لا شأن لي بالدخول في تعريفات و مفاهيم الطب النفسي ، العصبي و العقلي أو تحديد الفوارق الضئيلة بينها و لكننا نعرف ظواهر تلك الأمراض، البين منها و الظاهر للعيان: من تحول في سلوك الفرد السوي أو إضطراب يتمثل في الشرود ،الإنزواء و الإبتعاد عن الناس ،و ربما شئ من العنف و ثورة غضب و في أحيان أخري نري رجفان،إرتجاج أو حالة إغماء و تشنج كما في مرض الصرع. ما يعنينا كأفراد و مجتمع حديث و ما يهمنا هو توفير أفضل فرص للعلاج و الشفاء و بيئة طيبة للعاملين، من أطباء و مساعديهم و الممرضين و الممرضات و غيرهم من الكوادر الطبية. تعرفتُ علي مراكز العلاج النفسي و العقلي من الزيارات مع أخي المختص في هذا المجال من الطب أثناء عمله في مستشفي التجاني الماحي و مستشفي بحري( طه بعشر حالياً)، كما سمعتُ منه عن مصحة كوبر و بعض قضايا الطب النفسي و مشاكله في السودان. في مستشفي التجاني الماحي كنت تري الفنان الرقيق عبد العظيم حركة و هو يغني و عزف و من حوله المرضي و هم يتغشاهم الحبور و ينسون الهموم –عطاء و سخاء دون أجر أو مال –وقتها كانت بنود الصرف حازمة و صارمة لا يمكن تخطيها ! أما الآن فحال تلك المشافي يحزن. و لكن الأطباء يعملون ما في وسعهم لوضع المرضي في طريق الشفاء و التعافي مع معاونيهم . إزداد عدد الأطباء حالياً في كافة المستشفيات و قبل عقدين أو ثلاث لا تجدهم يزيدون عن العشرة و هم معروفين في كافة أحاء البلاد و أضحي بعضهم نجوماً مثل التجاني الماحي و بعشر.الآن نجد عدداً كبيراً من النساء و هو أمر كان مفقوداً،ومنهن نجوماً زواهر مثا د.ناهد محمد الحسن و ناهد جبرالله و غيرهن . إزداد الوعي كذلك بالأمراض النفسية و العقلية ولكن ما زلنا نحتاج للكثير من الجهد لإزالة الوصمة و لإقناع الناس لطلب المشورة و العلاج في مظانه.و رغم لجؤ أعداد من المواطنين للعلاج التقليدي إلا أن بعض الشيوخ يُرسلون المرضي للأطباء و المستشفيات و قد شاهدتُ أكداس من الأوراق لمرضي أرسلهم الشيخ الجعلي لأخي الطبيب، و لعله كان يرسل بعض المرضي للشيخ الجعلي- بعض المرضي ربما يفيدهم العلاج التقليدي – إيمان و ثقة كفيلتان حتي بشفاء أمراض عُضال ، أمرٌ ربما يعد من الإعجاز. تطور العلاج و ظهرت أدوية جديدة و بروتوكولات – مرضٌ مثل الصرع كانت تخيم عليه هالة من الأساطير و الأوهام و الخوف الذي يجعل كثير من الناس يفرون من المصروع و يتركونه يغالب أهوال الدماغ الذي تزايدت شحناته و تياراته الكهربائية عن حدها المألوف، مما يُدخل المريض في نوبة من الإضطراب و الإغماء ،غير أنها سرعان ما تزول و يعود المريض إلي حالته الطبيعية.مع إستخدام الدواء و إنتظامه أضحت مثل هذه النوبات جد قليلة و نادراً ما نراها و إذا ما حدثت فإن الناس يبادرون لمساعدة المريض. أما بيئة مستشفي بحري للأمراض النفسية و العقلية (طه بعشر) فتحتاج إلي عناية و رعاية –لإكمال المباني المتوقفة، للصيانة و التحسين و في تقديري ربما يحتاج الأمر إلي إعادة نظر في بناء مستشفي جديد بما يتلاءم مع المجتمع السوداني .إذ إن الوصمة ما زالت غلابة و كثيراً ما يترك المرضي دون علاج أو يرسلون إلي الشيوخ .ما زلنا نحتاج إلي إقناع كثير من الناس بأن الأمراض النفسية و العقلية مشابهة تماماً للأمراض الأخري كالملاريا و السكري.