يمكن القول ان ما حدث فى مصر اٍنقلاب عسكري على الشرعية الدستورية و السلطة المنتخبة، لقد تدخل الجيش تدخلاً غير دستورياً و فرض وضعاً جديداً على الرئيس المنتخب. لكن هل يكره الاخوان المسلمين الانقلابات العسكرية؟ ليس فى كل الاحوال، يمكن للمرء أن يجزم بثقة ان جماعة الاخوان ليست لديها موقف ثابت من الانقلابات العسكرية. اٍن كانت الانقلابات ضدهم فهى مكروهه و ملعونة اما اٍن قاموا بها هم، فهى نصر الله و الفتح. هذا حال الاخوان فى اي مكان. الاخوان يتلوّنون حسب مقتضى الظروف. فقد سمعت خالد مشعل قبل فترة قصيرة يشكر اٍيران على دعمها المتواصل لهم، يقول اٍنهم اختلفوا معها حول الموضوع السوري، لانهم مع حرية الشعوب! لكن عندما يحج مشعل -من فترة الى اخرى- للخرطوم، ليستلم المعلوم، المنهوب من عرق فقراء السودان و معدميه، لا يذكر حينها، حريات الشعوب فى تلك المدينة التى يكتم على أنفاسها اٍخوانه فى الله. و هو بالطبع لا يذكر مئات الالاف من أهل السودان الذى قضوا تحت سنابك الاخوان و هم فى مساعهم الدائم للبقاء فى السلطة حتى لو كلف الامر فناء شعب السودان كله. الغنوشي ينادي بعودة مرسي للسلطة مثل عودة شافيز لها فى فنزويلا، و الناس لا زالت تذكر الغنوشي الذى كان يتحرك بجواز سفر سوداني جاءه هدية من جزاري السودان، و لم يستنكف. لدى الاخوان، الانقلاب ليس شراً فى كل الاحوال. عودة على بدء، قلنا من الممكن ان نصف ما حدث فى مصر بانه اٍنقلاب عسكري، لكن هذا الوصف لا يخلو من تبسيط مخل للغاية. الصورة أعقد من هذا الوصف بكثير. المبادرة الاساسية لما حدث لم يكن مصدرها الجيش على الاطلاق، بل جاءت من قوى شعبية عريضة جداً خرجت للشارع بالملايين. مظاهرات وصفتها بعض وسائل الاعلام الامريكية بانها أكبر مظاهرة سياسية فى تاريخ البشرية. كل هذه الملايين خرجت للشوارع رغم المخاطر التى تتهددها، لتطالب بتنحى الرئيس و اٍجراء اٍنتخابات رئاسية مبكرة. سبقت خطوة الخروج هذه حملة جمع توقيعات كبيرة من ملايين المواطنين المصريين. خروج الملايين فى الشوراع بالصورة التى شهدها كل العالم ينبئ عن ازمة حقيقية فى البلاد تحتاج للتعامل معاها بصورة عاجلة و الا اٍنزلقت مصر فى فوضى لا يعلم مداها احد. هنالك ازمة بلا شك، و الان نسأل اين او من هو مصدر الازمة؟ مصدر الازمة فى مصر هو تنظيم الاخوان المسلمين ذات نفسه. كيف هذا و الاخوان المسلمون هم التنظيم الفائر فى الانتخابات و صاحب الشعبية الاكبر؟ هذا صحيح الى حد ما لكن تبقى عدة حقائق تتعلق بجماعة الاخوان المسلمين جعلت منها عقبة كبيرة فى طريق تطور الديمقراطية فى مصر و بلدان اخرى غيرها. سوف نتناول طرف من هذه الحقائق فى سياق الاسطر التالية من بقية هذا المقال. اولى هذه الحقائق ان جماعة الاخوان المسلمين ليست حزباً عادياً مثل الاحزاب السياسية فى سائر بلاد العالم. الاخوان المسلمين منظمة سياسية بقدرات اٍقتصادية و عسكرية و أمنية لا تخفى على اي متابع حصيف، هى فى الحقيقية دولة كاملة الاركان، داخل الدولة. و هنالك يكمن أحد اوجه الازمة، اٍذ تعمل دولة الاخوان المسلمين على التمدد و التوسع على حساب الدولة الوطنية بهدف نهائي هو ان تبتلعها. هذا ما حدث فى السودان من قبل و هو عين ما كان يجرى فى مصر خلال العام المنصرم، فالاوضاع الديمقراطية بما توفره من حريات و فرصة حركة هى الاجواء الامثل لعملية اٍبتلاع الدولة. هذه الوضعية