ما كنت أحسب أن منظومة تُعنى بشؤون الصحافيين والصحافيات في السودان تتأخر عن واجب ديني، ناهيك عن التزام أخلاقي وتعاضد مهني، ولكن بوفاة الزميلة نادية عثمان مختار المحررة في القسم السياسي في صحيفة التغيير، وفي الوقت نفسه، تعمل مذيعة ومقدمة برامج متعاونة في فضائية أم درمان يوم الإثنين الماضي، حيث تم تشييع جثمانها في الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء في موكب حزائني مهيب، ضم رهطاً من أهل الصحافة والإعلام مشاركين في التشييع حضوراً، ومبدين حزنهم العميق الذي تجلى في وجوههم وأعينهم على شعلة انطفأت مبكراً، وهم في ذلك ينزلون في أنفسهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: قيل ما هن يا رسول الله قال:" إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه"، ويتأملون في ذات الوقت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً في قسوة موت الفجاءة الذي قسوته تتنزل على أهل الميت وأصدقائه ومعارفه، خاصة الذين قضى معهم وقتاً قبيل حدوث الوفاة، لذلك عدّه رسول الله صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة وأشراطها، في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة"، رواه الطبراني في "معجمه"، وحسنه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في "الجامع الصغير"، إذ لم يظهر أحد من اللجنة التنفيذية للاتحاد العام للصحافيين السودانيين في موكب التشييع ولا حتى في منزل العزاء. والؤلم أيضاً، أنني لم أقرأ إعلاناً في كبريات الصحف اليومية نعى باسم الاتحاد العام للصحافيين السودانيين للأخت الراحلة نادية عثمان مختار، إلا بضع كلمات في إحدى الصحف. فالنعي في الحقيقة لا يزيد ولا ينقص من الحزن عليها، وسط أهلها ورسلائها ورسيلاتها، ولكن فيه التماسة عزاء للأحياء من الصحافيين والصحافيات المنضوين تحت لواء هذا الاتحاد، الذين يؤكد لهم مثل هذا الأمر مدى ترابط مجتمعه الصحافي، واهتمام منظومتهم التي ترعى شؤونهم، وتُعنى بهم في الحياة الدنيا وتعزي أهليهم إذا جاء يوم وجدوا أنفسهم على آلة حدباء محمولين. كما قال الشاعر العربي كعب بن زهير بن أبي سلمى: كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وإنْ طالَتْ سَلامَتُهُ يَوْماً على آلَةٍ حَدْباءَ مَحْمولُ وقبل ذلك، قال الله تعالى في محكم آيه وبديع بيانه: " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ"، وتصديقاً لقوله سبحانه وتعالى أيضاً: " اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ". أخلص إلى أنني كنت أتوقع أن يبادر الاتحاد العام للصحافيين ليس بحضور موكب التشييع أو الحرص على أداء صلاة الميت عليها، على الرغم من أنها من فروض الكفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، بل كنت أحسب أنه سيعلن تقبل العزاء في دار اتحاد الصحافيين، الخاوية على عروشها، ولولا أن الأخ الصديق الأستاذ جمال عنقرة رئيس تحرير صحيفة "الوطن" نظم فيها قبل بضعة أسابيع ملتقًى تشاورياً بين بعض الصحافيين والأخ الصديق أحمد محمد هارون والي ولاية شمال كردفان، لما عرفنا للدار نشاطاً أو تجمعاً. ونقول هذا من باب الحدب والحرص على أن يراجع الاتحاد سياساته الاجتماعية وألا ينشغل بحصد المناصب في المنظومات الصحافية الإفريقية أكثر من انشغاله بعضويته من الصحافيين والصحافيات التي يستمد منهم ومنهن حصائد هذه المناصب وغيرها من الأسفار والترحال!. كما كنت أتوقع ومعي الكثيرون من رسلائي رؤساء التحرير، أن يولي الأخ الدكتور أحمد بلال عثمان وزير الثقافة والإعلام اهتماماً ملحوظاً بالصحافيين والصحافيات، لا سيما في مناسبات الأتراح أكثر من مناسبات الأفراح. وكذلك إخوتنا في الله الذين يتابعون متابعة الظل فيما نكتب أو ننشر، عليهم أن يبدوا لنا شيئاً من العلائق الإنسانية التي ستعمل بلا أدنى ريب، على إزالة قدر من التوتر في العلائق المهنية. "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".