إسحق أحمد فضل الله يكتب: (اللغم يتكتك)    شاهد بالفيديو.. ناشط المليشيا الشهير عبد المنعم الربيع يفجرها داوية: (خالد سلك هو من أشعل الحرب بين الجيش والدعم السريع وليهو حق ياسر العطا يسميكم "أم كعوكات")    سلفاكير يؤكد على أهمية استمرار تدفق النفط من حقل هجليج    إنشاء مسالخ ومجازر حديثة لإنتاج وتصنيع اللحوم بين مصر والسودان وزيادة التبادل التجاري بين البلدين    رحيل ضابط بالجيش السوداني في القاهرة    مجلس الوزراء يجيز بالإجماع الموازنة الطارئة للدولة للعام المالي 2026    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة سودانية تشعل حفل غنائي بوصلة رقص فاضحة بمؤخرتها وتصرخ: "بنحب الركوب العالي" والجمهور: (النظام العام ما بنفع مع القونات جيبوا ليهم القوات الخاصة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات الوطن العربي من "اليمن وسوريا ولبنان وتونس" يتنافسن على ترديد الأغنية السودانية الترند "بقى ليك بمبي" وساخرون: (شكله متحور جديد زي الليلة بالليل نمشي شارع النيل)    محافظ بنك السودان المركزي : انتقال الجهاز المصرفي من مرحلة الصمود الي التعافي والاستقرار    الإمارات تسحب قواتها من اليمن    شاهد بالصورة.. ظهرت بفستان فاضح.. مودل سودانية تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة للجدل    الخارجية الإماراتية: نرفض الزج باسم الإمارات في التوتر الحاصل بين الأطراف اليمنية    نجم برشلونة يتصدر قائمة الأغلى في العالم 2025    الحكم بالإعدام على مشارك مع قوات التمرد بالأبيض    القوات الجوية السعودية تستهدف شحنة أسلحة إماراتية في ميناء المكلا كانت متجهة للانفصاليين    لماذا تجد صعوبة في ترك السرير عند الاستيقاظ؟    والي ولاية غرب كردفان ومدير شرطة الولاية يشهدان تخريج دورة حرب المدن لمنسوبي الشرطة بالولاية    لجنة الانضباط توجه انذار نهائي بشطب فريق ام دغينات من كشوفات الاتحاد    فلومو... أوع تلومو!    كواسي إبياه: التأهل عبر أفضل الثوالث حررنا من كل الضغوط ولن نرضى بغير النصر أمام البوركيني    إنشاء مطار جديد في الخرطوم    عبده فايد يكتب: تطور تاريخي..السعودية تقصف شحنات أسلحة إماراتية علنًا..    صراع النفوذ في القرن الأفريقي وإنعكاساته السالبة على الإقليم    التحالف: نفذنا ضربة جوية استهدفت دعما عسكريا خارجيا بميناء المكلا    الفنّانُ الحق هو القادر على التعبيرِ عن ذاتِه بما لا يخرج عن حدود خالقه    الخرطوم .. افتتاح مكتب ترخيص الركشات    السودان..مسيرات في الشمالية والسلطات تكشف تفاصيل المداهمة    رئيس الوزراء يهنئ المنتخب الوطني بفوزه على غينيا الاستوائية في بطولة الأمم الإفريقية    رونالدو يرفض الاعتزال قبل الوصول لهذا الرقم    5 أطعمة تخفف أعراض البرد في الشتاء    رياض محرز يقود الجزائر لتخطي بوركينا فاسو والتأهل لثمن نهائي أمم أفريقيا 2025    الحقيقة.. كرة القدم تجرّنا جرّاً    رئيس الاتحاد السوداني ينعي الناظر طه فكي شيخ    الجامعة العربية: اعتراف إسرائيل ب"إقليم أرض الصومال" غير