تجعل كل مكونات المسرح السياسي مشدودة على أعصابها و تعيش حالة من الترغب و الخوف المتبادل. فأنت ان لم تتغدى بخصمك فمن المؤكد، ستكون وليمة دسمة لعشائه عند مغيب الشمس. الديمقراطية لا تنمو فى مثل هذه الاجواء المسمومة و المشحونة بالتوتر. فاز الاخوان عن طريق الانتخابات، لكن الانتخابات لا تعدو ان تكون مظهر شكلي للعملية الديمقراطية. التأريخ يخبرنا ان هتلر صعد للسطلة فى المانيا عن طريق صندوق الانتخابات، و الجميع يعلم ماذا حدث بعد ذلك. الانتخابات ليست جوهر الديمقراطية، العملية الديمقراطية يقع جوهرها و قيمتها الاساسية فى قبول وجود الإختلاف. القبول الدائم و ليس القبول الى حين. بهذا المعنى فالديمقراطية تتناقض كلياً مع اصحاب عقلية التمكين و عملية أخونة الدولة التى كانت تجرى على قدم و ساق. كذلك الديمقراطية تتعارض تعارضاً جوهرياً مع الطبيعة الاقليمية، ان لم نقل العالمية، لتنظيم الاخوان المسلمين. الاخوان ليس تنظيم قطري بل هو تنظيم اٍقليمي، يتمدد و يتوزع فى جميع أركان المنطقة العربية و الاسلامية و يعمل بتناسق تام للوصول للسطلة فى كل هذه البلدان. هذه الوضعية تجعل التنظيم يتلقى الدعم و المساندة المالية و الاعلامية و الدبلوماسية من خارج الحدود و يوظفها فى منافسته مع الفصائل و الوطنية الاخرى مما يفقد المعادلة الديمقراطية توزانها الداخلي. فى السودان مثلاً، ساهمت الاموال الخليجية و البنوك الاسلامية فى التاثير الواضح على نتائج الانتخابات التى أعقبت الانتفاضة على نظام النميري اٍذ مكّنت هذه الاموال النسخة الاخوانية فى السودان من تحقيق نتائج غير متوقعه على الاطلاق. اما فى الوقت الراهن، كلنا نشاهد الدعم اللا محدد و الغطاء الاعلامي الواسع الذى توفره دولة قطر للاخوان فى مختلف البلدان العربية. قطر تسعى بالمكشوف الى اٍيصال الاخوان للسطلة فى كل البلدان التى يتواجدون فيها و كذلك تعمل على تثبيت نظمهم القائمة فعلياً، مثل نظام السوداني الدموي الباطش. اٍذا كان نظام بشار الاسد قد تعرّض للطرد من الجامعة العربية جراء قتله مئة الف من السوريين، فأن نظام الاخوان فى السودان قد قتل ما لا يقل عن اربعمائة الف مواطن سوداني فى دارفور وحدها، ولازال يتمتع بالرعاية القطرية. قطر تعمل على تقديم للاخوان المسلمين و ضمان حسن سيرهم و سلوك، لدي امريكا و الغرب و هذا مخطط كبير ينضج على نار هادئة. مثل هذه التدخلات الخارجية الفاحشة لا تساعد على اٍستقرار الديمقراطية فى اي بلاد، فقط تزرع مزيد من الغبائن و المخاوف بين مكونات المجتمعات، فضلا عن حالة من الاستقطاب الاقليمي و الدولي. ما حدث فى مصر هو اٍنتفاض شعبي واسع ضد عملية اخوانة الدولة، و من الجيد انه حدث الان. اي حدث فى مرحلة مبكرة قبل ان يتمكن الاخوان تماماً من رقبة الدولة المصرية ولسان حال المصريين يقول اللهم لا تدخلنا فى التجربة و نجّنا من الشرير. لان التجربة فى السودان قد كشفت للناس عن ما يمكن ان يحدث حال تمكن الاخوان من السلطة. كان الجيش الوطني هو اول ضحايا جماعة الاخوان المسلمين فى طبعتها الترابية. تم اٍفراغ الجيش من كل عناصره الوطنية المحترفة، و اٍحل محلهم باهل الولاء للنظام و هو ما استمر يحدث منذ العام 1989 و حتى اليوم، القوات المسلحة محتكرة لاهل الولاء. تواصلت مجزرة القوات المسلحة بأن أنشئت قوات عسكرية موازية لها، قوات تلقى عناية الدولة و اٍهتمامها