رغم ظروف الحرب…. بدر للطيران تضم طائرة جديدة لأسطولها    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    المتّهم الخطير اعترف..السلطات في السودان تكشف خيوط الجريمة الغامضة    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    إسرائيل تستهدف القدرات العسكرية لإيران بدقة شديدة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى تكريم سمير أمين .. بقلم: حلمي شعراوي
نشر في سودانيل يوم 30 - 12 - 2013


مؤتمر الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية
= 28 /12/2013=
السيدات والسادة
أشعر أن علىَ أكثر من واجب للشكر، شكر الأصدقاء الأعزاء فى قيادة الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية الذين توسموا فىَ إمكانية تقديم علم من أعلام الفكر الاقتصادى السياسى مثل سمير أمين ، وشكر سمير أمين نفسه الذى ارتضى لى أن أقف هذا الموقف خاصة مع اعتذاره لظروف اضطرارية عن عدم وجوده شخصياً بيننا .
وهكذا أجد نفسى، أقتحم عرين الاقتصاديين العرب، وأنا آخر من يُرشَح لهذه المهمة العسيرة، وقد رحت أبحث عن سبب أبرزه للحاضرين لتبرير فعلتى هذه بقبول تقديم سمير أمين فى مناسبة احتفالية بهذه القيمة لتكريمه من قبل منتدى بهذا الشموخ.!
تصورت السبب راجعاً إلى علاقتى بسمير أمين منذ تقابلنا فى داكار بالسنغال عام 1973، وهو فى الأربعين من عمره، يدير مركزاً دولياً تابعاً للأمم المتحدة ،معنياً بالتنمية الاقتصادية والتخطيط (فى العالم الثالث) باسم IDEP.. ويومها فاجأنى بإعداده لندوة فى دار السلام بتنزانيا عن الصراع الطبقى فى أفريقيا.... فاستهولت الأمر، وأنا القادم من بلد يتحول فيها –منذئذ –تركيبها الاجتماعى كله إلى ما لم نحمد عقباه! وتصادقنا على السراء والضراء منذ ذلك الحين... راح هو يسهم فى تأسيس "المجلس الاجتماعى للبحوث الاجتماعية"- كوديسريا- ومنتدي العالم الثالث ، ورحت أنا إلى دار السلام ولاجوس فى جهد لإنشاء الجمعية الأفريقية للعلوم السياسية ومع تاسيس الجمعية الافريقية بمصر .
وكنا نناقش، ما وراء تحركاتنا جميعاً من فكر، لنجد أن موجة التنظيم الواحد فى بلداننا آخذة فى الانحسار، ولابد من مساهمة المثقفين التقدميين فى الحراك الجديد الذى قد ينفرد به المحافظون..!
لم تكن رحلة سمير أمين سهلة، فقد عاش صعوبات اليسار فى مصر طول الوقت منذ أزمة اليسار مع الناصرية ،(وقد سجل هذه الرحلة بنفسه في اكثر من مجلد ) اذ غادرها للتعلم فى باريس 1954 بينما هو عضو نشط فى حزب "الراية." الشيوعي، وتكررت الأزمة إلى حد فتح السجون للجميع فتسلل هارباً 1959، ليكتب عن مصر، ويدرس ويقوم بالتدريس فى السربون، وليتواصل مع الحركة الفكرية اليسارية الوطنية والعالمية ، تفهما للمسار الخاص للتجربة السوفيتية، وتطلعاً للدلائل الجديدة للتجربة الصينية، وتحليلاً لتجارب الشيوعيين الأوربيين، وتطورات الماركسية فى العالم الثالث. وبينما يأتى خبيراً للتنمية فى بلدان مالى وغينيا وغانا أوائل الستينيات ، فإنه يدير حلقات النقاش في اوروبا مع جوندار فرانك ، وأريجى ، وفالرشتاين، وهو يضع مبكراً فكرته عن التراكم الرأسمالى ودور المركز والأطراف فيه كخلفية لبشائر حركة التحرر الوطنى ومن اجل مستقبل مختلف للاشتراكية، وليس مجرد التمهيد لتطوير التبعية او مدرستها التي انتقدها لاحقاً ولا يؤكد تأسيسه لها .