قانوني    الجزيرة .. ضبط 2460 رأس بنقو بقيمة 120 مليون جنيهاً    الوطن بين احداثيات عركي (بخاف) و(اضحكي)    السودان يعرب عن قلقه البالغ إزاء التطورات والإجراءات الاحادية التي قام بها المجلس الإنتقالي الجنوبي في محافظتي المهرة وحضرموت في اليمن    لميس الحديدي في منشورها الأول بعد الطلاق من عمرو أديب    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نماذج من سحر الإبداع في البرمجة الإعلامية . بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
نشر في سودانيل يوم 25 - 07 - 2014

اختلفت التعريفات حول مصطلح الإبداع " Definition of Creative " و هذا راجع للتطورات التي تحدث في جميع الحقول المعرفية، كان في الماضي، التعريف مرتبط بالجهود الفردية و إمكانية الشخص في ابتداع أفكار جديد لتطوير ما هو قائم، و هذه تعتمد علي الملكات و القدرات " Skills " التي يوظفها الشخص في عمله، و لكن في المؤسسات الجديدة، بعد التطورات التي حدثت في الصناعة و الاقتصاد و الفنون و وسائل الاتصال، أصبح الإبداع مرتبط بالعمل الجماعي في تطوير و إيجاد حلول للمشاكل المطروحة في المجتمع و في المؤسسة، هذا الفهم الجديد جاء باعتبار إن البرنامج لا يعتمد علي مقدرات الشخص لوحده، أنما البرنامج تدخل فيه العديد من الآليات و الوسائل التي تؤدي لوحته النهائية، تبدأ من الفكرة و تطوير الفكرة، ثم المؤثرات الصوتية و التصوير و الإخراج و الإضاءة و غيرها إن كان في العمل الإذاعي أو في القنوات التلفزيونية، و في هذه المبحث سوف أخذ ثلاثة نماذج لثلاثة شخصيات إعلامية ارتبطت بالعمل البرمجي و الإخراجي، إبراهيم البزعي ، عماد الدين إبراهيم، و الشفيع عبد العزيز، و الثلاثة من خريجي معهد الموسيقي و المسرح، و بدأوا عملهم في مدرسة إذاعة أم درمان.
و سوف نتناول في الموضوع الخصائص الإبداعية، و القدرات الفنية و الثقافية و الإدارية التي استطاعوا أن يقدموها كإضافة، في مدرسة الإبداع الإعلامي في السودان، رغم شح الإمكانيات و ضيق فرص التدريب، و الاحتكاك مع قدرات أخري في مؤسسات إعلامية عريقة في العالم، و لكن رغم ذلك استطاعوا أن يقدموا نماذج نحتت صورها في الذاكرة الاجتماعية السودانية، و هؤلاء جاءوا و كل واحد فيهم يملك من الخيال ما يساعده علي ربط القضايا، و بعد نظر يري الموضوعات و القضايا بذاوية تختلف عن الإنسان العادي، و يؤسس لمساحة إبداعية.
يقول الكاتب و المؤلف البريطاني كين ربنسون عن الإبداع ( لا يمكن أن نحقن الناس أو نعطيهم جرعات من الإبداع، و لكن يمكن أن نمهد لهم الطريق، و نوفر لهم الإمكانيات و الوسائل التي تعينهم علي أن يخرجوا أقصي ما عندهم، لحل الإشكالية المطروحة أو تقديم أطروحة لتطوير ما هو موجود) و هذا التعريف يحدد إن الشخص الفنان هو الذي لديه نظرة تختلف عن الآخرين للظواهر التي حوله، و ربط بعضها ببعض للخروج بمنتج جديد أو رؤية جديدة تقدم حلا، و في العمل الإعلامي، يقوم علي كيفية توصيل الرسالة بكل يسر، لأكبر قطاع من الجمهور، و جذب هذا الجمهور لكي يتفاعل مع هذه الرسالة بشكل إيجابي.
