مصر قادرة على "ابداع" حلول علمية كفيلة بحل أزمة سد النهضة التدويل يضر بمصالح الدولتين .. والأفضل تمتين العلاقات تحقيق التفاهمات يتطلب تنازلات من الجانبين والابتعاد عن التهديد والوعيد لابد من أن تمتد علاقات مصر جنوبا وتستثمر في افريقيا بدلا من تركها الى الصين! (حوار : ألفة السلامي) في ظل الأزمة التي تعيشها مصر حاليا مع اثيوبيا والتي تهدد بالتاثير على الشريان الحيوي لمصر الا وهو النيل ، اخترنا هذه المرة ان نحاور شخصية افريقية –غير مصرية – وهو الاكاديمي السوداني الدكتور حامد ...علي أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والذي يزخر رصيده بالعديد من الدراسات المتخصصه في قضايا التنمية في البلدان الافريقية . طرحنا عليه العديد من الاسئلة الملحة والمطروحة على الراي العام المصري والاقليمي والدولي ، وحاولنا ان نتلمس وجهة نظر اكثر اتساعا مما نردده داخل الاطار المصري ربما نحصل منه على كافة ابعاد قضية المياه وسد النهضة والسيناريوهات المحتملة لتطورها ، وايضا تعرفنا على وجهة نظره حول التداعيات المحتملة لتصعيد الخلاف السوداني بين شماله وجنوبه مؤخرا والذي ادى الى قطع الحكومة السودانية لامدادات النفط الجنوبي وكيف السبيل الى ايجاد حلول دون تصعيد في عدد من قضايا النزاعات الافريقية –الافريقية. وفيما يلي نص الحوار مع الدكتور حامد علي. باعتبارك من ابناء السودان وتتابع معنا عن قرب الازمة الناجمة عن اعلان اثيوبيا عن بدء انشاء سد النهضة .كيف تنظر الى هذه القضية وكيف السبيل الى ايجاد حلول ليس بينها الحل العسكري الذي طالب البعض باستخدامه عند فشل المفاوضات؟ -المياه هي مصدر الحياة وحق انساني، والمصلحة العامة لدول حوض النيل تقتضي مستوى عال من الشفافية والبحث عن حلول علمية تستخدم معايير تراعي الوضع في مصر، كدولة تفتقر الى بدائل أخرى للمياه، ويمكن لمصر ان تبدع وتقدم مقترحات علمية وعملية للاستفادة بشكل افضل من المياه مثل خفض نسبة التبخر والتسرب في جنوب السودان. ومن المعروف حاليا ان دول المنبع لا تحتاج الى"حياة الري" ولكنها في حاجة الى توليد الطاقة كاساس لانطلاق القارة الافريقية نحو النهضة الصناعية والتي يمكن أن يكون لمصر دور الريادة والقيادة فيها. وفي رأيي لابد من الارتقاء بمستوى الحوار والتعاطي مع قضية بناء السد مع مراعاة الجوانب الاقتصادية والفنية والعملية ويكون الجزء الاساس هو كيفية ملء بحيرة السد، مع وضع آجال طويلة ، فيتم الملء وقت الفيضانات.. وفي حالات انخفاض المنسوب تفتح التوربينات حتى لا يتأثر منسوب المياه. وهنا فائض المياه يخزن بدلا من ضياعه في البحر المتوسط، ويوجه الى الطاقة ويمكن ان تستفيد مصر من ذلك بان تكون شريكا .. أما الحديث عن الحل العسكري فذلك تكلفته باهظة على المدى الطويل ليس لمصر فحسب بل للمنطقة بأكملها . ومن المعروف ان النهضة المستقبلية لمصر قائمة على مجموعة عناصر منها الطاقة والتعليم والتجارة مع افريقيا، وخاصة دول حوض النيل، فلابد من أن تمتد علاقات مصر جنوبا- وقد استثمرت مصر علاقاتها مع أمريكا واوروبا كثيرا وحان الوقت للاستفادة من امكانيات افريقيا بدلا من تركها الى الصين وغيرها من الدول. ولدي الثقة في مصر واثيوبيا بان قادرتان على تجاوز هذه المعضلات بالحوار والتفاوض. فالتدويل يضر بمصالح الدولتين. وروابطهما اقوى وامتن من ذلك . وللاعلام دور في توعية وتوجيه الرأي العام للمصالح المشتركة بعيدا عن الاثارة ولغة الوعيد والترهيب. فالشعب الاثيوبي لا يزال يعيش في جهل وفقر ومرض ، ونهضة اثيوبيا هي نهضة لمصر، واستثمارات مصر في اثيوبيا هي في تزايد مستمر ومن الحكمة ان تزيد فرص التدريب للإثيوبيين في مختلف التخصصات داخل مصر وايصا فرص التعليم للطلبة الاثيوبيين بالجامعات المصرية، لتمتين العلاقات بين البلدين ، فهؤلاء هم قادة المستقبل في بلادهم . الخيار المرفوض لكن الاثيوبيين يطالبون بمراجعة الاثفاقيات التاريخية حول المياه ، وهذا الخيار مرفوض لدى المصريين ؟ - الاتفاقيات – وحتى الحدود المصطنعة من طرف الاستعمار – تحدث الكثير من الجدل الذي يجب ان يراجع بهدوء. فرغم حزننا كسودانيين مثلا فان انفصال الجنوب مثال حي ومراجعة الاتفاقيات بالتراضي امر محمود . والدول الافريقية ربما ليست بحاجة الى مياه الري لكنها تريد الاعتراف بحقوقها في المياه كمبدأ خاصة اذا كانت تنبع من اراضيها وهي عاجزة عن استغلالها ولابأس من النقاش،وعلى الجميع الاتفاق في النهاية لمصلحة كافة الاطراف والاتفاق على ان مصر بحاجة للمياه وهذا اعتراف ضمني للحقوق المصرية. هل تحركات مصر كافية اذن؟ اظن ان القيادة السياسية في مصر لابد ان تكون على عجل من امرها لتكثيف تحركاتها ومفاوضاتها لان مجهودات اثيوبيا في بناء السد مستمرة ولا اعتقد انها ستتوقف . وزيارة وزير الخارجية المصري الى اثيوبيا مؤخرا واللقاءات التي عقدها هناك تبشر بامكانية الاختراقات لتحقيق تفاهمات ، ولكن لابد في اي تفاهمات من وجود تنازلات من الجانبين لتحقيق تقدم حقيقي والتوصل الى صيغة مرضية تكفل ضمان حصة مصر من المياه وتحقق الهدف التنموي الذي تسعى اليه اثيوبيا سواء ببناء سدود اصغر من السد الحالي او غيرها من الحلول . لو اتجهنا الى موضوع آخر وهو الوضع الآن في مصر ونحن على مقربة من يوم الثلاثين من يونيو ، ماتقييمك للوضع بصفتك مراقب وهل تعتقد ان متخذي القرار يسيرون نحو الطريق السليم لمصلحة الشعب المصري؟ - تمر مصر بحالة استقطاب حاد والتحول الديمقراطي يسير بوتيرة بطيئة وقد اثرت كثيرا على الاوضاع الاقتصادية في البلاد ، وهناك تركيز على آليات الحكم والميكانيزمات اللازمة لذلك ، وفي المقابل هناك القليل من النقاش حول القضايا الحيوية مثل الفقر والبطالة واصلاح النظام البيروقراطي . وعلى الحكومة والمعارضة العمل معا من اجل ايجاد حلول والتوافق الوطني الذي يحفظ مصالح مصر واهلها بدلا من الصراع السلبي وحفظ مصالح فئة او فصيل. السودان والجنوب لو ذهبنا الى السودان ، نلاحظ ان العلاقة بين الشمال والجنوب عادت الى التازم واعلنت الحكومة السودانية وقف تدفق النفط القادم من الجنوب عبر اراضيها . كيف ترى تجدد الازمة؟ - يمر السودان بمحنة بسبب القيادة السياسية التي فشلت في تحقيق الاستقرار ودمرت البلاد ارضا وشعبا على امتداد عقدين. ولا اعتقد ان علاقة الشمال بالجنوب يمكن ان تنصلح في ظل النظام الحالي لانه يقود البلاد بقوة الحديد والنار، والتاريخ لا يرحم القادة الذين يدوسون على شعوبهم ولنا في القذافي وبن علي مثالا قريبا على ذلك الدرس السياسي المهم . واؤمن بان العلاقات بين الشعب الشمالي والجنوبي لا يحكمها النفط وانما هي تاريخ مشترك وثقافة واخوة واختلاط العائلات . واعتقد ان النظام السوداني قد فقد البوصلة السياسية والشرعية منذ ادانته من قبل محكمة الجنايات الدولية . وتفسيري للتصعيد الأخير في السودان هو ان الحركات المصلحة انتقلت مع احزاب الشمال لاحداث تحول ديمقراطي اخافت المجموعة الحاكمة في السودان لان النظام يجتذب اليه بعض المفسدين و"الارزقية" وهم مصالحهم فوق فوق مصالح البلاد ، والحركات التي تدعو الى الاصلاح الان اصبحت على مقربة من العاصمة ويمكن ان تتقدم في اي لحظة نحو العاصمة والتمرد في الداخل من قبل الطلاب والمثقفين اربك حسابات النظام . والجنوب من جانب ودارفور من جانب آخر ،والتي استعصت في تاريخها على الاستعمار القديم، هذه الظروف كافة تحتاج الى قيادة حكيمة تنهي الاضطهاد الموجود ضد ابناء دافور وتتعاون مع ابناء الجنوب للتنمية والانعتاق من القيود ومن الجهل والفقر والاستبداد وتوفير كافة الموارد لصالح بناء الانسان السوداني . ولو تحقق الاستقرار في السودان بحكم آخر غير القائم يراعي مصالح ابنائه فانه بالتاكيد سيكون قادرا ليس فقط على ان يحقق طفرة اقتصادية واجتماعية في بلد مليء بالموارد وانما طفرة ايضا لبلدان المنطقة وفي مقدمتها دول حوض النيل التي تحتاج الى تعاون مشترك والى تيسير الامكانيات التكنولوجية لمضاعفة انسياب النيل والاستفادة من الفاقد منه.