لم يكن سمير أمين مجرد عالم الاقتصاد، أو حتى الاقتصاد السياسى الذى يحرص كثيراعلى مسماه هروباً من عالَم الاقتصاد البحت وعلمائه الذين يعتبرهم سمير أمين خبراء النظريات الاقتصادية الراسماليه وحسب، وإنما وجدت فى سمير أمين، وتابعته، مفكراً عالمياً، معنيا بالفلسفة، والسوسيولوجيا، والثقافة وعلم الاجتماع الدينى ، وذلك خلال بلورته لتطور المجتمعات ، ومراحل التاريخ ، والتصدى للنظريات الكبرى نقدياً بما شمل الماركسية، والعالمثالثية، والصراع الحضارى ، بمنهج لا يحترز كثيراَ ًمن المغامرة الفكرية التى منحته قدرة على الرؤية المستقبلية المبكرة، والتي بدت في القول بعسكرة العولمة إلى عودة الاستقطاب أو تعدد الاقطاب المتصارعة تدريجياً...
كتبتُ عنه لإحدى المجلات العربية (الطريق-بيروت) مقالاً فى اوائل هذا القرن (يونيو 2002)أتساءل فيه: لماذا تأخر وصول سمير أمين إلى العالم العربى ؟ وخاصة فى المشرق، أى لماذا لم نردده كثيراً مع أسماء شهيرة أخرى إلا فى أواخر الثمانينيات، رغم وجود بعض ترجمات لأعماله هنا وهنالك، وكانت قد بلغت حين كتبت ذلك حوالى الثلاثين عملاً هاماً. لم أجد السبب فى قلة اهتمامه مثلاً بالواقع المصرى، وهو الذى اهتم مبكرا بتطور المؤسسة الاقتصادية المصرية، فأصدر دراسة فى التيارات النقدية والمالية فى مصر (1957) ثم بالتطور السياسى الاقتصادى فيما كتبه باسم مستعار عام 1960 عن "مصر الناصرية" نشر باسم "حسن رياض " فى باريس عام 1963 وترجمته الإدارة المصرية لحاكميها فقط فى ذلك الحين، حتى نشر مؤخرا مع وثائق أخرى باسم " حول الناصرية والشيوعية المصرية " (2013) . وظل يتابع ويكتب عن مصر حتى صدر له كتابه عن "ثورة مصر" عام 2011، كنص هام نقلت عنه المصادر العالمية حول ما حدث وما زال يحدث فى مصر...
لا مجال للعودة هنا لتأخر وصول سمير أمين الي العالم العربي، فقد وصل قويًا بترجمات لأعماله الثلاثين تقريباً. وكان أحدها فى مصر عام 1991 يبدو رداً متكاملاً عما حدث، فعنوانه:" من نقد الدولة السوفيتية إلى نقد الدولة الوطنية : البديل الوطنى الشعبى ..." ويمكن للقارىء أن يفهم أثر نقده المبكر للاشتراكية السوفيتية، وفهمه الخاص للدولة الوطنية الشعبوية وقيادتها، ليدرك سبب حرماننا من حضوره المباشر لبعض الوقت. ووصل سمير أمين عضواً ثم رئيساً لمركز البحوث العربية والأفريقية الذى شرفت بالمشاركة فى تأسيسه وإدارته.
ومثلما أُعلن "منتدى العالم الثالث" فى داكار منذ عام 1976 في اطار جامعة الامم المتحدة ليديره سمير أمين ويبقى هناك متنقلا بينه وبين القاهرة حتى الآن، فقد أعلن تأسيس "المنتدى الاجتماعى العالمى "، مقابلاً قوياً لمنتدى "ديفوس " الاقتصادي ، ومنذ قيامه، يشارك سمير أمين فى تنظيمه سنوياً بعد انطلاقته الكبرى من "بورتو أليجرى" عام2001، وليتبلور الجدل الفكرى داخل هذا المنتدى حتى يعلن سمير أمين ونخبة من كبار المفكرين العالميين قيام "منتدى البدائل العالمى" خلال ندوة فكرية كبرى انطلقت فى القاهرة وبمقر مركز البحوث العربية والأفريقية عام 2002.. وصدقونى أننا لم نستطع إصدار بيان باسم "إعلان القاهرة للبدائل العالمية" خوفاً من قمع الدولة الأمنية الراسخة فى ذلك التاريخ..