و إذا نظرنا لهذه القاعدة، و حاولنا أن نطبقها علي الأستاذ إبراهيم البزعي، نجد إن البزعي بدأ مشواره الإعلامي في الإذاعة السودانية، التي هيأت له كل الفرص التي يستطيع أن يقدم فيها رؤيته الإبداعية، ليس من خلال العملية الإخراجية، أنما من خلال النصوص الدرامية، و توظيف المكون الثقافي السوداني كمادة أساسية لعملية البناء الدرامي لتوصيل رسالته لأكبر قطاع من الجمهور، كانت الفكرة الدرامية تحمل عددا كبيرا من الرسائل، و تتضمن أيضا محاولة لترسيخ مفاهيم جديدة لقراءة الواقع من خلال الثقافة، فخرج البزعي "ببلية مباشر " و كيف يقيلتو" و هي مفردات لها دلالات ثقافية، و إشارات حية في الذاكرة الاجتماعية السودانية، باعتبار إن البزعي كان يحاول أن يقدم الثقافة في ثوب درامي قشيب، مع استخدام للغة العامية السودانية، و توظيفها في فهم التاريخ للمجتمع السوداني، و لكن اللغة نفسها طوعها لكي تلاءم كل المستويات الثقافية الاجتماعية، حتى يزيل منها أي نوع من الملل.
وفرت الإذاعة للبزعي البيئة التي يستطيع منها، أن يواصل إبداعاته، عندما أرسلته مديرا لإذاعة كسلا و هي تعد انتقال جديد لثقافة جديدة، تضيف لصاحبها بعدا أخر بقضية التنوع الثقافي الذي يختزنه الرجل، و بيئة تساعد علي تطوير الخيال و توالد الأفكار، و أذكر إن الإذاعة أرسلتني ذات مرة لإذاعة كسلا لتدريب عدد من المحررين الذين يعملون في المؤسسات الحكومية، و كان مكان التدريب في إذاعة كسلا، و بالقرب من إذاعة كسلا، يوجد هناك جدولا كبيرا لمجري مياه الأمطار، و داخل هذا الجدول، هناك ساحات ثقافية متفاعلة مع بعضها البعض، ؛يث أتخذ البعض داخل الجدول مكانا لبيع القهوة و الشاي، و لكن كان المكان صورة زاهية لتنوع الثقافة و تبادل الأفكار للبعض الذين أصبحوا حضورهم شبه دائم في أوقات الصباح الباكر، و كانت هناك نكات تقال بشكل طبيعي دون تكلف، خاصة إن أهل تلك المنطقة يمتازون بسرعة البديهة، و التعليقات الساخرة، و يوفد إليه العديد من مكونات المنطقة الثقافية، و قد لاحظت أثناء تواجدي بينهم بعض الاختلافات الطفيفة في الملبس و وضع "الخلال" في الرأس، و جئت أحكي للبزعي عن ملاحظتي، و بصيغة الأمر قال " أنت بتحكي لي أنا ليه" بعدين المساء تعال أحكيها في الميكرفون يعني تسجلها برامج، قلت إليه نريد بعض الأخوة المتخصصين في ثقافة المنطقة، قال بصوت فيه عدم رضي "شنو يعني ناس متخصصين الناس العاديين ديل أحسن من يحكوا عن ثقافتهم من المثقفاتية" لكن هنا في إعلام الولاية يوجد الأستاذ محمد عثمان كجراي يمكن أن تستفيد منه، و كانت هذه أول معرفة بهذا الرجل الشاعر القامة " كجراي"عليه رحمة الله، و استطعنا تسجيل ثمانية حلقات فقط عن "الخلال و أزياء المنطقة" و مدلولاتها الثقافية" و هذا بفضل السيد البزعي، الذي يحمل رؤية ثاقبة في كيفية توظيف المكونات الشعبية، في أن تكون بناءات درامية إعلامية ناجحة، و يخلق جمهوره الخاص، و يختزن هذا الكم الهائل من المعرفةعن مكونات الثقافية الشعبية، و هي التي هيأته أن يكون أحد أعمدة ثقافة السلام في السودان، و يصبح مديرا لإذاعة السلام، يعتمد البزعي علي عاملين أساسيين في عملية الإبداع، العامل الأول كما ذكرت المخزون المعرفي الواسع بالثقافات الشعبية، و العامل الثاني استخدام الدراما في توصيل رسالته، أما في البرامج الحوارية، لا يميل للغة الجامدة أنما هي خليط بالعامية و لكنه يحملها مضامين واسعة من المعرفة المليئة بالإشارات الثقافية الشعبية، كما يعتقد البزعي إن لديه رسالة من خلال عمله مرتبطة ذات بعدين الأول، بعد وطني يؤسس لمنهج ثقافي جديد لتعايش تلك الثقافة مع بعضها البعض في تفاعل و تداخل " Cultural Interactions" يحدث نوع من أنتاج ثقافة جديدة تؤسس لثقافة وطنية.
