فاجأ الرئيس السوداني عمر البشير كثيراً من المراقبين للشأن السياسي السوداني في داخل السودان وخارجه، بزيارة خاطفة إلى جوبا، حاضرة جنوب السودان يرافقه وفد وزاري رفيع، التقى خلالها بالرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت، وحرص على الإطلاع بنفسه على تفاصيل الأوضاع في جنوب السودان، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي ما تزال تداعياتها مستمرة في بعض مناطق الجنوب. وكانت هذه الزيارة المفاجئة في رحم الغيب قبل يوم أو بعض ساعات من الإعلان عن زيارة الدكتور برنابا بنجامين وزير الخارجية الجنوبي إلى الخرطوم، لتسليم الرئيس عمر البشير رسالة من نظيره سلفا كير ميارديت، وإطلاعه على مجريات الأحداث والأوضاع في دولة جنوب السودان. لكن الرئيس البشير آثر أن يكون إطلاعه على الأوضاع في الجنوب بعد الأحداث التي شهدتها البلاد هناك، مباشرة من الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت. وحرص الرئيس البشير على تأكيد أهمية استقرار جنوب السودان على استقرار السودان، لأن الاضطرابات هناك تنعكس آثارها الضارة وتداعياتها السالبة على الأوضاع في السودان، لا سيما في مناطق التماس الحدودية، لجوءاً، واضطراباً، وزعزعةً للأمن والاستقرار. وأحسب أن هذه الخطوة تأتي متلازمة مع التفكير السوداني للنظر إلى جنوب السودان بعد انفصاله في البعدين المهمين، الأول: البعد الإستراتيجي. والثاني: البعد التكتيكي، فلذلك لا بد أن يُنظر إلى هذه الزيارة في هذين البعدين المهمين في التعاطي مع الشأن الجنوبي، والتفكير الإستراتيجي الصائب في ضرورة تمتين العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، والتأكيد على المصالح المشتركة، التي يجب مراعاتها من قبل الشعبين الشقيقين. أخلص إلى أن النتائج التي تمخضت عنها هذه الزيارة، أكدت أهمية التقارب بين البلدين، في ذلك أن البعض طالب بالحياد في هذه الأحداث، ولكن الحياد قد لا يكون مفيداً في مثل هذه الأمور، إذ أنه من الضروري أن يكون السودان نشطاً فاعلاً في الشأن الجنوبي، ولا يتركه للأفارقة وحدهم، أو بغض الطرف عن التدخلات الأجنبية، خاصة الأميركية والأوروبية، وهذا لا يمنع أن يتدخل في هذه الأحداث وسيط فاعل، من خلال معرفة خيوط القضايا الجنوبية كافة. وأحسب أن خطوة الأخ الرئيس البشير زاوجت بين الإستراتيجية والتكتيكية. ومن الضروري أن تكون هذه المزاوجة بحكمة وحصافة، وتكون نتائجها خيراً لكل من السودان وجنوب السودان. وقد تكون هذه الخطوة ضمن خطوات الحياد الإيجابي بأن تبذل جهوداً للقاء بين الأخ الرئيس عمر البشير وريك مشار في إطار المساعي الحميدة لاحتواء أزمة جنوب السودان، من خلال كسب ثقة الطرفين لإحداث التقارب المطلوب، ومن ثم تحقيق المصالحة الجنوبية- الجنوبية، لتكون مدخلاً مهماً من مداخل توثيق العلائق بين البلدين، وتوطيد أواصر الأخوة بين الشعبين الشقيقين.