مرة أخرى ، تألقت قناة النيل الأزرق حينما اتحفتنا يوم الخميس الماضي بنقل سهرة غنائية سودانية رائعة من النادي الألماني بالخرطوم، حيث قدم شاعرنا الكبير المبدع السر قدور حلقة غنائية ممتعة ، حفلت بالعديد من الفواصل الغنائية الرائعة فقد تألق نادر خضر في أغنية "أبنى عشك يا قماري" والتي قدمها السر قدور تقديماً سياسياً فنياً ممتازاً حينما أشار إلى أن الفن السوداني هو من انتاج أهل الشمال والجنوب معاً بدليل أن أغنية "ابني عشك يا قماري" ذات الكلمات الرقيقة الرائعة هي من إبداع الشاعر الجنوبي عبد المنعم عبد الحي ، وأبدع المتألقان عاصم البنا وجمال فرفور في أغنية "المهرجان" التي كتب كلماتها الجميلة السر قدور واضافا وهجاً جميلاً لتلك الأغنية المتوهجة أصلاً في كلماتها الرائعة ولحنها الأروع! أما الفنانات الثلاث منار صديق ورماز ميرغني وأفراح عصام فقد نجحن في تحويل خميس الغربة إلى سهرة خرطومية رائعة قل أن يجود الزمان بمثلها ، فقد كانت منار صديق مناراً فنياً حينما أبدعت في أداء أغنية "الشوق والريد" التي قدم لها السر قدور مقدمة مؤثرة حينما ذكر أن الفنان العظيم الراحل المقيم الكاشف قد تنازل له عن كامل أجر الأغنية بعد أن قال له ما يفيد بأنه سيجني منها الكثير فيما بعد! أما أفراح فقد أفرحت الوجدان حينما غنت أغنية "والله وحدو بينا البارحونا وراحو" ولو كانت لنا أجنحة لطرنا عبر الفضاء وهبطنا على حين غرة في النادي الألماني لنستمع إلى ذلك الأداء طازجاً وليس منقولاً على الهواء، أما رماز فقد كانت رمزاُ فنياً راقياً حينما غنت أغنية "مبروك عليك الليلة يا نعومة" وهي أغنية تراثية رائعة لم تزف أي عروس في السودان إلا على أنغامها الرائعة! ولا ننسى هنا أن نشيد بشدة بأعظم الموسيقيين السودانيين محمدية واسماعيل ومليجي وسعد الدين الطيب وعمر قصاص وعوض أحمودي، فأوتار هؤلاء هي التي نغمت أداء المطربين والمطربات وموسقت الجمل والمفردات ، فلهم كل التقدير ونذكرهم بالطرفة الرائعة التي مفادها أن موسيقاراً قد أصبح رئيس دولة فعاتبه أحد قدامى العازفين بقوله "من موسيقار إلى رئيس دولة" وإشار في المرة الأولى إلى السماء وفي المرة الثانية إلى الأرض! ولعل الحضور يحتاج إلى بعض التعليقات فقد اجتمع الهرم السياسي ممثلاً في الزعيم السوداني الصادق المهدي مع الهرم المسرحي ممثلاً في علي مهدي فامتزجت السياسة بالفن على نحو لطيف أما مستوى الجمال السوداني فحدث ولا حرج فقد كان رهيباً إلى درجة أن كثير من المغتربات قد قررن فرض حظر على أزواجهن ومنعهم من زيارة السودان في كل الإجازات القادمة! أما ختام السهرة القدورية الرائعة التي احتفت واحتفلت بديوان "الشوق والريد" للشاعر الكبير السر قدور فقد كان مسكاً سودانياً خالصاً فقد امتزجت أصوات العنادل مع أصوات البلابل وغني الجميع أغنية "أنا أفريقي أنا سوداني" وكدنا أن نخرج إلى شوارع الغربة ونردد ذلك المقطع بأعلى صوتنا، ولعل المرء لا يبالغ مطلقاً إذا أكد أن جودة الغناء السوداني في النادي الألماني في تلك الليلة المبهرة كان بجودة سيارات مرسيدس بنز الألمانية وربما فاق جودتها بمراحل! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر