علي يس الكنزي [email protected] وقفة مع كتاب الكنوز الجذور – والتاريخ والثقافة 1-2 وعدتك قارئ العزيز بأني سأصطحبك في استعراض موجز لكتاب داهمني في عقر داري مواسياً لوحشتي وغربتي، فأثار فيَ تلكم الأشجان والأحزان التي بثثتها إليك في مقالات أربع، ما كان لها أن تر النور لو لا وصول تلكم الرسالة وبأحشائها كتاب بعنوان (الكنوز، الجذور– والتاريخ والثقافة) لكاتبه الدكتور عبدالعظيم مرغني. لا يمكن للمرء أن يخوض في تفاصيل الكتاب دون أن يقف على محنة الكتاب في السودان. هذه أحزان وأشجان أُخَرْ متشابهات، تحتاج لوقفة منفردة. فأزمة الكتاب في السودان هي كارثة وفاجعة أخرى لا تقل عن فواجعنا التي أوردتُ ذِكْرُها. فمن يكتب؟ ومن ينشر؟ ومن يستورد ؟ ومن يقرأ الكتاب في بلدي؟ إلا من رحم ربي، ووهبه عقلاً ثاقباً وزهناً وقّّاداً وإرادة وعزيمة لا تلين. فمثل هؤلاء على يقين بأن بناء الوطن ببناء الإنسان، وبناء الإنسان لا يتم بدون علم. فالعالم اليوم يفسح مقاعده الامامية للأمم المتعلمة. والغرب لم يفرض إرادته وسيادته علينا إلا من خلال العلم. ففي الغرب يبجل العلم، ويكرم العلماء، ويعطي للكتاب قيمة ومدلولاً ومعناً ورمزاً. فالغرب يحث ويحفز إنسانه منذ الطفولة الباكرة على القراءة والتحصيل، والبحث والإطلاع. أما في الجهة المقابلة حيث نجلس نحن القرفصاء نتأمل فراق جهلنا العريض الممتد إلى ما لا نهاية، يعد الكتاب في بلادنا سلعة ترف ورفاهية لا يغشاها إلا ذوو حظ في.الزمن وبسطة في الرزق. لنأخذ الطفل السوداني مثالاً، فهذا الطفل يمكن وصفه بأنه طفل يتيم المعرفة إن جاز التعبير. فهو محرومٌ من الكتاب المدرسي دع عنك كتاب البحث العلمي و الثقافة. كما لا أريد أن اصدم قارئ العزيز وأجعله مثالاً أخر " وفي أنفسكم إفلا تبصرون". فقارئ الصحف في السودان في زماننا هذا يُعد من صفوة القراء. ومن الصفوة هذه يكون من المتعذر أن تجد من بين ألف قارئ للصحف عشرة أنهوا قراءة أو هموا بقراءة كتاب. أما إذا أردنا أن نعرف كم من هؤلاء العشرة اشترى كتاباً؟ فلن يصل الناتج لاثنين، وإن أكثرت فقل ثلاث. إن كان هذا هو حال الكتاب في السودان، يبقى أن ينجح الأخ الدكتور عبدالعظيم مرغني في اصدار كتابٍ من هناك، فتلك في حد ذاتها أعجاز وانجاز، دع عنك ما يحتويه الكتاب من معلومة تحصل عليها ثم أعاد صياغتها بشكل توثيقي بعد بحث شاق أمتد لثلاث سنوات، مع تكلفة عالية في المال. أقلة همُ امثال الدكتور عبدالعظيم الذين يجهدون أنفسهم بالبحث والتدقيق وتوثيق الحقائق والتاريخ والثقافة. فهؤلاء صفوة تلك الفئة التي قلنا عنها أنها تؤمن بأن الوطن لن يأخذ مقعده بين الأمم إلا من خلال العلم والمعرفةن وبناء إنسانه بالعلم أولاً وبالعلم ثانياً وبالعلم ثالثا وسادساً وعاشراً حتى أخيراً. الدكتور عبدالعظيم، غنيٌُ عن التعريف لقارئ الصحف وصحيفة السوداني، فمقالاته تزين صفحات الكثير منها منذ فترة ليست بالقصيرة. وقد وصفها الشاعر والكاتب والأديب المعروف الأستاذ سعدالدين إبراهيم، أن مقالاته تُعدُ إضافة حقيقة له ولكل قارئ مهما دنى أو علا شأوه الثقافي. لأنه لا يكتبها إلا بعد توثيق وبحث وتأمل واجتهاد .هذا ما يميز كتاباته عن غيرها. يكفي دكتور عبدالعظيم فخراً أن البروفسور يوسف فضل وجد في كتابه ما يقنعه ويحفزه على تقديمه للقارئ. ذلك أعجاب أتى من هرم من أهرامات بلادي، ورمز من رموز ثقافتنا المتعذر تكرار أمثالهم. فعطاء بروفسور يوسف فضل لا يقل من عطاء الدكتور عبدالله الطيب، ومحمد إبراهيم أبو سليم، والطيب صالح، والطيب محمد طيب، والشيخ حسن الفاتح قريب الله، وبابكر بدري وآخرون. كل قد تفرد في مجاله فأبدع. فإذا أتي التقريظ من رجل كهذا لا يجد المتلقي من مفر إلا أن يحني رأسه تجاه الأرض ليستر دموع الفرح. لهذا ليس من بعد مدح مالك (أي مدح البروفسور يوسف) مدح.