هيرتزل أن شرق أفريقيا مكاناً مناسباًً لليهود, مستنداً على فكرة التواجد اليهودى المكثف فى أفريقيا ومساعدة ذلك فى جمع يهود الشتات فى أفريقيا.
ومن الملاحظ أن الجاليات اليهودية فى أفريقيا أصبحت متحكمة فى مفاتيح السلطة والثروة ,حيث أن أفريقيا أصبحت تحتضن جاليات يهودية مختلفة الأحجام ومتباينة,ففى الشمال الأفريقى نجد اليهود السفارديم الذين قدموا من أسبانيا والبرتقال خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر, كما نجد فى شمال وشرق أفريقيا جماعات اليهود الأشكيناز التى قدمت الى المنطقة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين, بالإضافة الى جماعات اليهود الفلاشا الأثيوبيين الذين يعدون من أفقر يهود العالموالذين لديهم إعتقاد راسخ بأنهم القبيلة المفقودة فى التاريخ اليهودى, الأمر الذى أدى الى نقل إسرائيل معظم اليهود الفلاشا الى إسرائيل عبر السودان خلال منتصف ثمانينات القرن الماضى, فى اكبر عملية والتى سميت بعملية موسى بالتنسق بين جهاز الموساد وجهاز الأمن السودانى أبان فترة الرئيس السابق نميرى.
ومن القضايا الباعثة لللإهتمام, ان الجالية اليهودية السوداء فى اسرائيل تتصل بفهوم الهوية اليهودية السوداء, وهم ينظرون الى إسرائيل بإعتبارها جزء من التراث الأفريقى(2), لذلك أصبحت هذه الجاليات اليهودية السوداء تلعب دوراً محورياً فى تخطيط العلاقات الأفريقية الإسرائيلية, ويظهر ذلك من خلال عمليات نقل اليهود الفلاشا الأثيوبيين عبر السودان وأثيوبيا ,والتى أظهرت النشاط الإسرائيلى فى أفريقيا, حيث لا يخفى أن 20% من إجمالى اليهود المهاجرين الى إسرائيل منذ العام 1958 الى 1990 معظهم كانوا من أفريقيا.
إن اليهود تعرفوا على القارة الأفريقية عبر البحر الأحمر وعبر النيل, حيث كان لهم دوراً فى دولة مروى السودانية التى تحالفت مع اليهود ضد الآشوريين فى القرن الثامن قبل الميلاد(1) , وأن لليهود جاليات فى أفريقيا موجودة فى دول جنوب أفريقيا وكينيا وزائير ويوغندا وزمبابوى ونيجيريا وأثيوبيا, وتعتبر الجالية اليهودية فى أثيوبيا من أكبر الجاليات ولكنها أكثرهم فقراً ,عكس الجالية اليهودية فى جنوب أفريقيا التى تعتبر من أغنى الجاليات وأكثرها دعماً للكيان الإسرائيلى.
الإستراتيجية الإسرائيلية إتجاه أفريقيا:
لقد ركزت إسرائيل على القارة الإفريقية بعد أن فشلت فى إيجاد موطن قومى لليهود فيها, وذلك نظراً لما تتمتع به القارة الأفريقية من مزايا إستراتيجية وثروات طبيعية هائلة ومخزون من المياه الوفيرة ,لقد ظلت علاقات إسرائيل بإفريقيا قاصرة على دولتين هى ليبريا (اول دولة إفريقية تعترف بإسرائيل) وأثيوبيا(2), ولكن عندما نجحت الدول العربية فى إقصاء إسرائيل من حضور قمة عدم الإنحياذ فى عام 1955 وإحباط محاولتها للحاق بعضوية حركة عدم الإنحياز, أدى ذلك على عزم الإسرائيلين للتحرك لفك طوق العزلة الذى فرضته عليهم الدول العربية , حيث عملت على كسب علاقات سياسية متميزة مع الدول الإفريقية من خلال إستراتيجية إسرائيلية للتغلغل فى إفريقيا, أطلق عليها سياسة حلف المحيط لكسر طوق العزلة المفروض عليها من الدول العربية والإسلامية, والتى كانت من أهم أهدافها كسب علاقات سياسية متميزة مع الدول الأفريقية, تستطيع فى المستقبل أن تؤيد الدولة الإسرائيلية فى المحافل الدولية وخاصة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة, ولتنفيذ تلك الإستراتيجية قامت إسرائيل بالإعتراف بالعديد من الدول الإفريقية التى نالت إستقلالها, وكثفت من زيارة الرسمييين الإسرائيليين لهذه الدول لحضور حفلات أعياد إستقلالها, كما شجعت رؤساء تلك الدول لزيارتها, ومنها غانا وليبريا ومالى والسنغال, وذلك لخلق رأى عام أفريقى يساعد على دفع محاولات الكيان الإسرائيلى للتغلغل فى أفريقيا, عن طريق توقيع العديد من الإتفاقات فى مختلف المجالات الأمنية والعسكرية والإقتصادية مع هذه الدول.