لم تكن رحلة سمير أمين سهلة، لأنه لم يختر الطريق السهل الذى يسكن إلى نظرية ثابتة، ويتمترس للدفاع عنها... فهو المحلل لتمركز الرأسمالية وسيطرتها الإمبريالية العالمية، بقيادة أو انفراد الولايات المتحدة، ليعود فى وقت لاحق للقول بهيمنة "ثالوث" "الإمبريالية الجماعية" من الولايات المتحدة –أوربا- اليابان"... وبينما العالم الثالث عنده أساس التحرر الوطنى لفترة، وإذ به يطورالقول أن عالم الجنوب ليس هو "الثالث" فقط لأن "الثالث" بات ينقسم بدوره بين الدول "البازغة" والعالم الرابع... وليقدم فى أكثر من دراسة عميقة وشيقة معالم صعود البازغين وعقبات المتعثرين....
والاساس في ذلك هو تصور سمير أمين المسبق عن مرحلة "مشروع باندونج" (1955-1975) والتى شكلت فيها دوله الناهضة المواجهة الاوليه مع الإمبريالية العالمية بأشكال مختلفة من المقاومة والمبادرات الاستقلالية للشعوب بين 1955/1980. والتى أعقبها تغير أو تحديث أساليب الإمبريالية فى السيطرة وسطوتها على النظام المالى المعولم ، أو ما أسماه التمييل أو الأمولة ncialization finaوعلى احتكار أسلحة الدمار ، ومناهج ترسيخ امبراطورية الفوضى ، مما أضاع زخم مشروع باندونج ليشهد عالم الجنوب تطورات من نوع جديد ...مع تحرك البازغين الجدد ، ولينتهى سمير أمين إلى أنه على شعوب التخوم أن تقوم ببناء اقتصادها الوطنى بالإعتماد على الذات مع فك الارتباط ، مستندة إلى التجمعات الإقليمية وإلى كتلة شعوب الجنوب ككل بدخول الموجة الثانية للتحرر ، وخاصة التحرر من الوهم البديل وهو" اللحاق" فى إطار النظام الرأسمالى المعولم .
ويلاحظ سمير أمين ، مع تطويره "للعالمثالثية" أو ما كان يسمى "الدول النامية" أن بلدان الجنوب" شعوبا وأمما ودولا أصبحت تخضع لتحليلات جديدة عنده لما يسمى بالدول البازغة ...بما لابد من الالتفات إليه ، ذلك أن موجة التغيير الراديكالى المتوقعة لاتحدث فى بلدان الشمال ، ولكن من يتعرضون لها هم من بلدان التخوم أو ما يسميها "منطقة العواصف" بما نشهده فيها من ثورات متكررة ،و" البلدان البازغة" التى يشير إليها فى التحدى الأولى فى الشمال تعنى تلك الدول التى لم تقبل الاستسلام لسياسة الرضى بالبقاء والأوهام المحيطة به ، وإن لم تُبدِ معارضة صريحة "للنظام " ، وإنما تنشغل بالتنمية النشطة ، وبجهود ذاتية ومبادلات بينية دون الوقوع تماما فى شراك التبعية .وحتى تقوم بذلك الشعوب نفسها – حيث ما زال الأمر فى يد السلطات الحاكمة – فإننا نتصور أن ثمة أنظمة إنتقالية ذات طبيعة وطنية شعبية تقوم بذلك ...
وهو لايقبل التصنيف الهزلى أو الأيديولوجى للعالم حول التراتب الراسمالي الي سبعة أقطاب مثلا دون رؤية حقيقية لواقع المتغيرات فى النظام العالمى . لكن العوالم الأربعة عنده تضم ، فى الأول : "الثالوث الإمبريالى" (الولايات المتحدة ، أوروبا، اليابان) ثم يأتى الثانى وهى الدول البازغة ليضم فى مقدمتها ( الصين والهند والبرازيل) وبدرجات ما روسيا التى يحاول الثالوث إبقائها فى التخوم مثل أوروبا الشرقية ...وفى تصنيفات أخرى لسمير أمين يسمى دولا متوسطة النمو فى وضعها مثل فنزويلا وماليزيا وجنوب أفريقيا...الخ وينطلق من ذلك التوسط إلى دراسة وضع العديد من الدول الأخرى مثل إيران وتركيا ومصر وغيرها ...وعندما يأتى ذكر "العالم الرابع "-إن جاز التعبير- فهى معظم دول الجنوب من أفريقيا والعالم العربى والاسلامى ، التى يعتبر" الجنوب المهمش" الذى يبقى مصدرا للموارد الرأسمالية ، ممثلا بالضرورة لحالة "الأ بارتيد" على المستوى العالمى.
