كامل إدريس إلى الولايات المتحدة الأمريكية    حفل الكرة الذهبية.. هل يحقق صلاح أو حكيمي "المفاجأة"؟    القوز يعود للتسجيلات ويضم هداف الدلنج ونجم التحرير    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    شاهد بالفيديو.. مطربة سودانية تقدم وصلة رقص فاضحة وتبرز مؤخرتها للجمهور وتصرخ: "كلو زي دا" وساخرون: (دي الحركات البتجيب لينا المسيرات)    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة ترد على التيكتوكر المثيرة للجدل "جوجو": (شالت الكرش وعملت مؤخرة ورا ورا ويشهد الله بتلبس البناطلين المحذقة بالفازلين)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    تمديد فترة التقديم الإلكتروني للقبول الخاص للجامعات الحكومية وقبول أبناء العاملين    اللجنة المالية برئاسة د. جبريل إبراهيم تطمئن على سير تمويل مطلوبات العودة لولاية الخرطوم    الهلال والجاموس يتعادلان سلبيا والزمالة يخسر من ديكيداها    شاهد بالفيديو.. ظهر وهو يردد معها إحدى أغنياتها عندما كان طفل.. أحد اكتشافات الفنانة هدى عربي يبهر المتابعين بصوته الجميل بعد أن أصبح شاب والسلطانة تعلق    من سيحصد الكرة الذهبية 2025؟    مدير جهاز الأمن والمخابرات: يدعو لتصنيف مليشيا الدعم السريع "جماعة إرهابية "    كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستنفر    (في الهلال تنشد عن الحال هذا هو الحال؟؟؟)    ترمب .. منعت نشوب حرب بين مصر و إثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي    تدشين أجهزة مركز عمليات الطوارئ بالمركز وعدد من الولايات    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    الإرصاد في السودان تطلق إنذارًا شديد الخطورة    الزمالة أم روابة في مواجهة ديكيداها الصومالي    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نماذج من سحر الإبداع في البرمجة الإعلامية
نشر في حريات يوم 26 - 07 - 2014


زين العابدين صالح عبد الرحمن
[email protected]
اختلفت التعريفات حول مصطلح الإبداع " Definition of Creative " و هذا راجع للتطورات التي تحدث في جميع الحقول المعرفية، كان في الماضي، التعريف مرتبط بالجهود الفردية و إمكانية الشخص في ابتداع أفكار جديد لتطوير ما هو قائم، و هذه تعتمد علي الملكات و القدرات " Skills " التي يوظفها الشخص في عمله، و لكن في المؤسسات الجديدة، بعد التطورات التي حدثت في الصناعة و الاقتصاد و الفنون و وسائل الاتصال، أصبح الإبداع مرتبط بالعمل الجماعي في تطوير و إيجاد حلول للمشاكل المطروحة في المجتمع و في المؤسسة، هذا الفهم الجديد جاء باعتبار إن البرنامج لا يعتمد علي مقدرات الشخص لوحده، أنما البرنامج تدخل فيه العديد من الآليات و الوسائل التي تؤدي لوحته النهائية، تبدأ من الفكرة و تطوير الفكرة، ثم المؤثرات الصوتية و التصوير و الإخراج و الإضاءة و غيرها إن كان في العمل الإذاعي أو في القنوات التلفزيونية، و في هذه المبحث سوف أخذ ثلاثة نماذج لثلاثة شخصيات إعلامية ارتبطت بالعمل البرمجي و الإخراجي، إبراهيم البزعي ، عماد الدين إبراهيم، و الشفيع عبد العزيز، و الثلاثة من خريجي معهد الموسيقي و المسرح، و بدأوا عملهم في مدرسة إذاعة أم درمان.
و سوف نتناول في الموضوع الخصائص الإبداعية، و القدرات الفنية و الثقافية و الإدارية التي استطاعوا أن يقدموها كإضافة، في مدرسة الإبداع الإعلامي في السودان، رغم شح الإمكانيات و ضيق فرص التدريب، و الاحتكاك مع قدرات أخري في مؤسسات إعلامية عريقة في العالم، و لكن رغم ذلك استطاعوا أن يقدموا نماذج نحتت صورها في الذاكرة الاجتماعية السودانية، و هؤلاء جاءوا و كل واحد فيهم يملك من الخيال ما يساعده علي ربط القضايا، و بعد نظر يري الموضوعات و القضايا بذاوية تختلف عن الإنسان العادي، و يؤسس لمساحة إبداعية.
