قال لنفسه متأملاً: كثير من المدارس الفكرية التي تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة والمعرفة الكلية تنتهج سياسة التمسك بالثوابت الفكرية حتى لو ثبت لها بالدليل القاطع أن هذه الثوابت غير ثابتة أصلاً لأنها تقف على رمال متحركة! كثير من الشخصيات الاعتبارية كالمنظمات والمؤسسات الدولية التي تدعي تمثيل الحضارة الانسانية تتمسك بما يُسمى بالثوابت السياسية حتى لو ثبت لها أن هذه الثوابت تتعارض مع مصالح الدول الأعضاء فيها! بعض الدول تنتهج ثوابت سياسية داخلية أو خارجية جائرة تتنافى بشكل صارخ مع أبسط قواعد العدالة الطبيعية، وتصر على التمسك بها رغم أن أساطين سياسيها يؤمنون بأن السياسة ليست لعبة الصداقات الدائمة أو العداوات الدائمة وإنما هي لعبة المصالح الدائمة، وكأن لسان حال هذه الدول يقول لمنتقديها: هذه هي ثوابتنا السياسية ونحن نريدها هكذا شاء هذا العالم أم أبى! كثير من الشخصيات الطبيعية من الرجال والنساء الذين يظهرون بمظهر المتمسكين بأهداب الفضائل يتمسكون بما يسمونه الثوابت الحضارية حتى لو ثبت لهم بالدليل القاطع أن حقائق الواقع الموضوعي لا تهز هذه الثوابت فحسب بل تنسفها من أساسها! هذا الصنف من البشر يخلط دائماً بين الذاتي والموضوعي ولذلك فهو لا يعرف فن الحوار ويرفض مبدأ التنازل والاقرار بالخطأ لأنه يعتقد أن هزيمة أفكاره تعني هزيمته الشخصية! وهؤلاء وأؤلئك تأخذهم العزة بالإثم فيتمسكون بالأفكار ، السياسات والسلوكيات التي تثبت التجربة فشلها، ويرسمون العديد من الخطوط الحمراء حول ثوابتهم المهتزة أو الآيلة إلى السقوط أو الساقطة فعلاً ثم يملئون الدنيا ضجيجاً وصخباً حول مدى أهمية التمسك بالثوابت وعدم تغييرها بأي حال من الأحوال! تذكر تلك الحكاية القديمة التي مفادها أن أحد الرجال كان يحاول تحميل حماره بصفيحتين من العسل، كان الرجل يضع الصفيحتين على رأس الحمار فتسقطان فيحملهما ويضعهما في وسط ظهر الحمار فتنزلقان فيسارع إلى حملهما ووضعهما بالقرب من ذيل الحمار فتقعان على الأرض مجدداً ، كان هناك رجل آخر يجلس في ظل شجرة على مقربة من مسرح الأحداث ويشاهد مسلسل التحميل الفاشل بدهشة مركبة، نهض الرجل من مكانه واقترب من الرجل المأزوم ونصحه قائلاً: هذا موضوع بسيط اربط الصفيحتين على طرفي عصاة واستعرضها في وسط ظهر الحمار وستنحل المشكلة فوراً! جرب الرجل الحل البسيط وعندما نجح الحل قال للرجل: إذا كنت تملك كل هذا الفهم فما الذي تملكه في هذه الدنيا؟! رد عليه الرجل : لا أملك في هذه الدنيا سوى عصاتي هذه! عندها رمى الرجل الصفيحتين على الأرض وقذف بالعصاة بعيداً ثم قال للرجل في تشف: إذا كان فهمك السليم قد أورثك فقراً فإنني أفضل فهمي الخاطيء الذي أوصلني إلى امتلاك الحمار والعسل، خذ فكرتك اللعينة وابتعد من هنا في الحال! أخذت حكايات الثوابت الوهمية تمور في ذهنه وتثير فيه قدراً كبيراً من الشعور بالسخط الممزوج بالكثير من السخرية ، فجأة انفجر صاحبنا ضاحكاً حينما تذكر إبنة أخته الصغيرة التي كانت تدرس في الصف الأول الإعدادي، تذكر إصرارها الخرافي على كتابة الرقم أثنين بالمقلوب وكان كلما حاول إفهامها أن الأثنين لا تُكتب هكذا تصيح في وجهه بأعلى صوتها: ياخي إنت مالك ، أنا عايزاها كده؟