الزهرة الجديدة،زرتها مرات ومرات،مرة سائح يجوس يبحث ما يسترعي نظره، مرات ديبلوماسي يحرس مصالح بلده ومرات موظف في الاتحاد الافريقي يتخير الكلمات و الحروف ما يلائم منها وما ينبو لتخرج قرارات الرؤساء متسقة بغير نشاز.في كل زيارة تبدي لك اديس ابابا(و معناها الزهرة الجديدة) وجهاً تتملاه فتعجب من قدرتها على مواءمة حالك وهي هي.في صباي رأيتها طفلة ضائعة وسط الزحام، ربما كان الجو المكفهر بسبب السياسة والهواجس المتبادلة و الظنون،يكون الحذر.متعتي كانت في الزيارات الآخيرة،بضع أشهر وبضع ايام.البسمة بصمة لكل الناس يرحبون بالغريب فلا يحس غربة لذلك فان كثيرا من الناس قد ترك الأهل و الوطن و استقر مقيما ين ظهراني أهلها،المودة طبع في الناس ،في مرة جلست وحيدا احاول تناول وجبة و الشوق و الشجون تعصف بي،فتوقفت عن الأكل برهة،جاءت حسناء من العاملات في المطعم وحاولت الجلوس في حجري،استحال عليها ذلك فجلست بجواري وقالت:الناس تأتي للزهرة الجديدة لتنسى الهموم والأحزان فلماذا الحزن و الهم؟؟افرح و ابتسم ترى الدنيا حولك باسمة و ما درت أي الشجون أكابد. الزهرة الجديدة ليلها يضج بالموسيقى و الرقص الذي يجتذب الأنظار و بحكم الجوار و قرابة الدم فللغناء السوداني مكان وأي مكان،ما أن يرون سودانيا بين الحضور حتى يدوزنون أوتارهم وطبولهم وتصدح الحناجر التي تحاكي مزامير داوود غناءا و تهتز صدروهن وأعطافهن طربا بغناء اهل السودان من لدن أحمد المصطفى وعثمان حسين الى ندى القلعة مرورا بسيد خليفة ومحمد وردي،واذا اردت أن تملك جنان اثيوبي فامدح تلهون قسسا او ترنم بلحن لفنان المرحلة،تيدي آفرو. أهل اثيوبيا وبحكم موقعهم النائي القصي حافظوا على تفردهم،متفردون في كل شئ و كأن ليس بينهم وبقية شعوب الدنيا آصرة،فأبجديتهم لا يعرف التعامل بها سواهم وبحكم قراباتهم بالأسرة السامية فلغتهم قريبة من اللغة العربية ولكن حروفها اقرب للعبرية،يؤرخون بالسنة اللأثيوية و تبدأ في شهر سبتمبر من كل عام، وسنتهم ثلاثة عشر شهرا،كل شهر ثلاثين يوما،ثم خمسة ايام يسمونها النسئ، وهي ذات السنة القبطية و التي تخلى أهلها عنها في وادي النيل وبقيت حية في حياة الشعب الأثيوبي،لذلك لا تعجب حين تقرأ عن أثيوبيا التي يدللونها بقولهم:ثلاثة عشر شهرا من الشمس المشرقة،وصدقوا.توقيت يومهم يبدأ مع شروق الشمس،فالسابعة صباحا تعني عندهم الواحدة و تغيب الشمس حوالي الثانية عشرة منتصف اليوم،القوم شديدوا الأيمان عميقوا التدين فهم متمسكون بالمسيحية الارثوذكسية في نسختها غير المنقحة،وتنتشر الكنائس في قراهم ونجوعهم وعند مرورهم حذاء الكنيسة يرسمون الصليب فوق وصدورهم ويرتلون من انجيلهم سطورا بينات،فلا غرو أن كانت أولى هجرات المسلمين لأرض الحبشة،ولإسم الحبشة آصرة بنا،فدولتنا القديمة كوش والحبشة الاسم القديم و اثيوبيا الاسم الحالي معنى واحد،ذوي الوجوه السمراء،والسودان كذلك،وقد حفظوا لنا ودا مقيما يتجلى في احتفائهم بالسودانيين،فلكل سلعة ثلاثة اسعار،فلأهل البلاد سعر وللغريب سعر سواه وللسوداني متى تعرفوا عليه سعر ينبي عن مودة اصيلة و حنين للقرابة واواصر الدم و الرحم القديمة. ذاكرة المدينة تحدثك عن الامبراطور العظيم هيلا سيلاسي(وتعني قوة الثالوث) وأنه هو الذي قرر نقل العاصمة من قندار الى هذا الموقع الفريد وفي ذاكرته غزو المهدويين لبلاده ومقتل مليك الحبش يوهانس تحت سنابك خيل الأنصار،تجيل بصرك في انحاء المدينة فيعظم في عينيك هذا الإختيار العبقري. في اديس ابابا،الطقس معتدل اقرب للبرودة نهارا، وبارد