المظاهرات والاحتجاجات التي يشهدها السودان حاليا هي الاكبر منذ وصول الاسلاميين للسلطة في يونيو 1989م وفاقت بالطبع انتفاضتى سبتمبر 1995م وسبتمبر 1996م. جميع وسائل الاعلام تتفق على ذلك ولكن الاهم اتساعها وعمومها لجميع الولايات. لقد ادمنت سلطة الانقاذ العنف ولم يتبقى امامها من سبيل غير استخدام الرصاص الحي ولكن هل هذا هو السبيل المؤدي للحفاظ على السلطة؟ إن السلطة تستخدم اخر اسلحتها وهي في ذلك خلو من اي اخلاق او قيم او وطنية. ان من يقدم على اطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين لا يمكنه ان يدافع عن اي شيء اخر سوى السلطة والسلطة فقط ولكن هل يفيد السلاح في هذه الحالات؟ التجارب الاقرب الينا في مصر وليبيا وسوريا، وهي تجارب معاشة في الوقت الحالي بكل تاكيد، لا يمكن ان تشير الى نجاح هذه الوسيلة. خير للنظام ان يجنب نفسه والبلاد سيل الدماء والخسائر. ان قول الشعب واحد ولا رجعة فيه وعندما يخرج الشعب الاعزل مطالبا بحقوقه وحرياته ومطالبا بالعيش الكريم لابد ان يشق طريقه ولن يثنيه شيء عن ذلك. هذه الجماهير التي تملأ شوارع المدن الان لن تخسر شيئا غير قيودها وفقرها. اشرف للمرء ان يسقط فدى لكرامته وحقوقه وحريته من ان يمون ميتة البؤس دون كرامة يلفه الفقر والقهر. متلازمة قلة الفهم وعدم تقدير الوضع بصورة سليمة تكاد ان تكون متلازمة طبيعية لدى الطغاة. في اخر مؤتمر صحفي عقده المخلوع نميري كان يتحدث حديثا مهينا ولم يراع مستمعيه ومشاهديه فتحدث عن تقليل عدد الوجبات وعن تقليل عدد كوتة المحروقات التي يستهلكها الفرد – على ان يتم ذلك بصورة تلقائية من المواطن - بل وصل به الحديث حتى عن ثيابه وثياب زوجته! وهاهو البشير يتحدث الى اعضاء حزبه عن افضال نظامه على الشعب السوداني حيث انه علمنا اكل الهوت دوغ والبيتزا - وهي قشور بلا شك - ولكن عندما ظهر في مؤتمره الصحفي بعد يومين قال كلاما كان خيرا منه الصمت! لقد ادمن رموز النظام الكذب وهم في ذلك مثل غوبلز وزير النازية حين قال قولته الشهيرة: اكذب حتى يصدقك الناس. جميع من ظهر في الايام الفائتة من وزراء ومسئولين بل وحتى صحفيين لم يراعوا شرف الكلمة، كان ديدنهم الكذب والتلفيق وزعموا ان الذي يحدث تخريب تقوم به عصابات ومندسين اتوا بهم من خارج المدن! ان العالم كله يرى ويسمع ما يدور في السودان ولا يمكن ان ينطلي كذبهم على شخص الان. لم يتبقى للسلطة ورقة توت تستر به عورتها ولا يمكن للجماهير ان تتراجع بعد هذه الدماء. فرص النظام ضعيفة في البقاء وكل ما لديه المزيد من القتل والاعتقال وتحويل البلاد الى خراب. حقا، ان تكلفة زوال النظام اقل من بقائه بكثير.