و في مجال الإخراج يعتبر الأستاذ عماد الدين من الإذاعيين الذين يؤدون مهام بعيدا عن الضوضاء، و الرجل شاعر يمتلك ناصية اللغة و البيان، و عماد الدين من خلال متابعتي له في الإذاعة لا يعمل مثل الموظفين الآخرين، أن يأتي في السابعة صباحا و يعود بعد نهاية الدوام، و كان دائما يأتي بعد ما تفرغ الإذاعة من الموظفين و يبقي القليل، و يدخل مكتب الإخراج، و لا تشعر أن في ذلك المكتب شخص يعمل، كان يحب الهدوء الذي يصل مرحلة السكون المطلق، و كما عرف عماد الدين نفسه في احدي المقابلات الصحافية يقول عن نفسه ( أنا في الأساس موظف بالخدمة العامة منذ عام 1978 حيث عملت موظفا و مخرج بالإذاعة السودانية ثم تدرجت في عدد من الوظائف في معهد الموسيقي و المسرح ثم هيئة الإذاعة و تلفزيون الخرطوم هذا إلي جانب الإخراج المسرحي) و عماد الدين إبراهيم رغم أنه عمل في وظائف إدارية و استطاع أن ينجح فيها بذات أدوات الإبداع التي يعرف كيف يوظفها لتأدية مهامه، و لكن عماد الدين الذي أرتبط بالفنون الإذاعية و المسرحية، عمل في الحقلين مخرجا، و إن كان الإخراج الإذاعي هو الذي حدد ملامح عماد الدين الفنان و الكاتب و المخرج المسرحي، خاصة إن الإخراج في العمل الإذاعي يكسب الشخص مهارات عالية جدا، و استخدام كل طاقاته الإبداعية في نقل الرسالة للمستمع، و إن كان في المسرح الحوار مباشر مع الجمهور، و عماد الدين كان في العمل الإذاعي يميل لاستخدام التعابير الجمالية، التي تعتمد علي الدهشة، و استخدام الخيال لأقصي حد ممكن، لكي ينقل المشاهد عبر هذه الصور الجمالية، هذا التوظيف العالي للملكات ساعده في الانتقال بيسر إلي الإخراج في المسرح دون أية عناء، و الإذاعة يحتاج فيه الشخص لملكات استثنائية باعتبار أنك تتعامل مع جمهور متخيل مختلف في تكويناته المعرفية و الثقافية، و كل هذا الشتات الذهني و النفسي أنت مطالب أن تخاطبه بلغة الإبداع، و أن يستمر معك منذ بداية البرنامج حتى نهايته، هذا المتخيل يكلف الإذاعي إن كان معدا للبرنامج أو مخرجا أو مقدما أن يوظف كل ملكاته الإبداعية في الوصول للهدف، لذلك الذين يتخرجون من مدرسة الإذاعة في أم درمان، قادرين علي التعامل مع الإبداع في أية جهاز أو مؤسسة، أو أي عمل فني، هذه الرؤية تكسبها من الجو الإذاعي، و التنافس بين الإذاعيين المستخدم فيها لغة الإبداع، هذه هو الذي جعل عماد الدين مخرجا مسرحيا ناجحا.
