يقول قانون الطبيعة ( الفيزياء) أن الاقطاب المغنطيسية المتشابهة تتنافر و المختلفة تتجاذب. و هو الى حد ما يمكن ان ينطبق فى قوانين التنوع الثقافى فى العلوم الاجتماعية رغم عدم ثبات هذه التجربة معمليا كما هو موجود فى العلوم الطبيعية، و لكن تجارب العالم أثبتت ان التنوع الثقافى هو مدخل حقيقى للاستفادة من عقول فى بيئات جغرافية و ذات خلفيات ثقافية مختلفة عبر قوانين تحترم هذا التنوع، و لعل نموذج امريكا و عظمتها ناتج من استفادتها من ذاك التنوع، فامريكا يكاد يكون بها كل اجناس العالم و ما زالوا يفتحون ابوبابهم عبر الهجرة و القرعة و اللجوء و الدراسة ...الخ لكل شعوب العالم لان هذا التنوع قد انتج علماء طوروا بعلمهم امريكا و جعلوها دولة عظمى، و كل هذا التنوع محكوم باحترام القوانين الانسانية التى تتيح مجالا و فرصا متساوية و عادلة للجميع فى كافة المجالات و الدليل على ذلك و صول باراك اوباما ذو الاصول الافريقية الى رئاسة الولاياتالمتحدةالامريكية عبر اصوات الاغلبية البيضاء. و اوباما يبلغ من العمر سبعة و اربعون عاما، بمعنى ان اقامته بامريكا لم تتجاوز سنين عمره فقط، و كان من الممكن ان يكون كينيا لولا ظروف والده الدراسية بامريكا و الذى تركه مع امه بعد ان عاد الى كينيا، فالنتخيل ان اوباما قد ولد فى كينيا و هو فى صغره توفى والده كما حدث فى حادث حركة فكان يمكن ان يكون مستقبله مظلما فى ظل الاوضاع الافريقية التى لا ترحم خاصة الايتام، و بكل بساطة كان يمكن ان يكون واحدا من الجكرو و هو المصطلح الكينى الذى يقابل مصطلح الشماسة فى الشارع السودانى. كما ان التجربة الاكثر ريادة فى قضايا التنوع الثقافى و التنمية و الاستقرار و الرفاهية هى التجربة السوسيرية التى يتحدث فيها الناس لغات متنوعة و فقا لخلفياتهم الثقافية و اشهرها الفرنسية و الانجليزية و الالمانية وكل اقليم يتحدث ساكنوه بلغتهم الاصلية و لغة اخرى تدرس فى المدارس و يتقنها الجميع. لذلك يمكن القول ان التنوع هو أصل الاشياء فاطوال الناس و احجامهم و اعمارهم و خلفياتهم الثقافية و الدينية و الاقتصادية و السياسية متنوعة، و حتى البيئات و المنتوجات و غيرها فى تنوعها تحافظ على حياة الانسان و انعاش حركة الاسواق عالميا و اقليميا و محليا. و السؤال الذى يطرح نفسه اين نحن فى السودان من قضايا التنوع الثقافى و غيره قصدنا من هذه المقدمة التأكيد بان السودان دولة عظيمة فى تنوعه ولكنه غير مستفيد منه بفعل السياسات الخاطئة التى تقوقعت تحت مجموعات اقصائية لا تنظر الى قوة و مستقبل السودان فى ظل هذا التنوع الثر فى كل نواحييه. و هذا التجاهل المقصود من ساسة السودان هو ما جعل الكثيرين يفتخرون بانتماءتهم الاسرية او القبلية الضيقة اكثر من انتمائهم للوطن الاكبر و بالتالى حدث تعالى ثقافى ارتبط بمفاهيم ثقافية و دينية مغلوطة و ولد مفاهيم كالعبيد و الاسياد و الخدم مما ذاد الغبن الاجتماعى و باعد بين التلاقى المعتمد على التنوع و انعكس ذلك فى شكل حروبات كلما طال امدها كلما باعدت الثقة فى التلاقى و ادت حتما الى تفتيت الوطن الى دويلات و ولدت نوعا من التباعد الذى لا يمكن ترميمه و رغم ان هذه معضلة تاريخية فى الساحات السودانية المختلفة الا انه بمجئ الانقاذ و مؤتمرها الوطنى فقد ذاد الطين بله بانتهاجه ممارسات كرست تلك المفاهيم الخاطئة بصورة أكثر تطرفا مما ولد انعداما للثقة بين مكونات الوطن الواحد قد يفضى الى تفتيت السودان الى عدة دويلات حاليا و لاحقا اذا لم يتم تدارك هذا الامر بعقلانية بعيدا عن العواطف و الهتافات الجوفاء و حتى يتم تحليل المشهد بصورة اكثر و اقعية فيمكن الاشارة العابرة فى كيفية تحويل المؤتمر الوطنى للوحدة من جاذبة الى نافرة و مسئوليته التاريخية فى تفكيك السودان فاننا سوف نشير الى فترة ما قبل التوقيع على الاتفاقيات و ما بعدها: أولا ماقبل التوقيع على الاتفاقيات سياسيا: 1- أنقض المؤتمر الوطنى على نظام ديمقراطى رغم هشاشته الا انه كان بامكانه ان ينضج و يقوى عبر دورتين او اكثر و