ما زال موقع سودانايل ، الذي يعتبر أقدم وأشهر موقع إلكتروني سوداني ، يشرف على إجراء عملية التصويت الالكتروني المثيرة للجدل السياسي حول السؤال المصيري المطروح وهو : هل تؤيد انفصال جنوب السودان عن الشمال ؟! مجموع المصوتين حتى الساعة التاسعة إلا الربع من مساء الثلاثاء 15 سبتمبر 2009 هو 1358 صوتاً أما نتيجة التصويت حتى حينه فهي أن 55.1% (748 صوتاً) قد أجابوا بنعم ورحبوا بالإنفصال وأن 44.9% (610 صوتاً من ضمنهم صوت العبد لله) قد أجابوا بلا ورفضوا الإنفصال! بعبارة أخرى أن جنوب السودان قد انفصل إلكترونياً (حتى هذه اللحظة وإلى حين إشعار آخر) عن جمهورية السودان الديمقراطية! من المؤكد أن هناك ثلاثة اتجاهات سياسية أصبحت تتسيد الساحة السياسية السودانية بشأن إنفصال جنوب السودان عن جمهورية السودان وتكوين دولة جنوبية مستقلة ذات سيادة وعضو كامل العضوية في الأممالمتحدة. الإتجاه الأول ، يرى أن اتفاقية نيفاشا هي اتفاقية باطلة لأنها مخالفة لميثاق الأممالمتحدة الذي يمنح حق تقرير المصير للدول الواقعة تحت الاستعمار وليس للشعوب التي تعيش داخل دول مستقلة ، ولذلك فإن حق تقرير المصير للجنوب هو حق باطل وغير قانوني وأن إنفصال الجنوب حتى لو تم سيكون غير قانوني أيضاً لأن ما بني على الباطل فهو باطل ، هذا الاتجاه ينادي برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية والمطالبة بإعلان بطلان اتفاقية نيفاشا لأن من لا يملك حق تجزئة السودان ، وهو المؤتمر الوطني، قد أعطى وعداً بتقرير المصير لمن لا يستحق وهو الحركة الشعبية لتحرير السودان التي لا تمثل كل جنوب السودان! وينادي هذا الاتجاه بإسقاط اتفاقية نيفاشا بالوسائل القانونية الدولية وإسقاط المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان عبر العنف المسلح من داخل السودان! هذا الاتجاه لن تكتب له الغلبة لسببين واقعيين، الأول هو أن اتفاقية نيفاشا قد أصبحت مسنودة من قبل قوى عظمى لا تعترف حسب سلوكها السياسي العملي بالأممالمتحدة نفسها وبإمكان عدة دول كبرى أن تعترف باستقلال الجنوب كدولة أمر واقع وسيكون لذلك الاعتراف الغلبة على حكم القانون على غرار ما جرى في كوسوفو والبوسنة وغيرها وقد يجد ذلك سنداً قانونياً في قيام محكمة التحكيم الدولية بالفصل في قضية إبيي وهو أمر ينطوي على اعتراف ضمني من قبل المحكمة الدولية بكيانين سياسيين دوليين وبحدود دولية بينهما لأن التحكيم لا يتم في الغالب الأعم إلا بين الدول وبشأن الحدود الدولية فقط لا غير، والثاني هو أنه لا تُوجد في الوقت الراهن أي قوة فعلية على الأرض في شمال أو جنوب السودان تستطيع إسقاط المؤتمر الوطني والحركة الشعبية من سدة الحكم بقوة السلاح! الإتجاه الثاني ، وهو الاتجاه المؤيد لاتفاقية نيفاشا والمطالب بتطبيقها، فهو يرى أن جنوب السودان قد استقل فعلياً عن السودان ، إذ أن هناك جيشان ، وعلمان ، ونظامان مصرفيان ، وقانونان مختلفان يحكمان كل من الجنوب من جهة وبقية السودان من جهة أخرى وبالتالي فإن إنفصال الجنوب قد تحقق بقوة الأمر الواقع وأن إعلان إستقلال الجنوب هو مجرد إجراء