في تطور مفاجئ للأحداث السياسية والعسكرية في جنوب السودان، أعلن الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت أن الجيش الجنوبي تمكن من إفشال محاولة انقلابية من جانب منافسيه، لا سيما وأنه شدد عليهم الخناق السياسي بعد عزلهم من مناصبهم السيادية والوزارية، ومن ثم اقصائهم في دوائر الحركة الشعبية (الحزب الحاكم). وأطل الرئيس سلفا كير على الوسائط الصحافية والإعلامية مرتدياً زياً عسكرياً، وملأ صدره بالنياشين والأنواط العسكرية، معلناً حظر التجوال في العاصمة الجنوبيةجوبا، بدءاً من مساء أمس (الاثنين) ويستمر خلال ساعات حتى ينجلي الموقف ويستتب الأمر له. وقال سلفا كير: "كانت هناك محاولة للانقلاب"، مضيفاً أن القوات الحكومية تسيطر على الأوضاع الأمنية في العاصمة جوبا بشكل كلي، بعدما لاذ الانقلابيون بالفرار، مؤكداً أن قوات الحكومة تسيطر بشكل كامل على الأوضاع الأمنية في جوبا. وأحسب أن هذه المحاولة الانقلابية، جاءت محصلة لتصاعد التوترات السياسية في جنوب السودان، منذ أن أقال سلفا كير نائبه ريك مشار في يوليو الماضي. وقد كان قرار إقالة ريك مشار نتيجة لانتقادات شعبية لأداء الحكومة الجنوبية، وفشلها في تحسين الظروف المعيشية في الجنوب، وبدأت بواكير الصراع بين سلفا كير ونائبه ريك مشار تتخذ مسارات مختلفة، ومنها إفصاح مشار عن عزمه على خوض الانتخابات الرئاسية في المستقبل، ولكن ما أن أعلن الرئيس سلفا كير قراره القاضي بعزل نائبه ريك مشار حتى بدأ الأخير يعلن عن اعتراضاته على أسلوب سلفاكير في ممارسة السلطة بأسلوب فيه قدر كبير من الديكتاتورية. وفي رأيي الخاص، لم يكن الرئيس سلفا كير يرغب في إظهار الصراع بمظهر صراع قبلي، على الرغم من أن قبيلته الدينكا، الأكثر عدداً والأعظم نفوذاً، من قبيلة ريك مشار النوير التي هي دائماً ما تحتل المرتبة الثانية في توزيع القبائل في الجنوب، اثنياً وجغرافياً، وكذلك سياسياً، لذلك كان يحرص الرئيس سلفا كير على القائد الذي يصطبر على انتقادات خصومه القدامى والجدد. وذهب إلى مذهب يحقق له قدراً من الاستقرار، ومن ثم التنمية المستدامة، من خلال تقدير الموقف، المتمثل في تحسين علاقات بلاده مع السودان، في إطار فقه المصالح المشتركة، وتبادل المنافع بين البلدين، سعياً حثيثاً على تحسين الظروف المعيشية في بلاده، عبر إنفاذ المصفوفات المتفق عليها في مفاوضات أديس أبابا في سبتمبر 2012، وبالفعل ظهرت بعض المقاربات في السياسة والاقتصاد لمنفعة الشعبين ومصلحة البلدين. أخلص إلى أن المحاولة الانقلابية التي حدثت في جنوب السودان أمس، أكدت أن تلكم البلاد الوليدة بدأت مبكراً في طريق الانقلابات، إذا كان السودان قد شهد أول انقلاب عسكري في 17 نوفمبر 1958، بعد أول حكومة مدنية في الأول من يناير 1956، أي بعد أقل من ثلاث سنوات، وكذلك الحال في بداية السعي إلى محاولة انقلابية بعد أقل من ثلاث سنوات أيضاً، فإن كانت تلكم المحاولة الانقلابية في السودان قد نجحت، بينما المحاولة الانقلابية في جنوب السودان قد فشلت. ومن الضروري أن يرفق الرئيس سلفا كير ميارديت برفاقه القدامى، تأكيداً لما قاله سلفا كير نفسه، قبل أسبوع "إن بعض الرفاق يحاولون جر البلاد إلى ما كان عليه الوضع من انقسام بين فصائل جنوب السودان". عليه أن يتأسى بما فعله الرئيس السوداني عمر البشير في الصفح عن جماعة المحاولة الانقلابية الأخيرة في السودان، من عسكريين ومدنيين، وصولاً إلى توافق وطني لإحداث الاستقرار، ومن ثم بذل جهداً مخلصاً، لتحقيق التنمية المستدامة، وتحسين أوضاع البلاد والعباد.