ترويها:ايمان محمد الحسن المحامي في مساء يوم جميل تمزق سكونه بصراخ سيدة اصابها الفزع بمنظر ابنتها مضرجة بدمائها وعارية تماماً، ولما هبّ زوجها لنجدتها أدرك المصيبة، لقد اغتُصِبت ابنتهم. وجن جنونه بحثاً عن الوحش الذي ارتكب الجريمة البشعة، وبمساعدة الشرطة تم القبض على الوحش مختبئاً خلف أمه، زائغ العينين ويداه ترتجفان، فقد كان الوحش مجرد طفل لم يبلغ السابعة عشر من عمره. في أول جلسات محاكمة الوحش طلب ممثله أن تُحال القضية لمحكمة الطفل، وفقاً لنص المادة (63/أ) للاختصاص، حيث أن كلا من الجاني والمجني عليه طفل. اعترض والد المجني عليها على اعتبار الجاني طفلاً، وذكر أنه بالغ ومسئول عن تصرفاته. والسؤال الذي يطرح نفسه: متى يكون الطفل مسئولاً جنائياً بصورة كاملة، ويُعامل بأنه مجرم يستحق العقاب؟ المادة (3) من القانون الجنائي لسنة 1991 عرفت الطفل بالآتي: «كل شخص ثبت بلوغه الحُلُم بالأمارات الطبيعية القاطعة وكان قد أكمل الخامسة عشر من عمره، ويُعتبر بالغاً كل من أكمل الثامنة عشر»، والمادة (9) حددت مسئولية الصغير حيث ذكرت الآتي: «لا يُعد الصغير غير البالغ مرتكباً جريمة، على أنه يجوز تطبيق تدابير الرعاية والإصلاح الواردة في هذا القانون على من بلغ سن السابعة من عمره حسبما تراه المحكمة مناسباً.» أما قانون الطفل لسنة 2010 فلم يحدد المسئولية ولكنه عرّف الطفل الجانح في المادة (4) بالآتي: « هو كل طفل أتم الثانية عشرة ولم يكمل الثامنة عشر من عمره عند ارتكابه فعلاً مخالفاً للقانون». ما جاء في كلا القانونين يوافق الاتجاه العام للفقه الإسلامي حيث أن الصغير إذا بلغ مرحلة الإدراك، الضعيف ببلوغه سن السابعة وحتى بلوغه الحُلُم لا يُسأل جنائياً فلا يُحد إذا سرق أو زنى مثلاً ولا يُقتص منه، وإنما يُسأل مسئولية تأديبية أي يُعاقب عقوبة تأديبية لا جنائية. لذا يجب أحالة الجاني للقومسيون الطبي لتحديد بلوغه الحُلُم، وأذا أكد الأطباء أنه لم يبلغ الحُلُم رغم ظهور علاماته الأولية ويُعد في مرحلة المراهقة. والسؤال هو: هل يُترك الجاني دون سؤال رغم فعلته البشعة بحجة أنه طفل؟ بما أننا لا نستطيع توقيع عقوبة جنائية على الجاني باعتباره طفلا وغير مسئول جنائياً لا يعني هذا أن نتركه يعيث فساداً في الأرض لذلك على المحكمة الجنائية إدانته بمخالفة المادة (149) من القانون الجنائي وإحالة أوراقه لمحكمة الطفل. وعلى الأخيرة أن توقع عليه العقوبة المناسبة بموجب نص المادة (69) مقروءة مع المادة (77). ونحن نرى أن المشرّع قد ترك نص المادة (77) من قانون الطفل فضفاضة مما يعني أنه منح القاضي سلطة واسعة لاتخاذ الإجراء المناسب لظروف الطفل وحاجته والفعل الذي ارتكبه وبهذه الحالة أرى أن الجلد هو الأصلح حيث أن التوبيخ غير مناسب لردع الجاني ودُور الرعاية يمكن أن تؤثر سلباً على مراهق في مرحلة النضوج. ومن ناحية أخرى إذا انتفت المسئولية الجنائية عن الطفل الجانح لا تنتفي عنه المسئولية المدنية على سند من القول أن فعله تسبب في الإضرار بغيره فهو مسئول في ماله الخاص. وأن القاعدة الشرعية تقول إن الدماء والأموال معصومة ولا يسقط الضمان ولو سقطت العقوبة. لذلك إذا تسبب الصغير في قتل أو جرح أحد تلزمه الدية حسب رأي الفقهاء. والدية الواجبة عليه يتحملها العاقله. وبالقياس على ذلك يجب التعويض حسب نص المادة (83/2) من قانون الطفل لسنة 2010م. الحكم: يُعاقب الجاني بالجلد بما لا يتجاوز «20» جلدة ويتحمل عاقلته التعويض عن الضرر بالطرق المدنية.