شكلي لتقرير واقعة موجودة على الأرض بالفعل ومعترف بها ضمنياً من قبل عدة دول عظمى، هذا الاتجاه يؤيده إنفصاليو الشمال والجنوب وهو يتغذي بمرارات الحروب الأهلية السابقة وبفقدان الثقة المزمن بين أهل الجنوب وبقية أهل السودان ، وخطورة هذا الاتجاه أنه سيرسي سابقة إنفصالية سياسية خطيرة ستهدد ما سوف يتبقى من السودان بالمزيد من التشرذم والانفصال كما ستهدد بإثارة النزعات الانفصالية في كافة دول القارة الأفريقية التي تحتوي تركيبتها السكانية على أعراق وأديان وثقافات متباينة إلى أبعد الحدود! أما الإتجاه الثالث ، والذي نؤيده بشدة، فهو يرى احترام اتفاقية نيفاشا ، ولتفعيل هذه الاتفاقية على أوسع نطاق سوداني، يجب على المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان أن يستشعرا ضخامة المسؤولية السياسية التاريخية الملقاة على عاتقهما في الحفاظ على وحدة السودان والسمو فوق الجراحات التاريخية واللجوء إلى لجان المصالحة القومية وتحكيم صوت العقل السوداني الكبير والصدر السوداني الرحب وأن يسارعا اليوم وليس غداً إلى توسيع نطاق هذه المسؤولية التاريخية عبر إعادة الحريات السياسية بالكامل إلى شمال وجنوب السودان وتكوين حكومة قومية في الخرطوم تضم سائر أحزاب المعارضة السودانية الرئيسية وحكومة قومية في الجنوب تضم كافة أحزاب المعارضة الجنوبية الرئيسية ومن ثم ينبغي حل المشاكل العالقة بين الجنوب وبقية السودان بشأن من يحق لهم التصويت وممارسة حق تقرير المصير وما هي النسبة القانونية المطلوبة لتقرير الإنفصال وذلك خلال مدة زمنية محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، هذا الاتجاه ، رغم تحفظه على الأساس غير القانوني الذي تقوم عليه اتفاقية نيفاشا، يرتكز على الحقائق السياسية والعسكرية الموجودة على الأرض باعتبارها أمراً واقعاً لا سبيل لتغييره محلياً أو دولياً حسبب المعطيات الواقعية الراهنة ويقوم على سند أن رفض حق تقرير المصير للجنوب سيؤدي إلى أمرين أحلاهما مر ، الأول هو إعلان إنفصال الجنوب من داخل برلمان جنوب السودان بلا تصويت ولا تقرير مصير ولا يحزنون والثاني هو إعادة السودان إلى مربع الحرب الأهلية في الجنوب وكلاهما خياران مرفوضان من قبل كل أهل السودان! وعلى أي حال ، ورغم تكاثر النعرات الانفصالية القبيحة داخل السودان وخارجه ، فإننا لا نملك في الوقت الراهن إلا أن نصوت إلكترونياً لصالح وحدة السودان وندعو جميع المواقع الإلكترونية السودانية إلى ممارسة الديمقراطية الكيبوردية وإجراء استفتاء الكتروني مماثل ، كما لا نملك إلا أن نمارس أضعف الإيمان السياسي وندعو الله بقولنا: الله يكضب الشينة وليبقى السودان بجنوبه وشماله ووسطه وشرقه وغربه دولة واحدة موحدة بلا مناطق أو حدود مقفولة وليظل السودان القديم هو السودان الجديد بنفس حدوده وسكانه رغم أنف الانفصاليين الشماليين والجنوبيين الذين يجتهدون بشتى الوسائل والسبل لتجزئة السودان ، ذلك البلد الكبير الجميل ، وتحويله إلى دويلات متناحرة لا حول لها ولا قوة! فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر [email protected]