شهد الملتقى الأول للمستثمرين الوطنيين الذي نظمته وزارة الاستثمار واتحاد العمل السوداني في الأسبوع الماضي جدلاً واسعاً، وخلافاً محتداً، إذ تستنكر الحكومة هجرة المستثمرين الوطنيين باستثماراتهم إلى إثيوبيا وإمارة دبي، دون المساهمة الفاعلة في توطين الاستثمارات السودانية. مما يعني أن هذا اتهاماً مبطناً لهؤلاء المستثمرين الوطنيين الذين نقلوا استثماراتهم أو يفكرون في نقلها إلى تلكم البقاع، تاركين وطنهم بلا استثمار، لذلك سارع بعض هؤلاء المستثمرين الوطنيين إلى الدفع عن هذا الاتهام، وتبرير هجراتهم الاستثمارية، بانتقادٍ واضح وبيّن لسياسات الحكومة تجاه الاستثمار والمستثمرين. وأحسبُ أن عدداً منهم ركز في انتقاداتهم على الإجراءات الإدارية المتبعة، والبروقراطية المتشددة في التعامل مع هؤلاء المستثمرين واستثماراتهم، ناهيك عن بعض القصور في جوانب مهمة للبنية التحتية التي ينبغي أن تهيئها الحكومة للاستثمارات في السودان، وطنياً وأجنبياً، إضافةً إلى الرهق الضريبي وغيره الذي يجعلهم أكثر حرصاً على المهاجرة دون توطينٍ لاستثماراتهم. واستوقفني في هذا الصدد، ما أقر به الأخ علي محمد الحسن أبرسي ممثل اتحاد أصحاب العمل السوداني، وأحد كبار المستثمرين الوطنيين، بإغلاق منافذ دعم القطاع الخاص، وإصابة مدخراته بالانهيار في سياساته الخارجية، مما أدى إلى خروج 1500 مستثمر إلى دبي وإثيوبيا، مؤكداً أن كل المنافذ التي كان يتحصل منها المستثمر الوطني على موارد النقد الأجنبي أُغلقت تماماً. وقال أبرسي مستنكراً لا سبيل لنا سوى التعامل مع قرارات الدولة، واصفاً إياها بقرارات مضرة للاستثمار بصفة خاصة، وللاقتصاد بشكل عام. وأحسبُ أن ما أورده الأخ أبرسي إن كان صحيحاً، يحتاج إلى مراجعة سريعة من قبل الجهات المعنية، في مؤسسة الرئاسة ووزارة الاستثمار. وأخطر من ذلك أنه كمستثمر وطني دب فيه شعور خطير، ألا وهو أن الدولة ليست من أولوياتها إصلاح الاقتصاد، وتشجيع الاستثمار. وأضيف من عندي، لهواجس الأخ أبرسي أن بعض المستثمرين الوطنيين استسهلوا المغامرة باستثماراتهم في بلاد إفريقية، لم يُعرف عنها أنها كانت من قبل موطناً للاستثمار الأجنبي، لأن فيها قدرٌ من الخطورة على الاستثمارات الأجنبية، ولكنني فُوجئت في إحدى المناسبات أن صديقاً من رجال الأعمال كان يتحدث إليَّ عن مناخ الاستثمار في رواندا التي خرجت من حرب أهلية قضت على الأخضر واليابس، ناهيك عن ملايين البشر، بأنه بدأ في الاستثمار في تلكم الدولة الأفريقية، وغيره من المستثمرين السودانيين كُثر. فاليوم أصبحت رواندا قبلة للمستثمرين من مشارق الأرض ومغاربها، ومن بين هؤلاء المستثمرين السودانيين الذين وجدوا فيها ضالتهم وما افتقدوه في بلادهم، من أجواء مهيأة للاستثمار. أخلصُ إلى أن الأخ الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل وزير الاستثمار، من الضروري عليه مراجعة سياسات الاستثمار للعمل على جلب الاستثمار الوطني قبل استقطاب الاستثمار الأجنبي الذي يحتاج أيضاً إلى مراجعات وسياسات جديدة. ولا يمكن أن نكثر البكاء على الأطلال، بادعاء أن المستثمرين الوطنيين هاجروا باستثماراتهم إلى إثيوبيا، ورواندا ودبي، دون أن نعمل على الأرض تغييرات مهمة، تشجع أولئك المهاجرين على إعادة استثماراتهم أو مضاعفتها في وطنهم السودان. وهذا لن يتأتى بعقد الملتقيات والسمنارات والندوات، بل بالقرارات الشجاعة والإجراءات الجريئة. ونستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ". وقول أمير الشعراء أحمد بك شوقي: وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُمْ رِكابا