يقول الكاتب و المؤلف البريطاني كين ربنسون عن الإبداع ( لا يمكن أن نحقن الناس أو نعطيهم جرعات من الإبداع، و لكن يمكن أن نمهد لهم الطريق، و نوفر لهم الإمكانيات و الوسائل التي تعينهم علي أن يخرجوا أقصي ما عندهم، لحل الإشكالية المطروحة أو تقديم أطروحة لتطوير ما هو موجود) و هذا التعريف يحدد إن الشخص الفنان هو الذي لديه نظرة تختلف عن الآخرين للظواهر التي حوله، و ربط بعضها ببعض للخروج بمنتج جديد أو رؤية جديدة تقدم حلا، و في العمل الإعلامي، يقوم علي كيفية توصيل الرسالة بكل يسر، لأكبر قطاع من الجمهور، و جذب هذا الجمهور لكي يتفاعل مع هذه الرسالة بشكل إيجابي.
و إذا نظرنا لهذه القاعدة، و حاولنا أن نطبقها علي الأستاذ إبراهيم البزعي، نجد إن البزعي بدأ مشواره الإعلامي في الإذاعة السودانية، التي هيأت له كل الفرص التي يستطيع أن يقدم فيها رؤيته الإبداعية، ليس من خلال العملية الإخراجية، أنما من خلال النصوص الدرامية، و توظيف المكون الثقافي السوداني كمادة أساسية لعملية البناء الدرامي لتوصيل رسالته لأكبر قطاع من الجمهور، كانت الفكرة الدرامية تحمل عددا كبيرا من الرسائل، و تتضمن أيضا محاولة لترسيخ مفاهيم جديدة لقراءة الواقع من خلال الثقافة، فخرج البزعي "ببلية مباشر " و كيف يقيلتو" و هي مفردات لها دلالات ثقافية، و إشارات حية في الذاكرة الاجتماعية السودانية، باعتبار إن البزعي كان يحاول أن يقدم الثقافة في ثوب درامي قشيب، مع استخدام للغة العامية السودانية، و توظيفها في فهم التاريخ للمجتمع السوداني، و لكن اللغة نفسها طوعها لكي تلاءم كل المستويات الثقافية الاجتماعية، حتى يزيل منها أي نوع من الملل.
وفرت الإذاعة للبزعي البيئة التي يستطيع منها، أن يواصل إبداعاته، عندما أرسلته مديرا لإذاعة كسلا و هي تعد انتقال جديد لثقافة جديدة، تضيف لصاحبها بعدا أخر بقضية التنوع الثقافي الذي يختزنه الرجل، و بيئة تساعد علي تطوير الخيال و توالد الأفكار، و أذكر إن الإذاعة أرسلتني ذات مرة لإذاعة كسلا لتدريب عدد من المحررين الذين يعملون في المؤسسات الحكومية، و كان مكان التدريب في إذاعة كسلا، و بالقرب من إذاعة كسلا، يوجد هناك جدولا كبيرا لمجري مياه الأمطار، و داخل هذا الجدول، هناك ساحات ثقافية متفاعلة مع بعضها البعض، ؛يث أتخذ البعض داخل الجدول مكانا لبيع القهوة و الشاي، و لكن كان المكان صورة زاهية لتنوع الثقافة و تبادل الأفكار للبعض الذين أصبحوا حضورهم شبه دائم في أوقات الصباح الباكر، و كانت هناك نكات تقال بشكل طبيعي دون تكلف، خاصة إن أهل تلك المنطقة يمتازون بسرعة البديهة، و التعليقات الساخرة، و يوفد إليه العديد من مكونات المنطقة الثقافية، و قد لاحظت أثناء تواجدي بينهم بعض الاختلافات الطفيفة في الملبس و وضع "الخلال" في الرأس، و جئت أحكي للبزعي عن ملاحظتي، و بصيغة الأمر قال " أنت بتحكي لي أنا ليه" بعدين المساء تعال أحكيها في الميكرفون يعني تسجلها برامج، قلت إليه نريد بعض الأخوة المتخصصين في ثقافة المنطقة، قال بصوت فيه عدم رضي "شنو يعني ناس متخصصين الناس العاديين ديل أحسن من يحكوا عن ثقافتهم من المثقفاتية" لكن هنا في إعلام الولاية يوجد الأستاذ محمد عثمان كجراي يمكن أن تستفيد منه، و كانت هذه أول معرفة بهذا الرجل الشاعر القامة " كجراي"عليه رحمة الله، و استطعنا تسجيل ثمانية حلقات فقط عن "الخلال و أزياء المنطقة" و مدلولاتها