تحديد الفولة عاصمة لولاية غرب كردفان لن ينتقص من مكانة النهود كمدينة عظيمة وضع كل القضايا السياسية المصيرية على ميزان الإثنيات متاهة دخلت فيها دارفور ولم تعرف طريقاً للخلاص عندما أعلنت تشكيلة الولايات الجديدة مع الفيدرالية وقسمت الولاية الوسطى إلى أربع ولايات، كان ظاهراً للعيان أن بعضاً من التعديلات قد أجريت لتضيف مدناً جديدة إلى قائمة المدن المهمة أو العواصم، وجاء على رأس تلك التغييرات أن عاصمة ولاية الجزيرة قد تحولت من مدينة رفاعة العريقة إلى ودمدني.. فعندما كانت محافظة الجزيرة التي تولى أمرها الأستاذ محمد فضل محمد في بدايات الإنقاذ في حدود ولاية الجزيرة الحالية كانت عاصمتها مدينة رفاعة، بينما كانت حاضرة كل الولاية الوسطى بودمدني، وفجأة تغيرت المسميات لتبرز ود مدني من جديد لتأخذ وضعها وتعود رفاعة إلى الخلف مجدداً حاضرة لمحلية شرق الجزيرة فقط، ومعها أعلن عن مدينة سنجه عاصمة لولاية سنار، رغم أن المدينة الأهم والأكبر هي سنار.. وفي النيل الأبيض فوجئنا بأن العاصمة قد تحولت من مدينة العلم والنور والثقافة (الدويم).. ولم تذهب إلى كوستي كما توقع الكثيرون وإنما كانت ربك هي العاصمة الجديدة لولاية النيل الأبيض الجديدة وسط دهشة الجميع لأنها وحتى ذلك التأريخ لم تكن بالأهمية والحجم الذي ينافس كوستيوالدويم تأريخياً، ولكن فلسفة متخذي القرار كانت تستهدف تنمية تلك المدينة وفي نفس الوقت الخروج من حرج الصراع التأريخي بين كوستيوالدويم، وبالفعل أصبحت مدينة ربك الآن عاصمة مقبولة نوعاً ما برغم انها تفتقر للكثير من ملامح الحضر، فقد ساعدها وجود العاصمة فيها على بعض التغييرات العمرانية والتنظيمية بعد أن كان طلاب الثانوي يدرسون بمدارس كوستي حتى بداية التسعينات. هذا الشريط من الذكريات مر سريعاً مع إعلان عودة ولاية غرب كردفان وعاصمتها الفولة كما كانت في السابق، ولكن أهل الولاية كانوا يتوقعون تعديلاً طفيفاً بتحويل العاصمة إلى مدينة النهود، وهي مركز تأريخي ومدينة فيها ملامح الحضر أكثر من مدن كبيرة وأسماء أخرى في كردفان الكبرى، وقد قرأت مقالاً خطه يراع الأستاذ إبراهيم منعم منصور القيادي بن القيادي، وما هالني في ذلك المقال أنه احتوى على تفسيرات لعودة الولاية وكل الحسابات التي جرت فيها على أسس إثنية لطالما شكلت رعباً في ولايات كردفان ودارفور عامة، بل أن كل المشكلات التي اشتعلت بها تلك الولايات تعود في الأصل إلى هذه التقسيمات الإثنية البغيضة، مع إحترامنا الكامل طبعاً للنهود، والتي عرفناها موطناً لمجموعات قبائل الحمر، فهم عنوانها وميزتها التي أضافت آيات الجمال عليها، ولقبائل حمر الكثير من المآثر التي لا يعرفها إلا أهل كردفان ومن يعرفون منطقة النهود، ولهم قيادات أهلية وشخصيات متعلمة قادرة على إدارة البلاد بأكملها على أساس من الحكمة، ولعل وجود النهود في البقعة الجغرافية الحالية محتفظة بالهدوء والامن