وكما ساعد عماد في ساحة الفنون الإعلامية إن الرجل شاعر يمتلك خيالا مترعا بتفاصيل الطبيعة, و يظهر ذلك حتى في استخدام مفرداته التعبيرية، عندما يقول: جينا نخت أيدينا الخضراء، فوقك يارض الطيبين، يا بنوت الحلة العامرة، ابشرن بينا عديلة و زين، افتحن البيبان و الطاقة، امسحن الدمعة الحراقة، نحن البنحقق أمنينا، نزح الوجع المتحدينا، نشق الوطا نبل اشواقا. هذه التصاوير الجميلة و التعابير المليئة بالأحاسيس الندية الفياضة بالبشر و المستقبل، هي نظرة عماد الدين، في نهضة المجتمع، لذلك عندما اتجه لقضايا المجتمع قبض علي أهم ركن، يعتبر حجر الزاوية في النهضة هي المرأة، المرأة في واقعها في مساراتها الاجتماعية و هي تتحدي التحديات المفروضة عليها، لذلك كانت مسرحيات " نسوان بره الشبكة، برلمان النساء، بيت بت المني بت مساعد، ضرة واحدة لا تكفي" و هذه العناوين لوحدها تبين رسالة عماد الدين إبراهيم كإذاعي و كمسرحي، عماد يتناول قضايا المجتمع و يسبر غورها، و يعتقد إن اجتراح المشاكل و الظواهر هو نصف العلاج، لذلك اعتمد علي النظرية الواقعية في الفن في تناول موضوعاته، و المشكلة الأساسية التي تواجه عماد الدين هي العمل الإداري الذي سوف يؤثر علي عماد الدين الفنان.
ننتقل إلي ساحة أخري من الإبداع، و هو مزيج بين العمل الإذاعي و التلفزيوني، الأستاذ الشفيع عبد العزيز مدير البرامج في قناة النيل الأزرق، إن كنت قد عملت مع الأخوين السابقين و عاصرتهما في العمل، و لكنني لم احظ بالتواصل مع الأستاذ الشفيع و إن كنت قد قابلته مرة واحدة مع الأستاذ السر السيد، و إن كان تناولي للرجل لمتابعتي لبرامج قناة النيل الأزرق، في تناولها لعديد من الموضوعات، و يعتبر الأستاذ الشفيع العمود الفقري في القناة باعتباره مديرا لأهم قسم إدارة البرامج، و ليس معني أن يمثل الرجل العمود الفقري، إلغاء للآخرين بل لكل مجال اختصاصه الذي يمكن محاسبته عليه، و بناء قناة النيل الأزرق لجمهورها الخاص راجع، لاختيار البرامج و خاصة البرامج الفنية، و لا أريد أن أقول إن القناة تختص بالفنون، و كما قال الشفيع في أحدي لقاءاته الصحفية هي قناة متنوعة و ليست قناة منوعات، و الفرق في المعني كبير، و استطاعت القناة أن تحدد تفاصيل ملامحها و تخلق شخصيتها الاعتبارية، ليس بوضع يافطة علي المدخل، أنما من خلال إيقاعات برامجها الخفيفة الظل، و التي وجدت قبولا عند قطاع كبير من السودانيين داخل السودان و خارجه.
و هذا النجاح يعود للقدرات الإبداعية للمشرف علي البرامج، والحس الإعلامي في كيفية توصيل رسالته، و الشفيع كسب هذه الخبرة بمرجعيته الإذاعية، و مشوار الإذاعة الإبداعي، الذي يمثل قاعدة متينة استند عليها في مشواره التلفزيوني، و معروف في العمل الإذاعي، إن الإذاعة تنمي الخيال عند المبدعين، باعتبار علي المبدع توصيل رسالته إلي الجمهور المركب من نوعيات مختلفة من الناس، في ثقافاتهم و تعليمهم و مرجعياتهم، و كل هؤلاء يجب أن تصل إليهم الرسالة، و أن يتقبلوها جميعا و يتفاعلوا معها، هذه القدرات و الخيال تكسبها التجربة الإذاعية، و تجربة الشفيع مع برنامج " صباح و مساء الخير يا وطني" تشير إلي أن الرجل يمتلك قدرات متنوعة، باعتبار إن البرنامج يقوم علي الفكرة و الإيقاعات السريعة و الخفيفة، و في ذات الوقت أن تكون الرسالة مكتملة البنيان من حيث المحتوي و الشكل، و هذه تحتاج "لمود" إيجابي لا يتأثر بالمؤثرات الجانبية السالبة، و الشفيع نفسه يقول في لقاء صحفي، اعتمدت في برامج المنوعات علي البعد الإيقاعي المتسارع الغير كلاسيكي في العمل الإذاعي، و جئت بذات التجربة في التلفزيون، و هي المدرسة الأمريكية في العمل الإعلامي، و هي التجربة التي كما ذكرت في مقالات سابقة التي جاءت بإذاعات " FM " ذات الإيقاع المتسارع، لكي تقديم خدمة إذاعية سريعة للجمهور، جاء ذلك عندما ظهر التلفزيون كمنافس قوي للإذاعة, و إذاعات " FM" هي الإذاعات المسموعة للجمهور الغربي، و خاصة في سياراتهم الخاصة، و يعرفوا من خلالها أحوال الطقس و الأحداث و القرارات الحكومية المتعلقة بقضايا التعليم و كل الخدمات، في شكل كبسولات سريعة و تغريدات صغيرة الحجم، و انتقلت هذه الإيقاعات السريعة لبعض القنوات التلفزيونية في كسب قطاع واسع من الجمهور، و هي الفكرة التي اعتمد عليها الشفيع في برامج قناة النيل الأزرق، و يأتي الإبداع عندما تستطيع أن تطوع الموجود لكي يتلاءم مع حالات الناس الاجتماعية و النفسية، و تحتفظ بالجمهور لأطول وقت ممكن، من دون أن ينتابه الإحساس بتحريك المؤشر، أذن اختيار البرامج نفسه يحتاج لقدرات إبداعية عالية مستندة علي معرفة بالواقع و التحولات التي تحدث في المجتمع و طرق التفكير فيه.
و الإبداع يبدأ منذ تقديم فكرة البرنامج و محاورة مقدم الفكرة، في تصوره لكيفية تقديمها و معرفة احتياجاتها، و يقود الفكرة حتى تتلاءم مع إيقاعات القناة و سياستها التحريرية في البرمجة، و الملاحظ، حتى في البرامج السياسية، أو الفكرية تقوم علي ذات الإيقاع السريع، و لا تأخذ فترات زمنية طويلة تشعر المشاهد بالملل أنما هي جرعات قليلة، و لكنها تفتح أفاق في الحوار، مثل ذلك " حتى تكتمل الصورة" التي يقدمه الأستاذ الطاهر حسن التوم و كل البرامج التي يقدمها الأستاذ الطاهر، رغم أنها برامج تتناول العديد من الإشكاليات الفكرية و السياسية، و لكنها تعتمد أيضا علي الجرعات البسيطة، و لكنها تحمل ثقل من المضامين، و التي هي مسار جدل في المجتمع، كل هذا التنوع لابد من ضابط إيقاع يوازن بين احتياجات الجمهور و بين رسالة القناة، بين البرامج الترفيهية، و برامج المنوعات، و بين البرامج الأخرى التي يهتم بها جمهور الخاصة أو بمعني الصفوة. هنا تتجلي العبقرية الإبداعية إن تكون الخارطة البرامجية متوازنة تحدد شخصية القناة.
و العملية الإبداعية كما يقول الدكتور جابر عصفور ( إن عملية الإبداع لا تبدأ إلا بوجود انفعال يتخلق داخل الفنان إزاء واقع العالم الخارجي عليه، و أنه دون هذا الانفعال لا يمكن أن يوجد فن علي الإطلاق هذه بديهة لا يكاد يختلف فيها أحد)و يقول كولردج وبرجسون ( يرد الإبداع إلي ذات الفنان المتفرد و عالمه الداخلي و الانفعال العميق و جعله أساس التفكير العميق و المحرك للخيال في فعله الخلاق) و الإبداع كما جاء في مقدمة المبحث لا يقوم من فراغ أنما هو تطوير لاحتياجات قائمة في المجتمع بمنظور جديد و مقبول و يرضي الذوق العام، و أيضا هو تقديم حلول للمشكلات التي تواجه المجتمع و المؤسسة، و قيادتها بالصورة التي تحقق الرضي العام، و هي نماذج إبداعية في مسارات الحياة و الإعلام، نسأل الله لهم التوفيق.
نشر المقال في جريدة الخرطوم و هي سلسلة مقالات الإبداع في الإعلام و مشروع النهضة السوداني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.