الثقافية" و هذا بفضل السيد البزعي، الذي يحمل رؤية ثاقبة في كيفية توظيف المكونات الشعبية، في أن تكون بناءات درامية إعلامية ناجحة، و يخلق جمهوره الخاص، و يختزن هذا الكم الهائل من المعرفةعن مكونات الثقافية الشعبية، و هي التي هيأته أن يكون أحد أعمدة ثقافة السلام في السودان، و يصبح مديرا لإذاعة السلام، يعتمد البزعي علي عاملين أساسيين في عملية الإبداع، العامل الأول كما ذكرت المخزون المعرفي الواسع بالثقافات الشعبية، و العامل الثاني استخدام الدراما في توصيل رسالته، أما في البرامج الحوارية، لا يميل للغة الجامدة أنما هي خليط بالعامية و لكنه يحملها مضامين واسعة من المعرفة المليئة بالإشارات الثقافية الشعبية، كما يعتقد البزعي إن لديه رسالة من خلال عمله مرتبطة ذات بعدين الأول، بعد وطني يؤسس لمنهج ثقافي جديد لتعايش تلك الثقافة مع بعضها البعض في تفاعل و تداخل " Cultural Interactions" يحدث نوع من أنتاج ثقافة جديدة تؤسس لثقافة وطنية.
و في مجال الإخراج يعتبر الأستاذ عماد الدين من الإذاعيين الذين يؤدون مهام بعيدا عن الضوضاء، و الرجل شاعر يمتلك ناصية اللغة و البيان، و عماد الدين من خلال متابعتي له في الإذاعة لا يعمل مثل الموظفين الآخرين، أن يأتي في السابعة صباحا و يعود بعد نهاية الدوام، و كان دائما يأتي بعد ما تفرغ الإذاعة من الموظفين و يبقي القليل، و يدخل مكتب الإخراج، و لا تشعر أن في ذلك المكتب شخص يعمل، كان يحب الهدوء الذي يصل مرحلة السكون المطلق، و كما عرف عماد الدين نفسه في احدي المقابلات الصحافية يقول عن نفسه ( أنا في الأساس موظف بالخدمة العامة منذ عام 1978 حيث عملت موظفا و مخرج بالإذاعة السودانية ثم تدرجت في عدد من الوظائف في معهد الموسيقي و المسرح ثم هيئة الإذاعة و تلفزيون الخرطوم هذا إلي جانب الإخراج المسرحي) و عماد الدين إبراهيم رغم أنه عمل في وظائف إدارية و استطاع أن ينجح فيها بذات أدوات الإبداع التي يعرف كيف يوظفها لتأدية مهامه، و لكن عماد الدين الذي أرتبط بالفنون الإذاعية و المسرحية، عمل في الحقلين مخرجا، و إن كان الإخراج الإذاعي هو الذي حدد ملامح عماد الدين الفنان و الكاتب و المخرج المسرحي، خاصة إن الإخراج في العمل الإذاعي يكسب الشخص مهارات عالية جدا، و استخدام كل طاقاته الإبداعية في نقل الرسالة للمستمع، و إن كان في المسرح الحوار مباشر مع الجمهور، و عماد الدين كان في العمل الإذاعي يميل لاستخدام التعابير الجمالية، التي تعتمد علي الدهشة، و استخدام الخيال لأقصي حد ممكن، لكي ينقل المشاهد عبر هذه الصور الجمالية، هذا التوظيف العالي للملكات ساعده في الانتقال بيسر إلي الإخراج في المسرح دون أية عناء، و الإذاعة يحتاج فيه الشخص لملكات استثنائية باعتبار أنك تتعامل مع جمهور متخيل مختلف في تكويناته المعرفية و الثقافية، و كل هذا الشتات الذهني و النفسي أنت مطالب أن تخاطبه بلغة الإبداع، و أن يستمر معك منذ بداية البرنامج حتى نهايته، هذا المتخيل يكلف الإذاعي إن كان معدا للبرنامج أو مخرجا أو مقدما أن يوظف كل ملكاته الإبداعية في الوصول للهدف، لذلك الذين يتخرجون من مدرسة الإذاعة في أم درمان، قادرين علي التعامل مع الإبداع في أية جهاز أو مؤسسة، أو أي عمل فني، هذه الرؤية تكسبها من الجو الإذاعي، و التنافس بين الإذاعيين المستخدم فيها لغة الإبداع، هذه هو الذي جعل عماد الدين مخرجا مسرحيا ناجحا.