و يظل "البازغون" عند سمير أمين هم التحدى الأساسى للرأسمالية التى لا تشكل عنده إلا مرحلة عابرة فى التاريخ، لأن المستقبل بحكم التفاعلات العالمية سيكون للاشتراكية ولو علي المدي البعيد . ولذلك يعطى سمير أمين أهمية لفهم الأزمات العالمية على أسس هذا التفاعل ، ليقول بأن الأزمات الأخيرة 1980/2008 لم تكن أزمات مالية ولكنها أزمة الرأسمالية الإمبريالية نفسها والخروج منها لابد أن يكون بالضرورة خروجاً من الرأسمالية المتأزمة وليس من أزمة الرأسمالية . والعولمة "المنتصرة" والتى بدت أنها تحميها تتعرض بدورها لأزمة تعدد الاستقطاب وليس لصعود خط العولمة المستمر منذ خمسة قرون . إذ كلما بدت أنها تحقق " نهاية التاريخ " بدت فى مواجهتها مؤثرات ثورية تهز قوائمها بشكل ملحوظ مثل ثورات روسيا والتحرر الآسيوى الأفريقى، وحركة بزوغ القوى الجديدة على الصعيد العالمى من قبل.
وتحكم سمير أمين مخاوف من إضطراد هيمنة المراكز على التخوم ، فيما عبر عنه بتزايد مظاهر "الأبارتيد" على المستوى العالمى ، نتيجة قبول الطبقات الوسطى والكمبرادورية بفتات العولمة ، ويؤدى هذا إلى الانزلاق إلى البربرية وليس إلى تصاعد التحدى للنظام العالمى
إن تحليل سمير أمين الدائم لخريطة النظم العالمية، هو شاغل واجب ، يلقى هو نفسه ببعض أبعاده ليفكر فيها مثقفو بلدان الجنوب وحركاتها الوطنية الشعبية، لأن سمير أمين يقول دائماً، أنه ليس مفكرا فى الاقتصاد السياسى بقدر ما هو ناشط أيضاً على مستوى عالمى ، لأن حركة التحرر من الإمبريالية العالمية الجماعية، هى أيضاً حركة عالمية جماعية بالضرورة ، والعلوم الاجتماعية عنده –عالم مفتوح لا تحكمه الحتمية الفيزيقية التقليدية- مثلما أن أفق الاشتراكية مفتوح لاحتمالات عديدة واجتهادات نقوم بها جميعاً.
لعل انشغاله بالفكر النظرى إلى جانب كل تلك القضايا العالمية والعملية هو ما جعله يعود مؤخرا لإصدار كتابه عن " قانون القيمة المعولمة " (2012) ، تطويرا لأفكار عالجها مبكرا فى قانون القيمة والمادية التاريخية ، وهدفه مثل –ماركس- بالأساس هو إقرار نظام عقلى وفلسفى لانتقاد العالم، "والنظام"، وأظن سمير أمين بذلك يحرص على اعتبار أن الماركسية بلا ضفاف، وأن الديالكتيك هو أداة المادية التاريخية لهزيمة مناهج الاقتصاديين الرأسماليين.