وفى الفترة من العام 1963 وحرب يونيو 1967 بين العرب وإسرائيل, ركزت إسرائيل على منطقة القرن الإفريقى والبحر الأحمر بإعتبارها منطقة إستراتيجية من الناحية الأمنية والعسكرية والإقتصادية لها, وسعت إسرائيل لإيجاد نفوذ لها على ساحل البحر الأحمر عبر علاقاتها مع أثيوبيا فى ذلك الوقت, وبالفعل نجحت فى إنشاء مراكز عسكرية لها فى جزر فاطمة ودهلك وحالب على الساحل الأرترى, حيث إحتفظت بمراكز رصد معلومات وقوات كوماندوز وقطع بحرية صغيرة على تلك الجزر,والبحر الأحمر هو المخرج الجنوبى الوحيد لدولة إسرائيل, وهى عن طريقه تستطيع فك الحصار المفروض عليها من دول الطوق العربى, فهى عن طريقه تستطيع تصدير منتجاتها, والحصول على ما تحتاجه من سلع وبترول ومواد اولية أخرى, وتضح أهمية البحر الأحمر بالنسبة لإسرائيل من خلال تمسكها بميناء أم الرشاش (إيلات), والذى أدى إغلاقه الى نشوب حرب يونيو 1967(1) , ولا زالت حرب إكتوبر بين العرب وإسرائيل فى الذاكرة الإسرائيلية حيث تم فيها إغلاق مضيق باب المندب بواسطة القوات المصرية واليمنية, وبالتالى تم قفل المنفذ الجنوبى لإسرائيل, حيث أصبح ميناء إيلات معطل تماماً امام حركة الملاحة البحرية, الشىء الذى دفع إسرائيل للتحرك مباشرة بعد حرب إكتوبر للتواجد فى منطقة القرن الأفريقى ودوله المطلة على ساحل البحر الأحمر, وإحتفاظها بقواعد لها فى أثيوبيا والجزر الأرترية الموجودة على ساحل البحر الأحمر, حيث تعتبر إسرائيل هذا الوجود إمتداد لقواتها المسلحة, تحت شعار إستراتيجية ( البحر الأحمر اليد الطويلة لإسرائيل), والغرض من تلك الإستراتيجية هو عدم تكرار سناريو ما حدث فى حرب إكتوبر عندما تم قفل مضيق باب المندب بواسطة القوات المصرية واليمنية, مما أدى إلى قطع الأمداد عنها وعن أوربا, وجعل ميناء إيلات معطل تماماً , كما أشرنا من قبل امام حركة الملاحة البحرية, وأيضا لكى لا يصبح البحر الأحمر بحيرة عربية تهدد أمن إسرائيل وينفرد العرب بالسيطرة على هذا الممر المائى المهم والحيوى بالنسبة لها ولكل العالم الغربى وأمريكا , وقد ساعدت فرنسا ومن بعدها الولايات المتحدة الأمريكية بعد إنتقال ملف تبنى الدولة اليهودية لها من فرنسا, ومعهم بقية الدول الغربية فى تفيذ مخططات إسرائيل فى مد نفوذها فى منطقة البحر الأحمر وشرق أفريقيا وتقديم كل التسهيلات اللازمة لها .