باكثر من الاهتمام بالقوات المسلحة الرسمية. قوات عقيدتها القتالية و ولائها ليس للوطن و الناس، بل لنظام الاخوان. الوطن يتأكل من أطرافه و كل دولة من دول الجوار قضمت لها قضمة مقدرة من الاراضي السودانية لكن القوات الاخوانية لا تحرك ساكن تجاه هذا التعدى، فهذه ليست من مهمتها، فهى هنا لتحمى كرسي السلطان. فوق ذلك تحولت كل عضوية حزب الاخوان فى السودان الى جنود فى مليشيات عسكرية لا تتورع عن اٍرتكاب كل انواع الجرائم و الجامعات السودانية تشهد على ذلك. هى ذات المليشيات التى هدد البشير بانزالها للشوارع حال خروج الجماهير فى تظاهرات شعبية. خلاصة القول انه تم فتك عام بكل مكونات الدولة السودانية، لذا فأن التصدى للاخوان المسلمين الان هو خير للمجتمع المصري و خير للاخوان ذاتهم. خير للمجتمع، لانه اٍذا تمكن الاخوان من رقبة الدولة سوف تكون كلفة اٍزالتهم أفدح مما يتصور اي اٍنسان، ان لم تكن مستحيلة تماماً فى ظل الاوضاع الدولية الراهنة. و هو كذلك خير للاخوان لانه يجنبهم خراقة البطر بالقوة الذى يمارسه رصفائهم فى السودان، ناس الحس كوعك. ما حدث هو خير للتجربة المصرية لانه يؤكد على توزان القوى و اٍنه لا توجد قوى فى مصر، اٍسلامية او غيرها يمكنها السيطرة منفردة على جهاز الدولة. هذه الحالة من التوزان جيدة و سوف تساهم فى حماية الجميع. ما حدث فى مصر الان يوفر الاخوان فرصة عظيمة ان رغبوا فى اٍستثمارها. فرصة على صعدين على الاقل، الاول ان يجلسوا مع انفسهم و يراجعوا حصاد التجربة الماضية، منذ رحيل مبارك و حتى الان. عليهم مراجعة شريط الاحداث و تحليلها و يسألوا انفسهم لو جاءتهم الفرصة مرة اخرى هل سوف يتخذون ذات المسار ام سوف تكون لهم رؤية مغايرة؟ مثل هذه المراجعة سوف تفيدهم فى تبين مواطن الزلل لتجنبها فى المستقبل. و اظن جوهر ما يحتاج للمراجعة و التأمل هو ان يسألوا انفسهم، هل هم فعلاً على اٍستعداد للعمل و قبول بوجود الاختلاف و التباين فى المجتمع ام سوف يسعون الى اٍزالته متى ما ملكوا القوة اللازمة لذلك. على صعيد اخر، بأمكانهم اٍستثمار عوائد التعاطف الذى يجدونه الان من كل التيارات الديمقراطية فى العالم، لابد ان كثيرين سوف يتعاطفون معم بحجة انهم تعرضوا للعسف مزدوج، شعبي و من قبل الجيش. يمكنهم اٍستثمار هذا و التأكيد على انهم لازالوا على اٍلتزامهم بالديمقرطية الحقه رغم ما يواجهونه من مصاعب فى سبيلها و ان العنف ليس خيارهم فى كل الاحوال. فى هذا الصدد يمكنهم الاستفادة من تجربة حزب الحرية و العدالة التركي، فقد اٍستفاد الحزب من تصدى الجيش له و طور نفسه و برامجه و اٍنتقل من خانة الجمود و السلفية و الانغلاق الي نسخة أكثر اٍنفتاحاً و عقلانية، مما مكنه فى الاخر من قيادة الدولة لما يزيد عن عشرة أعوام حتى الان. فى الجوار: حملت الانباء ان حسن الترابي ندد بالانقلاب العسكري فى مصر! حسن الترابي الذى سرق اٍسم القوات المسلّحة السودانية و نفذ به اٍنقلاب لصالح حزبه الاخوانجي و هو الانقلاب الذى جعل الدولة السودانية مجرد حطام دولة تزروها الرياح. معظم القوات التى نفذت اٍنقلاب الترابي لم تكن حتى تنتمى للقوات المسلحة، كانوا أعضاء فى مليشيات عسكرية تابعة لحزب الترابي تم تسليحها من خارج الجيش. هل يدري حسن الترابي اٍن الناس يفزعون من صورة الاخوان الا بسببه؟ عزيزي حسن، اٍن لم تستح فاتلهى. abubakr salih [[email protected]]