ما زلنا نواصل الحديث عن تصحيح مفهوم رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، بعد التأكيد على أن هذا الحديث من الأحاديث الضعيفة التي بينها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – يرحمه الله -. وأشرنا إلى أن هذا الحديث مروي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أنه قال: "خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في آخر يوم من شعبان قال: "أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيام نهاره فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلةٍ من الخير، كان كمن أدى فريضةً فيما سواه، ومن أدى فيه فريضةً، كان كمن أدى سبعين فريضةً فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يُزاد فيه رزق المؤمن، من فطّر فيه صائماً كان مغفرةً لذنوبه، وعتقاً لرقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئاً"، قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم عليه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يُعطي الله هذا الثواب من فطّر صائماً على تمرةٍ، أو على شربة ماءٍ، أو مذقة لبنٍ، وهو شهرٌ أوله رحمه، وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار". فيتبين ضعف إسناد هذا الحديث ومتابعته كلها ضعيفة، وحكم المحدثون عليه بالنكارة، إضافة إلى اشتماله على عبارات في ثبوتها نظر. واستوقف المحدثين بعض عبارات وردت في هذا الحديث، منها "من تقرب فيه بخصلةٍ من الخير كمن أدى فريضة"، وما هذا إلا دليل عليه، بل النافلة نافلة، والفريضة فريضة في رمضان وغيره. وفي الحديث أيضاً: "من أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه"، وفي هذا التحديد نظر، إذ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف في رمضان وغيره، ولا يخص من ذلك إلا الصائم، فإن أجره عظيم دون تحديد بمقدارٍ للحديث القدسي: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَُجْزِي بِهِ"، متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فينبغي الحذر من الأحاديث الضعيفة، والتثبت من درجتها قبل التحدث بها، والحرص على انتقاء الأحاديث الصحيحة في فضل رمضان، وفق الله الجميع وتقبل منا القيام والصيام وسائر الأعمال.