طالعت مقالاً للأخ عبد الخالق السر تحت العنوان أعلاه بصحيفة جميع السودانيين الإلكترونية " سودانايل" العامرة بالنقاش الجاد والهادف وقد أعجبت بالمقال وشجاعة كاتبه في التناول رغم اختلافي معه في القليل جداً مما ورد فيه. أبدأ تعقيبي من حيث انتهى الأخ عبد الخالق مؤكداً على حقيقة أن عمودي نجمي الهلال السابقين الدكتور علي قاقرين والسادة بصحيفة قوون لا يضيفان الكثير ولا يرقيان في تناولهما لما يتوقعه الناس من لاعبين سابقين بناد في حجم الهلال.. لكن من الصعب أخي عبد الخالق أن نصف قاقرين الحاصل على درجة الدكتوراة والذي يتبوأ منصب سفير بوزارة الخارجية بالجهل، لكنني أتفق معك تماماً في أن تواجد مثل هؤلاء النجوم ليس أكثر من اكسسوارات تهدف من ورائها الصحف التي تستكتبهم إلى جذب المزيد من القراء من جمهور الناديين دون أدنى تفكير في مصلحة عامة يمكن أن تتحقق من مشاركة هؤلاء النجوم فيها. وبما أن العلاقة متبادلة، فقاقرين والسادة وربما غيرهما من اللاعبين السابقين يرغبون في ارضاء القائمين على أمر الصحيفة المعنية ولذلك لا يخوضون في نقاش جاد أو تناول موضوعي ، بل يكتفون فقط بالتعبير عن ولائهم للونية محددة لأن هذا هو الطريق الذي يرى العديد من كبار الصحفيين الرياضيين عندنا أنه يحقق لهم الأرباح المرجوة. إذاً القضية تتعلق بأزمة مثقف أكثر من ارتباطها بالدكتور قاقرين أو غيره من اللاعبين السابقين، فالكثير من المثقفين السودانيين يستفيدون للأسف الشديد من أسمائهم في الترويج لفكرة أو منتج أو صحيفة دون أن يتعمقوا في مناقشة ما هم بصدده لأن النقاش العميق ربما رأوا أنه يضر بمصالحهم.. ولعلك أخي الكريم تتابع مثلنا ما تبثه العديد من قنواتنا الفضائية من برامج يكثر فيها نفاق ومجاملات المثقفين لا لشئ سوى ارضاء جهات بعينها سواءً تمثلت هذه الجهات في السلطة أو حتى القناة نفسها وذلك حتى يضمنوا استمرار العلاقة معها ويتكرر ظهورهم فيها. لا اتفق مع فكرة وصم قاقرين بالجهل، لكنني أرى أنه مجامل أكثر من اللازم، وقد لمست ذلك قبل سنوات عديدة أثناء متابعني للبرنامج الرياضي الذي كان يقدمه بقناتنا الفضائية وأذكر أنني كتبت ذات مرة عن مجاملات قاقرين الذي يفترض أن يكون أكثر جدية في تناوله للشأن الكروي وألا يشغل باله بارضاء أي طرف مثلما يفعل الكثيرون غيره لأنه يختلف عنهم في أنه لاعب سابق كبير وحاصل على درجة علمية رفيعة ويتبوأ منصباُ رفيعاً وقد تحققت له النجومية التي يداهن البعض وينافقون ويجاملون حتى يحققونها، لكن كما أسلفت فإن الكثير من المثقفين السودانيين يكون همهم الأساسي هو الاستفادة على الصعيد الشخصي مما اكتسبوه من معرفة أو علم أو نجومية ويأتي الهم العام دائماً في الدرجة الثانية من اهتمامهم أو ربما لا يأتي مطلقاً وهنا تكمن المشكلة.. فمن يسعى لتحقيق المزيد من النجومية أو المنفعة المادية على المستوى الشخصي لا يمكن أن يخاطر بممارسة النقد الجاد ويظل همه الأساسي هو عدم اغضاب الآخرين منه. مشاركة قاقرين والسادة هشة للغاية كما ذكر كاتب المقال الأخ عبد الخالق وهما بما يقومان به يسهمان في ارساء التخلف الذي تعانيه العديد من صحفنا الرياضية هذه حقيقة لا مناص منها، والمتابع للتحليل الفني الذي يقدمه العديد من لاعبي الهلال والمريخ السابقين على قنواتنا الفضائية يلاحظ أن بعضهم لا يملك ما يقدمه والبعض الآخر كل همه أن يرضي مستضيفه والقناة التي يطل منها للناس ولذلك لا يخوض في نقاش جاد ربما يفتح عليه أبواباً يرغب في أن تظل موصودة لأن فتحها ربما يكون سبباً في عدم استضافته مجدداً وهذه هي الأزمة الحقيقية التي يعانيها إعلامنا الرياضي، وفي رأي أن لجماهير الكرة دوراً كبيراً في ذلك، فلو كانوا يرفضون أساليب المجاملة وتطييب الخواطر ويطلبون الطرح الجاد لوجدوه، لكن هذه الجماهير تستمع فيما يبدو بدغدغة العواطف وبالتخدير ولذلك يجود عليهم العديد من إعلاميينا بأطنان منه. عرج كاتب المقال إلى الحديث عن مبايعة الواقع الايدولوجي السياسي وهذا أيضاً أحد أسباب تدهورنا في الكثير من المجالات، فمن يسعون للمبايعة ومناصرة أهل السلطة تفوق أعدادهم من يخالفون بأضعاف مضاعفة ولذلك نسمع المبررات التي لا يقبلها عقل طفل غض. كما أشار كاتب المقال لنجم الهلال السابق الرشيد المهدية ومحاولاته الجادة لتجذير واقع نقدي مغاير وهذه نقطة أتفق معه حولها حيث تابعنا جدية طرح الرشيد واستمتعنا بتحليلة الممتاز والراقي للكثير جداً من المباريات قبل أن يختفي عن الساحة مجدداً، لكن لا بد من اشارة أيضاً إلى أن حديث المهدية المحايد لم يكن مقبولاً لدى الكثير من الأهلة، خاصة عندما تحدث عن تطور مستوى فريق الكرة بالمريخ في فترة سابقة وفي رأيي الشخصي أنه كان محقاً تماماً فيما ذهب إليه حيث بدأ مستوى فريق المريخ وقتذاك في التصاعد بشكل ملحوظ قبل أن يتدهور ثانية، لكن الأهلة لم يكونوا يرون في كلام الرشيد سوى انحياز للمريخ ومحاولات لارضاء رئيسه الوالي رغم أن الرشيد لعب للهلال وليس المريخ.. وهذا يعيدنا إلى نقطة أن جمهور الكرة في السودان يرغب في التخدير وحديث العاطفة كما أسلفت، وإلا فما معنى أن تتهم لاعباً ارتدى شعار الهلال بمناصرة المريخ ورئيسه لمجرد أنه قال أن المريخ أفضل من الهلالن وبمنطق المال الذي يعزون له كل شئ، لماذا يسعى الرشيد المهدية للتقارب مع رئيس المريخ ويتجاهل رئيس الهلال؟ أليس الأخير ثرياً أيضاً؟ هذا السؤال طرحته مراراً على من افترضوا سوء النية في الرشيد وفي كل مرة كانوا يأتونني باجابات غير مقنعة وحجج واهية وافتراضات يسلمون بها رغم عدم استنادها على أي منطق أو عقل. قلت في الكثير من المقالات إن انقسام الإعلام الرياضي بهذا الشكل الواضح بين ناديين لا ثالث لهما لا يمكن أن يصب في مصلحة كرة القدم السودانية، لكن المصيبة أن الكل معترف بهذا التقسيم بدءاً بمجلس الصحافة والمطبوعات وانتهاءً بالمشجع العادي، لذلك وجدت نفسي مجبراً على الاعتراف بهذا التقسيم البغيض الذي يسهم حقيقة في اشعال نيران العصبية ويؤدي بكرة القدم السودانية لمزيد من التدهور. وتأكيداً على حقيقة أن الجماهير تلعب دوراً سالباً جداً في هذا المجال أضرب مثالاًَ بلاعب مريخي سابق هو الأخ الطاهر هواري فهذا الرجل عرفته عن قرب شديد من خلال منتدى المشاهير الإلكتروني ووجدنا فيه نعم الأخ وسعدنا كثيراً بتناوله المحايد للشأن الكروي في البلاد وتابعنا نقده الهادف والبناء للسلبيات التي يعاني منها هذا القطاع دون اعتبار لعلاقاته الشخصية بهذا الطرف أو ذاك.. لكن القارئ العادي لا يتابع للأخ هواري مقالاً يومياً بأي من صحفنا الرياضية وذلك لأن مثل هذا الطرح غير مرغوب فيه وهو (ما كلام سوق) على حد قول بعض العاملين في هذا المجال. طبعاً من الصعب أن نلوم رؤساء تحرير الصحف أو أصحابها وحدهم ونستنكر عدم استكتابهم لأمثال هواري لأن صاحب الجريدة يريد العائد المادي الذي يمكنه من تسير العمل في صحيفته وتحقيق الربح الذي يسعى له، ولو أن جماهير الكرة حرصت على مطالعة المقالات الجادة والطرح المحايد لوجد أمثال هواري والرشيد رواجاً ولأصبحت مقالاتهم محببة ووقتها كان من الممكن أن تتسابق الصحف للتعاقد معهم طالما أنهم يمكن أن يسهموا في زيادة عدد القراء، لكن المؤسف أن مثل هذا الكتابات لا تحظى بشعبية وسط جماهير الكرة التي تعودت فيما يبدو على التحريض ضد بعضها البعض والتطبيل لمن يتولون الأمور في الناديين الكبيرين ولذلك لم تعد غالبيتها راغبة في سماع أي أصوات تعبر أي فكرة مختلفة، ولذلك أرى أن اللوم لا يقع على الصحافة الرياضية وحدها، بل يتحمل جزءً كبيراً منه جمهور الكرة نفسه لأن لا يرغب في فرض واقع جديد من خلال الرفض لمثل هذه الكتابات الهشة التي تحدث عنها كاتب المقال. وختاماً لابد من اشارة إلى أن الدرجات العلمية كثيراً ما تخدع خاصة في بلدنا السودان فهناك من يحصل على درجة علمية ويتفوق في مجال تخصصه مثل الدكتور قاقرين، لكنه ربما لا يكون مؤهلاً لطرح أفكار جادة بطريقة جاذبة في الصحافة الرياضية أو أي منبر آخر، كما أن هناك من يحمل درجة علمية تفوق قدراته ومستوى تفكيره كثيراً وهي ليست أكثر من ديكور يزين به جدران مكتبه أو صالون بيته، لكن المؤسف أن الكثيرين منا يتعاملون مع مؤهلات البعض قبل تعاملهم مع فكرتهم أو طرحهم وبذلك يحققون لهم ما أرادوه من استخدام للدرجة العلمية - التي لا نعرف كيف تحصلوا عليها- كجدار صد.