كما وضعت إسرائيل إستراتيجية محكمة لمواجهة الدول العربية والإسلامية والمد الإسلامى على صعيد الساحة الأفريقية , والتى يشكل المسلمين فيها حوالى نصف سكان هذه القارة, عن طرق الترويج والدعاية بتصوير العرب والمسلمين بالغزاة وتجار الرق ,وتصوير اليهود بأنهم ضحايا الإستعلاء والإستعباد, مثلهم مثل الأفارقة, وأن الصهيونية حركة تحررية مثلها مثل حركات التحرر الوطنى الأفريقية , كما أقامت إسرائيل تحالف مع اليمين المسيحى(2) لمواجهة ما أسمته التغلغل العربى والإسلامى فى أفريقيا ,من خلال التعاون المنسق بين المنظمات الكنسية والوكالات اليهودية, مقدمة نفسها للغرب وأمريكا, بأنها المدافعة عن الليبرالية والعلمانية فى مواجهة الأصولية الإسلامية,حيث إستغلت فيما بعد التفرد الأمريكى بالعالم بعد إنهيار الإتحاد السوفيتى وإنتهاء الحرب الباردة, وأحداث الحادى من سبتمبر, فى خدمة مصالحها لمحاصرة وتفتيت العالم العربى والإسلامى عن طريق سياسة شد الأطراف وبترها, ويظهر ذلك جلياً فيما حدث فى العراق والصومال وأفغانستان, وما يحدث من حصار وضغوط للسودان بشأن قضية دارفور فى الوقت الراهن.
الإستراتيجية الإسرائيلية إتجاه السودان:
لقد ساعدت إتفاقية كامب ديفيد, وإقامة مصر وبعض الدول العربية لعلاقات مع إسرائيل, وتبادل السفراء بينهم وبين إسرائيل, بأن تطرح إسرائيل نفسها بشكل جديد أمام الأفارقة(3) الذين ساندوا العرب فى حروبهم مع إسرائيل, وقطعوا علاقاتهم معها منذ إحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء, بشكل يمكنها من مواجهة الإعلام العربى, فعادت بقوة الى إفريقيا حاملة رسالة مفادها أنها أبرمت إتفاق سلام مع مصر والعرب, وأنه ليس هناك مبرر لمواصلة الدول الأفريقية للإستمرار فى مقاطعتها,إذن إستغلت إسرائيل إتفاقية كامب ديفيد وعادت مرة أخرى لتنفيذ إستراتيجتها فى أفريقيا, حاملة فى ذاكرتها سياسة العزلة التى طبقتها عليها الدول العربية منذ نشأت الدولة الإسرائيلية, وكسب العرب لتأييد الدول الإفريقية والأسيوية فى المحافل الدولية, و بالأخص الجمعية العامة للأمم المتحدة, من هذه المنطلقات عادت إسرائيل لأفريقيا لتنفذ إستراتيجتها التى تسمى بحلف المحيط , لمحاصرة العالم العربى والمد الإسلامى المنافس لها حضارياً ,ولتفكيك سياسة العزلة التى طبقتها عليها الدول العربية منذ نشأت الدولة الإسرائيلية, وكسب العرب لتأييد الدول الإفريقية والأسيوية فى المحافل الدولية و بالأخص الجمعية العامة للأمم المتحدة, , من هذه المنطلقات عادت إسرائيل لأفريقيا لتنفذ إستراتيجتها التى تسمى بحلف المحيط لمحاصرة العالم العربى والمد الإسلامى المنافس لها حضارياً , ولتنفيذ هذه الإستراتيجية بدأت إسرائيل فى التغلغل فى فى منطقة القرن الأفريقى وشرق أفريقيا ومنطقة البحيرات, وفى دول المحيط الغربى للسودان, وذلك لمحاصرة السودان الذى يمثل العمق الإستراتيجى لمصر والأمة العربية والإسلامية, والمعبر الذى يربط العالم العربى والإسلامى بدول جنوب القارة الأفريقية, وذلك لأن السودان كان ولا زال يمثل العمق الإستراتيجى لمصر, حيث شارك السودان بكل إمكانياته العسكرية والإقتصادية فى حرب إكتوبر, مما ساعد مصر فى النصر على إسرائيل بالإضافة لما يمتلكه السودان من ساحل طويل ممتد على البحر الأحمر, وموارد طبيعية هائلة من بترول ومعادن وأراضى خصبة ومصادر مياه وفيرة, والتى إن تم إستغلالها بالجهود السودانية العربية المشتركة قد تكون من العوامل المهمة التى تلعب دوراً محورياً فى حسم الصراع العربى الإسرائيلى فى المستقبل, هذا بالإضافة لهوية السودان العربية الإسلامية, والتى تعتبر معادية للهوية الصهيونية, لذلك إنتهجت إسرائيل عدة أساليب لمحاصرة السودان(1) وعزله عن هويته العربية والإسلامية وتتمثل هذه الأساليب فيما يلى:
