نختتم اليوم (الخميس) حديثنا عن جوانب التغيير في شهر رمضان المبارك، وضرورة استغلال المسلم فرصة رمضان الطيبة لإحداث تغيير في بعض جوانب السلوك وتقويمها، وإصلاح النفوس وتهذيبها، لا سيما وأن شهر رمضان يساعد كثيراً في الاعتناء بجوانب التغيير السلوكي طوال هذا الشهر الفضيل، والمطلوب الاستفادة القصوى من مدرسة الصوم لتحقيق التقوى التي يسمو فيها المسلم إلى الرقي في سلم الرفعة الروحية والأخلاقية. وكنا قد تحدثنا بشيءٍ من التفصيل في علاقة المسلم بخالقه خلال هذا الشهر الكريم. وذَكَّرنا أنفسنا وغيرنا بأن الطاعات والقُربات ليست محصورة بشهر واحد، فهي متاحة في كل أشهر العام، فطريق التغيير يكون من خلال الاستمرار في أداء هذه الطاعات من خلال التدرج في المداومة عليها طوال أشهر العام. وأحسبُ أن من العلاقات المهمة التي ينبغي أن يراعيها المسلم في شهر رمضان، ومن ثم التزود منها للأشهر المقبلة، هي علاقة المسلم بمجتمعه، وهي علاقة يجب أن تكون فاعلةً، فيجب الاعتناء بجوانب العلاقات المجتمعية بين الأفراد من خلال صِلتهم، وبرِهم، ونُصحِهم. ومن الضروري أيضاً في إطار علاقة المسلم بمجتمعه في شهر رمضان المبارك أن يتفقد المسلم ذا الحاجة من المسلمين، تنزيلاً لقول الله تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"، وتصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى". أما علاقة المسلم ببني جنسه، فمن الضرورات التي ينبغي أن تسود في شهر رمضان الكريم. وبالضرورة أن يحرص المسلم على أن يتمثل بدينه وأخلاق نبيه - صلى الله عليه وسلم - في علاقته مع غير المسلمين، لنجدد بأخلاقنا باباً للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهو ما يمثل روح الإسلام، إذ يقول الله تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ". أخلصُ إلى أن هذه بعض الجوانب التي ينبغي أن يتوقف عندها المسلم، ويعتني بها، ويهتم بتغييرها، في إطار سعيه الحثيث نحو التغيير الإيجابي في ظلال هذا الشهر الفضيل، مستفيداً من مدرسة الصوم في التعجيل والتيسير بالتغيير، وترسيخ مفاهيم وقيم أخلاقية في أنفسنا، ونجاهد من أجل أن نعلمها من حولنا، ليكون مجتمعنا مجتمعاً تسوده الإلفة والمحبة، وليكون رمضان خطوة أولى ضمن خطواتنا الجادة في سبيل تغيير أنفسنا، وتصحيح مفاهيمنا الدينية. ولنكن بهذا الجُهد الذي نأمل أن نكون قد بذلناه خلال شهر رمضان المبارك، خير أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولنكن بحق وحقيقة ممن قال فيهم الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله، وبديع آيه: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".