قديما قال الأديب الأريب والمحامي الشهير ورئيس الوزراء الاشهر وزعيم حزب الأمة المعروف، محمد أحمد محجوب :كل شيء في السودان في غير مكانه ... فالمال عند شحيحه والسيف عند جبانه. وقيل إن من دلائل الساعة اسناد الأمر الى غير أهله. هذه المقدمة ضرورية حتى لا يظن ظان أنني انوي انتقاد الحكومة وتحميلها مسؤولية تردي الخدمة المدنية ، فها هو المحجوب يشهد ببراءة الانقاذ من مسؤولية المحسوبية المستشرية في دواليب الدولة حتى أصبح الشعار المرفوع هو الأولوية لأهل الولاء يليهم أهل الدهاء. لكني عزيزي القارئ ، تراني ممن يخافون الله ولا يرمون الناس بالباطل ولا يتهمون الحكومات ولا يغتابونها، بل أني مثل الشاعر الجاهلي الحارث بن حلزة، لا يروق لي مخاطبة السلاطين والحكام الا من وراء حجاب. لكن ما تراني قائل في أمر مثل هذه القصة المثيرة، وهي لطيار شهير من المقيمين خارج السودان، هاتفه أهله وهم من المزراعين والرعاة الكبار، ومربي الجمال ببادية البطانة، يستشيرونه في أمر تشييد طريق دولي يبحثون من يعينهم عليه من الشركات الاستشارية الكبرى المعروفة بالاتقان والمهارة والنزاهة والاخلاص والسمعة الطيبة، سالهم الطيار عن شانهم وتشييد الطرق القارية وهم من الرعاة الحفاة ، قالوا له والله قدمنا في مناقصة لتشييد الطريق والعطاء وقع لينا بارد!! قريبا من هذا ، واتحاد الصحفيين يعد العدة لانتخابات الدورة الجديدة، كتبت الزميلة لينا يعقوب مقالا تطرقت فيه الى شروط الانتماء الى مهنة الصحافة.. وجاء فيه ان زميلا صحفيا مهندسا، سئل إن كان يتمنى لو درس الصحافة ، فقال لا ، وحجته في ذلك ان المهندس يستطيع ان يصبح صحفيا ، لكن الصحفي لا يستطيع ان يصبح مهندسا.لكن قناعتي الراسخة ان المهندس والطبيب واالمعماري والسباك ، كلهم لا يستطيعون العمل بمهنة الصحافة، ودليلي على ذلك أن الطبيب والمعلم و المهندس لو أصبح إعلاميا ، سجن واغلقت صحيفته وربما ضرب وحوكم وسحل ، لان الصحافة ليست مجرد الكتابة فقط ، وما أسهلها ان كانت ، فالكتابة ملقاة على قارعة الطريق لكل من يريد ، لكن التخطيط الاعلامي ورصد الوقائع وتفسيرها والتنبؤ بردود الفعل وتوجهات ذوي النفوذ والتاثير على الراي العام ، كل ذلك يحتاج الى الدراسة مثلما تحتاج الهندسة والميكنة والزراعة الى علوم ودربة واطلاع ومعارف. الصحفي المحترف الحق يستطيع ان يقول ما يريد ويترك مساحة من الحوار مع من يختلف ، لقد أصبح القيد الصحفي مثل رخصة قيادة السيارة يحمله من يحمله ، ويسهم بموجبه في صياغة مؤسسات الدولة وخطابها الاعلامي ومواقفها السياسية والاعلامية والحصيلة صفر كبير كما يقول أهل الرياضة الحمر وهم يكيدون الى رفاقهم الزرق. خطرت لي هذه الخاطرة وأنا اتحدث عن المزارعين المتنطعين والمهندسين المتطاولين والاعلاميين المتسلقين ، كل هؤلاء ينطبق عليهم بيت المحجوب الشهير وهو بيت يشير الى الحكمة السودانية الشعبية القديمة وهي أن دجاجة الخلاء دوما تطرد دجاجة البيت وتستولي على الجمل بما حمل. وفي نهاية الامر يموت الجمل ويضيع ما حمل، وتنتحر الدجاجة نفسها. إمتلأ مسجد الحسين بمصر على سعته بالمصلين، والشيخ كشك يخطب وأحس بأن الباب مكتظ بمجموعة من الناس لم يكن بوسعهم الدخول، فقال : أدعو رجال الامن أن يفسحوا لاخوانهم المصلين، في اشارة ذكية الى ان معظم المصلين هم من رجال الامن وأتوا لمهمة اخرى غير أداء الصلاة لكنهم تسببوا في حرمان أصحاب الحق الاصيل في الحصول على موطئ قدم ببيت من بيوت الله. الدكتور محمود قلندر أستاذ الاعلام المعروف بجامعة قطر وبالجامعات السودانية من قبل ، وقائد التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة في زمن مضى، اقتطع من أيام عمله وقتا عزيزا للسفر الى السودان واستخراج جواز سفر جديد ، وتخّير الوقت الذي يمكنه من أداء هذه المهمة الجليلة والعودة الى مقر عمله والاستمتاع بما تبقى من وقت، وكانت الفاجعة هي عدم قدرته على استخراج الجواز لأن الشبكة طاشة والسيستم واقع وبالتالي فان كل برنامجه الذي كان يخطط له منذ أشهر راح ادراج الرياح. سألني الرجل وهو يملك من الخبرات حول تقنيات الأنظمة الجديدة ما يمكنه من معرفة اسباب الاعطال الفنية المحتملة والتي تؤدي الى ايقاف عملها وأحلته على الفور الى خبير المعلوماتية واستاذ الملتميديا لتفسير مفهوم الشبكة الطاشة والسيستم الواقع ، فراى انها شبيهة بأعذار الطلاب الفاشلين الذين يبدأون يومهم الدراسي بحمل دفتر المرضى لمراجعة العيادة المدرسية ، أو مثل الموظف المتسيب الذي ما ان أنهى ساعة الفطور حتى يستعد لصلاة الظهر ويؤديها بكل نوافلها مع ارودته الخاصة التي تمتد الى ما بعد الساعة الثانية حيث لا يتبقى الا قليل من الوقت كي يستعد الى صلاة العصر ولا يفعل ذات الشيء مع صلاة المغرب اذ يؤديها قضاء مع صلاة العشاء سيما وهي خارج ساعات العمل الرسمي . وما دامت الشبكة طاشة والسيستم واقع فلكل موظفي الدولة العذر في الاستفادة من وقتهم ، لان الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك ... ولان الاسلام يحثنا على تعمير الارض وعدم الجلوس دون عمل، الا اذا كان هناك عذر شرعي ، وأي عذر أوقع من شبكة طاشة وسيستم واقع!!. [email protected] ////