لعلى استطيع هنا أن أقول أن هذه النظرة الديالكتيكيه حكمته وما زالت تحكمه كثيراً فى تحليلاته خاصة عن التجربة الصينية ولا يسمح الوقت للغوص فى هذه التحليلات التى يعطيها قدراً كبيراً من اهتمامه باعتبار ان وجود ربع البشرية فى الصين مسألة تهم الإنسانية كلها بالطبع، وهو يفتح لها آفاقا، ويذهب ويغدو إلى عوالم المتغيرات الصينية، ليبقى الأمل هناك فى تطور مختلف. سؤاله الدائم فى الحالة الصينية قد تم بالطبع منذ كتب عن الماوية ، لكن كتابه الأخير" اشتراكية القرن" (2008)، كما فى كتابات له منذ "1980" عن : الماوية والتحريفية "وما أعده مؤخرا للنشر عن الصين وسؤاله : حول ما إذا كانت اشتراكية السوق مرحلة فى التحول الاشتراكى الطويل أم طريق مختصر نحو الرأسمالية؟ ويميل سمير أمين فى النهاية- إذا نجحت أنا فى تفسيره-إلى القول بإمكان بقاء الصين زخراً لمستقبل الاشتراكية ولو فى المدى البعيد الذى يراه دائماً لافق الاشتراكية - خلافاً لتصورات الاشتراكية الدولية الثانية أو الثالثة. وفى تقدير سمير أمين إن بقاء أشكال من الملكية الجماعية وتيسر وصول الفلاحين للأرض فى حل صعب للمسألة الزراعية عند الآخرين وبقاء قيم الاشتراكية الموروث بعمق عن الماوية ، وتبادلها مع متطلبات التراكم ذى الطبيعة الرأسمالية يجعله يقول "إن الوقت لم يفت لكى يؤثر النضال الاجتماعى في الصين على تطور لم يحسم بعد! "بما يبدو أنه يرجعه لبقاء الحزب الشيوعى فى السلطة، وإن كان لا يتردد عن التساؤل حول إمكانيات استمرار عملية المقرطة.!
لسمير أمين وتحليلاته المعمقة فى الواقع العالمى والمحلى اجتهادات نافذة لا تغفلها عين. وتحتل مصر مثل العالم العربى مكانتها فى هذه الاجتهادات، وهو الذى بدا مبكراً بالكتابة عن مصر الاقتصادية والناصرية، وعرج على تحليل مدقق ما زال مقروءا عن بلدان المغرب، وعن الدولة، والمجتمع فى العالم العربى بمساهمة وإشراف على سلسلة منها نشرها مركز البحوث العربية والافريقية، وهو مساهم أساسى فى تحليلات عن ثورة مصر ما زالت جديرة بالقراءة.
حذر سمير أمين فيما كتبه عن ثورة مصر عام 2011 من طبيعة التحالفات التى قد تلتف على الثورة، ومن الاحتمالات الكبيرة لحدوث النمط الباكستانى وليس -حتي-النمط التركى، بل أنه طور التحليل مؤخراً لينشر دراسة عن فشل تجارب الإسلام السياسى فى باكستان وتركيا وإيران معاً. ليضمنه كتابه المعد للنشر كطبعة ثانية عن ثورة مصر، بنظرة متشائمة –فى تقديرى - ليست من طبعه .
ولسميرأمين اجتهاداته فى سوسيولوجيا الدين والوضع الثقافى الاجتماعى للأديان الثلاثة وفي كتبه : ( أزمة المجتمع العربى – نحو نظرية للثقافة ) يبرز رأيه حول الإسلام السلفى باعتباره مثالا للتمركز الأوربى حول الذات معكوسا ، لان الرفض الإسلامى لنمط غربى متفرد وثابت طرح مقابله نمطا دينيا أصوليا ثابتا بدوره فارضا تصورات لهوية جامدة تمثل تمركزا معكوسا حول الذات بدوره ، خلافا لأى فكر اجتماعى يسهم فى تطور المجتمعات وإبداعها الحضارى ، ولتنتهى الحركة السلفية هذه الى غطاء للإسلام السياسى الذى لم يجد حرجا فى موقفه المضاد للثورة فى مصر متعاونا مع الغرب والرجعية ( ثورة مصر 2011)
إن التعرض لتقديم سمير أمين ليس مسألة سهلة، فما بالكم وأنا أقدمه فى محفل مثل هذا يعج بعارفيه وناقديه ومحبيه... لكننى قصدت الاقتراب به لجمهور آخر من الشباب والقوى الصاعدة فى هذا البلد القلق، أحيلهم لأحاديث سمير امين العالم والناشط، بأمل أن يصل قريباً ليكون وسطهم، وبأن يعودوا بأنفسهم لأكثر من أربعين مؤلفاً وأكثر من مائتى بحثً معظمها الآن بالعربية إلى جانب ما نشر بالفرنسية والإنجليزية والصينية وعديد من اللغات الأخرى لمن استطاع إليها سبيلا....
وأنى لأكرر شكرى على منحى هذه الفرصة التى أمل أن أكون قد وفيت فيها ببعض دينى للأصدقاء ولسمير أمين بما قدمته من جهد متواضعً خلالها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.