• الإهتمام بتكثيف الوجود الإسرائيلى فى دول المحيط الإقليمى للسودان:
• إهتمت إسرائيل بتكثيف وجودها فى دول المحيط الإقليمى الشرقى للسودان, فى منطقة شرق أفريقيا ومنطقة القرن الإفريقى ,حيث عملت على تقوية علاقاتها مع اثيوبيا وأرتريا, وعندما نالت أرتريا إستقلالها من أثيوبيا فى العام 1991, سعت إسرائيل لخلق علاقة جيدة مع الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا, الحزب الحاكم الذى تولى مقاليد الحكم فى أرتريا, وذلك بهدف ضمان تواجدها فى البحر الأحمر, كما سعت سعياً حثيثاً للحيلولة دون إنتماء أرتريا لجامعة الدول العربية, والتى يشكل المسلمين فيها أكثر من 60% من إجمالى سكانها البالغ 4 مليون نسمة,حيث قامت إسرائيل بتوطيد علاقاتها مع أرتريا وأبرمت مها العديد من الإتفاقات العسكرية والأمنية ولإقتصادية والزراعية, والتى بقتضاها أرسلت إسرائيل الخبراء والمستشارين لتنفيذ هذه الإتفاقيات, ومن ضمن الإتفاقيات الهامة هو إعادة تأهيل مشروع (على قدر) الزراعى على الحدود السودانية الأرترية, والذى تم إنشاؤه من قبل شركة يهودية فى حقبة الإستعمار فى عشرينات القرن الماضى, وبهذا الشكل ضمنت إسرائيل موطىء قدم لها بأرتريا بالقرب من الحدود السودانية, لقد تطورت العلاقات الأرترية الإسرائيلية ,ووصلت مرحلة تبادل السفراء بين البلدين, وتوجت هذه العلاقة بزيارة الرئيس الأرترى لإسرائيل , وبالرغم من إندلاع الحرب الإرترية الأثيوبية فى عام 1998, نتيجة لتنازع الدولتين على منطقتى زالمبسا وبادمبى فى الحدود بينهما, لا زالت تحتفظ إسرائيل بعلاقات جيدة مع كل من الطرفين بالرغم من ميلها ووقوفها فى هذا الصراع الى جانب أثيوبيا , فهى تحتفظ مع أثيوبيا بعلاقات جيدة من واقع العلاقات التاريخية المشتركة بين الشعبين, والتى تروج لها الأساطير اليهودية, وذلك من أن ملكة أكسم بلقيس تزوجت من سيدنا سليمان وأنجبت منه ذرية من الملوك الأثيوبيين تجرى فيهم دماء صهيون المقدسة,على كل حال كثفت إسرائيل من تواجدها فى أثيوبيا وقامت بمد الحزب الحاكم فى أثيوبيا حتى الآن بالخبرات والمستشارين والخبراء فى مجال تطوير القدرات العسكرية والأمنية والزراعية, هذا بالإضافة لمساعدة أثيوبيا فى بناء السدود على النيل الأزرق (توكر أباى) واضعة فى إعتبارها الموارد المائية الهائلة التى تتمتع بها أثيوبيا ,وخاصة بحيرة تانا التى تعتبر من أهم المنابع التى تغذى النيل, والتى تشكل اهمية لأسرائيل فى صراعها مع عدوها الإستراتيجى مصر, و السودان العمق الإستراتيجى لمصر , والتى لا تبعد من الحدود السودانية سوى 380 كلم ,هذا بالإضافة للتواجد الإسرائيلى فى جيبوتى فى القاعدة الفرنسية منذ السبعينات من القرن الماضى, والقاعدة الأمريكيية التى أنشئت قريبا هنالك, مستفيدة من ذلك فى مراقبة الدول العربية المطلة على البحر الأحمر, ورصد الساحل السودانى, ولعل أصدق دليل على ذلك الغارة الجوية الإسرائيلية فى أوائل هذا العام على قافلة لقبيلةالرشايدة فى شرق السودان وضربها, بحجة أنها تحمل أسلحة لقطاع غزة.