يزداد الوعى الجماهيرى و من ثم يختارون من هو افضل و اصلح، مما يجعل كل حزب سياسى يطور برامجه و يدعم الخدمات و التنمية و القضايا الخاصة بمعيشة المواطنين. و بالتالى يتحمل المؤتمر الوطنى وأد التجربة الديمقراطية رغم الاخطاء التى شابتها كما ذكرنا سابقا. و قد تم خداع الشعب السودانى بالاسم ( الانقاذ) و مكونات مجلس القيادة و التى سرعان ما تكشف للشعب السودانى انها الجبهة الاسلامية و ان هنالك بعض الجراتق و الكمبارس من الجنوب و الغرب و الذين تم ابعادهم لاحقا كل حسب السناريو الذى يتناسب معه 2- جاءت الانقاذ (المؤتمر الوطنى) بشعارات عدائية ضد سياسيين السودان و خاصة الحركة الشعبية، و استطاع المؤتمر الوطنى ان يؤلب الشعب ضد نفسه و يخلق نوع من العداوات و الاغبان التاريخية مستغلا كل امكنيات الدولة وو سائل الاعلام المختلفة، و اضعا انه سيحسم امر التمرد عسكريا فى خلال عام. فلا يمكن ان يتخذ الدين مطية لخلق غبن و انتقام من شعبك فى جنوب السودان و جبال النوبة و النيل الازرق و شرق السودان و أخيرا دارفور، عبر حشد و خم جيل من الشباب عبر الجهاد و الدفاع الشعبى بدلا من تلقين هؤلاء الشباب دروسا فى السلام و التعايش السلمى تحترم التنوع، فيصل الحد باسم الدين ان ترق منهم دماء او ترق منا الدماء او ترق كل الدماء، بمعنى على و على اعدائى اى إن لم تصلح فضر. و بالتالى التنكيل و التعذيب الذى و جده السياسيين و الابرياء فى مناطق الحروبات هو احد جرائم المؤتمر الوطنى التى لا تغتفر و ولدت غبنا تاريخيا و كل من يجد فرصة لتكوين دولته فى استمرار نفس العقلية الشمولية و الدموية فلن يفرط فيها و يتحمل ذلك قادة المؤتمر الوطنى الذين لم يقرأون الواقع السودانى بصورة جيدة 3- الاعتقالات و الاغتيالات التى تمت فى رمضان لعدد من الضباط دون تقديمهم لمحاكمات عادلة و كلهم من الشمال خلقت نوع من التباعد حتى على مستوى الشمال نفسه، مما قوى انعدام الثقة فى الاطراف و خاصة مناطق الحروبات، لذلك كتب العديد من الكتاب الشماليين كتبا و مقالات قالوا فيها من أين اتوا هؤلاء 4- الاعدامات التى تمت باسم تجارة العملة لبعض الابرياء و كذلك اعدام من خالفوا المؤتمر الوطنى الرأى كالعقيد عبد الرحيم محمد صالح البقارى الذى اقتيل قبل ايام من تقديمه للمحاكمة لانه قال انه برئ و سيفضح قيادات كبيرة تلاعبت بوقود الجيش بجبيت و غيره من الذين فقدوا من زويهم او الذين تم اعتقالهم و لم يعودوا حتى الان هى مرارات لا تنسى حتى لو مر عليها قرن من الزمان 5- الصالح العام و الذى هو اصلا ضررا عاما استهدف خيرة الكوادر و الخبرات فى كل مرافق اجهزة الدولة و لا سيما اساتذة الجامعات ليتم استبدال تلك الخبرات بصبية لا يملكون غير الولاء الحزبى الاعمى المصحوب ببعض الانتماءات الاثنية فى كثير من المواقع و خاصة البترولية، مما تسبب فى ترهل اجهزة الدولة و ظهور الفساد غير المحاسب، و ما تقرير المراجع العام السنوى لدليل على ان اكثر من ربع ميزانية الدولة يذهب للجيوب و ما خفى أعظم. بجانب ذلك فان الذين احيلوا الى الصالح تشردت اسرهم و افقرت و منهم من هاجر السودان لتستفيد دول اخرى من خبرته و منهم من ترك مجاله و غاص فى مجالات اخرى طلبا للعيش و فقا لظروف الدولة المهاجر اليها، مما ادى الى تشرب الابناء بثقافات دول اخرى و ابتعادهم عن ثقافتهم السودانية. 6- فى تخبط السياسات الخارجية فحدث و لا حرج ففرعون مصر و فهد الاعور و المروض و غيرها من السب و الشتائم و استجلاب عناصر متطرفة و محسوبة ارهابيا عالميا و تجنيسها و استخدام بعضهم فى الجهاد داخل السودان بل و محاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك باثيوبيا و عداء معظم الجيران مما أدى الى تدخلات دول فى اراضى السودان، كما افقدت السودان اى ثقة و مصداقية عالميا بل عزل دبلوماسيا و سياسيا و اقتصاديا و درج من ضمن الدول الراعية للارهاب الى يومنا هذا 7- القمع و مصادرة كل الحريات و ممتلكات و حقوق الاخرين الذين يخالفون المؤتمر الوطنى الرأى 7 نوفمبر 2009م.