و يلخص هذه المفاهيم الخاطئة عمنا الشيخ البصير حيث يقول " مافي زول دخل هذا العالم و خرج منه" ! و هو توصيف سليم ،فإذا ما تحسن المريض و شفي، لن تتغير نظرة الناس إليه ! و قد لا يأخذون كلامه أو تصرفاته بصورة عادية - تماماً مثل محاولة إقناع الديك في المثل الشعبي المعروف " من يقنع الديك" و يا لها من دائرة شريرة ! ما زال بعض المرافقين يستخدمون الجنازير لحبس المرضي و يحمل بعضهم خراطيش المياه بديلاً للسياط ! قد يكون هذا الأمر دون علم الأطباء و العاملين .أما العنابر فهي مزدحمة و لا توفر الخصوصية أو بعضاً منها للمرضي و الأجواء المناسبة للتعافي و الشفاء.و يسعي الأطباء باذلين الجهد ومعهم مساعديهم من الممرضين و العاملين.غير أنه يُشترط وجود مرافق مع كل مريض و هو أمرلاٌ قد لا يتيسر لكل مريض مما يؤدي لإحجام أهل المريض عن طلب العلاج ! لذلك نري عدداً من المرضي يهيمون في الشوارع و في أوضاع مزرية و غير سارة ! ربما نحتاج لعلاج هذه الثغرة بزيادة أعداد الممرضين . لذلك أناشد الخيرين و الأطباء الشباب (رجال و نساء) للتحرك لإنشاء مستشفي يصمم ليتناسب مع المجتمع السوداني و تتوفر فيه البيئة المساعدة في التعافي و الشفاء بإذن الله. دعونا نحلم بمستشفي في مساحة كبيرة، أشبه بالمنتجع ، حيث تتوفر فيه غرفة و برندة علي الأقل لكل مريض و مرافقيه و مساحة خضراء ، معزولة في إطار منفتح علي بقية الخدمات و المنافع مثل المطعم و الصيدلية و العيادات مع المناطق المشتركة للترفيه و ممارسة الأنشطة الرياضية: قرية صغيرة نبنيها لهؤلاء المرضي في سخاء و كرم أصحاب المال من أبناء و بنات السودان . قرأت اليوم إحتفال الكاردنال بإفتتاح مسجدين، أحدهما بالخرطوم و الآخر لأهلنا في إثيوبيا الشقيقة.مثال للعطاء و الإنفاق! و مثل هذا العمل أوجبُ! ونجد في أم درمان مستشفي الوالدين ، شيده كمال حمزة ، ذكري لوالديه و لطب العيون خاصةً و بالقرب منه مركز لغسيل الكلي – عملٌ خالص للناس و الوطن و يجد هذا المستشفي إقبالاً كبيراً من المرضي.مثال آخر للعطاء. و في الخرطوم نجد إبراهيم مو و زوجته يتعاونان علي تشييد صرح ضخم لسرطان الثدي و قد تم تزويده بأحدث جهاز لفحص السرطان مبكراً. و لعل قصة نجاح مزارع ألبان أسامة داؤود كان مبعثها المرض و طلب الشفاء –لعلاج القرحة أوصي الأطباء بنشاط جانبي لتربية الأبقار و رعايتها و بدأ بخمسين ربت و نمت لآلاف و مشروع ضخم لإنتاج الألبان و مشتقاتها ، تغزو الآن أسواق العاصمة.و آخرين كُثر،قدموا للناس و للوطن. دعوة لهؤلاء السادة و كل الخيرين لتكوين مجموعة لأصدقاء مرضي النفس و العقل و الأعصاب. و ليكن معهم عدد من الأطباء و كثير من الفنانين و العازفين علي أجهزة الموسيقي.و الشيوخ. ليكن المستشفي مركزاً متطوراً لعلاج الأمراض النفسية و العصبية و العقلية و مركزاً للتميز في البحوث و لمعالجة الإدمان.عملٌ نأمل أن يعيد السودان للريادة و ليصبح مزاراً للتعرف علي أفضل الأساليب في الممارسات الطبية الحديثة و في الطب الشعبي والطب البديل. وعلي الإخوة في الإعلام التبشير و التحرك لتسليط الضوء علي الأوضاع الحالية و للتعجيل بالعمل المقترح. وعشمنا في الحكومة كبير ممثلة في وزارة الصحة و وزيرها الشاب ابو قردة.وفي سلطات الأراضي.و كل الجهات الأخري . [email protected]