على الرغم من أن الوسائط الإعلامية المحلية في جنوب السودان، تتحدث عن هدوء حذر يخيّم على العاصمة الجنوبية، جوبا، إلا أنَّ الأخبار تترى من الخارج تتحدث عن تجدد الاشتباكات، عقب يوم واحد من إعلان الحكومة الجنوبية عن قضائها على المحاولة الانقلابية التي أحبطها جيش الجنوب أول من أمس (الإثنين). وأحسب أن حصيلة الاشتباكات من القتلى والجرحى متضاربة، ولكنها في كل الأحوال تثير المزيد من القلق على استقرار الجنوب، والخِشية من دخول هذا البلد إلى صراعات دموية، تقربه من مفاهيم الصوملة ومعانيها. إذ إن الصوملة بات مصطلحاً يهدد كثيراً من مناطق العالم التي تشهد صراعات دموية تُنزل هذا المصطلح منزلة الحقيقة والواقع، وذلك من خلال إحداث مقاربة لما حدث في الصومال من صراعات دموية، واضطرابات إثنية، واشتباكات قبلية، جعلته يتصف بصفة مشتقة من اسمه تعني القلاقل والاضطرابات والفوضى وعدم الاستقرار، ومن ثم تفكك بنيان الدولة وهيبة السلطان. ومن الضروري أن تسارع حكومة جوبا إلى نفي أن الاشتباكات الجارية هي تقدمة لإرساء دعائم الصوملة، لذلك نجد الدكتور برنابا ماريال بنيامين وزير خارجية جنوب السودان، يؤكد في تصريحات صحافية أمس (الثلاثاء) أن قوات الأمن تعمل حالياً على التخلص من بقايا أنصار ريك مشار نائب الرئيس السابق. بينما في الوقت نفسه، يقول عمال إغاثة في عاصمة جنوب السودان إنهم يسمعون صوت إطلاق الرصاص بصورة متقطعة في المدينة، وما يزال حظر التجوال ليلاً سارياً، وأفادت الأنباء باعتقال عدد من القادة الجنوبيين بتهمة اشتراكهم في المحاولة الانقلابية التي أحبطها الجيش الجنوبي الموالي للرئيس سلفا كير ميارديت، عقب اشتباكات استمرت لساعات طوال خلال يومي أول من أمس وأمس. أخلص إلى أن المحاولة الانقلابية، أثارت قلقاً واضحاً لدى الكثير من الدول الأفريقية المجاورة، وبالأخص السودان، إذ إن الاضطرابات وعدم الاستقرار الذي ينجم عن هذه الاشتباكات الدموية والصراعات القبلية صوملة الجنوب، ومن ثم انسحاب هذه الصوملة إلى الدول الأفريقية المجاورة، والتأثير السلبي من جراء الاضطرابات وعدم الاستقرار في نزوح الآلاف من اللاجئين إلى تلك الدول، لا سيما السودان، هرباً من جحيم الاشتباكات الدموية. وقد اعتاد أهل الجنوب النزوح لاجئين ونازحين إبان الحرب الأهلية في جنوب السودان تجاه الشمال إبان وحدة الشمال والجنوب، وسيكون الحال أشد وطأة بعد الانفصال، إذ سيتجه الجنوبيون زُرافاتٍ ووحداناً إلى السودان بحثاً عن الأمن والأمان والاستقرار. ومما لا ريب فيه أن التوترات العرقية والصراعات القبلية في جنوب السودان، ستدفع الكثيرين إلى الهروب الكبير تجاه السودان، مما يعني مضاغطات اقتصادية واجتماعية يصعب على السودان في ظروفه الحالية استيعابها. فالصوملة إذا أرخت أسدالها على جنوب السودان، لا شك أنها ستسبب ضرراً كبيراً على السودان، وعلى استقرار المنطقة بأسرها. فلا غرابة، أن سارع الأخ الرئيس عمر البشير إلى الاتصال هاتفياً بالرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت للاطمئنان على الأوضاع الأمنية عقب الأحداث التي شهدتها مدينة جوبا أول من أمس، مؤكداً أهمية استتاب الأمن والاستقرار في دولة جنوب السودان، لما فيه مصلحة شعبي البلدين الشقيقين. وقد أفاده سلفا كير أن الأوضاع تحت السيطرة، شاكراً له اتصاله واهتمامه بمجريات الأحداث في جوبا. وكذلك حرص الأخ الفريق أول بكري حسن صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية على الاتصال بجيمس واني إيقا نائب رئيس دولة جنوب السودان للاطمئنان على الأوضاع الأمنية في جوبا. وأكد الجانبان أهمية استتاب الأمن والاستقرار في المنطقة، لما فيه مصلحة شعبي البلدين الشقيقين. من هنا يتضح لنا، إدراك السودان حكومةً وشعباً أن صوملة جنوب السودان خطر داهم على البلاد، لذلك يحرص السودان على استقرار جنوب السودان وتمتين العلاقات بين البلدين، لأن مصيرهما واحد، على الرغم من الانفصال الذي أحدث شرخاً في نفوس الكثيرين. عليه من الضروري أن يتعايشا في سلام وأمن واستقرار، والعمل جاهدين، شمالاً وجنوباً، لمصلحة البلدين، وصالح الشعبين.