وكما ساعد عماد في ساحة الفنون الإعلامية إن الرجل شاعر يمتلك خيالا مترعا بتفاصيل الطبيعة, و يظهر ذلك حتى في استخدام مفرداته التعبيرية، عندما يقول: جينا نخت أيدينا الخضراء، فوقك يارض الطيبين، يا بنوت الحلة العامرة، ابشرن بينا عديلة و زين، افتحن البيبان و الطاقة، امسحن الدمعة الحراقة، نحن البنحقق أمنينا، نزح الوجع المتحدينا، نشق الوطا نبل اشواقا. هذه التصاوير الجميلة و التعابير المليئة بالأحاسيس الندية الفياضة بالبشر و المستقبل، هي نظرة عماد الدين، في نهضة المجتمع، لذلك عندما اتجه لقضايا المجتمع قبض علي أهم ركن، يعتبر حجر الزاوية في النهضة هي المرأة، المرأة في واقعها في مساراتها الاجتماعية و هي تتحدي التحديات المفروضة عليها، لذلك كانت مسرحيات " نسوان بره الشبكة، برلمان النساء، بيت بت المني بت مساعد، ضرة واحدة لا تكفي" و هذه العناوين لوحدها تبين رسالة عماد الدين إبراهيم كإذاعي و كمسرحي، عماد يتناول قضايا المجتمع و يسبر غورها، و يعتقد إن اجتراح المشاكل و الظواهر هو نصف العلاج، لذلك اعتمد علي النظرية الواقعية في الفن في تناول موضوعاته، و المشكلة الأساسية التي تواجه عماد الدين هي العمل الإداري الذي سوف يؤثر علي عماد الدين الفنان.
ننتقل إلي ساحة أخري من الإبداع، و هو مزيج بين العمل الإذاعي و التلفزيوني، الأستاذ الشفيع عبد العزيز مدير البرامج في قناة النيل الأزرق، إن كنت قد عملت مع الأخوين السابقين و عاصرتهما في العمل، و لكنني لم احظ بالتواصل مع الأستاذ الشفيع و إن كنت قد قابلته مرة واحدة مع الأستاذ السر السيد، و إن كان تناولي للرجل لمتابعتي لبرامج قناة النيل الأزرق، في تناولها لعديد من الموضوعات، و يعتبر الأستاذ الشفيع العمود الفقري في القناة باعتباره مديرا لأهم قسم إدارة البرامج، و ليس معني أن يمثل الرجل العمود الفقري، إلغاء للآخرين بل لكل مجال اختصاصه الذي يمكن محاسبته عليه، و بناء قناة النيل الأزرق لجمهورها الخاص راجع، لاختيار البرامج و خاصة البرامج الفنية، و لا أريد أن أقول إن القناة تختص بالفنون، و كما قال الشفيع في أحدي لقاءاته الصحفية هي قناة متنوعة و ليست قناة منوعات، و الفرق في المعني كبير، و استطاعت القناة أن تحدد تفاصيل ملامحها و تخلق شخصيتها الاعتبارية، ليس بوضع يافطة علي المدخل، أنما من خلال إيقاعات برامجها الخفيفة الظل، و التي وجدت قبولا عند قطاع كبير من السودانيين داخل السودان و خارجه.