• اما فى منطقة البحيرات فقد كثفت إسرائيل وجودها فى يوغندا (القطر الذى كان جزء من مخططات الحركة الصهيونية لإقامة وطن قومى لليهود فيه) ,حيث بحيرة فكتوريا المنبع الرئيسى للنيل ,التى تعتبر الشريان الرئيسى الذى يمد السودان ومصر بالمياه ,وأخذت العلاقات اليوغندية الإسرائيلية فى تطور الى أن صارت فى عهدنا هذا علاقة إستراتيجية فى كل المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية, كما نجد أن اسرائيل قد خلقت علاقات مصاهرة مع النخب الحاكمة فى كينيا, نتيجة لوجود جالية يهودية كبيرة فى ممبسا, مما جعل إسرائيل تنفذ الى مواقع صنع القرار فى كينيا, هذا الإضافة للتواجد المكثف لإسرائيل فى زائير والكنغو عبر الوجود الفرنسى هنالك, وعليه مما سبق ذكره يتضح لنا كيف اصبحت إسرائيل تحاصر السودان من خلال تواجدها فى دول المحيط الإقليمى الجنوبى للسودان .
• أما على صعيد دول المحيط الإقليمى الغربى للسودان, فلا زالت إسرائيل تحتفظ بعلاقات مع شاد وأفريقيا الوسطى, حيث يخدمها فى ذلك الوجود الفرنسى فى هذه الدول, بلإضافة للسياسات الأمريكية الرامية لتشكيل مايعرف بالشرق الأوسط الكبير, الذى يقع السودان ضمن إطاره حسب المفهوم الأمريكى للشرق الأوسط الكبير.
• العمل على خلق الصراعات القبلية والجهوية ودعم المجموعات الإنفصالية فى الداخل السودانى:
• تنفيذاً لإستراتيجيتها فى أفريقيا, وتطبيقاً لسياسة حلف المحيط الرامية لكسر العزلة والطوق الذى فرضه العرب عليها منذ نشأتتها, قامت إسرائيل كما تم ذكره بالتغلغل فى دول الجوار الإقليمى للسودان ومن ثم عملت على حصار السودان من خلال تغذية الصراعات الإثنية والجهوية ودعم المجموعات الإنفصالية عن طريق تواجدها فى المحيط الإقليمى لدول الجوار السودانى, فقد قام الكيان الإسرائيلى بدعم التمرد الأول فى جنوب السودان, الذى قامت به حركة الأنانيا والذى إنتهى بإتفاقية أديس أبابا 1972, وعندما قسم نميرى الجنوب السودانى إلى ثلاثة أقاليم فى عام 1983, قام التمرد الثانى بقيادة العقيد جون قرنق وذلك نتيجة لخرق نميرى لإتفاقية أديس أبابا التى منحت حق الحكم الذاتى للجنوبيين, ومن ثم وجدت الحركة الدعم من إسرائيل عن طريق دول المحيط الواقعة فى الجنوب والشرق السودانى, حيث وفرت إسرائيل خبراء فى مجال التدريب العسكرى للحركة الشعبية لتحرير السودان, بالإضافة لإمداد الحركة بالأسلحة والذخائر عبر دول الجوار, من خلال صفقات بيع الأسلحة التى تعقدها إسرائيل مع هذه الدول والتى كانت مشروطة بتمرير جزء من هذه الأسلحة للداخل السودانى لدعم الحركة الشعبية , هذا بالإضافة للمنح الدراسية الجامعية, وتوفير فرص التدريب فى المجال العسكرى لكوادر الحركة الشعبية,و إستمر هذا الدعم الإسرائيلى حتى نهاية الحرب الأهلية بإتفاقية السلام الشامل فى 2005, والتى وقعت بين طرفى النزاع الحكومة السودانية والحركة الشعبية فى نيفاشا بكينيا.