التامين برغم الاحداث التي تطوقها من كل جانب إنما هي دليل على وجود من يستحق الإهتمام بهذه المنطقة التأريخية، ولكن أن تذهب عاصمة غرب كردفان إلى الفولة مجدداً فليس في الأمر ما ينقص من مكانة أولاد حمر او مدينة النهود، وستظل المدينة جوهرة في صدر الوطن.. غير أن مناداة أستاذنا إبراهيم بأن تكون العاصمة في النهود لموازنات بين قبيلتي حمر والمسيرية فالامر لا يتعدى كونه وضع الملح على جراحات الوطن الكبير.. والحديث عن تبعية أحمد خميس إلى إثنية النوبة الذين يمثلون نسبة قليلة من مواطني غرب كردفان مسألة ليست ذات معنى لدى إنسان متعلم يدرك أن ضروريات المرحلة تتطلب أن يتجاوز الجميع هذه التقسيمات من اجل أن يستعيد المواطن البسيط شيئاً من راحة النفس وطمأنينتها، فقد ذهب آدم الفكي والياً لجنوب كردفان وهو ينتمي لقبيلة الكواهلة، ومع ذلك أعتقد أنه سيكون مرحباً به في كادقلي لإعتبارات كثيرة تضاف إلى كفاءة الرجل وحكمته التي عرفها عنه المقربين منه، وحاجة الولاية إلى من يعيد إليها الهدوء والسكينة ويكمل مشاوير التنمية التي بدأت مع التأكيد على أن جنوب كردفان كانت وستظل أرضاً للتعايش بين القبائل.. تقدم لوحاتها في منتهى الإبداع دون تكلف.. فطالما أن آدم الفكي من أبناء الولاية فإنه سيبقى أحرص من غيره على مصالحها وتنميتها وتعليم أبنائها.. مع إحتفاظي برأي خاص في قيادات قبيلة النوبة التي انشغلت بالصراعات من اجل مكاسب ومناصب وكراسي لا يستفيد منها مواطنهم بالتأكيد، وإهمالهم لقضايا مناطقهم في أقسى الظروف، ما يعني أن الذي لا يهم ويهتم بقضايا اهله وهو قيادي عادي يمكنه التحرك والتنقل بحرية، لن يفعل ذلك وهو وال مقيد ببروتكولات ويحيط به الموظفين والحرس والمراسم المعقدة، فكثير من قيادات النوبة لم تحدثهم أنفسهم بإجراء جولات تفقدية لأهلهم في كل الظروف التي يمرون بها في الحرب أو عند السلام. من واجب قيادات كردفان الكبرى ومسؤولياتهم امام الله والتأريخ والضمير الإنساني أن يخرجوا قبائلهم من مرحلة التعصب للقبيلة ورفع الصوت الإثني فوق صوت العقل والدين.. ففي الاولى تراق الدماء وتجري انهارها إلى ما لا نهاية، وفي الثانية ترسو سفن الامة في شواطيء السلام والأمان دون ان تزهق الأرواح وتهدر مقدرات الامة في نزاعات وتقسيمات ونزاعات حسمها المولى عزوجل من أربعة عشر قرناً من الزمان، فليست هنالك غضاضة في أن يحكم غرب كردفان مسيري او حمري أو نوباوي أو أي مكون آخر من مكونات المنطقة طالما أنه سيحافظ على تنمية البلاد ويتعامل مع الناس على أساس من المساواة والعدل.. وكذلك ليت أهل جنوب كردفان يدركون أن عليهم البحث عن مصلحة ولايتهم وتنميتها بعيداً عن قبائل الولاة الجدد..لأن وضع القضايا المصيرية لهذه الولايات على ميزان إثني متاهة دخلت فيها ولايات دارفور الكبرى تعرف مخرجاً حتى يومنا هذا.. والعاقل من اتعظ بغيره..! abuagla ahmed [[email protected]]