يأتٍٍٍِِ من هذه القامة يضيق الخيار أمام أي مادح آخر، مما يحملني حملاً إلى مخالفة (مالك) ليس عملاً بالمقولة: " خالف تُذْكَرْ" ولكن عملاً بدعوة مالك نفسه (البروفسور يوسف) في أن: " يجد الكتاب ما يستحق الوقوف عنده بالنقد والتحليل ليحقق الأهداف التي وضع من أجلها وهي التعريف بالكنوز ولفت الإنتباه اليهم ولتاريخهم الثقافي والأجتماعي". سؤال مشروع حول وثيقة وردت بالكتاب: لعل دعوة البروفسور يوسف أجبرتني ان أقفز مباشرة لسؤال ملح كان من المناسب طرحه في المقال الثاني، ولكن لا يتسع المكان هناك. وبما أنه سؤال يبحث عن أجابة لذا يمكن طرحه في أي مرحلة من المقال وسؤالي: ليكون البحث صادقاً وأميناً علينا أن نفاضل بين اثنين لا يمكن الجمع بينهما، أما أن يكون الكنوز منحدرون من قبيلة ربيعة العربية كما أوضح الكاتب في بحثه. أو علينا أن ننفي أن الأمام محمد أحمد المهدي الثائر والمجدد السوداني ليس بكنزي، وهذا ما لا نرضى به نحن معشر الكنوز! وهل يحق للكنوز أن يتنازلوا عن صحابي بالهوى وليس بالرفقة لرسول لله صلى الله عليه وآله وسلم. من أراد أن يتبين صدق قولي أن المهدي صاحبي بالهوى، فليقرأ جزءً مما قاله عنه أستاذه محمد شريف نورالدائم في قصيدة يريد هجاءه بها: وإليك بعض مما قال: أقام لدينا خادماً كل خدمة تعز على أهل التواضع في السير كعوس وغرس واحتطاب وغيره ويعطي عطاء من لا يخاف من الفقر كم صام كم صلى كم قام كم تلا من الله ما زالت مدامعه تجري وكم بوضوء الليل كبر للضحى وكم ختم القرآن في سنة الوتر أما من أراد أن يبحر مع الصحابي المهدي فليقرأ راتبه ففيه من الخشوع والخنوع والترجي والأمل بما عند الله ما يشفي الصدور ويذهب الحزن، ويعبر بالمرء لأكوان لا تصعد إليها إلا النفس المطمئنة. قال عن الراتب الدكتور عبدالله الطيب: "ينعكس فيه تأثر المهدي بالقرآن والعبادات وأدب السالكين الذي أظله منذ نعومة أظافره". أما الدكتور أبوسليم عليهم رحمة الله جميعاً فوصفه قائلاً: "الراتب قوة تحرك الكوامن في النفس وتشوقها إلى التدبر والتفكر في ملكوت الله وقدرته والإدراك بوحدانيته". أما الإمام أحمد المهدي فأوجز قولاً: " حرص الإمام المهدي في راتبه حرصاً شديداً على منهج التجرد والتوحيد".أما الإمام الصادق المهدي فقد بين: "أن الراتب ثمرة ملهمة لتراث الإسلام الروحي دَوَّنَها صاحبها مستغيثاً متضرعاً لله عز وجل فلا يحس قارئ الراتب إلا بالله رباً وبمحمد نبياً ورسولاً". وللقارئ اهدي جرعة مختصرة من ذلك الفيض الذي لمستُ أثره في حياتي: "اللّهم كما لطفتَ في عظمتِكَ دون اللطفاء، وعلوتَ بعظمتِكَ على العظماء، وعلمتَ ما تحت أرْضِكَ كَعِلمِكَ بما فوقَ عَرْشِكَ، وكانت وساوس الصدور كالعلانية عندك، وعلانيةُ القولِ كالسرِ في علمِكَ، يما من أنقادَ كل شيء لعظمتكَ، وخضع كل ذي سلطانٍ لسلطانكَ، وصار أمر الدنيا والآخرة كله بيدك، اجْعَلْ لي من كل هم أمسيتُ أو أصبحتُ فيه فرجاً ومخرجاً. اللّهم إن عفوكَ عن ذنوبي، وتجاوزكَ عن خطيئتي، وستركَ على قبيح عملي أطمعني أن أسْألُكَ ما لا أستوجبه مما قصرتُ فيه. ادعوكَ أمناً وأسألكَ مستأنساً فإنكَ المُحِسنُ إليَ وأنا المسيءُ إلى نفسي فيما بيني وبينك، تتوددُ إليَ بنعمكَ، وأتبغضُ إليكَ بالمعاصي، ولكن الثقةُ بكَ حملتني على الجرأةِ عليكَ، فعد بفضلِكَ وإحسانِكَ عليَ إنك أنت التواب الرحيم". ما أجمله وما أعظمه من دعاء تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله حين يدعو المهدي ربه قائلاً: " ولكن الثقةُ بكَ حملتني على الجرأةِ عليكَ". لا رد الله لك دعاءً يا "أبْ زينب". والله لعلى الواحد الأحد، لنتجرأُ ونتدللُ ونتذللُ. وهل لنا من إله غيره ندعوه ونرجوه؟ وتبقى معضلة السؤال التي من الصعب الجمع بين طرفيها قائمة. فكل طرف يشد الحقيقة نحوه! فكيف يكون المهدي كنزي، ثم ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وعلى قلة علمي أقول: ليس هناك ما يجمع بين ربيعة وبني هاشم من رحم ودم، فما بالك ببني عبدالمطلب؟! إذا انتهى نسب المهدي إلى الحسن بن علي إذن المهدي ليس بكنزي، أو الكنزي ليس بربيعي، وإلا فأن بني ربيعة لهم رحم يجمعهم ببني عبدالمطلب! فهل من إجابة على هذا التساؤل المشروع؟