و هذا النجاح يعود للقدرات الإبداعية للمشرف علي البرامج، والحس الإعلامي في كيفية توصيل رسالته، و الشفيع كسب هذه الخبرة بمرجعيته الإذاعية، و مشوار الإذاعة الإبداعي، الذي يمثل قاعدة متينة استند عليها في مشواره التلفزيوني، و معروف في العمل الإذاعي، إن الإذاعة تنمي الخيال عند المبدعين، باعتبار علي المبدع توصيل رسالته إلي الجمهور المركب من نوعيات مختلفة من الناس، في ثقافاتهم و تعليمهم و مرجعياتهم، و كل هؤلاء يجب أن تصل إليهم الرسالة، و أن يتقبلوها جميعا و يتفاعلوا معها، هذه القدرات و الخيال تكسبها التجربة الإذاعية، و تجربة الشفيع مع برنامج " صباح و مساء الخير يا وطني" تشير إلي أن الرجل يمتلك قدرات متنوعة، باعتبار إن البرنامج يقوم علي الفكرة و الإيقاعات السريعة و الخفيفة، و في ذات الوقت أن تكون الرسالة مكتملة البنيان من حيث المحتوي و الشكل، و هذه تحتاج "لمود" إيجابي لا يتأثر بالمؤثرات الجانبية السالبة، و الشفيع نفسه يقول في لقاء صحفي، اعتمدت في برامج المنوعات علي البعد الإيقاعي المتسارع الغير كلاسيكي في العمل الإذاعي، و جئت بذات التجربة في التلفزيون، و هي المدرسة الأمريكية في العمل الإعلامي، و هي التجربة التي كما ذكرت في مقالات سابقة التي جاءت بإذاعات " FM " ذات الإيقاع المتسارع، لكي تقديم خدمة إذاعية سريعة للجمهور، جاء ذلك عندما ظهر التلفزيون كمنافس قوي للإذاعة, و إذاعات " FM" هي الإذاعات المسموعة للجمهور الغربي، و خاصة في سياراتهم الخاصة، و يعرفوا من خلالها أحوال الطقس و الأحداث و القرارات الحكومية المتعلقة بقضايا التعليم و كل الخدمات، في شكل كبسولات سريعة و تغريدات صغيرة الحجم، و انتقلت هذه الإيقاعات السريعة لبعض القنوات التلفزيونية في كسب قطاع واسع من الجمهور، و هي الفكرة التي اعتمد عليها الشفيع في برامج قناة النيل الأزرق، و يأتي الإبداع عندما تستطيع أن تطوع الموجود لكي يتلاءم مع حالات الناس الاجتماعية و النفسية، و تحتفظ بالجمهور لأطول وقت ممكن، من دون أن ينتابه الإحساس بتحريك المؤشر، أذن اختيار البرامج نفسه يحتاج لقدرات إبداعية عالية مستندة علي معرفة بالواقع و التحولات التي تحدث في المجتمع و طرق التفكير فيه.
و الإبداع يبدأ منذ تقديم فكرة البرنامج و محاورة مقدم الفكرة، في تصوره لكيفية تقديمها و معرفة احتياجاتها، و يقود الفكرة حتى تتلاءم مع إيقاعات القناة و سياستها التحريرية في البرمجة، و الملاحظ، حتى في البرامج السياسية، أو الفكرية تقوم علي ذات الإيقاع السريع، و لا تأخذ فترات زمنية طويلة تشعر المشاهد بالملل أنما هي جرعات قليلة، و لكنها تفتح أفاق في الحوار، مثل ذلك " حتى تكتمل الصورة" التي يقدمه الأستاذ الطاهر حسن التوم و كل البرامج التي يقدمها الأستاذ الطاهر، رغم أنها برامج تتناول العديد من الإشكاليات الفكرية و السياسية، و لكنها تعتمد أيضا علي الجرعات البسيطة، و لكنها تحمل ثقل من المضامين، و التي هي مسار جدل في المجتمع، كل هذا التنوع لابد من ضابط إيقاع يوازن بين احتياجات الجمهور و بين رسالة القناة، بين البرامج الترفيهية، و برامج المنوعات، و بين البرامج الأخرى التي يهتم بها جمهور الخاصة أو بمعني الصفوة. هنا تتجلي العبقرية الإبداعية إن تكون الخارطة البرامجية متوازنة تحدد شخصية القناة.
و العملية الإبداعية كما يقول الدكتور جابر عصفور ( إن عملية الإبداع لا تبدأ إلا بوجود انفعال يتخلق داخل الفنان إزاء واقع العالم الخارجي عليه، و أنه دون هذا الانفعال لا يمكن أن يوجد فن علي الإطلاق هذه بديهة لا يكاد يختلف فيها أحد)و يقول كولردج وبرجسون ( يرد الإبداع إلي ذات الفنان المتفرد و عالمه الداخلي و الانفعال العميق و جعله أساس التفكير العميق و المحرك للخيال في فعله الخلاق) و الإبداع كما جاء في مقدمة المبحث لا يقوم من فراغ أنما هو تطوير لاحتياجات قائمة في المجتمع بمنظور جديد و مقبول و يرضي الذوق العام، و أيضا هو تقديم حلول للمشكلات التي تواجه المجتمع و المؤسسة، و قيادتها بالصورة التي تحقق الرضي العام، و هي نماذج إبداعية في مسارات الحياة و الإعلام، نسأل الله لهم التوفيق.
نشر المقال في جريدة الخرطوم و هي سلسلة مقالات الإبداع في الإعلام و مشروع النهضة السوداني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.