• ولكن بعيد إنتهاء الحرب الأهلية فى السودان فى العام 2005, قامت إسرائيل بمساندة حليفها الإستراتيجى أمريكا, بفتح بؤرة أخرى للصراع فى غرب السودان, حيث قامت إسرائيل بتغذية الصراع فى دارفور من خلال اللعب بالتناقضات والصراعات القبلية بالمنطقة ودعم المجموعات الإنفصالية هناك, حيث إحتضنت إسرائيل علناً حركة تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد نور, الذى يقيم حالياً فى فرنسا, وفتحت له مكتب تمثيل لحركته فى تل أبيب, كما قامت إسرائيل مع أمريكا والغرب (التحالف الإسرائيلى مع اليمين المسيحى) بالترويج الى قضية دارفور فى المحافل الدولية, الى أن أصبحت من القضايا المهمة على الصعيد الدولى ونتيجة لذلك تم إتهام السودان بشن حرب إبادة جماعية ضد العنصر الزنجى الإفريقى , أى أن إسرائيل والغرب معها, صور هذه الحرب وكأنها حرب عنصرية تقوم بها العناصر الأفريقية العربية المسلمة ضد العنصر الإفريقى المسلم, وبالتالى صدرت العديد من القرارات الدولية بحق السودان نتيجة لتلك الدعاية التى روجتها إسرائيل بشأن الصراع بدارفور, والجدير بالذكر ان مشكلة دارفور بالرغم من محدوديتها وكونها أصلاً مشكلة بين الرعاة والزراع, وكانت تحل الخلافات فيها من قبل زعماء العشائر, نجد ان هذه القضية قد وجدت رواج إعلامى عالمى لم تشهده قضايا أشد منها سخونة فى التاريخ المعاصر, مما يدلل على وجود مصلحة لبعض القوى من وراء تلك الحملة.
الخلاصة:
• لقد أثر الوجود الإسرائيلى فى دول المحيط المجاور للسودان على الأمن الوطنى السودانى, من خلال تغذية إسرائيل للحروب الأهلية والصراعات الإثنية فى السودان, بالإضافة لخلق التوترات بين السودان ودول الجوار, متبعة سياسة شد الأطراف ثم بترها وذلك لعزل السودان عن محيطه العربى الإسلامى وتفتيته إلى أجزاء, حيث أن السودان لو إستقر سوف ينمو كقوة إقليمية صاعدة نتيجة للثروات الهائلة التى يتمتع بها, وبالتالى سوف يصبح سنداً للأمة العربية والإسلامية فى المستقبل, الشىء الذى يجعله يلعب دوراً فاعلاً فى حسم الصراع العربى الإسرائيلى.
• أن السودان يحتل موقعا هاماً فى السياسة الخارجية الإسرائيلية بحكم أنه يمثل العمق الإستراتيجى لمصر العدو الإستراتيجى لإسرائيل وعمق للعالم العربى, كما أنه يمثل حلقة الوصل بين الأمة العربية والإسلامية والجنوب الأفريقى, ولذلك تعتبره إسرائيل أنه من المسارح الهامة فى صراعها الحضارى مع الإسلام والعروبة منذ قيام الحركة الصهيونية فى أواخر القرن التاسع عشر ومن بعدها قيام دولة إسرائيل.
• إن إسرائيل تسعى من خلال تواجدها فى دول المحيط الإقليمى للجوار السودانى لتطويق العالم العربى والإسلامى من جنوبه ,عن طريق زعزعة الإستقرار فى السودان عبر سياسة حلف المحيط, وبالتالى تفتيت العالم العربى عبر إستراتيجة شد الأطراف ثم بترها, الشىء الذى يهدد الأمن القومى العربى والأمثلة واضحة فى الصومال والعراق ولبنان.
