في غُدُوِّهِ ورَواحِه بين المحبرة والورق يلثم الأسطُرَ شرابَ قطا ، وهو المُتخَمُ حدَّ الغثيان بمَرَق الألم وثريد الخيبات ..المُثْقَل بدَيْن الأرَق وغَلَبة الكفاف وعجز المَقال أمام حُجَّاب الوَقْر المُتغطْرسين و عَسَّس الصَّمَم البُلَهاء .. وقهْر التجاهُل من أنصاف المجهولين في حلْقة النسيان الكُبرى ، يكْفر القلم بالبيان والمعاني والبديع .. يجمع الحروف الأبجدية كُلَّها ..يُدخلها حظيرة الصمت اللعين .. يتحسَّس سِنَّتَه الحادَّة .. يكتب عجْزَ بيت (البُحتري) على إنسان العين السِّحْريَّة الرابضة على وجه باب السلاطين المُوصَد على مِصراعَيْهِ حذَر ظلال الحروف ، يكتُبُ لا على سبيل السُّخريَّة ولا نَبْشاً للشبكية والقُرنية بمداد النكاية الإشعاعية ! ولكن لاستبدال الأعلى بالذي هو شرٌّ :( كفاني نَداكُم عن جميعِ المَطالبِ) ! الصرير المبحوح لباب النجَّار المخلَّع الذي يُنبئُ بكثرة الداخلين غوايةً والخارجين بلا عودة كزبائن ماخور رخيص يُصبح نغمةً في أذْن الهاتف الغيبي ..إذْ كلَّما همَّ بمهاتفة هائمٍ ؛ همَّ به الصريرُ الواهن ..فما انفكَّ أصحابُ الخطوةِ سائحين في بساط النعيم ..غُرَّاً مُحجَّلين مِن سَهْكِ الجِباهِ على أعتاب السلاطين ، ونُدوب الدمامل جرَّاء الخلاخيل والقيود جيئةً وذهاباً بين البطانات والحواشي عبر الباب الصبور اللاهج دوماً يتغريدة (مطر) : يَكشِطُ النجّار جِلدَه.. فيتألم بصبر يمسح وجهَهُ بالرَّمل فلا يشكو يضغط مفاصِلَه فلا يُطلق حتى آهة يطعنُهُ بالمسامير فلا يصرُخ مؤمنٌ جدّاً لا يملكُ إلاّ التّسليمَ بما يَصنعهُ الخلاّق ! بقدْر حاجة المتون لاستنفار غوغاء الحواشي ودُهَماء الشروحات ؛ تتَّسِع شروخات الباب المُتهالك وتتفرَّق أنَّاته أيدي سبأ بين قبائل الجعجعة وبُطون (البدون) طحين ! والرَّحى هو الجهة التنفيذية الوحيدة المُخوَّل لها طحْن الجوعى لإطعام المُتخمين .. والمُتخمون بعِظام الموتى لا يتقيَّأون قعقعاتهم إلاَّ لاستيعاب المزيد من الهالكين ، ليس تلذُّذاً بالعذاب فحسب ، إنَّما لحفظ حيواتهم وتعبيد طُرُق فارهاتها وإفساح المجال لتشييد شاهقاتها وتمكين أذيال ضِبابِهم من تقييد معيز رعاياهم لتُصبحَ أثداءها فَيْأً لأفواههم ! خسئتْ أفواهٌ لا تنضح ألسنتُها بعبَق الحقِّ .. ولا تنبت على شِفاهها أزاهر الحُبِّ شهوداً عُدولاً على الإيمان المُفضي إلى العدْل المطلق !بئس أفواهٌ فاغرةٌ على المنابر لا للدهشة أو احتلاب الاندهاش ولكن لازدراد سُحْتَ المَيْن ونطيحة النفاق المُبين ! ومن ثمَّ إصدار وتصدير الوهْم على صهوات سراب الفرضيات حتى ينزعنَّ المرءُ من حلْقِ أخيه لُقمةً كانت في طريقها إلى جوْف مسغبته ! بل إغاظته بالتلمُّظِ والتلويح بلسان الجشع .. هذا إذا لم يتم حرمانه بدءاً من المرور بشارع الوليمة ! ومن معاني الوليمة الحديثة ؛التهام الوطن من الداخل واحتساء أوردة حياته أنهُراً ودماء .. ثم الرقص على أشلاء كرامته والنُّقزان الأبنوسيّ أو السبَّابيّ فوق رُكام أخلاقه الفاضلة ! الرُّكام الذي لا تقف وسطه إلاَّ جدارية (درويش) .. تقف واضعاً مظلَّة راحة يدك فوق حاجبيك لتقرأ : أَنا لستُ مني إن أَتيتُ ولم أَصِلْ أَنا لستُ منِّي إن نَطَقْتُ ولم أَقُلْ أَنا مَنْ تَقُولُ له الحُروفُ الغامضاتُ : اكتُبْ تَكُنْ ! واقرأ تَجِدْ ! واذا أردْتَ القَوْلَ فافعلْ ، يَتَّحِدْ ضدَّاكَ في المعنى ... وباطِنُكَ الشفيفُ هُوَ القصيدْ !