في سبيل استدعاء حراك قانوني يخدم قضايا الطفولة، ويدفع بحقوق الطفل خطوات إلي الأمام، يأتي هذا المقال، وهو مُواصلة لِمقالٍ سبق نُشره، تطرقتُ فيه للمسؤولية الجنائية للطفل وفقاً لقانون الطفل الحالي والقانون الجنائي لسنة 1991م، وبعض أوجه القصور، وتعارض أحكام بعض نصوص المواد، وما يتبع ذلك من أخطاء عند التطبيق، وهو ما يُثير القلق، نسبةً لركون بعض المحاكم إلي نصوص مواد القانون الجنائي فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية، وهو ما ينأي تماماً عن التطبيق الصحيح، فأحكام قانون الطفل لها السيادة عند نشوء التعارض، وفقاً للمادة 3 من قانون الطفل الحالي. في هذه المساحة، أنتوي تسليط الضوء علي المادة 71 و72 من قانون الطفل، والمُتعلقة بدُور التربية والشباب. فدُور التربية هي تلك الدُور التي يلِجُ إليها كل طفل أتم الثانية عشرة مِن العُمر ولَم يبلُغ الثامنة عشر متي ما كان محكوماً عليه بتدبير إصلاحي بموجب حُكم قضائي. وكما هو معلوم فقانون الطفل لَم يُمَيّز الطفل الذي ظهرت عليه امارات البلوغ قبل بلوغه سِن الثامنة عشر ليُخرجه بذلك من تعريف الطفل الوارد في القانون -وهذه مَحمَدَه- وهذا أيضاً ما كان قد نص عليه قانون رعاية الأحداث لسنة 1983م. بالتالي دُور التربية قد تضُم أطفالاً جانحين ظهرت عليهم امارات البلوغ قبل بلوغهم سِن الثامنة عشر، وهذا في رأيي يُثير القلق ويُشكلُ خطراً علي الآخرين –أقصد هُنا دار تربية الفتيان- فمِن الخطأ في رأيي أن نضعَ بدار الفتيان طفلاً جانحاً لَم ينضج بدنياً وعقلياً مع طفل جانح آخر ظهرت عليه امارات البلوغ وعلي وشك اكتمال طور نُضجه العقلي والبدني. لأننا بذلك قد نُعرضهُ لأيّ فعل يُسبب ضرراً يحتمل وقوعه مِن قِبَل الاخرين، كالإساءة الجنسية مثلاً، خاصةً إذا أخذنا في الاعتبار أن الإغتصاب يأتي ضمن أغلب حالات الجُنح، هذا مع إزدياد معدلات الجُنح في الخمس سنوات الأخيرة (راجع صحيفة المجهر عدد الإثنين 12/8/2013). بما أن قانون الطفل تضَمّنَ لأول مرة نص خاص بدُور الشباب "المادة72 من القانون" وهي دُور مِن المفترض أن ينتقل لها الطفل الجانح الذي بلغ الثامنة عشر مِن عُمره ولَم يَكّمِل بعد فترة التدبير الإصلاحي بدُور التربية، وهو ما نحسَبهُ تقدُماً قانونياً، لذا، كان من الأوفق في رأيي أن يفرد القانون نصاً للطفل الذي ظهرت عليه امارات البلوغ قبل بلوغه سِن الثامنة عشر، وبدلاً من إيداعه بدُور التربية، يتم إيداعه مُباشرةً بدُور الشباب، وعلي أن ينتقل مِن دار الفتيان إلي دار الشباب كل جانح متي ما ظهرت عليه امارات البلوغ، لأن ذلك في رأيي، يضمّن لهُم جميعاً الوقاية والحماية اللازمتين. بَيّدَ أنّ المادة 72 تلك، لَم تنتقل بعد إلي حَيّز التطبيق! وهذا ما يدعو للأسّف الشديد، فبدلاً من إعمال النص تم إهماله. وهذا الواجب مُناط بوزير الداخلية، فدُور الشباب لا وجود لها علي أرض الواقع حتي الآن!! وهو ما يقف دليلاً علي قصور الدولة في إضطلاعها بدورها المنوط بها في النهوض بحقوق الطفل. وهذا ما يُحتّم علي الجهات المُختصة إطلاق سراح الطفل الجانح متي ما بلغ الثامنة عشر من عُمره، وإن لَم يكمِّل فترة التدبير الإصلاحي، لأنه من غير الجائز قانوناً الإبقاء عليه بدُور التربية، متي ما بلغ الثامنة عشر مِن العُمر، وبذلك أصبحت المادة 72 من قانون الطفل فضلَه زائده!! رغم أهميتها القصوي. وهُنا يثور التساؤل، ما جدوي النصوص القانونية التي تكفل الحقوق، إن لَم يتم إتخاذ التدابير اللازمة التي تضمّن إعمال تلك الحقوق بل وحمايتها؟! هذا بالطبع دون أن نغفل أن قانون الطفل لسنة 2010 الحالي شَكّل نقلة في تجاربنا القانونية منذ قانون رعاية الأحداث لسنة 1983، مروراً بقانون الطفل لسنة 2004 وانتهاءاً بالقانون الحالي، وهذا بالتأكيد ليس كُل ما نرُومه، إضافةً إلي أنه من خلال التطبيق دائماً ما تتكشّف أوجه القصور في القوانين عموماً، مايستدعي إحداث تعديل في القوانين أو حتي إلغاءها وصياغة قوانين جديدة تبلي التطلعات وتنهض بالتقدم الإجتماعي. لا أحد يستريب في أن الأطفال الجانحين هُم الضحية، فهُم نتاج أوضاع إقتصادية وسياسية بالمقام الأول، وجدوا أنفسهم في غياهب المجهول، وهُم لَم يحلموا بأكثر مِن حياةٍ كالحياة. بالتالي التزام الدولة بدورها المنوط بها في تحسين الوضع المعيشي للجماهير وضمان تطبيق إلزامية ومجانية التعليم الأساسي للأطفال، لاشك يُسهِم في النهوض بقضايا الطفولة. خُلاصة القول، يبقي إعمال نص المادة 72 هو الواجب المُلح، حتي يتم إعداد الجانحين وتأهيلهم التأهيل اللازم لدمجهم في المجتمع من جديد، وإصدار لوائح لتنفيذ أحكام هذا القانون. مع ضرورة إدخال تعديلات في القانون، فمِن غير المُلائم الإبقاء علي طفل جانح يبلُغ الثانية عشرة مِن عُمره بدار الفتيان، مع طفل جانح آخر ظهرت عليه امارات البلوغ يبلُغ السابعة عشر مِن العُمر مثلاً، بنفس الدُورْ، وبما أن الاغتصاب مِن أغلب حالات الجُنح، فهذا ينهض دليلاً علي ضرورة الفصل وخطورة الوصل. loai abdo [[email protected]]