بارد في الليل،مما يجعل نهاراتها قبلة للسياح القادمين من بلاد الصقيع و الجليد،اما نحن حيث تبلغ دراجات الحرارة نصف درجة الغليان او تزيد فإن الزهرة الجديدة باب على الفردوس،لذلك يؤمها العرسان لحفر ذكرياتها ضمن ايام شهر العسل. صديقي هايلي،دعاني لمائدة عامرة،ابديت اعجابي بالطعام و تنوعه، قال ضاحكا :في اي مكان في الدنيا اذا التقى ثلاثة من الاحباش،سيعلن أحدهم نفسه قسيسا، ويفتح الثاني مطعما،ويذهب الثالث يبحث عن السودانيين وللطعام عند القوم تنوع و طعم ونكهة،وكغيره من مفردات الحياة لا يشبه طعام اي بلد اخر،يعقب الطعام القهوة،البن الحبشي ذاع صيته منذ ايام الامبراطورية العثمانية وللقهوة طقوس واي طقوس،تتولي ربة الدار صناعتها باتقان و حب كبيرين،يتناولونها بفناجين الصيني ذات الرسوم البديعة ويولون الضيف أولوية لحضور قلي البن علي الجمر واستنشاق الدخان المتصاعد وهو أول الكيف،ربما ناولوك قطعة من الخبز يصنعونه في البيوت مشبعا بالسمن و السكر. الفقر يجعل الحياة عابسة متجهمة ولكن القوم يخترعون من الأعياد ما يهزم قسوة الحياة، فلهم من الأعياد ما يزيد على اي قوم سواهم اذ يجتفلون بما يقرب من خمسين مناسبة في العام الواحد،وللقوم احتفاء واي احتفاء بعلم بلادهم،يوقرونه حد التقديس،في سالف الايام كانت الحياة تتجمد عند مطع الشمس وعند الغروب،اذ يقترن ذلك برفع العلم صباحا وطيه مساء،ويرفع العلم في باحة الكنائس و الى جوار مقاعاد الزوجين في حفلات الزفاف، وقد تفننوا في تسويقه،إذ صنعوا من ألوانه أغطية رأس و أحزمة وأسورة يرتديها الشباب من الجنسين وقد تجاوز ذلك الحدود الى أماكن نائية في طول القارة الافريقة وعرضها. خلال تجوالك يسترعي انتباهك قوم فارعوا القوام داكني السمرة،يغطون رؤوسهم بقبعات من الصوف في ألوان العلم،تعرف أنهم الراستافيريانز،قوم جاءوا من جمايكا،يؤلهون اللأمبراطور هيلا سيلاسي، ويتبعون خطى مغني الريقي العظيم بوب مارلي،هم احفاد عبيد من افريقيا،تحرروا وبدأوا رحلة بحث عن جذورهم في افريقيا،وجدوا اثيوبيا تحمل صفة الأرض التي بها يحلمون وهيلاسيلاسي الأب الذي يضمهم لصدره الحاني،اختاروا العودة ارضا لميعادهم فعادوا اليها،سكنوا بعيدا في مدينة أنشأوها وأسموها شاشمني،يربون الاغنام و الدجاج يبيعون نتاجهما و يغزلون صوف الغنم في ألوان العلم الأثيوبي،يدخنون نوعا من المريجوانا عرف باسم مدينتهم الفاضلة،شاشمندي،تجهد سلطات الدول المجاورة في مكافحة انتقاله لبلادها و لكنه يجد طريقه و يعبر الحدود.اخذوا اسمهم من اسم الامبراطور حين كان أميراً يحمل اسم راس تفرا وراس عنهم تعني الامير و انتسبوا اليه بلإنجليزية، لغة أهل جمايكا،لهيلي سيلاسي و جمايكا قصة . ضربت موجة من الجفاف ربوع جمايكا، الدولة الكاريبية التي يقطنها أحفاد الرقيق الافريقي في الكاريبي لعدة أعوام،زار الامبراطور جمايكا بعد زياة الاممالمتحدة و القى خطابا دعا فيه لتحرير القارة السمراء،مع بداية زيارته لجمايكا هطل المطر، واستمر يهطل و يهطل و يهطل فخرج الناس من بيوتهم مرحبين بالضيف الذي رفعوه فوق مرتبة الاب،اب الشعوب الافريقية في الشتات. ماركاتو،اكبر سوق شعبي في افريقيا،فيه ما لايخطر على بالك من البضائع التي تجد طريقها للبلاد عبر تجارة الشنطة التي يبرعون فيها وهومزار مهم لكل من يرتاد الزهرة الجديدة،ويبرعون كذلك في المساومة وفي عرض ما لديهم من سلع ويلحون ويلححن عليك ان تشتري شيئا يكون تذكاراً للزهرة الجديدة،وهل تحاج الزهرة لتذكار؟؟؟ من كتاب اسفار استوائية [email protected]