• أن إسرائيل تسعى من خلال تواجدها فى دول الجوار المحيطة بالسودان, وبالأخص فى شرق أفريقيا ومنطقة البحيرات, للسيطرة على منابع النيل من أجل تهديد الأمن الوطنى السودانى والأمن القومى المصرى, وذلك لأن النيل يعتبر شريان الحياة بالنسبة لمصر والشمال السودانى, ومن ثم تريد إسرائيل أن تلعب بهذه الورقة فى إطار صراعها مع مصر والعرب.
• أن إسرائيل عملت مع التحالف اليمينى المسيحى من اجل الحد من النفوذ العربى والإسلامى إتجاه الجنوب الإفريقى, عن طريق تواجدها فى دول الجوار الإقليمى للسودان, وتغذية الصراعات فى السودان بحكم تواجدها فى محيطه, والعمل على الترويج بأن العرب والمسلمين غزاة, والربط بين تجارة الرق والعرب والمسلمين لتشويه صورة العرب والمسلمين, حتى يتثنى لها بسط كامل سيطرتها على المنطقة.
• إن منطقة القرن الإفريقى تعتبر ذات أهمية إستراتيجية لإسرائيل, لوقوعها بالرقب من البحر الأحمر الممر المائى المهم, الذى تحده ثمانية دول, منها ست دول عربية هى السعودية ومصر والسودان واليمن وجيبوتى والأردن ودولتان غير عربيتان, هما أرتريا وإسرائيل حيث لا يبلغ طول الساحل الإسرائيلى سوى سبع كليومترات ,حيث لعبت تلك المنطقة عاملاً مؤثراً فى الصراع العربى الإسرائيلى منذ إنشاء دولة إسرائيل فى عام 1948 ,لذلك سعت إسرائيل بكل قوتها لإيجاد موطىء قدم لها فى دول القرن الأفريقى حتى تتمكن من تحقيق أهدافها السياسية والإقتصادية والأمنية, ولضمان حقها فى الملاحة على البحر الأحمر معتمدة على قوتها العسكرية لكى لا يصبح البحر الأحمر بحيرة تتحكم به الدول العربية.
الهوامش:
*ص2
(1)التدخل الإسرائيلى فى السودان كيف ولماذا؟,شمس الهدى أبراهيم إدريس,ط1,الخرطوم,مطابع السودان للعملة المحدودة,2005,ص26
(2), التدخل الإسرائيلى فى أفريقيا , حمدى عبد الرحمن مجلة المستقبل,مركز دراسات الشرق الأوسط الأردن,ص23 الى ص25
*ص3
(1) التدخل الإسرائيلى فى السودان,شمس الهدى أبراهيم إريس,مرجع سابق,ص25
(2) الدور الإسرائيلى فى الساحة الأفريقية, د/أبراهيم ميرغنى ,فصلية اللواء,الخرطوم,وزارة الدفاع,العدد11,يونيو 2009 ,ص75
*ص4
(1) دور أرتريا فى إستقرار منطقة القرن الأفريقى والبحر الأحمر فى الفترة من 1991 الى 2002,د/الأمين عبد الرزاق آدم,ط1,شركة مطابع السوان للعملة المحدودة,الخرطوم,2008 ,ص65
(2) الدور الإسرائيلى فى الساحة الأفريقية, د/أبراهيم ميرغنى,مرجع سابق,ص81
(3) الدور الإسرائيلى فى الساحة الأفريقية, د/أبراهيم ميرغنى,مرجع سابق,ص80
*ص5
(1) التدخل الإسرائيلى فى السودان,شمس الهدى أبراهيم إريس,مرجع سابق,ص80
خريطة توضح السودان ودول الجوار الإقليمى له
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى و متخصص فى شؤن القرن الأفريقى
بكالريوس فى الدراسات الإستراتيجية من كلية العلوم السياسية والدراسات الإستراتيجيى جامعة الزعيم الأزهرى
ضابط متقاعد بقوات الشعب المسلحة السودانية
Mobile: 00249-121949950
E-mail:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.